صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







آداب الإجارة

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد وكفى ، وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى . . وبعد :
قد يحتاج الإنسان لشخص أو عدة أشخاص للعمل معه في عمله الذي لا يستطيع أن يقوم به بمفرده ، فهنا تبدو حاجته لأشخاص أو شخص واحد لمساعدته على ذلك العمل ، وربما احتاجت بعض النساء العاملات ذات الأطفال إلى خادمات يقمن برعاية البيت والأبناء في حال غياب ربة المنزل ، أو ربما تكون هناك من النساء العاجزة لكبر أو علة ، فلا تستطيع القيام بأبسط الأعمال فربما تحتاج لمن يخدمها ، فهؤلاء الخدم أو العمال لهم حقوق وعليهم واجبات ، ينبغي للعامل والكفيل ، أو الأجير أو المستأجر والمؤجر تعلم هذه الآداب الشرعية المبنية على الكتاب والسنة ، حتى لا يقع الجميع أو أحدهم في الحرام والممنوع والمنهي عنه ، وإليكم هذه الآداب الشرعية في الإجارة .

الأدب الأول / استئجار المسلم :

فيجب على المسلم أن لا يستأجر إلا مسلماً للقيام على العمل ، ولا يستأجر مشركاً للعمل أبداً ، قال الله تعالى : { وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [ البقرة221 ] .
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ بَدْرٍ ، فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ ، أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ ، فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَأَوْهُ ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : جِئْتُ لأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " ، قَالَ : لاَ ، قَالَ : " فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ " قَالَتْ : ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ قَالَ : " فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ " ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ : " تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " ، قَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " فَانْطَلِقْ " [ أخرجه مسلم ] .
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من دخول الكفار والمشركين إلى جزيرة العرب ، بل أمر بإخراجهم ، لأنهم دعاة إلى الفساد ، والإجرام ، وما حوادث اليوم وقصص هذه العمالة إلا خير دليل على خطرهم وشرهم وضررهم على العقائد والأخلاق والتربية .
قال صلى الله عليه سلم : " أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ " [ متفق عليه ] .
وقد غضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه جداً عندما استأجر أبو موسى الأشعري رضي الله عنه كاتباً نصرانياً أيام ولايته على الكوفة .
لكن لو أضطر إنسان أن يحضر غير مسلم في عمل لا يتقنه غيره ، فلا بأس بذلك ، بشرط أن لا يكون هذا الكافر رئيساً على مسلمين ، لأن المسلم أعلى منه شأناً عند الله تعالى ، أما الكافر فلا قيمة له ، لأنه لا يعدل عند الله جناح بعوضة ، وقد قال الله تعالى : { الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } [ النساء141 ] .

الأدب الثاني / استجار القوي الأمين :

ودليل ذلك قوله تعالى في قصة شعيب وموسى عليهما السلام ، حيث قالت إحدى ابنتي شعيب عليه السلام لأبيها : { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } [ القصص26 ] .
والمقصود بالقوي الأمين : أي صاحب القوة والأمانة والدين والكفاءة ، فمن توفرت فيه هذه الشروط كان أتقى لله عز وجل ، وبالتالي سوف يقوم بأداء عمله على أكمل وجه .
ومن فقد واحداً من هذه الشروط فقد اختل ميزان العمل عنده ، فربما تجد قوياً لكنه خائن ، أو تجد أميناً لكنه ضعيف .
وقد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول : " اللهم إليك أشكو ضعف الأمين ، وخيانة القوي " .

الأدب الثالث / السماحة في التعامل :

يجب أن يتعامل العامل وصاحب العمل ، باللين والسهولة ، وطيب الأخلاق ، وحسن القصد ، وطيب النفس ، لأن الإسلام يحث على السماحة واليسر والبشاشة والتبسم وحسن التعامل بين المسلمين ، لأن المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره ، لأن من الناس اليوم من يرى العامل على أنه شيء حقير ، وكأنه عبد مملوك له ، يتصرف فيه كيف يشاء ، وهذا مفهوم خاطئ ، لأن العامل والخادمة أتوا إليك بعقد عمل ، إن أعجبك فجد له عملاً عندك ، وإلا فأعده إلى بلده معززاً مكرماً ، ونحن هنا نمثل الإسلام كما يعتقده كل داخل إلى بلادنا ، فيجب أن نكون خير سفراء وممثلين لهذا الدين ، يجب أن نتعامل مع المسلمين بالسماحة في جميع صور الحياة ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه رضي الله عنهما ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحاً إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى " [ أخرجه البخاري ] .

الأدب الرابع / الاتفاق :

لا بد أن يكون هناك اتفاق بين صاحب العمل والعامل أو الأجير قبل بداية العمل ، موضحاً فيه طبيعة العمل ، ومدته ، وطريقته ، والأجرة المتفق عليها ، من غير ظلم لأحد الطرفين ، فإن هذا مما يقطع أسباب الخلاف ، ويسد على الشيطان أبوابه ، وهو أبعد عن الغبن والغرر ، وهكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه في رعيه لغنم قريش ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ " ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ : وَأَنْتَ ؟ فَقَالَ : " نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ " [ أخرجه البخاري ] .
والقراريط : أجزاء من الدنانير أو الدراهم ، والقيراط نصف دانق ، والدرهم ستة دوانق ذهب ، هذا ما ذهب إليه ابن حجر رحمه الله .
فينبغي على صاحب العمل والعامل أن يتفقا على السعر أو الأجرة قبل بدء العمل ، حتى لا يصبح الجميع في مشكلة وعتاب وخصام وظلم .
ويجب على كل منهما أن يوفي صاحبه حقه ، ولا يظلمه ، يوفي بجميع شروط العقد ، فالعقد شريعة المتعاقدين ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، إِلاَّ صُلْحاً حَرَّمَ حَلاَلاً ، أَوْ أَحَلَّ حَرَاماً ، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطاً حَرَّمَ حَلاَلاً ، أَوْ أَحَلَّ حَرَاماً " [ أخرجه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] .

الأدب الخامس / عدم الإجارة في شيء محرم :

لا يجوز للعامل أن يعمل في أماكن الحرام ، أو التي تبيع الحرام ، أو تتعامل بالحرام ، كمن يعمل في محل تجاري يبيع الدخان أو الشيشة أو لوازمها ، أو المخدرات والمسكرات بجميع أنواعها وأصنافها ، أو من يعمل في بنك ربوي ، أو محلٍ يبيع المجلات الهابطة أو أشرطة الغناء أو أشرطة الفيديو ، أو الأطباق الفضائية ، أو الألبسة المخلة بالآداب للرجال والنساء ، أو نحو ذلك ، فهذه المكاسب كلها حرام ، وهي مكاسب خبيثة ، لا تزيد صاحبها وآكلها إلا خبثاً ومقتاً وبعداً عن الله تعالى ، لأنها فساد للأفراد والأمة ، وفيها دعوة لأكل المال الحرام ، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه .
ولدينا قاعدة شرعية في هذا الشأن ، عَنْ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ ، فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَرَّمَ أَكْل شَيْءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ " [ أخرجه أحمد ] .
فعلى العامل أن لا يقبل عملاً في معصية لله عز وجل ، بل عليه أن يلتمس له ولأهله مالاً حلالاً ، طيباً ، لأن الله أمر الرسل بالأكل من المال الحلال الطيب ، فقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [ المؤمنون51 ] .
ويجب على صاحب العمل أن لا يجبر العامل على العمل في الحرام ، لأنه يضيف مع إثمه هو ، إثم ذلك العامل ، ولا يغترن إنسان بهذه الحياة الدنيا ، وزهرتها وزخرفها ، وأموالها ، فاليوم سعادة وغداً تعاسة ، واليوم فرح وغداً ترح ، فاحرص على المال الحلال ولو قل ، قال تعالى : { قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ المائدة100 ] ، ثم قال الله سبحانه في حق الخبيث وبيان مآله يوم القيامة : { لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [ الأنفال37 ] .

الأدب السادس / الأمانة في أداء العمل :

الأمانة اليوم أصبحت عملة نادرة ، وربما تبحث في الأرض شرقها وغربها لا تجد إلا نوادر من الأمناء ، واليوم تبحث عن الرجل الأمين في قبيلة بأكملها فربما لا تجد ، وفي قرية بكاملها ولا تجد ، وهذا مصداق هذا الحديث :
عن حُذَيْفَةُ بن اليمان رضي الله عنه قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا ، وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ ، حَدَّثَنَا : " أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ " ، وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ : " يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ ، فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ ، فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِراً ، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّى الأَمَانَةَ ، فَيُقَالُ : إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِيناً ، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ : مَا أَعْقَلَهُ ، وَمَا أَظْرَفَهُ ، وَمَا أَجْلَدَهُ ، وَمَا فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ ، وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِى أَيَّكُمْ بَايَعْتُ ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِماً رَدَّهُ الإِسْلاَمُ ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَىَّ سَاعِيهِ ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلاَّ فُلاَناً وَفُلاَناً " [ متفق عليه ] ، جَذْرُ قُلُوبِ الرِّجَالِ : الْجَذْرُ : الأَصْلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَالْوَكْتُ : أَثَرُ الشَّيْءِ الْيَسِيرُ مِنْهُ ، وَالْمَجْلُ : أَثَرُ الْعَمَلِ فِي الْكَفِّ إِذَا غَلُظَ .
ولا تعتقد أيها الأخ المبارك أن الأمانة محصورة في مفهومها العام عند العامة بأنها رد الأمانات ، بل هي أشمل من ذلك بكثير .
ومن الأمانة أن يعمل الإنسان عملاً متقناً بصدق وإخلاص .

الأدب السابع / أداء الربح لصاحب العمل :

يجب على العامل أن يتقي الله تعالى في مال كفيله أو من استأجره على العمل أو المحل ، فكل ما يأتي من ربح يجب عليه أن يعطيه صاحب المحل ولا يكتم منه شيئاً ، عَنْ أَبِى مُوسَى الأشعري رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنَّ الْخَازِنَ الْمُسْلِمَ الأَمِينَ ، الَّذِي يُنْفِذُ - وَرُبَّمَا قَالَ يُعْطِي - مَا أُمِرَ بِهِ ، فَيُعْطِيهِ كَامِلاً مُوَفَّراً ، طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ - أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ " [ متفق عليه ] .
ويجب على العامل أن لا يأخذ ما ليس له فيه حق ، فإن فعل ذلك فهو آثم ، مرتكب لأمر محرم ، وعليه أن يحذر فالله مطلع عليه ويراقبه ، ويعلم ما يفعل وما يذر ، فهو مؤتمن على هذا المال ، ومن الأمانة أن يعطي المال لصاحبه ، قال تعالى : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } [ النساء58 ] .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ الأنفال27 ] .
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء ، الذي أخرجه النسائي وابن ماجة ، من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ ، وَمِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ " .
وخيانة الأمانة من خلق المنافقين الذين توعدهم الله تعالى بأسفل مكان في النار ، فقال جل شأنه : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } [ النساء145 ] .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخَلَفَ " [ متفق عليه ] .
بل جاء الأمر بأداء الأمانة وعدم الخيانة ، ولو حصل للإنسان ظلم أو خيانة ، فلا ينبغي أن يقابل ذلك بمثله ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ ، وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ " [ أخرجه الترمذي وأحمد ، وقَالَ الترمذي : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ] .

الأدب الثامن / رحمة الأجير :

من الناس من يجعل العامل يعمل أكثر مما هو مطلوب في العقد المبرم بينهما ، فينهكه في العمل ويتعبه ، حتى يكره الإسلام ، وربما كفر والعياذ بالله ، بسبب هذا العنف والجبروت والقسوة في التعامل ، ومن الكفلاء وأصحاب الأعمال من تمتد يده إلى العامل فربما ضربه أو أهانه ، وهذا لا ينبغي أبداً ، فالإسلام دين رحمة ورأفة وشفقة ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، فسيرته مليئة بمواقف الرحمة والعطف ، حتى قال الله عنه : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } [ آل عمران159 ] .
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ ، لاَ وَاللَّهِ مَا سَبَّنِي سَبَّةً قَطُّ ، وَلاَ قَالَ لِي : أُفٍّ قَطُّ ، وَلاَ قَالَ لِي : لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ لِمَ فَعَلْتَهُ ، وَلاَ لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ أَلاَّ فَعَلْتَهُ " [ أخرجه أحمد ] .
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : " مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئاً قَطُّ بِيَدِهِ ، وَلاَ امْرَأَةً ، وَلاَ خَادِماً ، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ ، إِلاَّ أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " [ أخرجه مسلم ] .
وعلى الرجل والمرأة إذا طلبوا من العامل ، أو الخادمة عملاً فيه مشقة أن يساعدوهم على ذلك العمل ، لأنهم بشر يتعبون ويتألمون ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : " . . . إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ " [ متفق عليه ] .
فانظر كيف سماهم النبي صلى الله عليه وسلم إخواناً لنا ، والأخ له حقوق كثيرة على أخيه .

الأدب التاسع / أداء حق الأجير :

من الناس من يستخدم العامل فيستوفي منه العمل ، ثم يجحد حقه ، ويمنعه من أجره ، أو يبخس منه شيئاً ، فكل ذلك ظلم حرام ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً } [ النساء 29-30 ] .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيراً فَاسْتَوْفَى مِنْه ، وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ " [ أخرجه البخاري وأحمد واللفظ له ] .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ " [ أخرجه ابن ماجة وهو في صحيح ابن ماجة للألباني رحمه الله تعالى ] .

الأدب العاشر / المحافظة على حق الأجير الغائب :

ربما يحصل للعامل أمر يجعله يترك العمل عند صاحب العمل ، إما مرض أو سفر مفاجئ أو غير ذلك من الأمور والأحداث التي تستدعي ترك العامل لعمله ، وقد يكون لهذا العامل مال عند صاحب العمل ، فعلى صاحب العمل أن يتقي الله في مال ذلك الرجل الأجير ، فيحتفظ به عنده لحين عودته ، وإن جعله مع ماله ، أو دخل به في مشروع تجاري فإن المال وأرباحه يجب أن تعود إلى صاحبها ن وهو ذلك العامل أو الأجير ، فذلك من الأعمال الصالحة التي تنقذ العبد من مهالك الدنيا وفتنها ، وهو من أداء الأمانة إلى أهلها ، وحكاية الثلاثة الذين في الغار وانطبقت عليهم صخرة فلم يستطيعوا أن يخرجوا منها ، كل واحد منهم ذكر عملاً صالحاً قدمه لله ، حتى خرجوا من ذلك الغار ، عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ ، فَقَالُوا : إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمُ : اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلاَ مَالاً ، فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْماً ، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا ، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً ، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ ، فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ ، فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئاً لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ " قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : وَقَالَ الآخَرُ : اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَىَّ ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا ، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي ، حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ ، فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّىَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا ، فَفَعَلَتْ ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا ، قَالَتْ لاَ أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا ، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا ، وَهْىَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجَ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا " ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " وَقَالَ الثَّالِثُ : اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ ، فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ ، غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ! أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي ، فَقُلْتُ لَهُ : كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ ، فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ : لاَ تَسْتَهْزِيْ بِي ، فَقُلْتُ : إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ ، فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئاً ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ " [ متفق عليه ] .

وهنا مسائل :

الأولى : إذا كان العامل قد ترك عمله ولم يعد له أبداً ، فعلى صاحب العمل أن يبحث عنه أو عن ورثته ، فإن لم يجد منهم أحداً ، أنفق المال في سبيل الله تعالى ، وتصدق به عن الأجير .
الثانية : إذا كان للأجير ورثة ، فإنه يسلمهم المال لأنهم أحق به ، وهذا من أداء الأمانة .

الأدب الحادي عشر / دفع أجرة العين المستأجرة :

اليوم المحاكم تغتص بكثير من قضايا المستأجرين ، وكذلك الحقوق المدنية ، فمن الناس من يستأجر محلاً تجارياً ، أو شقة ، وينتفع بها ، وبإيرادها ، ولا يدفع ثمن ذلك ، قضايا عجيبة غريبة ، كيف تستأجر شقة ولا تدفع ثمن الإيجار ، سبحان الله العظيم ، ينتفع ببيت غيره ، ولا يعطيه ثمن المنفعة ، هناك من المستأجرين من لا يخاف الله تعالى ، ولا يخشى عقوبته ، يسكن في بداية السنة ، ويظل يماطل في الأجرة حتى يأتي يوم معين خبأ فيه نية سوداء للهروب من الشقة ليلاً أو نهاراً بحيث لا يراه أحد من الناس ، ونسي أن الله يراه ، يهرب من الشقة أو المحل ، دون أن يدفع لصاحبها الأجرة المتفق عليها ، ولا شك أن هذا الأمر حرام .
ومن الناس من يسكن سنوات طويلة في بيوت الآخرين ، ونظراً لغياب صاحب العمارة أو الشقة لسبب ما ، يبقى مدة طويلة لا يدفع الإيجار ، حتى تتراكم عليه الديون ، فلا يستطيع سدادها ، والدين مصيبة لو تأمله الناس ، يحبس صاحبه عن الجنة ، ويعرضه لعقوبة القبر ، ودليل ذلك حديث جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : تُوُفِّىَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَيْهِ ، فَقُلْنَا : تُصَلِّي عَلَيْهِ ؟ فَخَطَا خُطًى ثُمَّ قَالَ : " أَعَلَيْهِ دَيْنٌ " ، قُلْنَا : دِينَارَانِ ، فَانْصَرَفَ _ لم يصل عليه _ فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ ، فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ : الدِّينَارَانِ عَليَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أُحِقَّ الْغَرِيمُ ، وَبَرِيَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ ؟ " ، قَالَ : نَعَمْ ، فَصَلَّى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ : " مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ " فَقَالَ : إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ ، قَالَ : فَعَادَ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ : قَدْ قَضَيْتُهُمَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " الآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ " [ أخرجه الإمام أحمد ] .
وعلى المستأجر الذي يخاف الله تعالى ، ويخشى عذابه ، أن يدفع الأجرة المتفق عليها شهرياً ، إما لصاحبها ، وإما لوكيله الشرعي ، أو لمكتب العقار الذي يشرف على أموال الموكل .
وإذا لم يكن هناك من يدفع له الإيجار ، فإنه يبحث عمن يوصله لمستحقه ، أو يحفظه عنده ولا يمس منها شيئاً ، لأنها ليست ملكاً له ، بل هي ملك صاحب العقار .
فيا أخي المستأجر بما أن الله نفعك بهذه الشقة تحفظ فيها أهلك وأولادك وعوراتك ، وتجد فيها راحة نفسك ، فأعط صاحبها حقه ، فالله سائلك يوم القيامة عن ذلك ، وهذه الأموال خطورة يجب أن يحذرها الإنسان ، ففيها النجاة أو الهلاك .
وعلى صاحب العقار أن يتقي الله تعالى في إخوانه المستأجرين ، فلا يرفع عليهم تكاليف الإيجار ، لاسيما ونحن في زمن قد غلت فيه المعيشة ، وارتفعت الأسعار ، وطوبى لمن وفقه الله وتغلب على نفسه وهواه ، ورحم إخوانه المسلمين ، وفرج عنهم كربهم ، ونفس عنهم غموهم ، وكربهم ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ : إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِراً فَتَجَاوَزْ عَنْهُ ، لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا ، فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ " [ متفق عليه ] .
ويا أصحاب العقار والمال ، اربعوا على أنفسكم ، ورويدكم رويدكم ، وعلى رسلكم ، فالدنيا فانية ، ولا يبقى إلا الباقية ، لا تتبعوا أنفسكم هواها ، وتخففوا من أثقال هذه الحياة الدنيا ، ويسروا ولا تعسروا ، ولا تكن الأموال وجمعها وتكديسها هي شغلكم ، فإنه تعاسة وندامة وحسرة يوم القيامة ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِيَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ " [ أخرجه البخاري ] .
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد .
 


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية