صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خطبة نصرة رجال الحسبة

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب البريات ، بارئ النسمات ، وخالق المخلوقات ، وموجد الكائنات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، أغدق علينا الخيرات ، ومن علينا بوافر النعم والهبات ، تبارك رباً كريم الأعطيات ، وعز إلهاً عظيم البركات ، حذر من المعاصي والموبقات ، ودعا إلى طريق الجنات ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي الهدى والرحمات ، ذو العظمة والكرامات ، حث على الطاعات ، ونهى عن المخالفات ، عليه

من ربه أفضل الصلوات ، وأزكى التسليمات ، وأعظم التشريفات ، وعلى آله وأصحابه أهل المكرمات ، أعالي الهامات ، وذوي المقامات ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم النجاة والعرصات . . . أمّا بعد : فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى رب البرية ، وخالق البشرية ، فتقواه طريق للجنة العلية ، قال ربكم في آية وعظية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } .
أمة الإسلام : إنّ المعاصيَ والمنكراتِ هي الداءُ العُضال ، والوباء القتَّال ، الذي به خرابُ المجتمعات وهلاكُها ، وإنّ التفريطَ في تغيير المنكرات ومكافحتها ، والقضاء عليها ، من أعظمِ أسباب حلولِ العقاب ، ونزول العذاب ، يقول عليه الصلاة والسلام : " ما مِن قومٍ يُعمَل فيهم بالمعاصِي ، ثم يقدِرون على أن يُغيِّروا ثم لا يغيِّروا ، إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ " [ أخرجه أبو داود وصححه الألباني ] ، نعوذ بالله من

العذاب ، وأسباب العقاب ، ونتوب إلى الله التواب .
أيّها المسلمون : إنَّ المحافظةَ على حُرمةِ الإسلام ، وصونَ المجتمَع المسلمِ من الموبقات أن تُخَلخِله ، والبدع والخرافاتُ أن تقوِّضَه ، والمعاصي والمخالفاتُ أن تضعفه ، لهو واجب مطلوب ، وفرض متحتم مرغوب ، ألا وإن حماية الأمة من أمواج الشرِّ الهائجةِ ، وآثار الفِتن المائجة ، وتحذيرَها مزالقَ السقوط ، ودركات الهبوط ، لهو أصلٌ عظيم من أصولِ الشريعة ، وركنٌ مَشيد من أركانها المنيعة ، وإن من أولى الأوليات ، وأهم المهمات ، إقامةُ ما أمر الله به من الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ورفعُ لوائِه ، وإعلاء بنائه ، وإعزاز أهلِه ؛ يقول جل وعلا في وصفِ الأمّة المحمَّديّة ، وذكر أسباب الخيريَّة : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } ، ألا فاعلموا أن تطبيق شعيرة الحسبة ، من وسائل التمكين ، يقول القوي المتين : { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ

وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ } ، بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، تحوز الأمة أسباب النصر والفلاح ، وتجمع بوادر التقدم والنجاح ، يقول العليم الفتاح : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } .
أيها المسلمون : من أفضال الله العديدة ، ونعمائه المزيدة ، على هذه البلاد المجيدة ، أن منَّ عليها بحكومة رشيدة ، حفية بالتأييد ، والتمكين والتسديد ، فالحسبة تحارب في كل البقاع ، وعلى امتداد الرقاع ، وهنا تحظى الحسبة وأهلها بيد حانية ، وسند قوي من ولاة الأمر ، ولقد أعطى الملك عبد العزيز رحمه الله لرجال الهيئة سلطة كاملة ، مما كان سبباً في تطهير هذه البلاد ، والقضاء على الفساد ، فهنيئاً لكم رجال الحسبة هذه الثقة الغالية ، من أصحاب اليد الحانية ، فلقد كان الملك عبد العزيز رحمه الله ، كلما خرج ضحىً من منزله ، وجد الناس صفوفاً

ببابه ، من أصحاب المظالم والشكاوى ، فيقول لهم : من كان يريد شكوى رجال الهيئة فلا يتكلم ، فإنا لا نسمع شكواه ، فرحمه الله وأحسن مثواه ، وهكذا سار على نهجه أبناؤه الولاة ، هكذا فليكن الحكام والبناة ، دعماً لدين الله ، ونصرة لأولياء الله ، ذوداً عن حياض الدين ، وحفظاً لحمى المسلمين ، فأجزل الله لهم المثوبة والأجر ، وغفر لهم الزلل والوزر .
أخوة التوحيد والعقيدة : أمتكم هذه أمة فريدة ، أمّةٌ قائدةٌ ، سائدة رائدة ، تحقِّق في المجتمَع المسلم شرعَ الله ، وتصدَع بالحقِّ في وجوهِ النّفوس المريضة ، وأصحاب الدعوات المهيضة ، الباغية إشباعَ الشهوات ، وإرضاء النزوات ، العابثةِ بأمنِ الأمّة ومقدَّراتها ، والمدمرة لاستقرارها وخيراتها ، نعم يا عباد الله ، ولاية الحِسبة ، تلكم هي المهمَّة العظمى ، والأمانة الكُبرى ، التي بها حِفاظ المجتمعاتِ ، وسِياج الآداب والكمالات ، بها صلاحُ الأمر ، واستِتباب الأمن ، إذا فُقِدت في قومٍ زاغت عقائدهم ، وفسَدت أوضاعُهم ،

وتغيَّرت طِباعُهم ، وما ضعُفت في مجتمعٍ إلا بدَت فيه مظاهر الانحلال ، وفشت فيه بوادر الاختلال ، وظهرت فيه دلائل الاعتلال ، قالت زينب بنت جحش رضي الله عنها يا رسولَ الله : أنهلَك وفيها الصالحون ؟ قال : " نعم ، إذا كثُر الخبَث " [ متفق عليه ] ، والخبَث : هو الفسوق والفجور ، فالله المستعان ، وعليه التكلان .
أيّها المسلمون : إنّ التخاذل في الدين ، وعدمَ التناهي بين المسلمين ، من أعظمِ أسبابِ اللَّعن والطَّرد والإبعاد ، عن رحمةِ رب العباد ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ : يَا هَذَا اتَّقِّ اللَّهِ ، وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ، ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ ، وَشَرِيبَهُ ، وَقَعِيدَهُ ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ، ثُمَّ قَالَ { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ

بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } ، ألا لا تفعلوا كما فعلت بنو إسرائيل ، فتدور عليكم الدوائر ، وتعمى البصائر ، وتموت الضمائر ، بل مروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، قال صلى الله عليه وسلم : " ألا لا يمنعنَّ رجلاً هيبةُ الناس ، أن يقولَ بحقٍّ إذا علِمه " [ أخرجه الترمذي وغيره وحسنه ] ، وقَالَ صلوات الله وسلامه عليه : " وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْراً ، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْراً ، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ، ثُمَّ لَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ " [ أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه ] ، فحذاري إخواني حذاري ، أن تهبِطوا من سماءِ العلياء ، إلى التشبُّه بالأعداء ، وخذوا حذركم ، ولا تتبعوا أمماً كافِرة تعيسة ، منافقة بئيسةٍ ، تلهثُ وراءَ شهواتها ، وتسير خلف لذاتها ، فكونوا من خطاهم على حذر ، فطريقهم شر وخطر ، أخرج الترمذي وحسنه قوله

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ " .
أيها الأخوة في الله : ما زالت فئة من حملة الأقلام المسمومة ، والأفكار المحمومة ، والنوايا المذمومة ، تعيث في الأرض فساداً ، وتروموا خراباً ، ولن تجني إلا سراباً ، فمن أجل النزوات ، وإشباع الرغبات ، أشعلوا فتيل الحرب على رجال الهيئات ، حماة الأعراض والحرمات ، ينتقدون رجال الحسبة ، وينقمون على الله شرعه وأمره ، في كل هفوة يتغامزون ، وفي كل كبوة يتلامزون ، فيا ويحهم ! أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه ، ويعودون إليه ويشكرونه ، أم على قلوب أقفالها ، لقد حذوا حذو كبرائهم ، واتبعوا طريق عظمائهم ، فشب فراخهم ، وخرج أحفادهم ، يقولون زوراً ، ويغشون فجوراً ، { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *

لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } ، فاحذروا لكع بن لكع ، الرويبضة ومن في الفساد رتع ، أما حين يتكلم العقلاء وأولوا الأحلام ، وتنطق لغة الحجج والأرقام ، فلا تسمع عن رجال الهيئة إلا الإشادة ، وصدق الإفادة ، وحسن الوفادة ، نعم حينما تتكلم الوثائق ، ولا تتبدل الحقائق ، نجد رجال الحسبة هم رجال المواقف الأوفياء ، وصُدْقَ اللقاء .
عباد الله : القوم عن كل سبق للهيئة يتغاضون ، وعن كل إنجاز يتعامون ، في أولى صفحاتهم يختلقون القبائح ، ويزعمون الفضائح ، يغيرون الأمور ، ليوغروا الصدور ، يبثون الشائعات ، ويختلقون الوشايات ، فسبحان ربي ! ألا يخافون شديد العقوبات ؟ ولا إله إلا الله الواحد القهار ، ألا يلتمسون الأعذار ، ويقبلون التأويل والاغتفار ، ويقيلون العثار ، فكونوا عباد الله على حذر من المكر والخديعة ، وانتبهوا من النميمة والوقيعة ، فآمالهم سراب بقيعة ، قال تعالى فيهم : { يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ

سَمَّاعُونَ لَهُمْ } ، ألا لا تسمعوا لهم ، ولا تقرءوا لهم ، ولا تصدقوا كل ما يفترى ويذاع ، ويختلق ويشاع ، ألم تطرق أسماعكم آية الفاضحة ، في كلماتها الواضحة : { قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ، فما وجدوا على الحسبة ورجالها ، فبالزور يصورونه ، وبالباطل يزخرفونه ، ويعظمونه ويكبرونه ، وما كان للهيئة من خير مكين ، فعند القوم مهين ، ولا يكاد يبين ، أو نسب لآخرين ، يكيدون المكائد ، وينصبون المصائد ، للنيل من رجال الهيئات ، أصحاب البطولات ، وأهل المروءات ، والهمم العاليات ، قال رب البريات : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ، بارك الله لي ولكم في الكتاب المبين ، ونفعني وإياكم بهدي

سيد المرسلين ، وجعلنا لسنته من المتبعين ، وإلى الجنات من السابقين ، واستغفروا الله رب العالمين ، يغفر لكم ذنوبكم أجمعين .

الخطبة الثانية
الحمد لله اللطيف الرفيق ، والشكر له على الهداية والتوفيق ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيم الشفيق ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب القلب الرقيق ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأزواجه وكل صاحب وصدِّيق ، وتابع وصديق . . أمّا بعد : فيا أيّها المسلمون ، اتّقوا الله وراقبوه ، وأطيعوه ولا تعصوه ، فتقواه سبب النجاة ، والفلاح يوم نلقاه .
------------------

أيها المسلمون : إن كان من وصية ، لاجتناب كل رزية ، فيا رجال الحسبة ، ما رأيتموه من المنكر فأنكروه ، واردعوا صاحبه وقوموه ، وما خفي فلا تبحثوا عنه واستروه ، وعليكم بالرفق والسهولة ، والحكمة والليونة ، واحذروا ممن قعدوا لكم كل مرصد ، وجلسوا لكم كل مقعد ، ولا تجعلوا ظهوركم سرجاً يمتطونها ، وأخطاءكم جسوراً يعبرونها ، أو شماعة يتعلقونها ، فالسكينة السكينة ، والإصلاح الإصلاح ، واقطعوا العون عن أعدائكم ، والمدد عن أولئكم ، ثم اعلموا أنه لا بدَّ أن ينالَ القائمين بالحسبة شيءٌ من الأذى والاعتداء ، والتضييق والعناء ، فصبرًا صبرًا يا أهلَ الحِسبة ، فقد أوذِي إمامُكم وقائدكم ، خاتَم الأنبياء ، وإمامُ الحنفاء ، محمد صلى الله عليه وسلم ، فصابر وصبرَ ، حتى ظهر وظفر ، قال من حكم وقهر : { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ } .
--------------------

عباد الله : رجال الحسبة ، وما أدراكم ما رجال الحسبة ، بالمعروف يأمرون ، وعن المنكر ينهون ، كم من جرائم منعوها ، وكم من آثام قمعوها ، وكم من رذائل أحجموها ، ومخدرات ضبطوها ، وخمور أراقوها ، وأعراض حفظوها ، كم من مجرم ستروه ، ومعتد لم يفضحوه ، للحق صُدَّاع ، وللرذيلة مُنَّاع ، وللأمة نُفَّاع ، عيونهم ساهرة ، وانتصاراتهم باهرة ، أولئكم هم رجال الحسبة الفضلاء ، الذين نال منهم الأعداء ، وتطاول عليهم الأدنياء ، فلكم الله يا رجال الهيئات ، يا أصحاب الكفاءات ، تركوا بيوتهم وأشغالهم ، وأهليهم وأولادهم ، حفاظاً على صلاح المجتمع من الخلل ، والعطب والزلل ، والمصاب الجلل ، قال تعالى : { يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ } .
أمة الإسلام : رجال الحسبة ليسوا معصومين من الأخطاء ، فلا معصوم إلا الرسل والأنبياء ، فالخطأ

وارد لا محالة ، وخطأ عن خطأ ، ومن ذا الذي يدعي العصمة ، وكل ابن خطاء ، وخير الخطائين التوابون ، فالكمال منشود ، والقصور موجود ، ولا كامل إلا الرحيم الودود ، فتلمسوا لإخوانكم كل عذر ، واحملوا أخطاءهم على المحمل الحسن ، فإن أخطئوا ، فلغيرهم ضحايا وأخطاء ، وأخبار وأنباء ، لا تغيب ولا تخفى ، قال عمَر رضي الله عنه : " لا تَظنّنّ بكلمةٍ صدَرَت من أخيكَ سوءًا ، وأنتَ تجِد لها في الخير محمَلاً " ، وقال عن سعيد بنِ المسيّب رحمه الله : " ليسَ مِن عالمٍ ولا شريف ولا ذي فضلٍ ، إلاّ وفيه عَيب ، ولكن مَن كان فضلُه أكثرَ من نقصِه ، ذهبَ نقصُه لفضلِه " ، فيا أصحاب الشائعات ، ويا أهل الوشايات ، رويدكم رويدكم ، وعلى رسلكم على رسلكم ، واعلموا أنَّ إيذاءَ المصلحين ، الآمرين بالمعروف ، والناهين عن المنكر ، أو الاعتداءَ عليهم ، أو الطعنَ فيهم ، أو تضخيمَ أخطائهم ، وبَثَّ الأكاذيب عنهم ، لهو جُرمٌ عظيم ، وذَنب جسيم ، تصيبُ المرءَ

مغبَّتُه ، وتلحقه معرّتُه ، يقول جلّت قدرته : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ، وقَالَ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللَّهَ تعالى قَالَ : " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا ، فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ " [ أخرجه البخاري ] .
وأخيراً عباد الله : إن كان الحديث عن الأمن والأمان في واحته ، والراحة والاطمئنان في باحته ، فلا ننسى إخوان رجال الهيئة ، من رجال المكافحة والبحث والشرطة البواسل ، والمباحث وحرس الحدود وخفر السواحل ، هم الحصن الحصين ، والدرع المتين ، هم صمام الأمان في المجتمع ، ينافحون عن الدين والعقيدة ، ويذودون عن الخصال الحميدة ، هم حراس الوطن ، من أخطار الفتن ، رجال الحسبة والأمن ، حماة الأعراض والثغور ، من المعتدين والمرجفين ، فدافعوا عباد الله عن شعائر دينكم ، وذودوا عن أعراضكم ، وجاهدوا أعداءكم ، { وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ

مَعَكُمْ ، وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } ، هذا وصلوا وسلموا على خير الأنام ، نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام ، فقد أمركم بذلك ربكم الملك العلام ، فقال في خير الكلام : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين ، الحنفاء المهديين ، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون ، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة أجمعين ، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل اللهم هذا البلد آمنًا مطمئنًّا ، وسائر بلاد المسلمين ، يا رب العالمين ، اللهم وفق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، اللهم كن لهم وليًّا ونصيرًا ، ومعينًا وظهيرًا ، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لهداك ، واجعل عمله في رضاك ، ووفق إخوانه وأعوانه وأمراءه ووزراءه ، لما فيه مصلحة البلاد والعباد ، اللهم أيدهم بالحق ، وأيد الحق بهم ،

يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم ادفع عنا الغلا والربا والزنا ، والزلازل والمحن ، وسوء الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، اللهم إنا نسألك الجنة ، ونعوذ باك من النار ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المجاهدين في سبيلك في كل مكان ، اللهم قوي عزائمهم ، واربط على قلوبهم ، وانصرهم على عدوك وعدوهم ، يا أرحم الراحمين ، اللهم يا ذا الجبروت ، والقوة والملكوت ، يا من لا يخلف وعده ، ولا يهزم جنده ، اهزم اليهود والنصارى المحتلين ، وقاتل الكفرة والمرجفين ، المتربصين المعتدين ، اللهم لا تجعل منهم على الأرض دياراً ، واجعلهم لمن خلفهم أثراً واعتباراً ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، برحمتك يا عزيز يا غفار ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية