صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







تربية الأبناء

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه . . وبعد :
أيها المسلمون : من أعظم النعم على الإنسان بعد نعمة الإسلام ، نعمة الولد ، ولاسيما الولد الصالح ، نعمة الولد لا يعرف قدرها إلا من حُرمها ، فكم من الناس من مُنع نعمة الأبوة والأمومة ، فتراه يسعى جاهداً ليلاً ونهاراً ، بكل ما أوتي من جهد ومال وصحة للحصول على الولد الذي فقده ، ولكن قدرة الله تعالى فوق كل الطاقات والأموال المهدرات ، لأنه سبحانه عليم قدير ، يختبر العباد ، ويمتن على الإنسان ، حتى يتبين الصادق الصابر من الجاحد الفاجر ، ليرى كل منزلته ، فالصبر منزلة عليا ، ورتبة كبرى ، ومنة عظمى ، لا يصلها إلا من وفق لها ، " اصبر وما صبرك إلا بالله " ، " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " ، " ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور " وقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ " [ أخرجه البخاري ] وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ " [ أخرجه مسلم ] .
إخوة الإيمان : لقد عجز الغرب الكافر اليوم عن إبعاد المسلمين عن دينهم بقوة السلاح ، لكنه استولى على العقول ، ولاسيما عقول الشباب ، فبُثت القنوات ، وعُملت المخططات ، وأُنشئت الدراسات ، كل ذلك للإطاحة بشباب الإسلام ، وقد تحقق للكفار ما أرادوا ، ونالوا من شبابنا ما نالوا ، ولكن لم يكن ليتم ذلك إلا بمعاونة وسائل الإعلام المسلمة ، ومشاركة أولياء جهلة ظلمة ، فأصبح لدينا جيل تنكر لدينه ، وخرج من عقيدته ، وتبرأ من أهله وعشيرته ، وتخلى عن عاداته ، وانخلع من تقاليده ، فها نحن نرى قطعاناً من الناشئة ، رائحة إلى مدارسها وعائدة ، لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً ، بل تغيرت أفهامهم ، وانتكست أوضاعهم ، وفسدت طباعهم ، فربما أمروا بالمنكر ، ونهوا عن المعروف ، والله تعالى يقول : " المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون * وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم " ، وقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا ، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى " [ أخرجه الترمذي ] ، وانظروا إلى الشباب والشابات عبر الشوارع والطرقات ، تأملوا تلكم الموضات والقصات ، سلاسل وقبعات ، دخان ومخدرات ، أشكال غريبة ، وهيئات مريبة ، شباب تائهون حائرون ، تنكب للأرصفة ، وتدمير للمنشآت والأبنية ، سرعة فائقة ، أغان صاخبة ، تصرفات طائشة ، إزهاق لأرواح الأبرياء ، وإذا حل الليل ، واحلولك الظلام ، أتوا البيوت من ظهورها ، والسيارات من زجاجها ، والمحلات بعد تكسيرها ، وكأننا لا أمن ولا أمان ، تصرفات غوغاء ، وأعمال هوجاء ، ونتائج شنعاء ، فأين المسؤولية والمسؤولين ؟ وأين الأمانة والمؤتمنين ؟ " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون * واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم " ، وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " [ متفق عليه ] ، وكم من المسؤولين من فرطوا في مسؤولياتهم ، وأضاعوا أماناتهم ، وأهملوا أولادهم ومن تحت ولايتهم ، " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً " ، فالتفريط في أمانة رعاية الشباب والناشئة ، خيانة عظمى ، ومصيبة كبرى ، وحتماً ستحط رحالها بالأمة ، وربما كانت أحداث التفجيرات ، وما سبقها وتبعها من كوراث وانحرافات ، سببها الإهمال في تربية الشباب ، وعدم العناية بالناشئة من الفتيان والفتيات ، لقد انزلق الشباب المسلم في براثن الفضائيات والرذيلة ، وسقطوا في مستنقعات العار والفضيحة ، وما تلكم التجمعات الفاشلة حول المحلات التجارية ، وعند أركان البيوت ، والهروب من المدارس ، والتواجد في الأزقة وأماكن قضاء الحاجة ، والتعرض للمسلمين وأذيتهم ، إلا دليل على أن هناك خللاً يجب سده ، وخرقاً يجب رقعه ، فلابد من رأب الصدع ، ألا فاتقوا الله أيها الآباء ، فأنتم عند ربكم موقفون ، وعن ذريتكم مسؤولون ، قال تعالى : " وقفوهم إنهم مسؤولون " ، وقال تعالى : " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم " .
عباد الله : إن الشباب عماد الأمة ، وقوامها الذي تقوم به ، ومجدها الذي تعتز به ، ودرعها الذي يقف سداً منيعاً لها من أعدائها ، ولكن هل الشباب اليوم ، هم أولئك الشباب الذين تترقبهم أمتهم ، أهم أولئك الشباب الذين يحذرهم أعداؤهم ، إن شبابنا اليوم ، شباب بطن وفرج ، شباب شهوة وسياحة ، سياحة لمعاقرة الخمور والمخدرات ، وفعل الفاحشة بالعاهرات ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " [ رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ] ، شبابنا اليوم إذا طلبتهم ، وجدتهم على الأرصفة مجتمعين ، وحول الدشوش متحلقين ، شباب الإسلام اليوم ، شباب لهو وغفلة ، شباب رقص وغناء ، وتقليد للكفار والرعناء ، فآه ثم آه لشباب الإسلام ، أهؤلاء الشباب هم الذين سيحررون مقدسات المسلمين ؟ أهؤلاء الشباب هم الذين سيثأرون من اليهود الغاصبين ، والنصارى الحاقدين ، والعلمانيين المنافقين ؟ أشباب اليوم هم أحفاد عمر بن الخطاب ، وعمرو بن العاص ، وخالد بن الوليد ، وصلاح الدين ؟ إذا كانت الأمة اليوم عاجزة عن إنجاب مثل أولئك الأبطال المجاهدين والمحررين الفاتحين ، فلنقم على أنفسنا مأتماً وعويلاً ، وصراخاً ونحيباً .
أمة الإسلام : ديننا لا يعرف العنف ولا الجبروت ، الإسلام دين الرحمة والرأفة ، وخصوصاً بني الإنسان ، أخرج أبو داود من حديث عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، وَجَدَ رَجُلًا وَهُوَ عَلَى حِمْصَ ، يُشَمِّسُ نَاسًا مِنَ الْقِبْطِ فِي أَدَاءِ الْجِزْيَةِ ـ يحبسهم في الشمس ـ فَقَالَ مَا هَذَا ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا " ، فاتقوا الله أيها الآباء في فلذات الأكباد ، ولا يقودنكم الغضب لظلم أبنائكم والإساءة إليهم ، ثم تطلبون صلاحهم وطاعتهم ، فذلكم النقيض وضده ، ولا يلتقي النقيضان ، وربما كان هناك آباء فقدوا زمام التربية ، فانحل أبناؤهم ، وضاع أولادهم ، ولم ينصاعوا لأوامرهم ، وهذا أمر مشاهد وملموس ، فهؤلاء الشباب الذين تجاوزوا العشرين من أعمارهم أو أقل ، تراهم في الطرقات ، وفي السيارات ، ضياع وتيه ، تعرفهم بسيماهم ، قبلتهم الملاعب ، وتجارتهم المثالب ، شرهم أكثر من خيرهم ، آذوا الجار ، وامتحنوا القريب وبعيد الدار ، إذا سألت عن أخبارهم ، تنبؤك عنها طواقيهم وقبعاتهم ، وحركاتهم وكلماتهم ، غطرسة وعربدة ، فمن ضعف أمام أبنائه ، فلا يتركهم هملاً ، بل يخبر عنهم الجهات المختصة حتى يكفون شرهم عن الناس ، والدولة الرشيدة رعاها الله ، اهتمت بالآباء منذ نعومة أظفارهم ، فلن تعجز في هذا المضمار من ردع سفلة الشباب الضائع ، وسفهاء الطبائع ، قال ابن القيم رحمه الله : " من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى ، فقد أساء إليه غاية الإساءة ، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم ، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه ، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم " ، قال القائل :
عَوِّد بنيك على الآداب في الصِّغَر كيما تَقَرَّ بهـم عينـاك في الكِبـَرِ
فإنمـا مَثَـل الآداب تـجمعها في عنفوان الصبا كالنقش في الحَجَر
أيها المسلمون : العنف والقسوة تنشئ لنا جيلاً لا يستطيع مواجهة الصعاب ، ولا تحمل الصلاب ، قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ ـ الظلوم الذي لا يرحم ـ فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ " [ أخرجه مسلم ] ، وفي نفس الطريق والمجرى ، يسير التخلي عن المسؤولية ورفع يد الولاية عن الشباب والناشئة ، فتعاني الأمة من ويلات الشباب ، فاعتبروا يا أولي الألباب ، وأي شعب طغى شبابه ، وضاع في مفترق الطرق ، وسقط في الشهوات والشبهات ، فقل عليه السلام ، فقد تودع منه ، فلا بد من رعاية الشباب والناشئة حتى يكونوا نواة صالحة لدينهم ومجتمعهم ، ولبنة بناء لعقيدتهم وأمتهم ، فاتقوا الله معشر العباد ، واحفظوا وصية الله لكم في الأولاد ، وتذكروا موقفكم يوم المعاد : " يَوْمَ لاَ يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ " ، فأنتم مسؤولون عن انحراف الشباب ، ومحاسبون عن تربيتهم أمام رب الأرباب ، اللهم انفعنا بالقرآن العظيم ، وبهدي النبي الكريم ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب ومعصية ، ومن كل إثم وخطيئة ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك



 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية