صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أدب السبب

عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق


الأسباب أبواب المطالب ، و مداخل الوصول للغايات ، و كل غاية لها أسبابها . لا شيء في الوجود إلا وله سبب ، قد ندرك سببه و قد يخفى علينا ، و ليس لنا إلا أن نقف على المُدرَك ، فنستعمله ليوصلنا إلى مراداتنا .
لطلب السبب أدبٌ مهم ، بلا أدبه قد يكون الإتيان بالسبب مُخلا بأمور أهم منه ، كثيرون يغفلون عن أدب السبب ، لخفاءِ وجوده ، و لعدم وقوع النظر عليه أصلاً ، لأن المطلوب هو لزوم السبب الموصل ، و الأدب ليس إلا كمالاً في الصورة .
أدب السبب يَكمنُ في أمورٍ يرتكبها الإنسان ، فأنْ يَقفَ على قدَرِ السببِ أدبٌ جوهريٌ ، فلا يتطلَّبُ ما لم يُفضِ إليه السبب ، فالسبب له قدرٌ ينتهي إليه ، حُكمَ في القدر الكبيرِ أن يكون كذلك ، فتِطلابُ المزيدِ عنه إخلالٌ بالأدب . لا يرضى المتخذُ للسببِ ما انتهى إليه قدَرُ السببِ ، فيحرثُ نفسَه في ماءٍ ليبلغَ ما لم يكن ، و هذه لا تنتهي بالإنسان إلا بأن يُجهد نفسه ، و يبقى حيثُ كان في منزلِ السببِ الأساس .
و أن يَبذلَ ما يقدرُ عليه أدبٌ مظهريٌ ، فلا يتكلَّفُ الأشياءَ ضد طباعها ، و لا يُجهد نفسَه إلا بالمستطاع ، ليس هذا كالسابقِ ، فالأولُ قدرٌ مكتوبٌ لا يطلبُ الإنسان المغيَّبَ ، و هذا حالٌ مبذول ، فلا يدَّخِر جُهداً ، بل يَسعى بكل ما أمكنه ، فالأسبابُ لا يُدرى أين مكامنها . يبذل البعض طرفاً من سببٍ أملاً في إتمام القدَرِ الباقي منه ، فلا يكون إتمام إلا منه ، فيقفُ عن الإتمام ، فلا يتم له مطلب ، كثيرون كرضَّاخِ النَّوى ، إذ لم يبقَ من نواه إلا نواةٌ قام و تركها ، فيتركون البذلَ عند نقطة الانتهاء . لذا فلا توقُّفَ عن بذل الجهد في القيام بالسببِ ، فلا يُدرى في أيةِ طَرْقَةٍ يكون الأثر .
وأنْ يلزم الإنسانُ إكرام ذاتِهِ في السببِ أدبٌ ، فلا يُوقعها في مُهانٍ من الحالِ ، و لا يُلبسها سيئاً من الأفعال ، بل يقوم ببذل السببِ و طلبه على تمام الصيانة لحاله ، و الإكرام لنفسه ، و متى أهينت النفسُ ، و قُلِّلَ منها بسببِ طلبِ السببِ كان ذلك السببُ شؤماً و شراً ، و لا خيرَ في شيءٍ نيل بإهانةٍ لا موجبَ لها ، إلا إهانة تُفضي إلى عزةٍ ، فليست إهانة إلا في صورتها ليس إلا .
و أن يلتزم الإنسان ما هو سبب حقيقيٌ دون ما هو سببٌ زَعميٌ أدبٌ ، و في عُمقِ الأدبِ ، فليس كلَّ ما قيل عنه سببٌ سبباً ، فهنا يلزمُ استحضارُ ما يُعمَد إليه من عقائد وموروثاتٍ فكريةٍ ، و التجارب أسبابٌ ، حين تثبُت جدواها .
و أن يقفَ الإنسانُ عند نهاية بذلِ السببِ على عتبةِ القدرِ و مجراه أدبٌ التسليم للآتي ، فليس منه إلا بذلُ الطلبِ للسببِ و اتخاذهُ على وجهٍ مُرضٍ له ، و البقيةُ تأتي نِتاجاً من قدرٍ مكتوبٍ ، ليس الإنسان إلا محلاً لتنفيذه ، فليس الإنسان بجهده مغيراً قدراً و لا مُحدثاً قدراً .
وأن يُراعى وقتُ السببِ أدبٌ ، فكل سببٍ له وقتٌ يكون فيه أليقَ من غيرهِ ، و يكون أثرُه في ذلك الوقت أقربَ للأملِ في نتيجته ، عدم مراعاة أدب الوقتِ يُخل بأثرِ السببِ .
وأن يَطمئنَّ لبذلِ السببِ أدب الحالِ الباطنِ ، ليكون أهنأ في القيام به ، و أطيبَ نفساً ، لتُشرقَ عليه شموسُ الأثر ، و ليجد من نفسه رِضا أنه لم يكن مقصِّراً في شيءٍ من بذلِ الطلبِ للسببِ .
أدب السبب قانون خفيٌ ، منثورٌ جليٌ ، ذوقيٌ بحسبِ رُؤى القلوبِ ، و تأملات الروح .

26/12/2009
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبدالله العُتَيِّق
  • مقالات
  • كـتـب
  • خواطر
  • أدبيات
  • كَلِمَات طـَائِرَة
  • الصناعة البشرية
  • منتقيات
  • للتواصل مع الكاتب
  • الصفحة الرئيسية