صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أبو بكر الصديق رضي الله عنه
خليفة المسلمين
هذا ما أراده الله عز وجل ورضيه المؤمنون

يحيى بن موسى الزهراني

 
قال الله تعالى : { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ التوبة40 ] .
ولا يخفى على عاقل عالم بكتاب الله تعالى وتفسيره أن المقصود بالثاني هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال : نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت يا رسول الله : لو أن أحدهم نظر إلى قدمه أبصرنا ، فقال : " يا أبا بكر ! ما ظنك باثنين الله ثالثهما " [ متفق عليه ] .
الحمد لله له كل المحامد ، يحمده كل حامد ، ويعبده كل عابد ، ويصمد إليه كل صامد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الماجد ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصامد المجاهد ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين . . وبعد :

مقدمة :
حاول الشيعة الرافضة النيل من أبي بكر الصديق _ رضي الله عنه _ خليفة المسلمين ، والقدح في شخصيته وخلافته ، والنيل من ابنته الطاهرة العفيفة النقية عائشة رضي الله عنها _ زوج النبي صلى الله عليه وسلم _ والتي برأها الله عز وجل من فوق سبع سماوات ، وقدحهم فيها ، قدح في أبيها ، وفي دين الإسلام كافة ، إذ كيف يرضى المسلمون أن يتولى قيادتهم وإمرتهم والولاية عليهم رجل في ابنته ما فيها من القبح _ وحاشها من ذلك _ فسب أم المؤمنين سب لأبيها ، بل وللأمة عامة لو علم العقلاء من بني الرافضة ، ولكن هيهات هيهات أن يفقهوا أو يعوا .
ولما لم يجد الرافضة مغرز إبرة ينقمون منه على صديق الأمة _ رضي الله عنه _ اختلقوا أكاذيب ، وافتروا أحاديث ما أنزل الله بها من سلطان ، وما قالها رسول الأمة _ صلى الله عليه وسلم _ ليوهموا الناس ، ويبثوا بينهم أقاويل مغلوطة ، وحكايات موهومة ، وأحاديث مكذوبة ، حتى يصدق جهلاء المسلمين ذلك .
ولما قيض الله تعالى لدينه من يحفظه ، ويبين صحيح السنة من سقيمها ، عرف الناس كافة أن ما يفعله الرافضة اليوم ما هو إلا تسويل من الشيطان ، وحب للدنيا ، والركون إليها ، فأبي بكر الصديق _ رضي الله عنه _ أحق بالخلافة من غيره لنصوص كثيرة ، وأدلة وفيرة ، لا تخفى على ذي علم وبصيرة بموارد الشريعة ، ولا يتقدمه في هذه المنزلة أحد ، ولا يسبقه إليها مستبق ، وإليك الأدلة :
1- عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمرها أن ترجع إليه ، قالت : أرأيت إن جئت ولم أجدك ؟ كأنها تقول : الموت ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن لم تجديني فأتي أبا بكر " [ متفق عليه ] .
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه : ادعي لي أبا بكر وأخاك _ يعني عبد الرحمن _ حتى أكتب كتاباً ، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل : أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " [ أخرجه مسلم ] .
قال الملا علي القاري : " لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه أي عبد الرحمن وأعهد : أي أوصي أبا بكر بالخلافة بعدي ، واجعله ولي عهدي ، أن يقول القائلون أي : لئلا يقول القائلون ، أو مخافة أن يقول القائلون : لم يعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر الخلافة الكبرى ، وإنما اقتصر على الخلافة الصغرى وهي الإمامة في الصلاة ، مع أن فيها الإشارة إلى إقامة تلك الأمانة ، أو يتمنى المتمنون أي : الخلافة لغيره من أنفسهم أو لغيرهم ، فأو للتفريع لا للشك ، وقال ابن الملك أي كراهة أن يقول قائل : أنا أحق منه بالخلافة ، أو يتمنى أحد أن يكون الخليفة غيره " .
ويأبى المؤمنون أي : أيضاً لاستخلافي إياه في الإمامة الصغرى فإنها أمارة الإمارة الكبرى كما فهم بعض كبراء الصحابة ، حيث قال عند المنازعة : اختاره لأمر ديننا ، أفلا نختاره لأمور دنيانا ، فهذا برهان جلي ، وتبيان علي ، عند كل ولي ، ثم في قوله ويأبى الله والمؤمنون إشارة إلى تكفير من أنكر أحقية خلافة الصديق ، اللهم إلا أن يقال المراد بالمؤمنين أكثرهم ، ففيه إثبات مخالفتهم لجمهور المسلمين .
وقال ابن الملك أي : تركت الإيصاء اعتماداً على أن الله تعالى يأبى كون غيره خليفة ويدفع المؤمنون غيره وقال ابن الملك أي تركت الإيصاء اعتماداً على أن الله تعالى يأبى كون غيره خليفة ويدفع المؤمنون غيره وفيه فضيلة لأبي بكر وإخبار بما سيقع فكان كما قال [مرقاة المفاتيح ج11/ص121 ]
وقال الملا علي أيضاً : " قوله صلى الله عليه وسلم : " ويأبى الله والمؤمنون " أي : خلافاً للمنافقين والرافضة في أمر الخلافة ، إلا أبا بكر ، قال شارح : أي يأبيان خلافة كل أحد إلا خلافة أبي بكر انتهى .
قال النووي رحمه الله : " وهذا دليل لأهل السنة على أن خلافة أبي بكر رضي الله عنه ليست بنص من النبي صلى الله عليه وسلم صريحاً ، بل أجمعت الصحابة على عقد الخلافة له وتقديمه لفضله ، ولو كان هناك نص عليه ، أو على غيره ، لم تقع المنازعة بين الأنصار وغيرهم أوّلاً .
وأما ما يدعيه الشيعة من النص على علي رضي الله عنه والوصية إليه فباطل لا أصل له ، باتفاق المسلمين ، وأول من يكذبهم علي حين سئل هل عندكم شيء ليس في القرآن ؟ قال : " ما عندي إلا ما في هذه الصحيفة . . . الحديث " ولو كان عنده نص لذكره " [ مرقاة المفاتيح ج11/ص168 ] .
وحديث الصحيفة أخرجه البخاري وغيره من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه قال : قلت لعلي _ ابن أبي طالب رضي الله عنه _ هل عندكم كتاب ؟ قال : " لا ، إلا كتاب الله ، أو فهم أعطيه رجل مسلم ، أو ما في هذه الصحيفة " قلت : فما في هذه الصحيفة ؟ قال : " العقل ، وفكاك الأسير ، ولا يقتل مسلم بكافر " .
3- ما أخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة والحاكم وصححه ، عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " .
4- ما أخرجه الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال : " إن الله تبارك وتعالى خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله ، فبكى أبو بكر ، وقال : بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا ، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيره الله فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير ، وكان أبو بكر أعلمنا " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من أمَنِّ الناس علي في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقين باب إلا سد إلا باب أبي بكر " ، و في لفظ لهما : " لا يبقين في المسجد غير خوخة إلا خوخة أبي بكر " [ الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة ج1/ص56 ] .
قال العلماء في هذه الأحاديث إشارة إلى خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه لأن الخليفة يحتاج إلى القرب من المسجد لشدة احتياج الناس إلى ملازمته له للصلاة بهم وغيرها .
5- ما أخرجه الحاكم وصححه ، عن أنس رضي الله عنه قال : " بعثني بنو المصطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سله إلى من ندفع صدقاتنا بعدك ، فأتيته فسألته فقال : " إلى أبي بكر " ، ومن لازم دفع الصدقة إليه كونه خليفة إذ هو المتولي قبض الصدقات .
6- ما أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه : " ادعي لي أباك وأخاك ، حتى أكتب كتاباً ، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل : أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " [ الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة ج1/ص58 ] .
7- ما أخرجه الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : مرض النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد مرضه فقال : " مروا أبا بكر فليصل بالناس " قالت عائشة يا رسول الله إنه رجل رقيق القلب ، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس ؟ فقال : " مري أبا بكر فليصل بالناس " فعادت فقال : " مري أبا بكر فليصل بالناس فإنكن صواحب يوسف " فأتاه الرسول فصلى بالناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
" ، وفي رواية أنها لما راجعته فلم يرجع لها قالت لحفصة قولي له : يأمر عمر ، فقالت له : فأبى حتى غضب وقال : " أنتن أو إنكن أو لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر " .
قالت عائشة رضي الله عنها : " لقد راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، وما حملني على كثرة مراجعته ، إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلاً قام مقامه أبداً ، ولا كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به ، فأردت أن يعدل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر " .
وفي حديث ابن زمعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصلاة وكان أبو بكر غائباً فتقدم عمر فصلى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ، لا ، لا ، يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر ، فيصلي بالناس أبو بكر " .
وفي رواية عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال له : " أخرج وقل لأبي بكر يصلي بالناس ، فخرج فلم يجد على الباب إلا عمر في جماعة ليس فيهم أبو بكر فقال يا عمر : صل بالناس ، فلما كبر ، وكان صيتاً وسمع صلى الله عليه وسلم صوته ، قال : " يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر ، يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر ، يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر " ، وفي حديث ابن عمر ، كبر عمر فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيره ، فأطلع رأسه مغضباً فقال : " أين ابن أبي قحافة " .
قال العلماء : في هذا الحديث أوضح دلالة على أن الصديق أفضل الصحابة على الإطلاق وأحقهم بالخلافة وأولاهم بالإمامة .
وأخرج أحمد وأبو داود وغيرهما عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : كان قتال بين بني عمرو ، وبني عوف ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم ، فقال : " يا بلال إن حضرت الصلاة ولم آت ، فمر أبا بكر فليصل بالناس ، فلما حضرت صلاة العصر أقام بلال الصلاة ثم أمر أبا بكر فصلى " .
ووجه ما تقرر من أن الأمر بتقديمه للصلاة كما ذُكر فيه الإشارة أو التصريح بأحقيته بالخلافة ، إذ القصد الذاتي من نصب الإمام العالم إقامة شعائر الدين على الوجه المأمور به من أداء الواجبات ، وترك المحرمات ، وإحياء السنن ، وإماتة البدع ، وأما الأمور الدنيوية وتدبيرها ، كاستيفاء الأموال من وجوهها ، وإيصالها لمستحقها ، ودفع الظلم ونحو ذلك ، فليس مقصوداً بالذات ، بل ليتفرغ الناس لأمور دينهم ، إذ لا يتم تفرغهم له إلا إذا انتظمت أمور معاشهم بنحو الأمن على الأنفس والأموال ، ووصول كل ذي حق إلى حقه ، فلذلك رضي النبي صلى الله عليه وسلم لأمر الدين ، وهو الإمامة العظمى أبا بكر بتقديمه للإمامة في الصلاة كما ذكرنا ومن ثم أجمعوا على ذلك كما مر .
وأخرج ابن عدي عن أبي بكر بن عياش قال : قال لي الرشيد : يا أبا بكر كيف استخلف الناس أبا بكر الصديق رضي الله عنه ؟ قلت : يا أمير المؤمنين سكت الله ، وسكت رسوله ، وسكت المؤمنون ، قال : والله ما زدتني إلا عماء .
قلت يا أمير المؤمنين : مرض النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية أيام ، فدخل عليه بلال ، فقال يا رسول الله : من يصلي بالناس ؟ قال : " مر أبا بكر فليصل بالناس ، فصلى أبو بكر بالناس ثمانية أيام والوحي ينزل عليه ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسكوت الله ، وسكت المؤمنون ، لسكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجبه " فقال : بارك الله فيك .
8- ما أخرجه ابن حبان عن سفينة لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ، وضع في البناء حجراً ، وقال لأبي بكر : ضع حجرك إلى جنب حجري ، ثم قال لعمر : ضع حجرك إلى جنب حجر أبي بكر ، ثم قال لعثمان : ضع حجرك جنب حجر عمر ، ثم قال : هؤلاء الخلفاء بعدي .
قال أبو زرعة إسناده لا بأس به وقد أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه والبيهقي في الدلائل وغيرهما وقوله لعثمان ما ذكر يرد على من زعم أن هذا إشارة إلى قبورهم على أن قوله آخر الحديث هؤلاء الخلفاء بعدي صريح فيما أفاده الترتيب الأول أن المراد به ترتيب الخلافة .
9- ما أخرجه الشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رأيت كأني أنزع بدلو بكرة _ بسكون الكاف _ على قليب أي بئر لم تطو ، فجاء أبو بكر فنزع ذنوباً أي بفتح المعجمة دلواً ممتلئة ماء ، أو قريبة من ملئه ، أو ذنوبين نزعاً ضعيفاً ، والله يغفر له ، ثم جاء عمر فاستقى فاستحالت غرباً أي دلواً عظيماً ، فلم أر عبقرياً أي رجلاً قوياً شديداً من الناس يفري فريه ، أي يعمل عمله ، حتى روي الناس وضربوا بعطن ، والعطن ما تناخ فيه الإبل إذا رويت .
10- ما أخرجه أبو بكر الشافعي في الغيلانيات وابن عساكر عن حفصة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أنت ترمت ، قدمت أبا بكر ، قال : لست أنا أقدمه ولكن الله قدمه " .
11- ما أخرجه الدارقطني والخطيب وابن عساكر عن علي قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سألت الله أن يقدمك ثلاثاً ، فأبى علي إلا تقديم أبي بكر "
12- ما أخرجه ابن سعد عن الحسن قال : قال أبو بكر : يا رسول الله ! ما أزال أراني أطأ في عذرات الناس " قال : " لتكونن من الناس بسبيل " قال : ورأيت في صدري كالرقمتين ، قال : " سنتين "
13- ما أخرجه البزار بسند حسن ، عن أبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول دينكم بدء بنبوة ورحمة ، ثم يكون خلافة ورحمة ، ثم يكون ملكاً وجبرية " .
وجه الدلالة منه : أنه أثبت لخلافة أبي بكر أنها خلافة ورحمة إذ هي التي وليت مدة النبوة والرحمة وحينئذ فيلزم أحقيتها ويلزم من أحقيتها أحقية خلافة بقية الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم .
وأخرج ابن عساكر عن أبي بكرة قال : أتيت عمر وبين يديه قوم يأكلون ، فرمى ببصره في مؤخر القوم إلى رجل فقال : ما تجد فيما يقرأ قبلك من الكتب ، قال : خليفة النبي صلى الله عليه وسلم صديقه " .
وأخرج ابن عساكر عن محمد بن الزبير قال : أرسلني عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري ، أسأله عن أشياء ، فجئته فقلت له : أشفني فيما اختلف فيه الناس ، هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر ؟
فاستوى الحسن قاعداً فقال : أو في شك هو لا أبا لك ، أي والله الذي لا إله إلا هو لقد استخلفه ، ولهو كان أعلم بالله ، وأتقى له ، وأشهد له مخافة من أن يموت عليها لو لم يؤمره .
14- ما أخرجه البزار عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اشتد به وجعه قال : " ائتوني بداوة وكتف أو قرطاس ، أكتب لأبي بكر كتاباً ، أن لا يختلف الناس عليه " ثم قال : " معاذ الله أن يختلف الناس على أبي بكر " .
فهذا نص صريح كما قاله بعض المحققين على خلافة أبي بكر وأنه صلى الله عليه وسلم إنما ترك مُعَوِلاً كتابه على أنه لا يقع إلا كذلك ، وبهذا يبطل قول من ظن أنه إنما أراد أن يكتب كتاباً بزيادة أحكام خشي عمر عجز الناس عنها ، بل الصواب أنه إنما أراد أن يكتب في ذلك الكتاب النص على خلافة أبي بكر لكن لما تنازعوا واشتد مرضه صلى الله عليه وسلم عدل عن ذلك معولا على ما هو الأصل في ذلك من استخلافه على الصلاة .
15- عنْ أبي هُرَيْرَة رضي الله عنهَ قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " بَيْنا أنا نائِمٌ رأيْتُنِي عَلى قَلِيبٍ _ بئر _ فَنَزَعْتُ ما شاءَ الله أنْ أنْزِعَ ، ثُمَّ أخَذَها ابنُ أبي قُحافَة َفَنَزَعَ ذَنُوباً أوْ ذنوبَيْنِ _ دلواً أو دلوين _ وفي نَزْعِهِ ضَعْفٌ _ إشارة إلى قصر مدة خلافته _ والله يَغْفِرُ لهُ ، ثُمَّ أخَذَها عُمَرُ فاسْتَحالَتْ غَرْباً _ أي دلواً كبيراً ، أي تحولت من الصغير إلى الكبير _ فَلَمْ أرَ عَبْقَرِيّاً _ سيداً وكبيراً _ مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ _ يعمل عمله _ حتَّى ضَرَبَ النَّاسُ حَوْلَهُ بِعَطَن _ مكان الشرب " .
16- عن أبي بكرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من رأى منكم رؤيا ؟ فقال رجل : أنا رأيت ميزانا أنزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر ، ثم وزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر ، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ، ثم رفع ، فرأيت الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " خلافة نبوة ، ثم يؤتى الله الملك من يشاء " [ أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما ، وصححه الألباني رحمه الله في تخريج الطحاوية ] .
17- وعن محمد بن الحنفية قال قلت لأبي أي الناس خير بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال أبو بكر . قلت ثم من ؟ قال عمر . وخشيت أن يقول عثمان . قلت ثم أنت قال ما أنا إلا رجل من المسلمين " [ رواه البخاري ] .
18- وعن ابن عمر قال كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم " [ رواه البخاري ] . وفي رواية لأبي داود قال كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم .
فكل تلكم الأدلة السابقة تدل على فضيلة الصديق وأحقيته بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويبقى السؤال المهم :
سؤال مهم :
هل نص النبي صلى الله عليه وسلم بالخلافة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ؟
الجواب :
اعلم أنهم اختلفوا في ذلك ومن تأمل الأحاديث التي قدمناها علم من أكثرها أنه نص عليها نصا ظاهرا وعلى ذلك جماعة من المحققين وهو الحق وقال جمهور أهل السنة والمعتزلة والخوارج لم ينص على أحد .
ويؤيدهم ما أخرجه البزار في مسنده عن حذيفة قال : قالوا يا رسول الله : " ألا تستخلف علينا ؟ " قال : إني إن استخلف عليكم فتعصون خليفتي ينزل عليكم العذاب " [ وأخرجه الحاكم في المستدرك لكن في سنده ضعف ] .
وما أخرجه الشيخان عن عمر رضي الله عنه أنه قال حين طعن : " إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني _ يعني أبا بكر _ وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم "
وما أخرجه أحمد والبيهقي بسند حسن عن علي رضي الله عنه أنه لما ظهر علي يوم الجمل قال : " أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئاً حتى رأينا من الرأي أن نستخلف أبا بكر ، فأقام واستقام ، حتى مضى لسبيله ، ثم إن أبا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عمر ، فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه ، ثم إن أقواماً طلبوا الدنيا فكانت أمور يقضي الله فيها " .
والجران بكسر الجيم : باطن عنق البعير ، يقال ضرب بجرانه الشيء أي استقر وثبت .
وأخرج الحاكم وصححه أنه قيل لعلي : ألا تستخلف علينا ؟ فقال : ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستخلف ، ولكن إن يرد الله بالناس خيراً فسيجمعهم بعدي على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم " .
وما أخرجه ابن سعد عن علي أيضاً قال : قال علي لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد قدم أبا بكر في الصلاة فرضينا لدنيانا ما رضيه النبي صلى الله عليه وسلم لديننا ، فقدمنا أبا بكر " .
وقول البخاري في تاريخه روي عن ابن جمهان عن سفينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر وعثمان : " هؤلاء الخلفاء بعدي " ، ومر أن هذا الحديث صحيح ولا منافاة بين القول بالاستخلاف والقول بعدمه ، لأن مراد من نفاه أنه لم ينص عند الموت على استخلاف أحد بعينه ، ومراد من أثبته أنه صلى الله عليه وسلم نص عليه وأشار إليه قبل ذلك ، ولا شك أن النص على ذلك قبل قرب الوفاة يتطرق إليه الاحتمال وإن بعد ، بخلافه عند الموت ، فلذلك نفى الجمهور كعلي وعمر وعثمان الاستخلاف ، ويؤيد ذلك قول بعض المحققين من متأخري الأصوليين معنى لم ينص عليها لأحد : لم يأمر بها لأحد ، على أنه قد يؤخذ مما في البخاري عن عثمان أن خلافة أبي بكر منصوص عليها ، والذي فيه في هجرة الحبشة عنه من جملة حديث أنه قال وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته ، ووالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله ، ثم استخلف الله أبا بكر ، فوالله ما عصيته ولا غششته ، ثم استخلف عمر ، فوالله ما عصيته ولا غششته . . . الحديث " .
فائدة مهمة :
تأمل قوله في أبي بكر ثم استخلف الله أبا بكر ، وفي عمر ثم استخلف عمر ، تعلم دلالته على ما ذكرته من النص على خلافة أبي بكر ، وإذا أفهم كلامه هذا ذلك مع ما مر عنه من أنها غير منصوص عليها تعين الجمع بين كلاميه بما ذكرناه وكان اشتمال كلاميه على ذينك مؤيدا للجمع الذي قدمناه وعلى كل فهو صلى الله عليه وسلم كان يعلم لمن هي بعده بإعلام الله له ومع ذلك فلم يؤمر بتبليغ الأمة النص على واحد بعينه عند الموت وإنما وردت عنه ظواهر تدل على أنه علم بإعلام الله له أنها لأبي بكر فأخبر بذلك كما مر وإذا أعلمها فأما أن يعلمها علما واقعا موافقا للحق في نفس الأمر أو أمرا واقعا مخالفا له وعلى كل حال لو وجب على الأمة مبايعة غير أبي بكر لبالغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ ذلك [ الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة ج1/ص72 ] .
الواجب إليهم بأن ينص عليه نصا جليا ينقل مشتهرا حتى يبلغ الأمة ما لزمهم ولما لم ينقل كذلك مع توفر الدواعي على نقله دل على أنه لا نص وتوهم أن عدم تبليغه لعلمه بأنهم لا يأتمرون بأمره فلا فائدة فيه باطل فإن ذلك غير مسقط لوجوب التبليغ عليه ألا ترى أنه بلغ سائر التكاليف للآحاد مع الذين علم منهم أنهم لا يأتمرون فلم يسقط العلم بعدم ائتمارهم التبليغ عنه واحتمال أنه بلغ أمر الإمامة سرا واحدا واثنين ونقل كذلك لا يفيد لأن سبيل مثله الشهرة لصيرورته بتعدد التبليغ وكثرة المبلغين أمرا مشهورا إذ هو من أهم الأمور لما يتعلق به من مصالح الدين والدنيا كما مر مع ما فيه من دفع ما قد يتوهم من إثارة فتنة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " فقد اتفق هؤلاء الذين شهد الله لهم بالصدق وجميع إخوانهم من الأنصار رضي الله عنهم على أن سموه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعنى الخليفة في اللغة : هو الذي يستخلفه المرء ، لا الذي يخلفه دون أن يستخلفه هو ، لا يجوز غير هذا ألبتة في اللغة بلا خلاف ، تقول : استخلف فلان فلاناً يستخلفه ، فهو خليفة ومستخلفه ، فإن قام مكانه دون أن يستخلفه ، لم يقل إلا خلف فلان فلاناً يخلفه فهو خالف ، ومحال أن يعنوا بذلك الاستخلاف على الصلاة لوجهين ضرورين :
أحدهما : أنه لم يستحق أبو بكر قط هذا الاسم على الإطلاق في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حينئذ خليفته على الصلاة ، فصح يقيناً أن خلافته المسمى بها هي غير خلافته على الصلاة .
والثاني : أن كل من استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته كعلي في غزوة تبوك ، وابن أم مكتوم في غزوة الخندق ، وعثمان بن عفان في غزوة ذات الرقاع ، وسائر من استخلفه على البلاد باليمن والبحرين والطائف وغيرها ، لم يستحق أحد منهم قط بلا خلاف بين أحد من الأمة أن يسمى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصح يقيناً بالضرورة التي لا محيد عنها ، أنها الخلافة بعده على أمته ، ومن المحال أن يجمعوا على ذلك وهو لم يستخلفه نصاً ، ولو لم يكن ههنا إلا استخلافه في الصلاة لم يكن أبو بكر أولى بهذه التسمية من سائر من ذكرنا [ منهاج السنة ج1/ص494 ] .
وقال رحمه الله : " فقد ظهر لعامة الخلائق أن أبا بكر رضي الله عنه كان أخص الناس بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فهذا النبي وهذا صديقه ، فإذا كان محمد أفضل النبيين ، فصديقه أفضل الصديقين ، فخلافة أبي بكر الصديق دلت النصوص الصحيحة على صحتها وثبوتها ورضا الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم له بها ، وانعقدت بمبايعة المسلمين له ، واختيارهم إياه ، اختياراً استندوا فيه إلى ما علموه من تفضيل الله ورسوله ، وأنه أحقهم بهذا الأمر عند الله ورسوله ، فصارت ثابتة بالنص والإجماع جميعاً .
ولكن النص دل على رضا الله ورسوله بها وأنها حق وأن الله أمر بهذا وقدرها وأن المؤمنين يختارونها وكان هذا أبلغ من مجرد العهد بها لأنه حينئذ كان يكون طريق ثبوتها مجرد العهد وأما إذا كان المسلمون قد اختاروه من غير عهد ودلت النصوص على صوابهم فيما فعلوه ورضا الله ورسوله بذلك كان ذلك دليلا على أن الصديق كان فيه من الفضائل التي بان بها عن غيره ما علم المسلمون به أنه احقهم بالخلافة وأن ذلك لا يحتاج فيه إلى عهد خاص كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب لأبي بكر فقال لعائشة ادعى لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر اخرجاه في الصحيحين وفي البخاري لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ويدفع الله ويأبى المؤمنون .
فبين صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن يكتب كتابا خوفا ثم علم أن الأمر واضح ظاهر ليس مما يقبل النزاع فيه والأمة حديثة عهد بنبيها وهم خير أمة أخرجت للناس وأفضل قرون هذه الأمة فلا يتنازعون في هذا الأمر الواضح الجلي فإن النزاع إنما يكون لخفاء العلم أو لسوء القصد وكلا الأمرين منتف فإن العلم بفضيلة أبي بكر جلي وسوء القصد لا يقع من جمهور الأمة الذين هم أفضل القرون ولهذا قال يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر فترك ذلك لعلمه بأن ظهور فضيلة أبي بكر الصديق واستحقاقه لهذا الأمر يغنى عن العهد فلا يحتاج إليه فتركه لعدم الحاجة وظهور فضيلة الصديق واستحقاقه وهذا أبلغ من العهد " [منهاج السنة النبوية ج1/ص524 ] .
إنكار الرافضة خلافة أبا بكر الصديق رضي الله عنه :
قال الشيخ / محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : " ومنها : إنكارهم صحة خلافة الصديق رضي الله عنه وإنكارها يستلزم تفسيق من بايعه واعتقد خلافته حقاً وقد بايعه الصحابة رضي الله عنهم حتى أهل البيت كعلي رضي الله عنه وقد اعتقدها حقاً جمهور الأمة واعتقاد تفسيقهم يخالف قوله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس } إذ أي خير في أمة يخالف أصحاب نبيها إياه ويظلمون أهل بيته بغصب أجل المناصب ويؤذونه بإيذائهم ويعتقد جمهورها الباطل حقاً ، سبحانك هذا افتراء عظيم ، ومن اعتقد ما يخالف كتاب الله فقد كفر ، والأحاديث الواردة في صحة خلافة الصديق وبإجماع الصحابة وجمهور الأمة على الحق أكثر من أن تحصر ، ومن نسب جمهور أصحابه صلى الله عليه وسلم إلى الفسق والظلم ، وجعل اجتماعهم على الباطل ، فقد ازدرى بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وازدراؤه كفر ، وما أضيع صنيع قوم يعتقدون في جمهور النبي صلى الله عليه وسلم الفسق والعصيان والطغيان ، مع أن بديهة العقل تدل على أن الله تعالى لا يختار لصحبة صَفيّة ونصرة دينه إلا الأصفياء من خلقه ، والنقل المتواتر يؤيد ذلك ، فلو كان في هؤلاء القوم خير لما تكلموا في صحب النبي صلى الله عليه وسلم وأنصار دينه إلا بخير ، لكن الله أشقاهم فخذلهم بالتكلم في أنصار الدين ، وكل ميسر لما خلق له ، عن علي رضي الله عنه قال : " دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله : استخلف علينا ! قال : " إن يعلم الله فيكم خيراً يول عليكم خيركم " فقال علي رضي الله عنه : فعلم الله فينا خيراً ، فولى علينا خيرنا أبا بكر رضي الله عنه " [ رواه الدارقطني ] وهذا أقوى حجة على من يدعي موالاة علي رضي الله عنه .
ومنها : أنه روى الكشي منهم وهو عندهم أعرفهم بحال الرجال وأوثقهم في رجاله وغيره ، عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه _ وحاشاه من ذلك _ أنه قال : " لما مات النبي صلى الله عليه وسلم ارتد الصحابة كلهم إلا أربعة : المقداد ، وحذيفة ، وسلمان ، وأبو ذر رضي الله عنهم " فقيل له : كيف حال عمار بن ياسر ؟ قال : حاص حيصة ثم رجع " .
هذا العموم المؤكد يقتضي ارتداد علي وأهل البيت ، وهم لا يقولون بذلك ، وهذا هدم لأساس الدين ، لأن أساسه القرآن والحديث ، فإذا فرض ارتداد من أخذ من النبي صلى الله عليه وسلم إلا النفر الذين لا يبلغ خبرهم التواتر ، وقع الشك في القرآن والأحاديث ، نعوذ بالله من اعتقاد يوجب هدم الدين ، وقد اتخذ الملاحدة كلام هؤلاء الرافضة حجة لهم ، فقالوا : كيف يقول الله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس } وقد ارتدوا بعد وفاة نبيهم إلا نحو خمسة أو ستة أنفس منهم لامتناعهم من تقديم أبي بكر على علي وهو الموصى به ، فانظر إلى كلام هذا الملحد تجده من كلام الرافضة ، فهؤلاء أشد ضرراً على الدين من اليهود والنصارى ، وفي هذه الهفوة الفساد من وجوه :
فإنها توجب إبطال الدين والشك فيه ، وتجوز كتمان ما عورض به القرآن ، وتجوز تغيير القرآن ، وتخالف قوله تعالى : { رضي الله عن المؤمنين } وقوله تعالى : { رضي الله عنهم ورضوا عنه } وقوله فيمن آمن قبل الفتح وبعده : { وكلا وعد الله الحسنى } وقوله في حق المهاجرين والأنصار : { أولئك هم الصادقون } ، { وأولئك هم المفلحون } [ رسالة في الرد على الرافضة ج1/ص8 ] .
وبوب البيهقي رحمه الله باباً في دلائل النبوة أسماه :
باب ما جاء في إخباره بأن الله تعالى يأبى ثم المؤمنون أن يكون بعده الخليفة إلا أبا بكر وإن لم يستخلفه في غير الصلاة نصاً فكان كما أخبر .
وساق تحته حديث عائشة عند مسلم وفيه : " فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " [ دلائل النبوة ج6/ص343 ].
وهذا مما يدل على أن أبا بكر رضي الله عنه هو خليفة المسلمين دون معارض أو منازع ، بل وبرضى تام من كافة أفراد الصحابة .
أقوال آل البيت في خلافة أبي بكر رضي الله عنه :
تروي بعض كتب الشيعة عن جعفر الصادق أنه قال لامرأة سألته عن أبي بكر وعمر: أأتولاهما ؟! قال : توليهما . فقالت : فأقول لربي إذا لقيته إنك أمرتني بولايتهما ؟! قال لها : نعم " [ روضة الكافي 8/101 ] .
وتروي أن رجلا من أصحاب الباقر تعجب حين سمع وصف الباقر لأبي بكر رضي الله عنه بأنه الصديق، فقال الرجل : أتصفه بذلك ؟! فقال الباقر : نعم الصديق فمن لم يقل له الصديق ، فلا صدق الله له قولاً في الآخرة " [ كشف الغمة 2/360 ] .
ورد في كتاب ( نهج البلاغة ) الذي تقدره الشيعة ما يلي :
ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى معاوية : " إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسمَّوه إماماً كان ذلك لله رضاً فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى ولعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى فتجن ما بدا لك والسلام " [ انظر: كتاب « صفوة شروح نهج البلاغة » (ص593) ] .
ففي هذا دليل على ما يلي :
1- أن الإمام يختار من قبل المهاجرين والأنصار، فليس له أي علاقة بركن الإمامة عند الشيعة!
2- أن عليا قد بويع بنفس الطريقة التي بويع بها أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين.
3- أن الشورى للمهاجرين والأنصار، وهذا يدل على فضلهم ودرجتهم العالية عند الله، ويعارض ويخالف الصورة التي يعكسها الشيعة عنهم.
4- أن قبول المهاجرين والأنصار ورضاهم ومبايعتهم لإمام لهم يكون من رضا الله، فليس هناك اغتصاب لحق الإمامة كما يدعي الشيعة، وإلا فكيف يرضى الله عن ذلك الأمر؟!
5- أن الشيعة يلعنون معاوية رضي الله عنه، ولم نجد عليًا رضي الله عنه يلعنه في رسائله!
إذاً لا يستطيع الشيعة أن ينكروا أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين قد بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وأن الله أخبر بأنه قد رضي عنهم وعلم ما في قلوبهم _ قال تعالى : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } [ الفتح 18] ، فكيف يليق بالشيعة بعد هذا أن يكفروا بخبر الله تعالى، ويزعموا خلافه؟! فكأنهم يقولون : " أنت يا رب لا تعلم عنهم ما نعلم _ والعياذ بالله _ .
بينما نجد الشيعة يتقربون إلى الله بسب كبار الصحابة، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون الثلاثة : أبوبكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، لا نجد سنيًا واحدًا يسب واحدًا من آل البيت! بل يتقربون إلى الله بحبهم [ أسئلة قادت شباب الشيعة إلى الحق ] .
كذب وافتراء :
تزعم الشيعة أن أبابكر وعمر اغتصبا الخلافة من علي وتآمرا عليه لكي يمنعوه منها..الخ افترائهم.
نقول : لو كان ما ذكرتموه حقا فما الذي دعا عمر إلى إدخاله في الشورى مع من أدخله فيها؟ ولو أخرجه منها كما أخرج سعيد بن زيد أو قصد إلى رجل غيره فولاه ما اعترض عليه أحد في ذلك بكلمة؟!
فصح ضرورة بما ذكرنا أن القوم أنزلوه منزلته غير غالين ولا مقصرين، رضي الله عنهم أجمعين، وأنهم قدموا الأحق فالأحق والأفضل فالأفضل، وساووه بنظرائه منهم.
ويؤكد هذا : البرهان التالي؛ وهو : أن علياً رضي الله عنه لما تولى بعد قتل عثمان رضي الله عنه سارعت طوائف المهاجرين والأنصار إلى بيعته، فهل ذكر أحد من الناس أن أحدا منهم اعتذر إليه مما سلف من بيعتهم لأبي بكر وعمر وعثمان؟! أو هل تاب أحد منهم من جحده للنص على إمامته؟! أو قال أحد منهم: لقد ذكرت هذا النص الذي كنت أنسيته في أمر علي؟!
لقد نازع الأنصار رضي الله عنهم أبا بكر رضي الله عنه ودعوا إلى بيعة سعد بن عبادة رضي الله عنه، وقعد علي رضي الله عنه في بيته لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، فلا يخلو رجوع الأنصار كلهم إلى بيعة أبي بكر من أن يكون بسبب من هذه الأسباب :
1- أن يكون بالقوة.
2- أو أن يكون عن ظهور حق أبي بكر بالخلافة؛ فأوجب ذلك الانقياد لبيعته.
3- أو فعلوا ذلك لغير معنى. ولا سبيل إلى قسم رابع بوجه من الوجوه.
فإن قال الشيعة : إنما بايعوه بالقوة، فهذا كذب؛ لأنه لم يكن هنالك قتال ولا تضارب ولا سباب ولا تهديد ولا سلاح، ومحال أن يرهب الأنصار وهم أزيد من ألفي فارس أبطال كلهم عشيرة واحدة قد ظهر من شجاعتهم ما لا مرمى وراءه وهو أنهم بقوا ثمانية أعوام متصلة محاربين لجميع العرب في أقطار بلادهم ، موطنين على الموت متعرضين مع ذلك للحرب مع قيصر الروم بمؤتة وغيرها، محال أن يرهبوا أبا بكر ورجلين أتيا معه فقط لا يرجع إلى عشيرة كثيرة ولا إلى موال ولا إلى عصبة ولا مال، فيرجعوا إليه وهو عندهم مبطل! بل بايعوه بلا تردد ولا تطويل.
وكذلك يبطل أن يرجعوا عن قولهم وما كانوا قد رأوه من أن الحق حقهم وعن بيعة ابن عمهم، فمن المحال اتفاق أهواء هذا العدد العظيم على ما يعرفون أنه باطل دون خوف يضطرهم إلى ذلك، ودون طمع يتعجلونه من مال أو جاه، ثم يسلمون كل ذلك إلى رجل لا عشيرة له ولا منعة ولا حاجب ولا حرس على بابه ولا قصر ممتنع فيه ولا موالي ولا مال.
وإذ قد بطل كل هذا فلم يبق إلا أن الأنصار رضي الله عنهم إنما رجعوا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنهم لبرهان حق صح عندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لا لاجتهاد كاجتهادهم ولا لظن كظنونهم.
فإذا بطل أن يكون الأمر في الأنصار وزالت الرياسة عنهم، فما الذي حملهم كلهم أولهم عن آخرهم على أن يتفقوا على جحد نص النبي صلى الله عليه وسلم على خلافة علي؟! ومن المحال أن تتفق آراؤهم كلهم على معونة من ظلمهم وغصبهم حقهم!!
بما أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قد نجحا في تنحية علي رضي الله عنه عن الخلافة ـ كما تزعم الشيعة ـ، فما هي المكاسب التي حققوها لأنفسهم؟!
ولماذا لم يخلف أبو بكر أحد أولاده على الحكم، كما فعل علي؟!
ولماذا لم يخلف عمر أحد أولاده على الحكم كما فعل علي؟!
فليجب على ذلك من خالف أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
كلمة الحق :
لقد كان الخليفة الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر الصديق؛ والدليل على هذا :
1- اتفاق الصحابة وإجماعهم على طاعته وانقيادهم لأوامره ونواهيه وتركهم الإنكار عليه، ولو لم يكن خليفة حقا لما تركوا ذلك، ولما أطاعوه، وهم من هم زهدًا وورعًا وديانة، وكانت لا تأخذهم في الله لومة لائم.
2- أن عليًا رضي الله عنه ما خالفه ولا قاتله، ولا يخلو : إما أن يكون تركه لقتاله خوفًا من الفتنة والشر، أو لعجز، أو لعلمه أن الحق مع أبي بكر.
ولا يمكن أن يكون تركه لأجل اتقاء الفتنة وخوف الشر؛ لأنه قاتل معاوية رضي الله عنه، وقتل في الحرب الخلق الكثير، وقاتل طلحة والزبير رضي الله عنهما وقاتل عائشة رضي الله عنها حين علم أن الحق له ولم يترك ذلك خوفًا من الفتنة!
ولا يمكن أن يكون عاجزًا ؛ لأن الذين نصروه في زمن معاوية كانوا على الإيمان يوم السقيفة ويوم استخلاف عمر ويوم الشورى، فلو علموا أن الحق له لنصروه أمام أبي بكر رضوان الله عليه؛ لأنه أولى من معاوية رضي الله عنه بالمحاربة والقتال.
فثبت أنه ترك ذلك لعلمه أن الحق مع أبي بكر رضي الله عنهما!
سؤال مهم :
لماذا لا يكون علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو خليفة المسلمين ، لاسيما ومكانة من النبي صلى الله عليه وسلم معروفة ، فهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وزوج بنته فاطمة رضي الله عنها ، فلماذا لا يكون هو الخليفة بعد رسول الله ؟
الجواب :
الجواب على هذا التساؤل من وجهين :
الوجه الأول : وردت جملة من الأحاديث التي تدل على فضيلة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، كيف لا وهو من شهد لهم بالفضل والسبق عليه .
الوجه الثاني : أن انتقال الخلافة إلى غير آل البيت ، كان بعلم الله سبحانه وتعالى ، لحكمة أرادها الله عز وجل ، ولعل السر أو الحكمة ، هو حماية الرسالة النبوية .
يقول ابن القيم رحمه الله : " السر في خروج الخلافة عن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر وعمر وعثمان أن علياً لو تولى الخلافة بعد موته لأوشك أن يقول المبطلون : أنه ملك ورث ملكه أهل بيته فصان الله منصب رسالته ونبوته عن هذه الشبهة وتأمل قول هرقل لأبي سفيان هل كان في آبائه من ملك ؟ قال : لا ، فقال له : لو كان في آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك آبائه فصان الله منصبه الرفيع من شبهة الملك في آبائه وأهل بيته ، وهذا هو السر والله أعلم في كونه لم يورث هو والأنبياء قطعاً لهذه الشبهة لئلا يظن المبطل أن الأنبياء طلبوا جمع الدنيا لأولادهم وورثتهم كما يفعله الإنسان من زهده في نفسه وتوريثه ماله لولده وذريته فصانهم الله عن ذلك جميعاً " .
وأما قول الرافضة الإمامية أن هناك نص على تولية علي رضي الله عنه ، فليس هناك دليل واحد يصحح مقالتهم ، بل عندما أراد المسلمون الموالون لعلي أن يُبايعوه على الإمامة قال لهم : " دعوني والتمسوا غيري فأن أكون لكم وزيــراً ، خير لكم من أكون لكم أميراً " [ كتاب نهج البلاغة ج 1/ ص 181 : 182للشيعي الشريف المرتضى ] .
فهل يقول هذا القول من يُقال عنه أنه الخليفة والولي بالنص ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم .
وقال علي رضي الله عنه أيضاً : " والله ما كان لي في الولاية رغبة ، ولا في الإمارة إربة ، ولكنكم دعوتموني إليها ، وحملتموني عليها " [ نهج البلاغة ج 1/ ص 322 ] .
وبعد هذا القول من صاحب الشأن ، ليس بعد الحق إلا الضلال .
كانت هذه رسالة مختصرة في إثبات الخلافة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، لأبي الصديق رضي الله عنه وأرضاه ، مثبتاً بالأدلة الشرعية الواضحة التي ليس فيها التباس للناس ، بل هي واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ، فالحمد لله الذي أظهر الحق ، وأزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقاً ، والحمد لله أولاً وأخيراً ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية