صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







بنو إسرائيل وحواء

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


نقف في هذه الخاطرة على شؤم المعصية وتعديها لغير صاحبها أو أصحابها ، فربما أصبح ضررها إلى يوم القيامة ، ولننظر إلى هذه الخاطرة المهمة .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَوْلاَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْبُثِ الطَّعَامُ ، وَلَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ ، وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ " [ أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له ] .
الجزء الأول من الحديث :
يخبث الطعام : يتغير ريحه ويفسد .
يخنز : يتغير وينتن .
قَالَ النَّوَوِيُّ : قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَعْنَاهُ أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى نُهُوا عَنْ ادِّخَارِهِمَا فَادَّخَرُوا فَفَسَدَ وَأَنْتَنَ ، وَاسْتَمَرَّ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ انْتَهَى .
وَقِيلَ أَنَّهُ كَانَ يَسْقُطُ عَلَيْهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ كَسُقُوطِ الثَّلْجِ فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ لِلْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ فَإِنْ قَعَدُوا إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَسَدَ فَادَّخَرُوا فَفَسَدَ عَلَيْهِمْ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ التَّغَيُّرَ كَانَ قَدِيمًا قَبْلَ وُجُودِ بَنِي إسْرَائِيلَ سَبَبُهُ مَا عَلِمَهُ اللَّهُ مِمَّا يَحْدُثُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فانظر إلى تعدي المعصية من لدن بني إسرائيل إلى أن تقوم الساعة ، لا يمكن لطعام أن يستمر دون تعفن وخراب وفساد ونتن ، فنحن نرى اليوم أن كل الطعام يوضع له مدة صلاحية لا يتجاوزها إلا فسد ولم يصلح للاستهلاك البشري ، كل ذلك بسبب معصية بني إسرائيل .
ولما عصى الرماة في غزوة أُحد اصطلى بنار ذلك جميع الصحابة حتى رسول الله صلى الله عليه لحقه من الأذى ما لحقه ، بعد أن النصر بادياً واضحاً ، أصبحت الهزيمة هي الظاهرة بسبب المعصية .
الحيوانات والطيور تموت بسبب معاصي بني آدم ، ترتفع السعار وتغلوا المعيشة وتضيق الأرزاق وتظهر العلامات المخيفة بسبب معاصي بني الإنسان ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الجزء الثاني من الحديث :
ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها : ليس المراد بالخيانة الزنا حاشا وكلا ، لكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة وزينت ذلك لآدم مطاوعة لعدوه إبليس عُدّ ذلك خيانة له .
قَوْلُهُ : الدَّهْرَ مَنْصُوبٌ أَيْ لَمْ تَخُنْهُ أَبَدًا ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهَا أُمُّ بَنَاتِ آدَمَ فَأَشْبَهْنَهَا ، وَنُزِعَ الْعِرْقُ إلَيْهَا لِمَا جَرَى لَهَا فِي قِصَّةِ الشَّجَرَةِ مَعَ إبْلِيسَ فَزَيَّنَ لَهَا أَكْلَ الشَّجَرَةِ فَأَغْرَاهَا فَأَخْبَرَتْ آدَمَ بِالشَّجَرَةِ فَأَكَلَا مِنْهَا ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ خِيَانَةً فِي فِرَاشٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ لِامْرَأَةِ نَبِيٍّ قَطُّ حَتَّى وَلَا امْرَأَةِ نُوحٍ ، وَلَا امْرَأَةِ لُوطٍ الْكَافِرَتَانِ فَإِنَّ خِيَانَةَ الْأُولَى إنَّمَا هُوَ بِإِخْبَارِهَا النَّاسَ أَنَّهُ مَجْنُونٌ ، وَخِيَانَةَ الثَّانِيَةِ بِدَلَالَتِهَا عَلَى الضَّيْفِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ .
فاحذروا المعاصي فهي مهلكة الأمم والقرى ، كما قال الله تعالى : { وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } [ الإسراء16 ] .
جاء في تفسير هذه الآية التي ربما أشكلت على الكثير أن الله جل وعلا يقول : " إذا أردنا إهلاك أهل قرية لظلمهم ، أَمَرْنا مترفيهم بطاعة الله وتوحيده وتصديق رسله ، وغيرهم تبع لهم ، فعصَوا أمر ربهم وكذَّبوا رسله ، فحقَّ عليهم القول بالعذاب الذي لا مردَّ له ، فاستأصلناهم بالهلاك التام والعياذ بالله .
فعاقبة الذنوب والمعاصي عاقبة طويلة ما لم يتب العبد من قريب ، فإذا تمادى العبد في المعصية حصل له الاستدراج من الله تعالى حتى يقع في معصية أخرى ، فجزاء المعصية معصية بعدها ، وهكذا حتى تتراكم المعاصي على العبد فيأخذه الله على حين غيرة ، يأخذه على غفلة وهو مجترأ على ربه تبارك وتعالى ، فتتابع عليه المعاصي والآثام ، حتى يخر صريعاً في حضن معصية وكبيرة من الكبائر ، فيموت على سوء خاتمة والعياذ بالله ، وهذا ما نشاهده اليوم كثيراً ممن ألف المخدرات والزنا والأغاني والبذيء ، وصاحب المشاكل مع الناس ، أنه يموت على سوء خاتمة أجارنا الله والمسلمين من ذلك ، لأن المعصية تجر أُختها .
فكم من الناس من يقع في الدخان وهو بوابة إلى عالم المخدرات وغيرها ، ثم يقع في المسكرات والخمور والمخدرات ، ثم يفتح على نفسه باب الزنا والخنا والفواحش وأكل الربا والسرقة والتمادي في الفساد والمعاصي ثم يُقال فلان مات وهو دورة المياه ، أو مات ميتة سيئة أعاذنا الله من ذلك .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك



 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية