اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/yahia/96.htm?print_it=1

الإسلام وحاجة البشر إليه

يحيى بن موسى الزهراني

 
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإيمان والإسلام ، حيث أنزل علينا خير كتبه ، وأرسل إلينا أفضل رسله ، وشرع لنا أفضل شرائع دينه ، له الحمد كله ، وبيده الخير كله ، وإليه يرجع الأمر كله ، يخلق ما يشاء ويختار ، ما كان لنا الخيرة ، سبحانه له الحمد في الأولى والآخرة ، وله الحكم وإليه ترجعون ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، وخليله وخيرته من خلقه ، بلّغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده ، وتركنا على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك ، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . . أما بعد :
فاتقوا الله أيها المسلمون، واقدُرُوا الله حقَّ قدره، وآمنوا بالله ورسوله، يؤتِكم كِفلين من رحمته، ويجعل لكم نورًا تمشون به، ويغفر لكم، ومن تولَّى عن ذلك فإنما يتَّبع هواه ، ومن تبع هواه فقد ضل وغوى ، قال تعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [ القصص50] .
لكل مقال بداية ، ولكل بداية نهاية ، وبداية هذا المقال المهم ، وبوابة هذا الحديث المفهم ، هذا النص النبوي الشريف :
عن أَبي عُبَيْدَةَ بنِ الْجَرَّاح رضيَ اللَّهُ عنهُ قال : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ " لاَ يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ " [ أخرجه البيهقي وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع برقم 4617] .
هذا الحديث العظيم الدلالة ، يبين لكل مسلم أنه لا دين إلا دين الإسلام ، ولا شرع إلا شرع الإسلام ، ولا ميزان إلا ميزان الإسلام ، فالإسلام هو العدل وهو منطق العقل ، وهو المخرج من الفتن ، والطريق إلى السعادة ، والبوابة إلى الجنة ، وما عداه من أديان وملل ونحل فهي أهواء شيطانية ، وخلل دعائية ، لتحقيق مآرب شخصية دنيئة من دنايا الدنيا .
الإسلام دين قائم إلى قيام الساعة ، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان ، ممن يثق بقول الله تعالى ، ويؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإسلام رسالة خالدة ، ما بقي في الأرض نسمة .
قال تعالى : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [ آل عمران85 ] .
في الحديث تحريم اتخاذ القبور مساجد ، وإذا كانت اليهود والنصارى تتخذ من قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، فالشيعة الرافضة الصفوية الاثني عشرية اليوم على مستوى العالم بأكمله ، تتخذ قبور صالحيها مساجد ومشاهد تزار ويتبرك الناس بهم ، وهم أموات لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضراً ولا نفعاً ، فهم أشد من اليهود والنصارى خطراً ، وأعظم منهم ضرراً .
وبما أنهم يفعلون ذلك وهو أمر مُشاهد للعيان ، فعليه فإنهم كفار ليسوا بمسلمين ولا مؤمنين ، بل الإسلام منهم براء ، وإن كانوا يقولون بجواز الطواف حول القبور فليأتوا بدليل صحيح يثبت ذلك من كتاب الله ، أو ما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولن يستطيعوا مهما فعلوا وافتعلوا ، لأن هناك من علمائهم من هم صادقين لا يقبلون الكذب والتزييف والافتراء على الله وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام .
فعليه يجب على كل دولة مسلمة صادقة في إسلامها أن تخرج كل من يمت للشيعة بصلة من بلدها وديارها للأسباب التالية :
1- لأنهم ليسوا بمسلمين ، لما سبق بيانه ، ولما سيأتي تبيانه .
2- لأنهم خطر على أمن الديار المسلمة ، وعلى معتقدها السليم ، وشرعها القويم .
3- لأنهم خونة على مر الدهور والعصور ، يمالئون الأعداء ، من اليهود والنصارى على المسلمين .
4- لأن ذلك هو أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن لم يفعل ذلك فليس من الله في شيء ، قال تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } [ الأحزاب36 ] .
المساجد لله :
وهل ينكر أحد أن المساجد لله ، وقد قال تعالى : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً } [ الجن18 ] .
والله سبحانه وتعالى يجزي على بناء المساجد عظيم الجزاء وأوفاه ، عن عثمانَ بنِ عَفَّانَ رضي الله عنه قالَ : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ : " مَنْ بَنَى للَّهِ مَسْجِداً ، بَنَى الله لهُ بَـيْتاً فـي الـجَنَّةِ " [ رواه البخاري ومسلـم ] .
فللمساجد حرمة عظيمة ، فلا يجوز إنشاد الضالة فيها ، ولا البيع ولا الشراء ، فإذا كان ذلك كذلك ، فكيف بمن يهدمها ، ويخربها ، ويُهجِّر المسلمين منها ، ويغتالهم فيها ، ويمزق مصاحفها ، لذنبه عظيم ، وإثمه وخيم ، وعقابه جسيم ، قال تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ البقرة114 ] .
لا أحد أظلم من الذين منعوا ذِكْرَ الله في المساجد من إقام الصلاة , وتلاوة القرآن , ونحو ذلك من الأعمال الصالحة , وجدُّوا في تخريبها بالهدم أو الإغلاق , أو بمنع المؤمنين منها ، لذلك ظلم كبير ، وشر كثير ، ظلم للقاع ، وجرم حتى النخاع ، فأولئك الظالمون ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا المساجد إلا على خوف ووجل من العقوبة , لهم بذلك صَغار وفضيحة في الدنيا , ولهم في الآخرة عذاب شديد .
فما يحصل اليوم في العراق من تدمير للمساجد ، وقتل روادها من المصلين والتالين ، لهو جريمة عظيمة ، وسابقة أليمة ، وأمر مستنكر ، فالاحتلال الأمريكي الإيراني الصفوي المجوسي المتطرف ، يدعو إلى تدمير بيوت الله ، وقتل من فيها من المسلمين المصلين ، وهذا يتنافى مع تعاليم الإسلام الذي حث على بناء المساجد وتشييدها وإنارتها والاهتمام بها ، قال تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } [ النور36-37 ] .
فما هذه الهجمة الوحشية الشرسة ، التي يقوم بها غلاة الشيعة الرافضة والاثني عشرية والصفوية فساداً وتخريباً لبيوت الله عز وجل في العراق ، إلا دليل على ما يكنه القوم لأهل السنة والجماعة ، المتمسكين بحبل الله المتين ، والمهتدين بسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، من غيظ وحقد وكراهية بلغت زباها .
ثم ليعلم كل مسلم عاقل أنه لا يوجد مسجد واحد للمسلمين في إيران ، وهي الدولة الفارسية المجوسية المناهضة للإسلام وأهله ، والتي تدعي زوراً وكذباً أمام الرأي العالمي عبر الشاشات الفضائية أنها دولة إسلامية وتريد قتال اليهود والنصارى ، فهذا كله كذب ودجل وهراء في هواء ، تريد منه جذب التأييد الإسلامي لها ، لتنفيذ مخططها الشيعي الصفوي الاثني عشري الرافضي ، ثم بعد ذلك تفتك بكل مسلم ومسلمة أيدها ووقف بجانبها ، بل وحتى كل شيعي عربي ، فليمعن النظر كل عاقل لبيب ، وإلا فالموت مآله ، والتعذيب يناله .
ورحِم الله ابنَ القيم وهو يصفُ مثلَ هذه الحال بقوله : " فلو رأيتَ ما يُحرِّف إليه المحرِّفون أحسنَ الكلام وأبينَه وأفصحَه وأحقَّه بكلِّ هدًى وبيان وعلم مِن المعاني الباطلة والتأويلات الفاسِدة ، لكِدتَ تقضي من ذلك عجبًا ، وتتَّخذ في الأرض سَربًا ، فتارةً تعجَب ، وتارة تَغضب ، وتارة تبكِي ، وتارة تضحَك ، وتارةً تتوجَّع بما نزل بالإسلام وحلّ بساحةِ الوحي " انتهى كلامه رحمه الله .
الطواف حول الكعبة المشرفة :
من المعلوم عند كل مسلم أنه لا طواف إلا حول الكعبة ، مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } [ الحج29 ] ، ولم يعرف المسلمون على مر التأريخ أن هناك بقعة من الأرض يطوف الناس حولها ، غير الكعبة المشرفة ، ولما أراد أبرهة الأشرم ، أن يصرف الناس إلى بيته الذي بناه في الحبشة ، أهلكه الله تعالى ودمره وجيشه .
ومن يطوف حول القبور ، والأضرحة فهو مبتدع بدعة منكرة ، بل هو كافر خارج من دين الإسلام ، ما لم يكن لديه شبهة أو جهل بتحريم ذلك ، فإن علم التحريم واستمر على طوافه بالقبور فهو كافر مرتد عن الإسلام ، يقتل ثم يُرمى به في حفرة من الأرض كي لا يؤذي المسلمين برائحته النتنة .
وعلى حكومات الدول الإسلامية إن كانت صادقة في دعواها أنها مسلمة أن تمنع الكفر والشرك بالله في أراضيها ، فيجب عليها أن تزيل ما ارتفع من القبور أكثر من شبر ، وتسويه بالأرض ، وتزيل القباب التي على القبور ، وتزيل الأضرحة ، وتضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه العبث بدين الله تعالى ، هذا إن كانت تقول أنها حكومات إسلامية ، فالإسلام دين الله تعالى الذي جاء بالحق من عنده ، جاء بعبادته وحده سبحانه دون سواه ، فهو الإله المعبود ، وغيره من البشر عباد منقادون له ، يعبدونه وحده ، ولا يعبدون معه أحدٌ غيره ، لا نبي ولا ملك ولا جن ولا إنس ، ولا شجر ولا حجر ولا مذر ولا مدر ، فالله هو المستحق للعبادة دون سواه من المخلوقين ، لأنه خالق كل شيء وما سواه مخلوق عبد له لا يخرج عن سيطرته وأمره ، قال تعالى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } [ المائدة72 ] .
وقال تعالى : { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [ المائدة76 ] .
وقال تعالى : { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ التوبة31 ] .
عنْ أَبِي ذَرّ رضيَ اللَّهُ عنهُ قال : قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " أَتَانِي جِبْرِيلُ فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئَاً دَخَلَ الْجَنَّةَ ، فَقُلْتُ : وَإِنْ زَنَىٰ وَإِنْ سَرَقَ ؟ فَقَالَ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ " [ متفق عليه ] .
فمن يعبدون الحسين رضي الله عنه ، أو الجيلاني ، أو غيرهما من الأموات فهم على خطر عظيم ، ووبال جسيم ، فليتوبوا إلى الله تعالى ، وليؤمنوا به وحده ، ولا يدعون إلا الله ، ولا يسألون إلا الله ، ولا يلجئون إلى لله ، فهو سبحانه كما قال : { وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الأعراف180 ] .
وقال سبحانه وتعالى : { وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } [ آل عمران122 ] ، وقال تعالى : { وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } [ إبراهيم12 ] .
زيارة القبور :
زيارة القبور سنة نبوية ، وهداية مصطفوية ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ قال : قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " إِسْتَأْذَنْتُ رَبي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبَرْهَا فَأَذِنَ لِي ، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإنَّهَا تُذَكرُكُمُ الْمَوْتَ " [ أخرجه مسلم ] .
وزيارة القبور سنة للرجال دون النساء ، لأن النساء ضعيفات فربما تألمن بزيارتهن للقبور ، فيصدر عنهن ما يغضب الله تعالى ، أو الصياح ، أو العبث ، أو شق الجيوب ، أو التعري أمام الناس ، فلهذا كان من الحكمة منعهن من زيارة القبور ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ ، وَالمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا المَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ " [ رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان في صحيحه ] .
وعن جندب رضيَ اللَّهُ عنهُ قال : قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " إِني أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ ، فَإنَّ اللَّهَ قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلاً ، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَاً مِنْ أُمَّتِي خَلِيلاً ، لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً ، أَلاَ وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ ، أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ ، إِني أَنْهَاكُمْ عَنْ ذٰلِكَ " [ أخرجه مسلم ] .
وزيارة القبور تكون بأدب واحترام وتوقير لمن فيها من الأموات ، فقد أفضوا لما قدموا ، وهم مرتهنون بأعمالهم ، منهم المنعم _ نسأل الله من فضله _ ومنهم المعذب _ نعوذ بالله من عذابه _ وعلى المسلم إذا دخل المقابر أن يخفض صوته ، ولا يقول إلا خيراً ، فيسلم على أهل القبور ، ويدعو لهم ، ولا يمشي بين القبور ، ولا يجلس عليها ، ولا يؤذي من فيها بأي أذىً كان .
وعلى المسلم إذا دخل المقبرة أن يقول الدعاء المأثور ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى المَقْبُرَةِ فَقَالَ : " السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَار قَوْمٍ مُؤْمِنيِنَ. وَإِنَّا، إِنَّ شَاء اللّهُ، بِكُمْ لاَحِقُونَ " [ أخرجه مسلم ] .
الدعاء عبادة :
والعبادة لا تصرف إلا لله وحده لا شريك له ، عَن النُّعْمانِ بنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " الدُّعاءُ هُوَ العِبَادَةُ ، ثُمَّ قالَ : { وَقَال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الّذِينَ يَسْتكْبِرونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [ أخرجه الترمذي وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ ] .
فمن المسلمين اليوم من شذ عن دين الله ، وشرد عن تعاليمه ، فبدل أن يدعو من خلقه ، يدعو مخلوقاً مثله ، لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً ، وقد جاءت الأدلة متضافرة متعاضدة تدل على تحريم دعاء غير الله تعالى ، وأن ذلك شرك مخرج من الإسلام ، إذ كيف تدعو عبداً مثلك ، لو كان يملك من أمره شيء لما مات وأرم في قبره ، وأكله الدود ومحا محاسن صورته ، فما يفعله الجهال من المسلمين حول القبور من طواف ودعاء لأهلها من دون الله ، وطلب تفريج الكربات منهم ، أو المدد ، أو دفع الضر ، أو جلب النفع ، أو غير من الأمور التي لا يقدرها عليها إلا الله ، فهذا كفر صريح والعياذ بالله .
وقد سمعت أحد علماء القوم الضلال وهو يستشهد بقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ المائدة35 ] .
يستشهد بالآية السابقة على أن دعاء الأولياء وسيلة للتقرب إلى الله تعالى ، وقال : إنه لا يجوز أن تلجأ إلى الله تعالى مباشرة ، دون أن تتوسل بالأوصياء والأولياء ، وقد أنكر الله تعالى اتخاذ الأولياء من دون الله فقال سبحانه : { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } [ الزمر3 ] .
فاتخاذا بشر يتوسل بهم العبد إلى الله تعالى وقد ماتوا سفه وقلة في العقل ، وضعف في المعتقد ، وكذب على الجهلة من المسلمين ، فإنها كلمة حق أُريد بها باطل ، وتحريف للكلم عن مواضعه ، وتفسير خاطئ لما قصده القرآن الكريم ، فالتوسل بالخلق الأموات للوصول إلى الله ، خروج من ملة الإسلام ، ومن أفتوا الناس بذلك ، فهم مكذبون للقرآن الكريم ، فلله وحده الطاعة التامة السالمة من الشرك , والذين أشركوا مع الله غيره ، واتخذوا من دونه أولياء , وقالوا : نحن لا نعبد تلك الآلهة أو أولئك الناس مع الله ، ولكن ندعوهم ليشفعوا لنا عند الله , ويقربوننا عنده منزلة , فمن فعل ذلك فقد كفر بالله تعالى ؛ لأن العبادة والشفاعة لله وحده , وهو سبحانه يفصل بين المؤمنين المخلصين ، والمشركين المكذبين ، المتخذين مع الله غيره ، فهو يفصل بينهم يوم القيامة فيما يختلفون فيه من عبادتهم , فيجازي كلاً بما يستحق ، إن الله لا يوفق للهداية إلى الصراط المستقيم من هو مفترٍ على الله , كَفَّار بآياته وحججه .
ويقول تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } [ الأنعام40-41 ] .
إذا أصابتك الغموم ، ولحقتك الهموم ، فلا تدع إلا الله وحده دون شركاء أو وسطاء ، فهو سبحانه وتعالى كاشف الضر ، ومزيل الهم والغم ، وهو الرزاق ، والخلاق ، وهو المعافي والمشافي سبحانه وتعالى عما يشركون .
وأخيراً ، إنّ المسلمين جميعًا مأمورون ببذل كلِّ ما مِن شأنه المحافظةُ على شريعَتهم الغرّاء عن أن يزلُّوا بتهميشها بعد ثبوتهم عليها، ويذوقوا السوءَ بما صَدّوا عنها، كما أنه في الوقتِ نفسه إن لم يقوموا بالحمايةِ عن حَوزة الشريعة فإنهم سيأثمون جميعًا، إن لم يقُم بهذا الفرض الكفائيّ مَن يكفي في ترسيخ تحكيم الشريعة وصَدِّ الأيدي العابثة بها بين الحين والآخر.
فإنّ الواجبَ على الولاةِ والعلماء والدّعاة أن يكونوا حماةً لجناب الشريعة، وأن يتصدّوا لكلِّ غارةٍ على حِماها، وأن يقِفوا في وجوهِ العابثين بها وبأحكامها وثوابِتها، وبيان الحقّ لهم ودعوتهم إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ومجادلتهم بالتي هي أحسَن، كما أنه لا ينبغي أن يتسلّل شيءٌ من التهوينِ مِن شأنِ أولئك، أو أن يقال: إنَّ الردَّ عليهم والتصدِّي لهم فيه نوعُ تنزُّل وإعطاءٌ للشَّخص أكثر من حقِّه؛ فإنّ الدفاعَ عن الشريعة أعمّ من أن يُحَدَّ بشخص دون آخر؛ إذِ الحقّ هو الضّالّة التي ينشدُها المؤمن، وللإمام عثمان الدارمي كلامٌ حولَ هذا يقول فيه: "وقد كان من مضَى من السَّلف يكرَهون الحوضَ في هذا وما أشبَهه، وقد كانوا رُزِقوا العافيةَ منهم، وابتُلينا بهم عند دروس الإسلام وذهابِ العلماء، فلم نجد بدًّا من أن نردّ ما أتوا به من الباطل بالحقّ"، ولأبي الحسَن الأشعريّ رحمه الله كلامٌ جيِّد في معرض ردّه على الجبّائي المعتزلي، يقول فيه: "ورأيتُ الجبائي ألّف في تفسيرِ القرآن كتابًا أوّلَه على خلافِ ما أنزل الله عزّ وجلّ، وما روى في كتابه حرفًا عن أحدِ المفسِّرين، ولولا أنه استغوَى بكتابه كثيرًا من العوامّ واستزلّ به عن الحقّ كثيرًا من الطّغام لم يكن للتّشاغُل به وجه". ويتحدّث ابن القيّم رحمه الله عن الوقوف في وجوه المحرّفين والعابثِين بنصوص الشريعة والحاطّين من هيبتها قائلاً: "فكشفُ عوراتِ هؤلاء وبيان فضائحِهم وفساد قواعدهم من أفضلِ الجهاد في سبيل الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسّان بن ثابت رضي الله عنه : " إنَّ روحَ القدُس لا يزال يؤيِّدك ما نافحتَ عن الله ورسوله " .
ألا فاتّقوا الله معاشرَ المسلمين، واحفظوا شِرعةَ الله ومنهاجه في واقعِ حياتكم، وذودوا عن حِماهما، فلا نجاةَ لسفينةِ الإسلام الماخِرة إلاّ بالتمسُّك بهما على وجهِ الانقياد والتسليم والتعظيم والطاعة .
وأختم بهذا الدعاء ، " اللَّهُمَّ إِني أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْبِي، وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي، وَتَلُمُّ بِهَا شَعْثِي، وَتُصْلِحُ بِهَا غَائِبِي، وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدِي، وَتُزَكي بِهَا عَمَلِي، وَتُلْهِمُنِي بِهَا رُشْدِي، وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتِي، وَتَعْصِمُنِي بِهَا مِنْ كُل سُوءٍ، اللَّهُمَّ أَعْطِنِي إيماناً وَيَقِينَاً لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ، وَرَحْمَةً أَنَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِني أَسْأَلُكَ الْفَوْزَ فِي الْقَضَاءِ وَنُزُلَ الشُّهَدَاءِ وَعَيْيَ السُّعَدَاءِ وَالنَّصْرَ عَلَى الأَعْدَاءِ، اللَّهُمَّ إِني أُنْزِلُ بِكَ حَاجَتِي، فَإنْ قَصُرَ رَأْيِي وَضَعُفَ عَمَلِي افْتَقَرْتُ إِلَى رَحْمَتِكَ، فَأَسْأَلُكَ يَا قَاضِيَ الأُمُورِ، وَيَا شَافِيَ الصُّدُورِ كَمَا تُجِيرُ بَيْنَ الْبُحُورِ، أَنْ تُجِيرَنِي مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، وَمِنْ دَعْوَةِ الثُّبُورِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقُبُورِ ، اللَّهُمَّ مَا قَصُرَ عَنْهُ رَأْيِي وَلَمْ تَبْلُغْهُ نِيَّتِي، وَلَمْ تَبْلُغْهُ مَسْأَلَتِي مِنْ خَيْرٍ وَعَدْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ خَيْرٍ أَنْتَ مُعْطِيهِ أَحَدَاً مِنْ عِبَادِكَ، فَإني أَرْغَبُ إِلَيْكَ فِيهِ، وَأَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ يَا ذَا الْحَبْلِ الشَّدِيدِ وَالأَمْرِ الرَّشِيدِ أَسْأَلُكَ الأَمْنَ يَوْمَ الْوَعِيدِ، وَالْجَنَّةَ يَوْمَ الْخُلُودِ مَعَ الْمُقَرَّبِينَ الشُّهُودِ، الرُّكَّعِ السُّجُودِ الْمُوفِينَ بِالْعُهُودِ إِنَّكَ رَحِيمٌ وَدُودٌ، وَإِنَّكَ تَفْعَلُ مَا تُرِيدُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هَادِينَ مُهْتَدِينَ غير ضالين وَلاَ مضلين ، سِلْماً لأَوْلِيَائِكَ وَعَدُوّاً لأَعْدَائِكَ، نُحِبُّ بِحُبكَ مَنْ أَحَبَّكَ، وَنُعَادِي بِعَدَوَاتِكَ مَنْ خَالَفَكَ، اللَّهُمَّ هٰذَا الدُّعَاءُ وَعَلَيْكَ الإجَابَةِ، وَهٰذَا الْجُهْدُ وعَلَيْكَ التُّكْلاَنُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي نُورَاً فِي قَلْبِي، وَنُوراً فِي قَبْرِي، وَنُورَاً بَيْنَ يَدَيَّ، وَنُورَاً مِنْ خَلْفِي، وَنُورَاً عَنْ يَمِينِي، وَنُوراً عَنْ شِمَالِي، وَنُوراً مِنْ فَوْقِي، وَنُورَاً مِنْ تَحْتِي، وَنُورَاً فِي سَمْعِي، وَنُورَاً فِي بَصَرِي، وَنُورَاً فِي شَعْرِي، وَنُوراً فِي بَشَرِي، وَنُوراً فِي لَحْمِي، وَنُوراً فِي دَمِي، وَنُوراً فِي عِظَامِي، اللَّهُمَّ أَعْظِمْ لِي نُوراً، وَأَعْطِنِي نُورَاً، وَاجْعَلْ لِي نُورَاً، سُبْحَانَ الَّذِي تَعَطَّفَ بِالْعِز وَقَالَ بِهِ، سُبْحَانَ الَّذِي لَبِسَ الْمَجْدَ وَتَكَرَّمَ بِهِ، سُبْحَانَ الَّذِي لاَ يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ إِلاَّ لَهُ، سُبْحَانَ ذِي الْفَضْلِ وَالنعَمِ، سُبْحَانَ ذِي الْمَجْدِ وَالْكَرَمِ، سُبْحَانَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ " [ أخرجه الترمذي، ومحمد بن نصر في الصَّلاَة ، والطبراني ، والْبيهقي في الدَّعوات من حديث ابن عبَّاس رضيَ اللَّهُ عنهُمَا ، مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم ] .

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك
 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية