صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







وإنك لعلى خلق عظيم

سلمان بن يحي المالكي
slman_955@hotmail.com

 
الحمد الله تقدست ذاتُه وعلت أسماؤه وصفاتُه ، أحمده سبحانه لا تحصى نعماؤُه ولا تحصر مكنوناتُه ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد مصطفاه وخليله ، وأمينه على وحيه ، خصه بخصائص علت بها منزلتُه وبَهرت مُعجزاتُه ، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .. أما بعد ..

لقد بعث الله عز وجل نبيه بالهدى والنور ، فهدى البرية وزكى البشرية ، واطمأنت إليه القلوب وانشرحت به الصدور ، بعثه رحمة للعالمين وقدوة للأخيار والصالحين ، بعثه ليتمم من الأخلاق مكارمها ، ومن المكارم أجملها ، فكان صلوات ربي وسلامه عليه إمامها وهاديها ، فأقسم له ربه جل وعلا من فوق سبع سموات أنه قد حاز أفضلها وأشرفها وأعظمها فقال جل وعلا " وإنك لعلى خلق عظيم " نعم .. كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق ، كَمُلَ أدبُهُ مع ذي العزة والجلال ، فزينه وكمله بأفضل الشمائل والخصال ، فهو مع ربه أكمل الناس أدبًا وأشدهم خشية له وخوفًا منه " إني أخشاكم لله وأتقاكم " قام في جوف الليل حتى تورمت قدماه من القيام وصام النهار فما مل ولا سَئم بل واصل الصيام .

كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق حينما كان دائم البِشْر طليق الوجه بالسرور ، يقول جرير بن عبد الله "ما لقيت النبي إلا تبسم في وجهي ".

كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق حينما كان سيد الأنبياء وإمام الرحماء ، يرحم الصغير والكبير ويعطف على الجليل والحقير ، قال أنس بن مالك " ما لمست حريرًا ولا ديباجًا ألين من كف رسول الله ولقد صحبت رسول الله عشر سنين ، ما قال لي يومًا
كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق حينما كان جوادًا كريمًا ، يُعطي الشاة والبعير وما كان في بيته صاع من شعير و "ما سُئل عليه الصلاة والسلام شيئًا فقال : لا " يقول عنه تلميذه حبر الأمة وترجمان القرآن القبس والنبراس عبد الله بن عباس وعن أبيه " كان النبي أجودُ بالخير من الريح المرسلة " .

كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق حينما كان برًا بالعباد رحيمًا ، رحيمًا في دعوته ، رحيمًا في توجيهه وحكمته رحيمًا بالأمة حتى في صلاته وإمامته ، كان يصلي في الفجر بالستين إلى المائة آية ، فدخل ذات يوم يريد أن يطول فسمع بكاء صبي فقرأ بـ " إنا أعطيناك الكوثر " فلما انفتل من صلاته قال " إني سمعت بكاء صبي فأشفقت على أمه " وكان يوصي الأئمة ويقول " إذا أمّ أحدكم بالناس فليخفف ، فإن وراءه الضعيف والسقيم والشيخ الكبير وذا الحاجة .. "

كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق وهو على منبره يُفصّلُ الشريعةَ والأحكام ويأخذ بمجامع القلوب إلى طريق السلم والرحمة والسلام ، فما كان يجرّح ولا يعنف ولا يُشهِّرُ ولا يكسر الخواطر ، لم يكن جبارًا ولا فظًا ولا سخابًا ولا لعانًا ، كان يقول عليه الصلاة والسلام " ما بال أقوام ، ما بال أقوام "

كان جوادا عظيمًا في الأخلاق ، فما كان يُعرف من بين صحابته من تواضعه بأبي وأمي صلوات ربي وسلامه عليه ، حتى كان القادم يقول : أيكم محمد ؟ أيكم محمد ..؟.
كان رحيمًا بالأحياء والأموات ، إذا جن الليل وأرخى سدوله ، خرج إلى بقيع الغرقد يقف على قبور المؤمنين والمؤمنات ، يسأل ربه بصالح الدعوات أن يُسبغ عليهم الرحمات ، ولما توفيت المرأة السوداء التي كانت تَقُمُّ المسجد قال أوما أخبرتموني ، فصلى عليها ودعا لها .
كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق ، إذا دخل بيته ملك قلوب أزواجه بالعطف والإحسان والرحمة والحنان ، فقد كان خير الأزواج وأبرهم وأفضلهم .
كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق ، ما عاب طعامًا وُضع بين يديه ، ولا سب امرأة ولا شتمها ولا ضربها ولا أهانها ، كان يُكرم ولا يهين ، يُعزُّ ولا يُذلُّ ، إذا جاءت زوجته بالشراب أقسم عليها أن تشرب قبله ، وإذا شربت من الإناء وضع فمه حيث وضعت فمها ، وكان يؤتى له بالمرق والعظم فيه اللحم فيقسم عليها أن تنهش منه قبله فإذا نهشت منه وضع فمه حيث وضعت فمها .

كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق ، حينما دخل عليه الأعرابي فبال في مسجده وهو جالس والصحابة ينظرون وينهرون ويمنعون ، فقال لهم " لا تزرموه " حتى إذا انتهى أمر بذنوب من ماء فصب على بوله ثم دعاه فوجهه وعلمه وأرشده , فدعا الأعرابي قائلا " اللهم ارحمني وارحم محمدًا ولا ترحم معنا أحدًا " وصلى بأصحابه يوما فصاح رجل وتكلم في الصلاة ، فما زال الصحابة يسكتونه حتى رمقوه بأبصارهم ، فصاح الرجل : واثُكل أماه ، فلما سلم قال الصحابي : فبأبي وأمي ما رأيت معلمًا كرسول الله فوالله ما كهرني ولا شتمني ، ولكن قال لي " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والاستغفار وقراءة القرآن " ما أكرمه من نبي وما أحلمه من رسول وما أرحمه من إنسان صلوات ربي وسلامه عليه ، وبعد أيها الأحبة ..
هذا فيض من غيظ ونقطة من بحر وقليل من كثير من سيرة البشير النذير السراج المنير فما أحوجنا أن نملأ بمحبته قلوبنا ، ما أحوجنا أن نربي على هذه السنة والأخلاق الكريمة صغارنا وكبارنا ، ما أحوجنا أن نتربى عليها مساء صباح ، ونعتقد فضلها سرًا وجهارًا ، لتظهر آثارها علينا ليلاً ونهارًا ، فبحسب متابعته تكون العزة والكفاية والنصرة والولاية والتأييد والهداية والفلاح والنجاة وطيب العيش في الدنيا والآخرة ، وإلى أن ألتقي بكم في حلقة قادمة وموعدٍ قريب ولقاء ماتع ، استودع الله دينكم وأمانتَكم وخواتيم أعمالِكم وسلام الله تعالى ورحمته وبركاته عليكم .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سلمان المالكي
  • مـقـالات
  • رفقا بالقوارير
  • المرأة والوقت
  • الخطب المنبرية
  • إلى أرباب الفكر
  • وللحقيقة فقط
  • الهجرة النبوية
  • فتنة الدجال
  • الصفحة الرئيسية