اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/ysmf/19.htm?print_it=1

أما الحرام فالممات دونه!

يسري صابر فنجر

 
هذه صيحة كل مسلم صيحة في لسانه، وصحوة في قلبه، وإصلاح في جوارحه، الحرام ممات، والمعصية شوك وشؤم، شؤم على الفرد والمجتمع تأتي على الأخضر واليابس، تميت القلب، تذهب البركة، تعجل بانتقام الخالق، تمنع القطر من السماء، والأرض من الإنبات، يكثر بظهورها الخسف وتحل الزلازل والبراكين والأوبئة والأمراض والطواعين.

فكم من شابٍ أو فتاة احتقر معصية صغيرة وهي عند الله عظيمة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ) رواه أحمد في مسنده (22302) بسند حسن.

وقد قيل: لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من عصيت،

خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقي
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى

روى مسلم (2090 ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْ خَاتِمَكَ انْتَفِعْ بِهِ قَالَ لَا وَاللَّهِ لَا آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قال النووي: قَوْل صَاحِب هَذَا الْخَاتَم حِين قَالُوا لَهُ: خُذْهُ لَا آخُذهُ , وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَفِيهِ الْمُبَالَغَة فِي اِمْتِثَال أَمْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاجْتِنَاب نَهْيه , وَعَدَم التَّرَخُّص فِيهِ بِالتَّأْوِيلَاتِ الضَّعِيفَة.

فهذا الصحابي رضي الله عنه يباح له أن يأخذ الخاتم لينتفع به يبيعه أو يدخره لكن أبت نفسه أن يأخذ ما طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم تورعاً لرفعة شأن النبي صلى الله عليه وسلم في قلبه فطرح عظمة رسول الله في قلبه لتطغى على ما تسول به نفسه وما يأول له شيطانه فهل ينقاد رجال ونساء هذا القرن المتحضر كما انقاد هذا الصحابي رضي الله عنه وهل نعي ما فعله ونعلمه لأبنائنا وبناتنا أما أن في الواقع المتحضر صدرت تأويلات بالغة السخافة قد تبلغ حد التعدي على الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم:

كقول بعضهم عن الدخان : (إن كان حلال فنحن نشربه، وإن كان حرام فنحن نحرقه).
وقول آخر عن الخمر: شراب روحي، وعن التبرج والسفور: حرية شخصية، وعن الدياثة : تحضر...
وهكذا ساعدت الأفلام والمسلسلات على نشر هذه التأويلات الفاسدة والتهوين من شأن المنكر.
كم من شاب أو فتاة بلغه قول النبي صلى الله عليه وسلم فامتثل وانقاد وأخضع جسده وجوارحه له؟
كم من رجلاً يتحلى بالذهب (جمرة من نار) بلغه تحريمه فنزعه حباً لله ولرسوله صلى الله عليه.

كم من فتاة قرأت آية الحجاب عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ" وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ" شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا

إن النساء الأول لم ينتظرن حتى يرجعن فيفصِّلن حجاباً! ولكنهن في المجلس لما سمعنا الآية أخذن ما زاد من ثيابهن فاحتجبن أو اختمرن بها فانظر إلى ثياب المسلمات اليوم كم فيها من المحرمات أين هن من الحشمة والوقار والفضيلة وتطبيق أمر القهار؟!

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ يَوْمَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ وَمَا شَرَابُهُمْ إِلَّا الْفَضِيخُ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي فَقَالَ اخْرُجْ فَانْظُرْ فَخَرَجْتُ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ قَالَ فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَاهْرِقْهَا فَهَرَقْتُهَا.

آه جرت الخمر في شوارع المدينة لما نزل تحريمها فكم هدمت المخدرات من شباب أمتنا، وكم في بيوتنا من المحرمات التي نعلم يقيناً بتحريمها فلماذا إذا تهاون لأن الناس في بيوتهم ذلك وهل هذا ينفعنا أمام خالقنا إن هناك فجوة في التطبيق نعرف لكننا لم نلتزم ولم نطبق طغت علينا الدنيا بزينتها والباطل بزخرفه لم نعرف قدر خالقنا عز وجل ورسولنا صلى الله عليه وسلم ولم نحبهما وإن ادعينا فمن أحب أطاع، قال يحيى بن معاذ ليس بصادق من ادعي محبة الله ولم يحفظ حدوده

تعصي الإله وأنت تظهر حبه... هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعته... إن المحب لمن يحب مطيع

إن الندم على الذنب، والإقلاع عنه، والعزم على عدم العود إليه لا يأتي إلا من قلوب وأجساد صدقت مع الخالق فصدق الخالق معها وأعانها ووهبها الأجر والثواب وسعادة الدنيا والآخرة فيا من أقام على المعصية أثرها عليك وبيل وقد أمهلك الخالق وفتح لك باب التوبة والأوبة والعودة والإنابة وجعل التوبة تجب وتمحوا المعاصي فدعك من التسويف {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد:16).

فقلها بصدق آن يا رب... أما الحرام فالممات دونه أموت على طاعة وأنعم بحياة لربي طائعاً ولرسولي متبعاً وبصحابته مقتدياً مهتدياً في هذا سعادتي التي لن أعيش بدونها وأتمنى أن أختم بها عمري..

واعلم أن ربك يحبك فأين أنت من حبه يفرح بعودتك إليه مستسلماً صادقاً طائعاً مخلصاً منيباً تائباً عابداً تقياً ورعاً فاضلاً محسنناً..

نسأل أن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا ويكّره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ويجعلنا من الراشدين فضلاً منه ونعمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 

يسري صابر فنجر

  • كتب
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية