صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







حقيقة التكفير في بلاد الحرمين

سلمان بن يحي المالكي
slman_955@hotmail.com

 
الحمد الله وصلى الله وسلم على رسول الله .. وبعد
إن العنايةَ بالمعتقدِ الصحيح دراسةً لأصوله ، وفهما لقواعده ومعرفة لأدلته ، وعملا بما يقتضيه ، هي من أظهر أسباب السلامة من كلِّ فكر منحرف ننكره ، أو كلِّ معتقَدٍ نرفضه ، لمنابذته الأدلةَ من كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وفهم سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، فتُوصدَ بذلك الأبواب دونَ كلِّ مُبتغٍ فتنة ، أو مبتدِعٍ بدعة أو مثيرٍ فُرقة ، أو متبِعٍ غيرَ سبيل المؤمنين ، وتكونَ العاقبةُ خيرا تنعكس آثاره وحدةً على الخير ، وتآزُرا على الحق ، وتعاوُنا على البر والتقوى واجتماعا على التوحيد والسنة والإيمان ، وإن مخالفةَ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، والإعراض عن هديه ومنابذةَ سنته ، سببُ الزلل وأصلُ البلاء ، ونذيرُ الشؤم ، ومدرجةُ الوقوعِ في الفتن ، وطريقُ العذابِ الأليم ، كيف لا ؟ وقد حذر الله سبحانه وتعالى العبادَ من التردي في وهْدةِ هذه المخالفة ، مبينا أن العاقبةَ في نبذِ سبيلِ الاتباع والحيدةَ عنه ، هي الإصابةُ بالفتنة والعذاب الأليم ، فقال جل وعلا " فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " [ النور : 63 ] بل أوجب سبحانه على العباد التأسيَ به صلواتُ الله وسلامه عليه ، مبينا أنه القدوةُ الحقةُ لكل مؤمنٍ بالله واليومِ الآخر، التي يستعصمُ بها من الضلال ، ويبلُغُ بها ما يأمَلُ من الرضوان ونزولُ رفيعِ الجنان هي في اتباعه صلى الله عليه وسلم ولزوم نهجه والإقتداء بسنته ، قال الله " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثرا "[ الممتحنة : 6 ] والفتن التي تصيبُ من هجر سبيلَ الاتباع وجانبَ طريقَ التأسي هي وربي صنوفٌ وألوان لا يكادُ يُحيطُ بها الحصر غيرَ أن من أعظمِ هذه الفتن خطرا ، وأشدِّها ضررا : فتنةَ التكفير ، التي أحدثتْ في الحياةِ الإسلاميةِ فسادا عريضا ، عمَّ كلَّ جوانبها ، وأدخل على المجتمعِ المسلمِ من الشر والنُكر والبلاءِ ما لا مزيدَ عليه ، نعم .. إن التكفيرَ والحكم بالكفر على المسلم أمرٌ خطير ، يستبينُ خطره وشدةُ ضرره بمعرفةِ ما يترتب عليه من حِلِّ دمِ المكفَّرِ ومالِه ، والتفريقِ بينه وبين زوجه ، وقطعِ الأواصلِ التي تربطه بين المسلمين ، فلا توارُث بينه وبينهم ، ولا ولاءَ له ، وإذا مات لم يُغسل ولم يكفّن ولم يُصل عليه ولم يُدفن في مقابر المسلمين ، حقا .. إنها الفتنة العمياء التي لا تفرق بين حق وباطل .

ولهذا فقد جاء في كتب السنة الصحيحة المشهورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التحذيرُ الشديد والوعيدُ الزاجر ، لمن استباح هذا الحمى ، وخاض غِمار هذا البحرِ اللُجيّ بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ، ولا دليلٍ أمينٍ تقيٍّ نقي يخافُ الله واليوم الآخر ، فعن أبي ذرٍّ الغِفاري رضي الله تعالى عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول "لا يرمي رجلٌ رجلا بالفسوقِ ولا يرمه بالكفر إلا ارتدت عليه إنْ لم يكن صاحبه كذلك " [ رواه البخاري في كتاب الأدب ، باب ما ينهى من السباب واللعن رقم 5585 ]

أخي القارئ الكريم ..
لقد عُنيَ ببيانِ الحقِّ في هذه المسألة وتفصيل القولِ فيها ، علماءُ أهلِ السنةِ والجماعة ، الذين يستطيبون في تقريرهم وإيضاحهم بأنوارِ الوحيين ، ولا يقدِّمون على الدليل الصحيحِ شيئا ، ولا يرتضون عنه بديلا ، يقول شيخ الإسلام بنُ تيمية رحمه الله تعالى " وتحقيقُ الأمر فيها [ أي في هذه المسألة ] أن الشخص المعين الذي ثبت إيمانُه ، لا يُحكم بكفره إن لم تقم حجةٌ يكفرُ بمخالفتها وإن كان القولُ كفرا في نفس ، فقد أنكر طائفةٌ من السلف بعض حروفِ القرآن لعدمِ علمِهم أنها منه فلم يكفروا ، وعلى هذا حمَلَ المحققون حديثَ الذي قال لأهله : إذا أنا متُّ فأحرقوني فإنه كان جاهلا بقدرةِ الله تعالى عليه إذا فعل ذلك ، وليس كلُ من جهِل بعض ما أخبرَ به الرسول صلى الله عليه وسلم يكفر ، لأن ثُبُوت حُكْمِ التكفير في حقه متوقِّفٌ على تحقٌّقِ شروط وانتفاء موانع " اهـ .

إن من المعلوم قطعا : أن العلمَ بتحقٌّق الشروط وانتفاء الموانع لا يُتأتّى لكلِ أحد ولا يَصِحُّ أن يترك نهبا للاجتهاداتِ والآراء ، بل هي من شأن أهل العلم الراسخين فيه من القُضاة والمفتين والمعتبرين وأمثالهم من أعضاء المجامعِ والهيئات الشرعيةِ المعتمَدَةِ المعتبرة والمقصود بيانه هو : أن هذا القول المحرَّرَ المتين الذي ذكره شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى هو الذي بينه وما برِح يبينه أهل العلم في هذه بلادنا المباركة بلاد الحرمين ومهبط سيد الثقلين منذُ عهد الإمامين المُصلحين المجددين محمد بن سعود ومحمد بنِ عبد الوهاب عليهما رحمة الله تعالى إلى عصرنا الحاضر ، ذلك مما هو معلوم مشهور مرقوم بخصوصهم ، منشور موثَّقٌ في كُتُبِهم ورسائلهم ودروسهم وفتاواهم تلك التي عمّتِ الآفاق ، وتقبلتها كثير من ديار المسلمين ، عقولٌ منصِفةٌ متجردة ، وقلوبٌ محبةٌ نقيةٌ من شوائبِ الدعاياتِ المغرضة وأوضارِ التُهمِ الجائرة ، وأوزارِ الدعاوى المفتقرةِ إلى البيناتِ والبراهين ، إذْ ليس في هذا المنهجِ النبوي والطريقِ السلفي إلا العودةُ بالمسلمين إلى نقاء هذا الدين وصفائه الذي كان عليه أهل القرونِ المفضلة ، قبل أن تعكِّر صفوه البدع والمُحدثات والمقالات والآراء والنِحلِ والأهواءُ التي أظلمت بها جوانبُ الحياةِ الإسلامية قاطبة وكانت من أظهر أسبابِ تأخُّر المسلمين وتخلُّفِهم ، حتى أصبحوا في ذيلِ القافلة ، بعد ما كانوا القادةَ فيها .

إن هذا النهج المباركَ ما زال مرفوعَ اللواءِ بحمد الله على ربوعِ بلاد الحرمين الشريفين ، وما يزال كما كان دائما ، منارا للقاصدين ، وضياء للحائرين ، وقرةَ عينٍ للموحدين ، وهدى وشفاءً لما في صدور العالمين ، لا يغِيظُه ولا يضرُه مخالفةُ من خالفه ، ولا عداءُ من عاداه ، فإنه إن شاء اللهُ منصورٌ مؤيدٌ بنصر الله وتأييده وحفظه ورعايته ، ثم بما نراه ويراه كلُ عاقلٍ متجرد من دعم وتأييدِ ومساندةِ ولاةِ أمر هذه البلادِ الطيبة ، ومعهم ومن ورائهم أهل العلم والفضل والخير والإصلاح من رجالها ونسائها وشبابها وشيوخها ، في تكاتُفٍ فذٍّ وتعاضُدٍ فريد وتآزُرٍ يرضي الله ورسوله إن شاء الله ، ويسُرُّ المؤمنين الصادقين ، ويضيقُ ويكبِتُ الحاقدين والشانئين والمجرمين ومن لفَّ لفهم واتبع سبيلهم من المخربين والمفسدين والشاذين التي يبرأ من الله منهم ومن سوءِ ما قدمت أيديهم كلُّ مؤمنٍ صادق مخلص لله ورسوله ، يحذر الآخرةَ ويرجوا رحمة ربه ، في كلِّ الديار وفي جميع الأمصار فما كان لمؤمن صادقٍ إلا أن يستجيب لله وللرسول إذا دعاه لما يحييه ، وما كان له إلا أن يصيخَ سمعه لنداء القرآن وكلام الرحمن الذي يدعوه إلى النجاة بقوله سبحانه " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فترق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " [ الأنعام : 153 ]
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سلمان المالكي
  • مـقـالات
  • رفقا بالقوارير
  • المرأة والوقت
  • الخطب المنبرية
  • إلى أرباب الفكر
  • وللحقيقة فقط
  • الهجرة النبوية
  • فتنة الدجال
  • الصفحة الرئيسية