صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أيها الشباب . . هيا إلى السوق

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وصحبه أجمعين . . وبعد :
بما أن الأمة تعيش في أزمة مالية وطنية صعبة ، وغلا في المعيشة ، وصعود مهول في العقار ، وارتفاع للأسعار ، كل ذلك غير مبرر ولا حقيقة له إلا الجشع والطمع من قبل تجار فجار لا يخافون الله ولا يخشونه ، وإنما همهم بطونهم وما تمتلئ به من أموال الناس ظلماً وعدواناً ، في غش وغدر وخيانة للأمة لم يُرى لها مثيل في تاريخنا المجيد .
ولكنهم التجار الذين قال لهم صلى الله عليه وسلم : " يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ " ، فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ : " إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّاراً إِلاَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ " [ رواه الترمذي وغيره وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] .
وهنيئاً لمن اتقى الله في تجارته ، وكان كسبه حلالاً ، وشاب رزقه عن الحرام ، وأحسن مع إخوانه المسلمين ، فكان كسبه قليلاً ، لكن بإذن الله سيكون دخله كثيراً .
وطوبى لمن بر في تجارته وصدق مع إخوانه المسلمين ، وأعطى وتجاوز وأحسن فبشرى له ، ومآله الجنة بإذن الله تعالى ، قال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : " كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِراً قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا ، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ " [ متفق عليه ] .
السوق فيه خير كثير ، ورزق وفير ، وأجر كبير ، لمن صلحت نيته ، وخلص عمله ، ولهذا نرى جميع العمالة الوافدة إلينا تسعى للسوق فور وصولها أرض البلاد ، فيحصلون على مبالغ مالية هائلة ، ويحولون مليارات الدولارات سنوياً إلى بلاد هم ، ومنهم من أقام الشقق والمحلات التجارية والشركات والمؤسسات في بلده بسبب عمله في السوق المحلية لدينا ، بينما الكثير من شبابنا يقبعون تحت أغطية النوم نهاراً ، وتحت أسقف المقاهي والملاهي ليلاً ، فأين الخير الذي يرجونه ، وأين المال الذي يطلبونه ؟ لا يمكن أن يتحقق لهم مطلب إذا استمروا على حالهم اليوم .
ونحن إذ نشجع الشباب على الدخول في السوق للتجارة والكسب الحلال ، لندعو الدولة بكل كوادرها وجهاتها توفير الجو المناسب والمال الداعم لهؤلاء الشباب ، ليكونوا تجاراً ينصرون أمتهم بأموالهم ، لا يطففون في ميزان ولا كيل ، يتقون الله ويخشونه ، ويتعاملون مع المسلمين بما في كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ، إذا وجد من شبابنا من يغامر ويدخل السوق بمساعدة مالية من الدولة أو غيرها فسوف يحصدون رزقاً داراً بمشيئة الله ، ففي التجارة خير وبركة ورزق عظيم ، وأجر في الدنيا والآخرة ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ " [ رواه الترمذي وغيره وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ] .
النبي صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم على قراريط لأهل مكة ، وكان يتاجر لخديجة رضي الله عنها ، فالعمل ليس عيباً ، بل العيب فينا وفي نظرة المجتمع الخاطئة لمن يتاجر ، وللأسف فهي نظرة ليس لها حظ من النظر ، بل المفترض أن نساعد الشباب ، ونقوي عزائمهم ، ونشحذ هممهم ، ونشد على أيديهم ، وندلهم على السوق ، لكسب الأجر والخير والمال الكثير ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ أَبِى السَّائِبِ أَنَّهُ كَانَ يُشَارِكُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الإِسْلاَمِ فِي التِّجَارَةِ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ جَاءَهُ فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : " مَرْحَباً بِأَخِي وَشَرِيكِي ، كَانَ لاَ يُدَارِى وَلاَ يُمَارِى ، يَا سَائِبُ قَدْ كُنْتَ تَعْمَلُ أَعْمَالاً فِي الْجَاهِلِيَّةِ لاَ تُقْبَلُ مِنْكَ وَهِيَ الْيَوْمَ تُقْبَلُ مِنْكَ " [ رواه أحمد ] .
العمل ليس عيباً ، ولا نقصاً في حق الإنسان بل الأنبياء قبلك كانوا تجاراً ، فلست أحسن منهم ولا خيراً منهم أبداً ، بل هم أفضل من مشى على الأرض ، وهم صفوة خلق الله وأقربهم إليه سبحانه ، كانوا تجاراً ، ولم يكونوا يتسولون أو يشحذون أو يقفون في المساجد والطرقات يسألون الناس أموالهم ، بل كانوا يتاجرون بأنفسهم ، لم يذلوا أنفسهم لأحد من البشر ، بل أغنياء بالقناعة وما يأتيهم من كسب ولو كان قليلاً .
عَنِ الْمِقْدَامِ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ " [ رواه البخاري ] .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " كَانَ زَكَرِيّا _ عليه السلام _ نَجَّاراً " [ رواه مسلم ] .
وكان داود عليه السلام حداداً يصنع الدروع للقتال ، بوب البخاري : باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً ) : الزُّبُرُ الْكُتُبُ ، وَاحِدُهَا زَبُورٌ ، { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } قَالَ مُجَاهِدٌ : سَبِّحِي مَعَهُ ، { وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ } : الدُّرُوعَ ، { وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ } : الْمَسَامِيرِ وَالْحَلَقِ ، وَلاَ يُدِقَّ الْمِسْمَارَ فَيَتَسَلْسَلَ ، وَلاَ يُعَظِّمْ فَيَفْصِمَ ، { وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .
ألا أيها الشاب ، أيها المسلم ، يا من تخجل من العمل ، تأمل ما يقوله لنا عليه الصلاة والسلام عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ " ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ وَأَنْتَ ؟ فَقَالَ : " نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ " [ رواه البخاري ] .
فالعمل ليس عيباً بقدر ما هو فخر وعز للإنسان ، انظر إلى كبار التجار اليوم بماذا بدءوا ، الغزالي صاحب الماركات من الساعات ، كان يبعها على بسطة صغيرة ، حتى أصبح اسمه لا يدانى في عالم الساعات ، وقد وصلت أسعار بعض الساعات لديه عشرات الآلاف من الريالات , وكذلك الراجحي كان يعمل في الصرافة ويتاجر فيها حتى أضحى شيئاً كبيراً في عالم المال والأعمال .
وهكذا غيرهم كثير بدءوا صغاراً ثم أصبحوا كباراً في عالم التجارة ، فلا تبتئس ولا تخذل بما تسمع من نظرات وآراء أناس ربما لم يريدوا لك خيراً ، وربما لم ينظروا إلى ما تنظر إليه أنت أو غيرك في التجارة فرأوها عاراً وذلة ، وإنما هي عز وشرف لك من يعمل في التجارة أياً كان نشاطه ، فالأنبياء كانوا تُجاراً ، ولم يخجلوا من حرفهم وصناعاتهم التي كانوا يعملون بها .
فهيا إلى السوق . . . فهو خير وسيلة لكسب الحلال بإذن الله تعالى ، وأعظم أمر تعف به نفسك وأهلك ، ولا تتعرض فيه إلى منة أحد من الناس ، بل كل من عمل يديك ، فهو خير كسب وأفضل مال ، إذا اتقيت الله فيه وبررت وصدقت مع المسلمين في تعاملك وبيعك وشرائك .
ثم احذر الحرام في مالك فهو سبيل الهلاك والدمار والحساب العسير في الدنيا والآخرة ، وهو سبب الضيق والضنك والهم والغم والحزن والبلاء ، قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً{29} وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً } [ النساء29-30 ] .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } ، وَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ " [ رواه مسلم ] .
لقد قضى على أسواقنا عمالة لا تعرف لله طريقاً ، أكثرهم لا يصلون ، بل ربما أتوا بجوازات سفر فيها الجنسية : مسلم ، وهو لا يدين بدين الإسلام ، وهذا مشاهد ملموس ، وكثير منهم في قلبه مرض من حقد وحسد وكراعية وبغضاء وانتقام على المسلمين عموماً ، وعلى أهل البلد خصوصاً ، فتركت هذه الأمور تأثيراً سلبياً في أسواقنا ، من غش وتدليس وكذب وخيانة وعمالة للخارج ، وبضاعة مقلدة ومعيبة ، بل ولها آثار جانبية خطيرة على صحة الناس ، تحكموا في أسواقنا وشبابنا غافلون ، وضعوا الأسعار التي يردونها بتواطئهم وخيانتهم وشبابنا متقاعسون .
فهيا شباب الإسلام ، السوق مفتوح ذراعيه ، أقبلوا عليه ، فهناك الخير والرزق والكسب الحلال ، ودعوا الكسل والملل ، واكسروا حاجز الخوف والخجل ، فالخجل كل الخجل أن يبقى الشاب حبيس المنزل كالفتاة ، لا يعمل ولا يكد ولا يكسب ولا يتعب ، بل ربما كان عالة على أُسرته ومجتمعه وأًمته ، ثم يطالب بنفقة وراتب وهو جالس في البيت ، مع أن الرزق مصدره معروف ، ومكانه لا يخفى على أحد ، فشدوا الهمة ، وتاجروا التجارة الرابحة ، فهناك الخير المدرار بإذن الله الغني الحميد .


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية