صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الرد على مقال: هل النامصة ملعونة ؟

عبد الرحمن بن صالح السديس

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله « الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ » والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وآله وسلم أما بعد:

فإن الله أوجب على كل مؤمن أن يطيعه ويطيع رسوله، وأمر بذلك في نصوص كثيرة جدا، وعلق الهداية بطاعته: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}، وبين أن دعوى محبته تعالى لا تصح إلا باتباع رسوله: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }، ووعد من أطاعه وأطاع رسوله بالفوز العظيم: {وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}، وأن {مَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}.
فالواجب على كل مكلف تعظيم أوامره عليه الصلاة والسلام واتباعها، واجتناب نواهيه، والتسليم لسنته، فالحلال ما أحله، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، ومن سواه من العلماء والأمراء إنما يطاعون تبعا لطاعته، ولا يقدم قول أحد من الخلق على قوله، ولا يرد قوله لقول أحد من البشر كائنا من كان.
ولذا كان الأئمة يأمرون بترك أقوالهم إذا عارضت سنته صلى الله عليه وسلم.
وبعد:
فقد رأيت في جريدة الرياض في 20/6/1430هـ مقالا للأخ محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل، عنوانه : هل النامصة ملعونة ؟ (1)
ابتدأ الأخ مقاله بذكر بعض الحكايات ليستميل بها القراء، ويجعلها مقدمة ومبررا للحكم الذي يريد التوصل إليه، وكان يمكنه الحديث عن المسألة بتقرير الحجة فيها من غير سلوك لهذه الطريقة.
ثم ذَكَر اللعن الوارد في صحيح مسلم في شأن النامصة ثم قال: «إنَّ اللعن ورد في شأن من تعمل ذلك من أجل الفجور، وأنه كان شعار الفاجرات».
وهذا التقييد لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم وحصره في هذا النوع، لم يذكر له حجة، وإنما هو تحكم محض في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل أن فلانا وفلانا من العلماء قال ذلك القول!
مع إعراضه عن أقوال غيرهم ممن هو أجل منهم، وأعلى قدرا، وأكثر عددا.
مع أنه لو أعطى الأدلة حقها من النظر = لعلم بعد هذا التأويل الذي ذكره.
فظاهر الحديث برواياته الكثيرة يرد تأويله، فقد ثبت في الصحيحين والسنن والمسانيد من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: « لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله.
قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ؟
فقال عبدالله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم، وهو في كتاب الله؟!
فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته!
فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله عز و جل: { وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }.
فقالت المرأة: فإني أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن!
قال: اذهبي فانظري.
قال: فدخلت على امرأة عبدالله = فلم تر شيئا، فجاءت إليه، فقالت: ما رأيت شيئا.
فقال: أما لو كان ذلك لم نجامعها». لفظ مسلم (2125).
وعند عبد الرزاق 3/145، وابن ماجه (1989): «قالت: إني لأظن أهلك يفعلون بعض ذلك».
وعند أحمد (3945): « قالت: المرأة فلعله في بعض نسائك! قال لها: ادخلي، فدخلت، ثم خرجت، فقالت: ما رأيت بأسا. قال: ما حفظت إذًا وصية العبد الصالح:{ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه }».
وعند أبي داود (4171): فقال: «لو كان ذلك ما كانت معنا».
وعند الترمذي (2782): «لعن الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات مبتغيات للحسن مغيرات خلق الله ».
وعند النسائي (5107): «سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يلعن المتنمصات والمتفلجات والموتشمات اللاتي يغيرن خلق الله عز و جل».
وقد جاء معنى هذا الحديث من حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم.
فأنت ترى بوضوح علة لعن النبي صلى الله عليه وسلم وهي : تغيير خلق الله .
وترى بوضوح فهم الصحابي لذلك، وأن امرأته لو فعلت ذلك لطلقها ولم تبق معه .
ومما يبين فساد التأويل الذي ذكره أن الأمور المذكورة في النص ـ وبابها واحد ـ قد عللت بتعليل واحد، وهي لا تخص الفاجرات، وهي: النمص ووصل الشعر، والوشم، وبرد الأسنان.
ولا يمكن أن يدعى أن كل هذه الأفعال من أجل الفجور!
وبعضها معروف عندهم قبل النهي يفعلها النساء، وهي مذكورة في أشعار العرب وأخبارهم.
وقد قال البخاري في صحيحه: «باب: لا تطيع المرأة زوجها في معصية» وذكر تحته حديث (5205) عائشة رضي الله عنها: «أن امرأة من الأنصار زوَّجت ابنتها، فتمعط شعر رأسها، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقالت: إن زوجها أمرني أن أصل في شعرها. فقال: لا، إنه قد لُعن الموصلات» وفي لفظ: (5934) «فقال: لعن الله الواصلة والمستوصلة». ورواه مسلم أيضا (2123).
وفي صحيح مسلم (2122) عن أسماء بنت أبي بكر قالت: «جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و سلم، فقالت: يا رسول الله إن لي ابنة عريسا أصابتها حصبة فتمرق شعرها أفأصله؟
فقال: لعن الله الواصلة والمستوصلة».
فأنت ترى أنه صلى الله عليه وسلم منع هذه المرأة من وصل الشعر مع:
1- حاجتها لذلك لتساقط شعرها من المرض.
2- هي حديثة عهد بعرس. 3- وزوجها يريد ذلك.
ومع هذا كله لم يأذن لها، وبين أن هذا الفعل محرم ولو كان من أجل الزوج.
ولذا فإن قول الأخ محمد: «لأنَّ اللعن طرد من رحمة الله وهذه المتزوجة عملته لزوجها لتعفه من النظر إلى غيرها واللعن لا يكون إلاَّ في شيء كبير وهو فعل ذلك من أجل الفاحشة لا لأجل الزوج.»
اعتراض على النص بتعليل عليل، ليس في النص أي دلالة عليه، والكبيرة قد بين العلماء ضابطها من خلال النصوص، وهو منطبق هنا.
وكون الفعل المحرم فعل لأجل الزوج = لا يغير من الحكم شيئا، كما لو طلب مواقعتها في الحيض أو الدبر = فلا يجوز لها تمكينه من ذلك ولو كانت تريد إعفافه؛ لأن هذه أفعال محرمة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقوله:«ثم إنَّ المرأة مأمورة بالتجمل والتزين والتطيب والظهور في الصورة التي تحبب زوجها فيها ولا يصرف نظره إلى غيرها». وقوله في تعليل ذلك:« لئلا ينفر منها زوجها ولتدوم الألفة والمحبة».
هذا صحيح، لكن فيما أحله الله، ولا تعارض النصوص الصحيحة بهذا الكلام المجمل، وترد من أجله أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم منع النبي صلى الله عليه وسلم وصل المرأة لشعرها المتساقط لأجل زوجها.
وكما أنه لا يجوز للرجل أن يحلق لحيته ليتجمل بذلك لزوجه، ولو ترتب على ذلك أنها تنفر منه.
وقل مثل ذلك في أي فعل يريده أحد الزوجين ـ وهو محرم ـ وإن لم يفعله نفر منه الآخر.
وقوله:« جاء في معونة أولي النهى شرح المنتهى وعليه الفتوى لدى الحنابلة ».
لما رد النص الصحيح الصريح أراد أن يساند قوله بما وجده في كتب العلماء، فنقل هذا النقل فيه القول المرجوح، وترك المعتمد في المذهب حتى عند صاحب الكتاب!
وقوله: «إن عليه الفتوى .. ».
غلط؛ لأن هذا الوصف لـ: «منتهى الإرادات» لا لشرحه. كما هو مقرر في كتب الحنابلة (2).
والذي في «منتهى الإرادات» ـ المعتمد في الفتوى ـ 1/42: «ويحرم نمص، ووشر، ووشم، ووصل ولو بشعر بهيمة، أو بإذن زوج». ولم يعرج على قول من قال بالجواز.
لأن المعتمد والمصحح في المذهب هو القوم بالتحريم مطلقا، قال صاحب الإنصاف 1/125:
«ويحرم نمص، ووشر، ووشم، على الصحيح من المذهب».
وقال في الفروع 1/158: «ويحرم نمص، ووشر، ووشم، في الأصح».
مع أن عبارة المعتمد في الفتوى عند الحنابلة قد ذهبتَ من قديم، والحنابلة من قيام الدعوة المباركة ـ دعوة الشيح محمد بن عبد الوهاب ـ لا يعولون على كتاب بعينه؛ بل عمدتهم الكتاب والسنة.
وقوله ـ ناقلا عن المعونة ـ: « وأباح ابن الجوزي النمص وحده وحمل النهي على التدليس أو أنه كان شعار الفاجرات وفي الغنية وجه يجوز بطلب زوج ». اهـ
هذا النقل عن ابن الجوزي ربما فيه تجوز؛ لأن في كتاب ابن الجوزي «كشف المشكل» 1/184: « وظاهر هذا الحديث أن الكلام مطلق في حق كل من فعل هذا، وقول ابن مسعود يدل على ذلك، ويحتمل أن يراد به المتصنعات من النساء للفجور؛ لأن مثل هذا التحسن دأبهن، ويحتمل أن يراد بهن المموهات على الرجال بمثل هذه الأفعال لتغر المتزوج ».
ونحوه في كتابه الآخر «أدب النساء » كما نقله عنه السفاريني في «غذاء الألباب» 1/332.
فهو مقر بأن ظاهر الحديث الإطلاق، وإنما ذكر ما ذكره احتمالا.
فهل نترك نص الذي لا ينطق عن الهوى لاحتمالات رجل من أمته يصيب ويخطئ ؟!
وكذا ما ذكره في الغنية من قوله: « كما جوَّز لها التزيين بألوان الثياب » قياس في معارضة النص، وهو قياس فاسد؛ لأنه قياس للمباح بالمحرم، وباقي كلامه من جنس كلام ابن الجوزي .
فهذا علل مستنبطةلم يذكروا لها دليلا، وتركوا العلة المنصوص عليها في الحديث، ولو كان ما ذكروه صحيحا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم أتم بيان ولفهمه عنه أصحابه .
فهو أفصح الخلق، وأنصحهم، ويمتنع مع نصحه وفصاحته = أن يتكلم بكلام في مثل هذا الزجر، ويكون ظاهره باطلا غير مراد، حاشاه عليه الصلاة والسلام.
وقوله:« قال في الغنية وهو من أمهات كتب الحنابلة المعتمدة للشيخ الإمام عبدالقادر الجيلاني الذي أجمع العلماء على صلاحه وورعه وتقواه ».
هذه الطريقة في التعريف بالكتاب والمؤلف = لتعطي نوعا من الثقة بهذا القول.
ونسي ـ هداه الله ـ أن من هو أكبر منه من أئمة العلماء قالوا أقوالا مرجوحة؛ بل باطلة، ولم يكن صلاحهم مروجا لما خالفوا فيه الحق، وإن كانوا مجتهدين .
وإنما تروج هذه على المقلدة الذي يتركون كلام الله ورسوله لكلام من يعظمون من العلماء.
وقوله:« ثم إنَّ عندنا أحاديث كثيرة فيها لعن مثل أحاديث لعن الذي يقطع شجر السدر ... ولكن الناس مازالوا يقطعون السدر لماذا؟ لأنَّ العلماء حملوا اللعن على قطع سدر الحرم ».
أراد بإيراد هذا تسهيل مخالفته وأنها لها مثيلات من فعل العلماء !
وكلامه غير سديد، لأن من العلماء من ضعف أحاديث قطع السدر، فضعفها ابن الجوزي في «العلل المتناهية» 2/656: ونقل أيضا عن العقيلي أنه قال: والرواية في هذا الباب فيها اضطراب وضعف، ولا يصح في قطع السدر شيء، وقال أحمد بن حنبل: ليس فيه حديث صحيح. اهـ
وضعفه ابن القيم في «المنار المنيف» ص127 وغيرهم.
وهو مع ضعفه معارض بنصوص أخرى، كما في الصحيحين في الأمر بغسل الميت بماء وسدر، ومن العلماء من حمل الحديث على محامل أخر.
بخلاف حديثنا الصحيح الصريح الذي لم يعارضه شيء، والذي كان راويه يلعن من وصل ونمص و..إلخ
وقوله ـ في خاتمة مقاله ـ:« فهذا هو الإسلام إذاً، المرأة أحق بالتزين والتجمل والتحبب لزوجها ».
لا ليس هذا هو الإسلام؛ بل الإسلام هو غاية الانقياد والطاعة، وعدم معارضة الشرع بقول فلان وفلان.
والتجمل يكون بما أباحه الله لا بما لعن عليه، ومنعه.
قال الإمام أحمد عن السنة : « ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء، إنما هي الإتباع، وترك الهوى .. ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله = فقد كفي ذلك وأُحكم له، فعليه الإيمان به والتسليم له». شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/176.
ومما يحزن أن الأخ أرسل هذا المقال للصحف الذي دأبت على تشكيك الناس في أمر دينهم، وأن ما كان حراما بالأمس فهو حلال اليوم، فأصبح جموع من العامة لا يثقون بفتاوى أهل العلم، وجموع منهم أصحاب أهواء يريدون أي رخصة، ولا ينظرون في دليل ولا تعليل، وواقع هذا المقال كذلك فقد طار به جملة منهم ونشروه في منتدياتهم، مع أنهم لا يعرفون قائله، ولا مكانته من العلم، ولا أقوال العلماء في المسألة، وإنما يتبعون كل قول يوافق أهواءهم .
فأين سياسة الفتوى، ومن المستفيد من زوال ثقة الناس بفتاوى علمائهم؟
وما المصلحة المرجوة من نشر هذا الأقوال الشاذة ؟
ألم يكفي هذا الأخ أن يفتي من سأله ووثق به، ويترك الكلام العام لمن هو أولى منه وأعلم، ويحمد ربه أنه عافاه من الفتيا، فلم ذهب وأقحم نفسه فيها ؟!
ولم يكفه نشره في جريدة فعاد ونشره قبل أمس في جريدة المدينة !
وربما لم يعلم أنه موضوعه نال حتى إعجاب الشبكة الليبرالية فنقل هناك !

--------------
(1) http://www.alismaeil.com/wp/?p=184
مع الإشارة إلى أنه نشر في الجريدتين !
(2) «المدخل» لابن بدران ص442، و«المدخل المفصل» ص 778، و«المذهب الحنبلي» ص472، و«المنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة» ص343.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبد الرحمن السديس
  • مقالات متنوعة
  • فوائد حديثية
  • مسائل فقهية
  • فوائد تاريخية
  • مسائل عقدية
  • الصفحة الرئيسية