بسم الله الرحمن الرحيم

أطياف ( 4 )
هذه حكايتي مع القــس !!


يوم الأحد الماضي و بعد صلاة المغرب تفاجأت بأحد الإخوة الفضلاء وهو يقول لي - على عجالة - :

تعال معي ؛ فهناك قـس ، أريدك أن تلتقي به !!

قلت – مندهشاً - : قــس !!

قال : نعم .. تعال لتتأكد .

أعدت عليه مرة أخرى : قــس !! .. قــسٌ هنا ؟!

قال – مؤكداً وهو يومئ برأسه - : نعم ..

فلم أشعر إلا وهو يأخذ بيدي ، لئلا أطيل الكلام ... فسلمت أمري له والدهشة تمتلكني !

في الطريق .. غدت مخيلتي ممتلئة بالصور والافتراضات .

فتارة أتخيل منظر ذلك القس .. هل هو كغيره من قاطني الكاتدرائيات ، وتالي الصلوات في الكنائس بلباسهم الأسود ؟

وتارة ينتقل بي الخيال إلى ماهية الحوار الذي سيدار معه ، وماذا سأقول .. وبماذا سأرد ؟

وأنتقل إلى بحر آخر من الخيال .. مالذي جاء بهذا القس ؟ وهل أُبـِلغ الجهات المسؤولة لمتابعة نشاطه وإيقافه أم أتريث قليلاً ؟

قطع هذا الحبل الطويل من الخيالات صوت صاحبي وهو يقول : وصلنا ..

رفعت رأسي ، وصُدمت بالمفاجأة الثانية ..

لقد توقف صاحبي أمام مسجد !!

قلت له – باستنكار يشوبه العجب - : ماخطبك ؟ .. إن كنت تريد ممازحتي ، فإني إعتقد أن الوقت غير مناسب لذلك .

أجابني قائلاً : لا تستعجل ...

ولجنا سوية إلى المسجد ، ونفسي تستنكر الوضع .. قــس في هذه البلاد قد تهضم ، لكن قــس في مسجد ... عجبي !!

في زاوية من زوايا المسجد ، جلست وصاحبي .. وأنا في حالة بين الترقب والاستغراب ؛ أنتظر دخول المنتظر .

في تلك الفترة ..

استغرقت في استكشاف المكان والالتفات يمنة ويسرة ...

وجدت سريراً ، و حقيبة صغيرة تناثرت بجانبها مجموعة من الملابس البسيطة .

وعلى مقربة منها كتباً صفت بشكل مرتب .. وكتبت بلغة غريبة غير مفهومة ، وبعثرت بجانبها وثائق متعددة .

وبينما أنا كذلك ..

إذ برجل يقبل علينا ، ذو سحنة أوروبية .. قد انحنى ظهره ، والماء يتقاطر منه ..

قال لي صاحبي : هذا هو القـس ..

أجبته بكل دهشة : ماذا ؟ .. هذا القس !!

وكان لدهشتي مبرراتها ..

فأنا أرى أمامي ماقلب كل توقعاتي .. شيخ مسن ، تزين وجهه لحية قد اصطبغت بالشيب ، وتعمر رأسه كوفية .. والثوب الأبيض الناصع هو رداؤه !!

ويقول لنا – بلكنة متكسرة – السلام عليكم .

استدرك صاحبي – وكأنه خشي علي من الصدمة – فقال معرفاً :

هذا هو القس الإيطالي ( ستيافنو ) سابقا ..

واستدرك ...

الداعية والشيخ ( إسماعيل ) الآن .

في هذه اللحظة تملكتني حالات نفسية متعددة :

فحالة من الغضب والحنق تجاه صاحبي وتلاعبه ..

وحالة من قلب أوراق ما توقعته ، وما كنت أخطط لطرحه ..

وحالة من الفرح والبهجة حين سمعت العبارة الأخيرة ( الداعية والشيخ ( إسماعيل ) الآن ..

بادرته بالسلام ، وأردفته بسلام آخر لمرافقه الجزائري الذي لازمه كمترجم .

جلسنا سوية .. ودار حديث طويل ، طويل جداً ، فيه من العجائب والغرائب والمآسي والبشائر الشيء الكثير .

فهذا الشيخ الذي أمامي .. كان في يوم من الأيام قسا من القساوسة ، ومنصرا من المنصرين ، صنع تحت عين مجلس الكنائس العالمي في الفاتيكان منذ نعومة أظافره ، وتم تبنيه .. وتقديم برنامج خاص له ، حتى غدا في نهاية مطافهم المسؤول عن نشاط التنصير في جمهورية تشاد ، والقس الأول الذي يعتمد عليه هناك ...

ومنذ ذلك الوقت والتحولات تجري في حياته ... من تركه لتلك المنظمة التنصيرية لخلاف اقتصادي ، ثم وقوفهم ضده – وهو لم يسلم بعد – وتقدم ( الفاتيكان ) بطلب رسمي لحكومة تشاد لطرده من البلاد لعدم شرعية إقامته .. ووقوف الحكومة في صفة ، وإغلاقها لتلك المنظمة ...

تعرض قبل إسلامه لحرق مزرعته ومنزله ، وتم إدراج اسمه ضمن أسماء المطالبين من قبل الحكومة الإيطالية ...

فغدا طريدا شريدا من عام 1988 م وحتى عام 1994 م ..

وخلال تلك الفترة .. حصل التحول الأساسي والجذري في حياته ، وبدأت رحلة إسلامه التي طالتها ست سنوات حتى استقرت بصاحبها في النهاية ...

وهي قصة مثيرة عجيبة ... فيها من المواقف والفوائد مايطرح ويستغل .

وهي ماسأتناوله في طيف الإسبوع القادم بإذن الله .. فترقبوها .

أضغط هنا لقراءة سلسلة أطياف


أبو عبدالعزيز الظفيري

الصفحة الرئيسة