صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مسائل في المباهلة

عبداللطيف بن عبدالله التويجري
@twijri_a

 
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمَّا بعد:

فهذه متفرقات في مسألة: (المباهلة) وليعذرني الإخوة في الاختصار، وهي فرصة لدعوة الباحثين للكتابة في هذه المسألة وإثرائها بالبحث والدراسة، فهناك مواضيع تتعلق بها تحتاج إلى تحرير وتأصيل.

وقد انتظمت هذه المشاركة في النقاط الآتية:

معنى المباهلة:


المباهلة: هي الملاعنة ومعناها: أَن يجتمع القوم إِذا اختلفوا في شيء فيقولوا لَعْنَةُ الله على الظالم منا.. وابْتَهَل في الدعاء إِذا اجْتَهَدَ ومُبْتَهِلاً أَي: مُجْتَهِداً في الدعاء، والابتهال: التضرُّع، والابتهال: الاجتهاد في الدعاء، وإِخْلاصُه لله - عز وجل - وفي التنزيل العزيز: (ثم نَبْتَهِلْ فنجعلْ لعنة الله على الكاذبين) أَي يُخْلِصْ ويجتهد كلٌّ منا في الدعاء واللَّعْنِ على الكاذب. (لسان العرب: 11/71 )

أدلتها من الكتاب والسنة:


وردت المباهلة في سورة آل عمران الآية: (61) في قصة وفد نجران كما في صحيح البخاري (4380) عن حذيفة قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريدان أن يلاعناه، فقال أحدهما لصحابه: لا تفعل فوالله لئن كان نبياً فلاعناه، فلن نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا.. والنبي - عليه الصلاة والسلام – دعا علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً كما أمر الله: (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ) [آل عمران:61] فما استطاعوا أن يباهلوه، وقد تكلم الإمام ابن القيم عن هذه القصة وعن أحداثها بكلام بديع كما في كتابه زاد المعاد.

متى تشرع المباهلة ؟


قال ابن القيم: (السنة في مجادلة أهل الباطل إذا قامت عليهم حجة الله، ولم يرجعوا؛ بل أصروا على العناد أن يدعو إلى المباهلة، وقد أمر الله سبحانه بذلك رسوله – صلى الله عليه وسلم - ولم يقل إن ذلك ليس لأمتك من بعدك، ودعا إليه ابن عمه عبد الله بن عباس لمن أنكر عليه بعض مسائل الفروع، ولم ينكر عليه الصحابة، ودعا إليه الأوزاعي سفيان الثوري في مسألة رفع اليدين ولم ينكر عليه ذلك، وهذا من تمام الحجة). (زاد المعاد: 3/557)

المباهلة عامة للرسول صلى الله عليه وسلم ولجميع أمته:


المباهلة ليست خاصة بالرسول - عليه الصلاة والسلام - بل حكمها عام له ولأمته كما جاء في كلام ابن القيم السابق، وقد دعا لها جملة من الأخيار والصالحين من أمته – صلى الله عليه وسلم - منهم: - ابن مسعود كما أخرجه النسائي وغيره (3522).

- ابن عباس - رضي الله عنهما - كما في مسألة العول الشهيرة.

- الإمام الأوزاعي.

- وابن تيمية دعا بعض الاتحادية إلى المباهلة بعدما ناظرهم، كما يقول: (وكنت أحلف لهم أن هذا كذب مفترى وأنه لا يجري من هذه الأمور شيء وطلبت مباهلة بعضهم - لأن ذلك كان متعلقا بأصول الدين - وكانوا من الاتحادية الذين يطول وصف دعاويهم). (مجموع الفتاوى 4/82)

- وابن القيم دعا من خالفه في الصفات.

- والشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب دعا مخالفيه إلى أربع: إما كتاب الله، أو سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وإما إلى إجماع الأمة، فإن عاند دعاه إلى المباهلة.

- وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عندنا في السعودية؛ بأن المباهلة حكمها عام للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولأمته مع النصارى ومع غيرهم.

شروطها:


ذكر الشيخ: إبراهيم الحميضي (في بحث له منشور) أنه استنبط خمسة شروط لا بد منها في المباهلة، وقد عرضها على الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – فأقرَّها، وهي:

1. إخلاص النية لله – عزوجل -.

2. العلم، قال القرطبي في تفسيره حول آية المباهلة: (في الآية دليل على المنع عن الجدال لمن لا علم له، ولاتحقيق عنده).

3. أن يكون طالب المباهلة من أهل الخير والصلاح والتقى؛ فإنها أرجى لإجابة دعوته.

4. أن تكون بعد مناظرة، وإقامة الحجة على المخالف بالأدلة والبراهين، فإذا أصر وبقي على ضلالة دعي لها، وتقدم كلام ابن القيم السابق.

5. أن تكون في أمر مهم من أمور المسلمين، ويرجى في إقامتها حصول مصلحة للإسلام والمسلمين.

ويمكن أن يضاف إليها شرطاً سادساً ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في المنهاج (7/125)، وهو: أن المباهلة تحصل بالأقربين في النسب؛ كما جاء في صحيح مسلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعا علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: «اللهم هؤلاء أهلي». ولو كانت بأهلهم الأبعدين في النسب - وأن كانوا أفضل عند الله -؛ لم يحصل المقصود فإن المراد أنهم يدعون الأقربين كما يدعوا هو الأقرب إليه، لأن النفوس تحنوا على أقاربها مالا تحنوا على غيرهم.

رأي آخر في حكمها:


أفادني بعض طلبة العلم أن فضيلة الشيخ: عبد الرحمن البراك سئل عن حكم مباهلة بعض الرافضة المستطيلين المعلنين بالسوء؟ فأجاب بالجواز، ولكنه لا ينصح بها لأمور:

1. لأن عامة المخالفين لا يرتدعون بها.

2. أنها قد تصادف قدراً فتكون فتنة لبعض العامة.

3. ولأن تحرير ألفاظها ومطابقتها لمعتقد قائلها قد يرده الخطأ.

4. وليس أثر دعائه - صلى الله عليه وسلم - كدعاء كثير من الناس.

مدة حصول العقوبة:


لم يرد في ذلك نص شرعي – حسب اطلاعي – ولعل في عدم وجود ذلك حكمة ربانية الله أعلم بها.

غير أنه قد ذكر عن ابن عباس – رضي الله عنهما –كما جاء في مسند الإمام أحمد (2225) أنه قال: لو خرج الذين يباهلون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجعوا لا يجدون مالاً ولا أهلاً.

وقد ذكر ابن حجر في فتح الباري (8/95) أن مما عرف في التجربة أن من باهل، وكان مبطلاً لا تمضي عليه سنة من يوم المباهلة، والله أعلم.

صور من مباهلات العلماء:


- ذكر السخاوي أنه سمع الحافظ ابن حجر يقول: جرى بيني وبين شخص من المحبين والمتعصبين لابن عربي

منازعة كبيرة في أمر ابن عربي فوقت بيني وبينه مباهلة فلم يقم بعدها غير شهرين! (وينظر فتح الباري: 8/95)

- دعا إليها ابن القيم بعض من خالفه في مسائل صفات الله؛ فلم يجبه إلى ذلك، وخاف سوء العاقبة.

- صدِّيق حسن خان القنوجي: قال أردت المباهلة في باب صفات الله تعالى، مع بعض المخالفين فلم يقم المخالف غير شهرين حتى مات! (عون الباري: 5/334)

- الشيخ ثناء الله الأمرتسـري؛ حيث باهل الكذاب غلام أحمد القادياني الذي ظهر في شبه القارة الهندية، فكان

أن ناقشه وناظره ثم باهله، فأهلك الله - عز وجل - هذا الكذاب بعد سنة من مباهلته، وبقي الشيخ ثناء الله

بعده قريباً من أربعين سنة، يهدم بنيان القاديانية ويجتث جذورها، فاعتبروا يا أولي الأبصار! (ينظر القاديانية، إحسان إلهي ظهير، 154-159)

وأختم هذا المقال بدعوة صالحة من رجل صالح، وهو: عمر بن عبد العزيز كما جاء في مصنف ابن أبي شيبة(29324) أنه كان يقول: "اللهم أصلح من كان صلاحه صلاحٌ لأمة محمد، اللهم وأهلك من كان هلاكه صلاحٌ لأمة محمد - صلى الله عليه و سلم –". فاللهم آمين، يا رب العالمين.

عبد اللطيف بن عبد الله التويجري

ذو القعدة – 1431هـ

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبداللطيف التويجري
  • مقالات قرآنية
  • كتب ومؤلفات
  • مقالات نقدية
  • مقالات علمية
  • خواطر وتأملات
  • خطب
  • مواد مرئية وسمعية
  • متفرقات
  • الصفحة الرئيسية