صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







بطلان ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جلد ابنه حد الزنا فمات من الجلد، وإنما الصحيح..

عبد الرحمن بن صالح السديس

 
 بسم الرحمن الرحيم


الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وصلى الله على رسوله محمد خاتم النبيين وآله وسلم تسليما، أما بعد:

فقد ذكر بعض القصاص خبرا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلد ابنا له حد الزنا، فمات من جلده، وبعضهم يقول أيضا: إنه جلده بعد موته!

وقد ذكر جماعة من العلماء أنه هذا باطل لا يصح.

قال الجوزجاني في «الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير» 2/185: «حديث موضوع باطل.. وضعه القصاص». وذكر نحو هذا الكلام لما ساقه من طرق أخرى.

وقال ابن الجوزي في كتاب «الموضوعات» 3/608 بعد أن ساقه: «هذا حديث موضوع، وضعه القصاص، وقد أبدوا فيه وأعادوا، وقد شرحوا وأطالوا».

وقال 3/613: «هذا حديث موضوع، كيف روي، ومن أي طريق نقل، وضعه جهال القصاص ليكون سببا في تبكية العوام والنساء، فقد أبدعوا فيه وأتوا بكل قبيح، ونسبوا إلى عمر ما لا يليق به، ونسبوا الصحابة إلى ما لا يليق بهم، وكلماته الركيكة تدل على وضعه، وبعده عن أحكام الشرع يدل على سوء فهم واضعه وعدم فقهه» اهـ.

وقد ذكره في الموضوعات جماعة من أهل العلم ممن ألَّف في الأحاديث الموضوعة.

وإنما الصحيح عن عمر رضي الله عنه في قصة جلد ابنه هو ما:

روى عبد الرزاق في «مصنفه» 9/232: قال أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: شرب أخي عبد الرحمن بن عمر، وشرب معه أبو سروعة عقبة بن الحارث، وهما بمصر في خلافة عمر= فسكرا، فلما أصبحا انطلقا إلى عمرو بن العاص ـ وهو أمير مصر ـ فقالا: طَهِّرنا فإنا قد سكرنا من شراب شربناه، فقال عبد الله: فذكر لي أخي أنه سكر، فقلت: ادخلِ الدار أطهرك ـ ولم أشعر أنهما أتيا عَمرا ـ فأخبرني أخي أنه قد أخبر الأمير بذلك، فقال عبد الله: لا يحلق القوم على رؤوس الناس، ادخل الدار أحلقك ـ وكانوا إذ ذاك يحلقون مع الحدود ـ فدخل الدار، فقال عبد الله: فحلقت أخي بيدي، ثم جلدهم عمرو، فسمع بذلك عمر، فكتب إلى عمرو: أن ابعث إلي بعبد الرحمن على قَتَب؛ ففعل ذلك، فلما قدم على عمر جلده، وعاقبه لمكانه منه، ثم أرسله، فلبث شهرا صحيحا، ثم أصابه قدره= فمات، فيحسب عامة الناس أنما مات من جلد عمر، ولم يمت من جلد عمر.

ورواه ابن شبة في «تاريخ المدينة» 3/841، والبيهقي في «السنن الكبرى» 17/472، والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» 3/481، والجوزجاني في «الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير» 2/193، وغيرهم.

قال الجوزجاني: «هذا حديث ثابت، وإسناده متصل صحيح».

وقال ابن كثير في «مسند الفاروق» 2/520: «إسناده صحيح».

قال البيهقي: «والذي يشبه أنه جلده جلد تعزيز؛ فإن الحد لا يعاد. والله أعلم».

وذكر ابن تيمية أنه: «جلده الحد سرا وكان الناس يجلدون علانية، فبعث عمر بن الخطاب إلى عمرو ينكر عليه ذلك. ولم يعتد عمر بذلك الجلد حتى أرسل إلى ابنه فأقدمه المدينة؛ فجلده الحد علانية، ولم ير الوجوب سقط بالحد الأول، وعاش ابنه بعد ذلك مدة ثم مرض ومات ولم يمت من ذلك الجلد، ولا ضربه بعد الموت كما يزعمه الكذابون». اهـ .

«مجموع الفتاوى» 15/287، وذكر نحو هذا المعنى في «منهاج السنة» 6/36.

وتقرير شيخ الإسلام في سبب إعادة الجلد= فيه نظر، ولو كان كذلك لما خص ابنه دون أبي سروعة، وأحسن منه ما ذكره تلميذه ابن كثير:

قال ابن كثير: «أما إعادة عمر الحد على ابنه= فيحتمل أنه أكمل له ثمانين...
ويحتمل أنه ثنّاه عليه لأجل أنه قريبه؛ فإنه كان تقدم في أول ولايته إلى أهله أنهم لا يأتون شيئا مما نهى الناس عنه إلا أضعف لهم العقوبة، وهذا هو الظاهر؛ لقول ابن عمر: فلما قدم عليه جلده وعاقبه من أجل مكانه منه».

وقال ابن الجوزي في «المنتظم»4/185: «ولا ينبغي أن يظن بعبد الرحمن أنه شرب الخمر، إنما شرب النبيذ متأولا، فظن أن ما شرب منه لا يسكر، وكذلك أبو سروعة، فلما خرج الأمر بهما إلى السكر طلبا التطهير بالحد، وقد كان يكفيهما مجرد الندم، غير أنهما غضبا لله تعالى على أنفسهما المفرطة، فأسلماها إلى إقامة الحد، وأما إعادة عمر الضرب؛ فإنما ضربه تأديبا لا حدا».

وقال ابن عبد البر في «الاستيعاب» 2/842: «ضربه عمرو بن العاص بمصر في الخمر، ثم حمله إلى المدينة، فضربه أبوه أدب الوالد، ثم مرض ومات بعد شهر، هكذا يرويه معمر عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وأما أهل العراق فيقولون: إنه مات تحت سياط عمر، وذلك غلط».

ونحوه عند ابن الأثير في «أسد الغابة» 3/473 والنووي في «تهذيب الأسماء واللغات» 1/300، وابن حجر في «الإصابة» 5/35، وغيرهم.

والله أعلم

23/10/1435
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبد الرحمن السديس
  • مقالات متنوعة
  • فوائد حديثية
  • مسائل فقهية
  • فوائد تاريخية
  • مسائل عقدية
  • الصفحة الرئيسية