صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







النصيحة الذهبية للتحذير من الخلافات المذهبية

يحيى بن موسى الزهراني

 
الحمد لله العليم الخلاق ، أمر بالألفة والوفاق ، وحذر من الاختلاق والشقاق ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الخالق الرزاق ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المتأسي بأعظم الأخلاق ، حذر من الزيف والنفاق ، ونهى عن الكذب والاختلاق ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين إلى يوم المساق . . أما بعد :
فقد أمر الله عباده بالوحدة ولم الشعث ، وحث على الأخوة والرابطة الدينية ، فقال سبحانه : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ الحجرات10 ] .
فالمؤمنون إخوة في هذا الدين العظيم ، دين الإسلام القويم , فينبغي الإصلاح بين المسلمين إذا اختلفوا أو اقتتلوا ، وهذا توجيه من فاطر الأرض السموات ، فأمر سبحانه عباده بأن يخافوا الله في جميع الأمور ؛ رجاء أن يُرحموا .
وقال تعالى : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [ آل عمران103 ] .
الله يندبنا بل يأمرنا بأن نتمسَّك جميعًا بكتابه سبحانه وتعالى ، ونتمسك بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم , لأنه الهدي الأقوم ، الذي يؤدي إلى الجنة العلية ، والعيشة الهنية ، ويحذرنا ربنا تبارك وتعالى بأن لا ننجر أو نتهافت أو أن نفعل ما يؤدي إلى فرقتنا ، وتغلب عدونا علينا ، وأن نذكر نعمة جليلة أنعم الله بها علينا : وهي أننا كنا قبل الإسلام أعداء , فجمع الله قلوبنا على محبته ومحبة رسوله , وألقى في قلوبنا محبة بعضنا لبعض , فأصبحنا بفضله إخواناً متحابين , بعد أن كنا على حافة نار جهنم , فهدانا الله بالإسلام ونجَّانا من النار ، وكما بيَّن الله لنا معالم الإيمان الصحيح ، فكذلك يبيِّن لنا كل ما فيه صلاحنا ; لنهتدي إلى سبيل الرشاد , ونسلكها , فلا نضل عنها بإذن ربنا .
ويحذرنا المولى تعالى وتقدس من الفرقة والخلاف واتباع الشهوات والشبهات ، مما ينزغ بيننا العداوة والبغضاء ، فجاء التحذير شديداً ، والتخويف تهديداً أكيداً ، فقال سبحانه : { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ آل عمران105 ] .
فتأمل وتدبر أيها العاقل ، كيف أن العقوبة مضاعفة مخيفة ، فنسأل الله اللطف والرحمة والعودة إلى الدين الصحيح .
فالله تعالى ينهانا أن نكون كأهل الكتاب ، الذين وقعت بينهم العداوة والبغضاء ، فتفرَّقوا شيعًا وأحزابًا , واختلفوا في أصول دينهم ، من بعد أن اتضح لهم الحق , وأولئك مستحقون لعذابٍ عظيم موجع .
فنتيجة الفرقة والاختلاف عذاب عظيم لو تأمله المتأملون ، وعقله العاقلون .
وما أكثر الفرق المذهبية اليوم ، وكل فرقة تكفر الأخرى ، وتدينها وتجعلها عدوة لها ، إن لم توافق أهواءها ونزعاتها ، والله تعالى أمرنا باتباع سبيله وطريقه المستقيم ، لأنه السبيل إلى رحمته ومغفرته وجنته ، فقال سبحانه وتعالى : { وَهَـذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } [ الأنعام126 ] ، وقال تعالى : { وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ الأنعام153 ] .
وقال تعالى : { قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [ يوسف108 ] .
وقال تعالى : { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [ الأنعام161 ] .
ومن قرأ القرآن والسنة والسيرة ، لم يجد منذ عهد صدر الإسلام إلى مقتل الخليفة عمر بن الخطاب أن هناك فرقاً وشيعاً وأحزاباً بين المسلمين ، بل الجميع متبع لكتاب الله تعالى ، مؤتمرين بأوامره ، منتهين عن نواهيه ، مقتفين أثر نبيهم صلى الله عليه وسلم ، مطيعين له ، ممتثلين هديه وتوجيهه وإرشاده .
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ ، إِذَا اشْتَكَىٰ مِنْهُ عُضْوٌ ، تَدَاعَىٰ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّىٰ " [ أخرجه مسلم ، من حديث النعمان بن بشير رضَي اللَّهُ عنهُ ] .
فهل نحن إذا تألم مسلم في أقصى الأرض تألمنا له ، أم أننا نقول إنه من فرقة كذا ، وشيخه فلان ، إذا قلنا ذلك فقد ضربنا بأوامر الكتاب والسنة عرض الحائط ، وإذا تعصبنا لمشائخنا وعلمائنا ، وطعنا في غيرنا ، بل والعياذ بالله ربما كفرناهم ، فقد تركنا كتاب ربنا ، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وأصبحنا على شفا جرف هار .
وتأمل أخي المسلم توجيه الحبيب صلى الله عليه وسلم ، من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال : قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، كَمَثَلِ الْبُنْيَانِ _ قَالَ : وَأَدْخَلَ أصَابعَ يَدِهِ في الأرضِ _ وَقَالَ : يُمْسِكُ بَعْضُهَا بَعْضاً " [ أخرجه ابن حبان ] .
إننا نرى بعض الأحباب والخلان وهم يخوضون في حديث غير شرعي ، بل أقرب لأمور الجاهلية ، وأهواء أهل البدع المنكرة ، عندما يعنف بعضهم بعضاً ، ويشنع بعضهم على بعض ، بسبب أن هذا من أتباع الشيخ فلان ، وذاك من أتباع الشيخ الآخر ، مع أن الكل يسعى للاقتداء بالكتاب الإلهي ، والهدي المصطفوي ، فلماذا الاختلاف والله حذر وأنذر ؟ ولماذا الشقاق ونحن أمة القرآن الواحد والنبي الواحد والرب الواحد ؟
إن أهم القضايا التي يجب علينا العناية بها ، هي التوحيد الذي هو أساس الدين وأصله ، وهو حق الله على العبيد ، بأن يعبدوه وحده لا يشركون بها شيئاً .
هذا هو الأصيل الأصيل ، والركن المتين ، الذي يجب التمسك به ، وعدم الاختلاف عليه البتة .
وما عداه من فروع الدين الفقهية ، فقد اختلف فيها أكابر علماء المسلمين قديماً وحديثاً ، وما زادهم ذلك إلا حباً وأخوة ، وترابطاً وقوة ، وتحرياً في طلب الحق ، فكلما اتضح لأحدهم أن الحق مع غيره ، ذهب إلى ما قاله غيره ، وترك رأيه إن كان خطأً أو فيه معارضة لنص صحيح صريح ، والشواهد أكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تذكر .
فسبحان الله ما بال فئة من الشباب اهتمت بأمور الخلاف والفرقة ودعت إلى إحياء جذوتها ، وإشعال فتيل لهيبها ، والله حذر من ذلك ، وتوعد عليه بالعقاب والعذاب .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلاَ تَحَسَّسُوا ، وَلاَ تَجَسَّسُوا ، وَلاَ تَنَافَسُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَبَاغَضُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَاناً كَمَا أَمَرَكُمْ ، المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ ، وَلاَ يَخْذُلُهُ ، وَلاَ يَحْقِرُهُ ، التَّقْوَى ههُنَا ، التَّقْوَى ههُنَا ، التَّقْوَى ههُنَا _ وَأَشَارَ إلَى صَدْرِهِ _ بِحَسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الشَّرِّ ، أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ ، دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ " [ أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له ] .
حديث عظيم يكتب بماء الذهب والفضة وكل الجواهر الثمينة ، حديث يدل على الحب والإخاء ، والتضحية والوفاء ، والصدق والإخلاص بين المسلمين ، فرابطتهم في الدين ، أقوى من رابطة الأسرة والنسب .
الإسلام ينهى المسلم أن يحقر أخاه ، أو ينتقصه ، أو يغمزه ، أو يلمزه ، فإن وجد من أخيه جفوة أو غلطة ، أو هفوة أو غلظة ، فعليه أن يقومه ويعيده إلى جادة الصواب ، بالحكمة والموعظة الحسنة ، والدليل من الكتاب والسنة .
المسلم مرآة أخيه ، لا ينشر عيبه ، ولا يظهر سوأته ، بل يستر عليه في الدنيا ، كي يحظى بستر الله عليه في الأخرى ، ومن هو الذي لا يخطئ ، وكل ابن آدم خطاء ، الخطأ جبلة جُبل عليها العبد ، لكن المسلم المؤمن الصادق تواب مستغفر أواب رجَّاع إلى الحق ، فالحق ضالته ، أنى وجده أخذ به .
إنني في هذه العجالة أتوجه بالنداء الخالص ، نداء المشفق المحب لكل مسلم ، لكل أخ في الله ، أن يحكم الدين في كل شؤون حياته ، أن يراجع كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة ، وألا ينجرف وراء التيارات المذهبية ، فهي الهالكة والحالقة ، تهلك صاحبها ، وتحلق دينه ، فيصبح لا أرضية لديه ، فهو هش ، تتلقفه الأهواء ، وتتناوشه الأحزاب من كل حدب وصوب ، فيبيع دينه بعرض من الدنيا قليل .
فعلينا معاشر الأخوة في الله ، أن نتمسك بكتاب الله وحبله المتين ، ونقتدي بهدي سيد المرسلين ، ففيهما النجاة من كل ورطة ورزية ، والمخرج من كل مدلهمة وبلية ، وهذا نص شرعي يحذر من الفرقة وأن مآلها النار والعياذ بالله .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل ( حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك ) ، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار ، إلا ملة واحدة ، ما أنا عليه وأصحابي " [ أخرجه الترمذي من حديث عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما ، وقال الألباني : حسن ، انظر حديث رقم 5343 في صحيح الجامع ، وما بين القوسين ضعيف عند الألباني ] .
وعن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنة ، وسبعون في النار ، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة ، فإحدى وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة في الجنة ، وثنتان وسبعون في النار " قيل يا رسول الله : من هم ؟ قال : " الجماعة " [ أخرجه ابن ماجة وصححه 2/1322 ] .
فيجب علينا أن نحذر أن نكون من تلكم الفرق النارية المخزية في الدنيا والآخرة ، كما هو فعل الشيعة اليوم ومن حذا حذوها ، وسار وراءها ، واقتفى أثرها ، فهي فرق قد فرق الله بين أهلها ، واتضح للناس كافة عوارها .
ولم نسمع من قديم أن هناك فرقة تتبع العالم الفلاني ، وأخرى تناقضها وتتبع العلامة الفلاني ، فهذا الكلام غير مقبول ، وغير معقول ، فنحن أمة التوحيد والإخاء والصفاء ، أمة الوحدة والوفاء ، كلنا في خندق واحد ضد الأعداء ، فيا فرح العدو بهذا التناحر ، ويا سعادة العِداء بهذا التدابر بين شباب الإسلام ، عندما يطعن بعضهم بعضاً ، ويهيج بعضهم على بعض ، في صور قبيحة لا تمت للدين بصلة .
نحن أمة كتاب وسنة ، لا فِرق ولا جماعات ، بل من أتى بالدليل الصحيح فهو مذهبنا ، نحن لا نتبع أشخاصاً ، بل نتبع نصوص صراحاً .
فاحذروا يا شباب الأمة أن تنجرفوا إلى الهاوية ، فعلماؤنا الأجلاء الفضلاء ، لهم منا كل الحب والتقدير ، والود والتوقير ، لا نفضل أحدهم على الآخر ، إلا بورعه وتقواه ، وخوفه من مولاه .
نحن مسلمون متبعون لكتاب ربنا ، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، متمسكين بهديه وهدي خلفائه الأربعة المهديين من بعده ، نتتبع الحق بحذافيره ، فالكتاب العظيم هو نبراسنا ، والدليل الصحيح من السنة هو أساسنا ، ولنحذر كل الحذر من تمزيق الوحدة ، وتفريق الجماعة ، ولنحذر من الأعداء في الداخل والخارج فهم لنا بالمرصاد ، لينقضوا علينا انقضاض الرخم على فريسته ، فالعلو لنا ، والرفعة لنا ، والنصر قادم لا محالة ، فمع العسر يسرين ، ولكن ، الصبر ، الصبر ، والتمسك بهذا الدين ، وعدم الاختلاف ، بل المحبة والجماعة ، والألفة والاتحاد والوداعة .
عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً ، وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا ، قَالَ : " أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَإنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حبشي ، وَإنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفاً كَثِيراً ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّـينَ ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ " [ رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي: حديث حسن صحيح ] .
فاحذروا شباب الإسلام أن تسنّوا لمن بعدكم سنة الاختلاف والشقاق ، فإن وزر ذلكم عليكم ، حتى تنتهي هذه البدعة ، والسنة السيئة ، وهيهات هيهات أن تنتهي أو تنقضي ، فيبوء بإثمها من ابتدعها واخترعها ، ودعا إليها ، أو أحياها بعد مماتها ، عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من سن سنة حسنة ، فله أجرها وأجر من ما عمل بها في حياته وبعد مماته حتى تترك ، ومن سن سنة سيئة فعليه إثمها حتى تترك ، ومن مات مرابطاً في سبيل الله ، جرى عليه عمل المرابط في سبيل الله حتى يبعث يوم القيامة "[ رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به ، وقال الألباني : حسن صحيح ، في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم 1222 ] .
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث جريرٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ قال : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَم سُنَّةً حَسَنَةً ، فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا ، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ " .
فلا جفاء ولا نفرة ، بل ترابط وألفة .
لسنا وهابيين ، ولا جاميين ، ولا بعثيين ، ولا غير ذلك من الأقاويل والقائلين ، بل نحن مقتدين بهدي سيد المرسلين ، له محبين ، له متبعين ، وبهديه مهتدين ، وبسنته مستنين .
فإن كانت الوهابية والجامية والسلفية تصب في قالب الكتاب والسنة فنحن كذلك ، وإن كانت تخالف الشريعة أو جزءٌ منها فنحن نتبرأ من تلك الفرقة ، ولم نسمع أن هناك ديناً وهابياً ، أو ديناً جامياً ، أو سلفياً ، بل ديننا دين محمد عليه الصلاة والسلام ، نسير على منهج السلف الصالح من هذه الأمة ، الذين عرفوا الحق وبه يعدلون ، وإليه يدعون ، كالصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وشيخ الإسلام ، والشيخ / محمد بن عبد الوهاب وغيرهم من سلف الأمة الصالحين ، الذين نفع الله بهم وبعلمهم الكثير من العباد في عموم البلاد .
ألا فليعلم كل مسلم أن الشيخ / محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، لم يأت بشرع غير شرع محمد صلى الله عليه وسلم ، بل أتى على فترة من أفول التوحيد ، وضياع العقيدة ، وظهور الجهل والبدع ، وشيوع الخرافات والضلالات ، فجدد للناس توحيدهم ، وأعاد لهم عقيدتهم ، وفق منهج الله تعالى ومنهج رسوله عليه الصلاة والسلام .
وإلا فالأئمة الأربعة ، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم من العلماء رحمهم الله تعالى ، قد أفادوا وأجادوا ، وجددوا ووضحوا ، وبينوا ونصحوا ، ومنهم من جاهد أعداء الدين وقاتلهم قتال الأبطال ، ومع ذلك لم يقل أحد أنهم أتوا بدين جديد ، بل كانوا على مشكاة النبوة الصافية ، والشريعة الكافية الوافية .
فهلا من عودة صادقة لدين الله تعالى ، ونبذ الخلاف ، وترك التمزق ، والحذر من التباعد ، حتى نكون عباد الله إخواناً ، سالكين منهج رسولنا صلى الله عليه وسلم ، الذي هو الدليل الواضح البين إلى جنة الخلد وملك لا يبلى .
تنبيهات مهمة :
سئل الشيخ صالح الفوزان هذا السؤال :
س : أحسن الله إليكم صاحب الفضيلة : يقول بعض الناس أن هناك فرقة قد خرجت اسمها الجامية ، حتى أطلقوها عليك ، فما أدري من أين أتوا بهذا الاسم ، ولماذا يطلقونها على بعض الناس ؟
الجواب : هذا من باب ، يعني من باب الحسد أو البغضاء فيما بين بعض الناس ، ما فيه فرقة جامية ما فيه فرقة جامية ، الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله نعرفه من أهل السنة والجماعة ، ويدعو إلى الله عز وجل ما جاء ببدعة ، ولا جاء بشيء جديد ، ولكن حملهم بغضهم لهذا الرجل إنهم وضعوا اسمه وقالوا : فرقة جامية ، مثل ما قالوا الوهابية ، فالشيخ محمد بن عبد الوهاب لما دعا إلى التوحيد ، وإخلاص العبادة لله ، سمو دعوته بالوهابية ، هذه عادة أهل الشر ، إذا أرادوا مثل ما قلنا لكم ، ينشرون عن أهل الخير بالألقاب ، وهي ألقاب ولله الحمد ما فيها سوء ، ما فيها سوء ولله الحمد ، ولا قالوا بدعاً من القول ، ما هو بس محمد أمان الجامي الذي ناله ما ناله ، نال الدعاة من قبل من هم أكبر منه شأن وأجل منه علم نالوهم بالأذى .
الحاصل إننا ما نعرف على هذا الرجل إلا الخير ، والله ما عرفنا عنه إلا الخير ، ولكن الحقد هو الذي يحمل بعض الناس وكلٌ سيتحمل ما يقول يوم القيامة ، والرجل أفضى إلى ربه ، والواجب أن الإنسان يمسك لسانه ما يتكلم بالكلام البذيء ، والكلام في حق الأموات ، وحق الدعاة إلى الله ، وحق العلماء ، لأنه سيحاسب عما يقول يوم القيامة ، ما يحمله الاندفاع والهوى إلى أنه تكلم في الناس ، يجرح له العلماء إلا بخطأ بين واضح ، أنا أقول الآن هؤلاء عليهم إنهم يجيبون لنا الأخطاء التي أخطأ فيها هذا الرجل ، إذا جاءوا بها ناقشناها وقبلنا ما فيها من حق ورددنا ما فيها من باطل ، أما مجرد اتهامات وأقوال هذا ما هو من شأن أهل الحق [ المصدر / شرح النونية للشيخ الفوزان ] .
فأعاذنا الله وإياكم من الفرقة والتحزب لغير الدين الصحيح ، وعلى العبد أن يسلك مسلك الصحابة رضي الله عنهم وهو الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ، وهذا تعريف دقيق كل الناس تدعيه وتدعي أيضاً أن غيرها لا يسلكونه ، وبالتالي يرمونهم بشتى الألفاظ التي تنفر الناس منهم ، فقديما كانوا يقولون : الحشوية والظاهرية ، يطلقونها على متبعي الكتاب والسنة ، وكذلك مثل الدعوة والوهابية ، يطلقونها على دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب وغير ذلك من الألفاظ ليطردوا الناس عن الدعوة المعاكسة ، سواءً كانت حقاً أو باطلاً ، وليس هذا سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ربى عليه أصحابه وإليك هذا المثل :
فعن عمر بن يحيى قال سمعت أبي يحدث عن أبيه قال كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟ قلنا : لا ، فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعاً ، فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ، إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته ، ولم أر والحمد لله إلا خيراً ، قال : فما هو ؟ فقال : إن عشت فستراه ، قال : رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة ، في كل حلقة رجل ، وفي أيديهم حصاً فيقول : كبروا مائة فيكبرون مائة ، فيقول هللوا مائة فيهللون مائة ، ويقول سبحوا مائة فيسبحون مائة ، قال : فماذا قلت لهم ؟ قال ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك ، أو انتظار أمرك ، قال : أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم ، ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا : يا أبا عبد الله حصاً نعد به التكبير والتهليل والتسبيح قال : فعدوا سيئاتكم ، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم ، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون ، وهذه ثيابه لم تبل ، وآنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدي من ملة محمد ، أو مفتتحوا باب ضلالة ، قالوا والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير ، قال : وكم من مريد للخير لن يصيبه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ، ثم تولى عنهم فقال عمرو بن سلمة : رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج .
ومحمد أمان الجامي رجل أثيوبي ، شهد له الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى ، وهو رجل محمود السيرة رحمه الله تعالى من أهل السنة ، وهو نار حارقة على أهل البدع ، سمي أتباعه بالجامية ، لتنفير الناس عن مذهبه ، مع ملاحظة أنه بشر يصيب ويخطئ ، وليس هنالك كامل إلا من كمله الله تعالى سبحانه ، والخلاصة عليكم معاشر الشباب والناس أجمعين بالكتاب والسنة ، وإياكم وآراء الرجال ، وإن زخرفوه لكم بالقول ، وإياكم والتحزب المقيت إلا للكتاب والسنة .
هذا ما أسعفني به الوقت ، وأفاضت علي به الذاكرة ، ولا أرى أن الموضوع يحتاج لتفصيل وبسط ، لأنه أمر سهل يحتاج لبعض الضبط ، وما هو إلا من نزغات الشيطان وتوهمه ، واندفاع البعض وتعصبه لرأيه ومعلمه ، وبالاستعانة بالله ، والاستعاذة من الشيطان ، تعود الأمور إلى نصابها ، والحمد لله أولاً وآخراً .
اللهم يا حي يا قيوم ، ياذا الجلال والإكرام ، ألف بين قلوب المسلمين في كل مكان ، اللهم اجعلهم أخوة متحابين بجلالك يارب العالمين ، اللهم لم شعثهم ، واجمع شملهم ، ووحد كلمتهم ، يا حي يا قيوم ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية