اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/thomaaly/98.htm?print_it=1

[] مِثالٌ و تِمثالٌ []
26/7/1426
29/7/2008

عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق


كلُّ شيءٍ لَه ما يُشيرُ إليه في هذا الكون ، إنَّ ساحةَ كلِّ حضارةٍ و ثقافةٍ تلتزمُ تلك الإشارة ، و كلُّ ما ليس له ما يُشيرُ إليه عدمٌ ساقطٌ ، إثباتاً لوجودٍ أو عدم ، و برهاناً على صِحةٍ أو خطأ ، حِسيٌّ و معنويٌّ ، فالحسِّيُّ تِمثالٌ ، أيًّ شيءٍ محسوسٍ ، و في المعارفِ ناقلُ المعرفة : إنساناً أو كتاباً ، و المعنويًّ مِثال ، و هو المضروبُ عند إيضاح القواعد ، حِسِّيٌّ بالقصْدِ إليه ، و معنويٌّ بِدلالته و إشارته .

قُوةُ الإشارةِ فيما كانت المعاني فيه أقوى دلالةً ، و أبلغَ في إيصال المُراد ، و أجدرُ بالاستقبالِ رغبةَ التوجيه ، فكانت الأمثالُ قائمة بذلك ، و ضَعفُ الإشارةِ حين يكون العكْس في : ضعفِ الدلالة ، و عدم الإيصال للمراد ، و الاستقبالِ تَوجُّهاً ، و تلك التماثيلُ .

في الثقافاتِ الموروثةِ ، و الوارثةِ المُوَرِّثة ، ذانِك الشيئانِ ، فتُضربُ الأمثالُ لإقامةِ صَرْحِ الفكرِ و الرأي ، توضيحاً لبُرهان ، و صورةً لفكرةٍ ، و يُنصَبُ تمثالٌ يُرْجعُ إليه في تقريرِ الانتسابِ الثقافي ، أو تحريرِ الرأي الفِكري المقصودِ بالمثالِ ، فكانا دِعامتين للثقافة ، فكلاهما للآخرِ سَندٌ ، و كلاهما ليس إلا صورةً لثقافةٍ و حضارةٍ .

إلا أننا نلْحظُ أنهما أصبحا غايتين يُقصدان في تقريرِ الرأي ، و مناهضةِ الخصم ، عُزوفاً عن الغايةِ المُرادة ، و الأصلِ المتين ، فصارَ المثالُ دليلاً و بُرهاناً ، و صارَ التمثالُ أصيلاً و قانوناً ، فكانت الثقافاتُ تدورُ حولَ زائلٍ ، و قد كانت تدورُ حولَ أصل باقٍ .

ظاهرةٌ نراها دوماً في سِجالاتٍ ثقافيةٍ ، يَترُك الشخصُ قانون و قواعد الثقافةِ إلى رأي فُلانٍ ، و مثالِ ذاك ، و المحاججاتُ لا تقومُ إلا على يقينياتٍ ، و لا يقينَ في مثالٍ و تمثالٍ ، لكونهما مرتبطانِ بشيءٍ يَخدُمانه ، و القانونُ الأصلُ مُبرْهنٌ بيقينٍ .

في بقاءِ تلك الثقافاتِ قائمةً على أصولها ما يُثْبِتُ بأنَّ أهلها عَمدوا إلى إثباتِها ببراهينَ يقبلها عقلُ الإنسانِ ، و منْ ثَمَّ كان الإيضاحُ بالمثالِ المضروبِ ، و عُمِدَ إلى الاستئناسِ برأي كبيرٍ في تلك الثقافة ، فالتعويلُ أصلاً كان على البُرهانِ المُثْبِتِ ، و ما بَعْدُ تبعٌ تابعٌ و ليسَ مُستقلاً .

الخللُ في فهم كلِّ الفنون و العلومِ المعرفيةِ اليومَ عائدٌ إلى مخالفةِ ذا ، فقلَّ أن نرى في أي علمٍ ، من علوم البشرِ ، مَن يَعمد إلى ما عليه أصحابُ مدرسةِ العلم و الثقافةِ البُناةِ لها ، و إنما كان التعويلُ إلى شُخوصٍ مَثَلِيَّةٍ أو تِمثاليةٍ ، و لا تصحيح لخطأ و خلل إلا بِعودةٍ إلى ثابتٍ ، فهو " المُعوَّلُ الأولُ " .

و مجاوزةُ النظرِ في البُرهانِ و القاعدةِ إلى النظرِ في الناقلِ تحوُّلٌ من الغايةِ و الأصلِ إلى الصورةِ و الوسيلة ، إلى المثال و التمثال .

إذنْ ، فنحنُ نحتاجُ إلى تصحيحِ نهجِ الثقافات و العلومِ بالتعويلِ على أصول القانون المعرفي ، و قواعد البناءِ التأسيسي ، حيثُ : الرسوخُ ، و القوةُ ، و البقاءُ ، و اعتبارِ المثالِ إيضاحاً و التمثالِ استئناساً .

Abdullah.s.a
 

عبدالله العُتَيِّق
  • مقالات
  • كـتـب
  • خواطر
  • أدبيات
  • كَلِمَات طـَائِرَة
  • الصناعة البشرية
  • منتقيات
  • للتواصل مع الكاتب
  • الصفحة الرئيسية