صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الزلزال ..عبرة وعظة
{ وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً }

 

الجزء الأول الجزء الثاني


إنذار لعامة الأمة
زلزال آسيا.. وقفة اعتبار

الـــزلــزال
"تسونامي".. الطوفان يعود!!
إذا زلزلت الأرض زلزالها
خطة مقترحة لإدارة إغاثة الكوارث
زلــزال وعــظــمــة
شعر : الزلزال رسالة
الزلازل المدمرة
الـزلازل عذاب ورحمة وعبرة
كلمات في الزلزال
أحاديث وردت في الخسف والمسخ والقذف


إنذار لعامة الأمة
قواعد في تخفيف المصائب

(مقالة مقترحة لخطبة الجمعة)

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: يقول الله تعالى: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:43) (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) (المؤمنون:76).

وقال تعالى: (وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) (الرعد: من الآية31).

إن هذه الآيات والنذر من الرحمن الرحيم للبشرية لعلهم يتقون ولعلهم يتذكرون ولعلهم يتضرعون ولعلهم يتعظون، ولكن البشرية حادت عن ربها وطمس على قلوبهم فهم لا يبصرون ولا يسمعون ولا يعلمون، فراحت تنسب هذه العقوبات إلى الجمادات التي لا تعقل ولا تعلم شيئًا ولا تعي ولا تملك لنفسها نفعًا ولا ضرًا، فيقولون: غضب الأرض وتمرد الطبيعة.

هذه الكارثة من أعظم الدلائل على عظمة الله تعالى ففي لحظة واحدة تدمرت كل هذه البقاع وهلك مئات الآلاف من البشر ومن الحيوانات البحرية والبرية، زلزال استمر دقيقتين امتدت آثاره إلى آلاف الأميال فكيف لو طالت مدته، وكيف لو تعددت صوره في بقاع أخرى، إذا كان هذا زلزال الدنيا فكيف بيوم القيامة (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) (إبراهيم:48)، (إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت) (إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت )، (إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها).

لقد كانت لهذه الكوارث والآيات العظيمة معطيات كثيرة، منها:
حينما ادعى البشر العظمة والتقدم والسيطرة على الكون ومعرفة جل أسراره وأن لديهم من القدرات والطاقات والإمكانات ما يعرفون به كل شيء يحدث أو سيحدث في الكون، وادّعوا أن ما اخترعوه من أجهزة الأرصاد التي يعرفون من خلالها أي حدث يمكن أن يحدث من زلازل وغيرها فيتلافون الكوارث والإصابات في حد زعمهم، فأحبط الله في هذه الحادثة ما قدروه، وأتاهم ما لم يكونوا يحسبونه بهزة عظيمة وكارثة جسيمة لم يعرفوا مثلها ولم يحسبوا حسابها ولم يقدروا لها قدرها، بل لم يتنبأوا بها قبل حدوثها ولا بلحظات. (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (النحل:45)، (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) (الإسراء:68)، (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) (الملك:16)، (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النمل:65).

لقد شاهد العالم التعامل العنصري مع ضحايا هذه الكارثة العظيمة في صورة من أقبح الصور التي أفرزتها الحضارة الغربية المعاصرة في التعامل حتى مع الأموات فبينما أناس ينقب عنهم من بين آلاف القتلى فيوضعون في التوابيت الفاخرة ويحملون على الطائرات، إذا بالآخرين يجرفون بالشيولات وعلى ظهور القلابات ويقذفون في الحفر الجماعية تدفنهم الآلات بالتراب وبدون كفن ولا غطاء. وهكذا كل حضارة لا تقوم على منهج الله فهي فساد وظلم وضلال في الأرض (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ) (الفجر:12-11)، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) (البقرة:11).

بينما تلك الشواطئ مقصد السائحين ومحط أنظار المستثمرين تباع بأغلى الأثمان يتسابق إليها رجال الأعمال وفي لحظة واحدة تحولت إلى أراضي بوار لا تساوي درهمًا ولا دينارًا يبتعد عنها كل من رام الصحة والسلامة.

ما بين غمضة عين وانتباهتها *** يبدل الله من حال إلى حال

إنذار لعامة الأمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
إن التفكر والاعتبار والانتفاع بالمواعظ من صفات المؤمنين قال الله تعالى: {سيذكر من يخشى}.

والمتأمل في الأحداث والمتغيرات، وحلول كثير من العقوبات في هذا الزمان: من الزلازل، والأعاصير والفيضانات، والانهيارات، والجفاف والجدب، والحوادث المتجددة يجدها أمورا عظيمة تزيد يوما بعد يوم، جدير بالمسلم أن يأخذ العبرة منها.

ومن باب الإنذار والتحذير نتكلم عن هذا الموضوع من خلال الوقفات التالية:

الوقفة الأولى:
المعاصي سبب المصائب، فإذا وقعت المنكرات وأعلنت ولم تغير فسنة الله تعالى حلول العقوبات والمصائب (ومن المعلوم بما أرانا الله من آياته في الآفاق وفي أنفسنا وبما شهد به في كتابه أن المعاصي سبب المصائب) (الفتاوى 28\138).

(ومن عقوبات الذنوب أنها تزيل النعم وتحل النقم. وقد قال الله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} (الشورى 30) وقال الله تعالى: {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} (الأنفال 53) ومن تأمل ما قص الله في كتابه من أحوال الأمم الذين أزال نعمه عنهم وجد سبب ذلك جميعه إنما هو مخالفة أمره وعصيان رسله، وكذلك من نظر في أحوال أهل عصره وما أزال الله عنهم من نعمه وجد ذلك من سوء عواقب الذنوب) (الجواب الكافي).

الوقفة الثانية:
تدل النصوص الشرعية على أن العقوبة إذا حلت شملت الجميع إلا من رحمه الله.
قال البخاري: (باب إذا أنزل الله بقوم عذابا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ((إذا أنزل الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم)).

قال ابن حجر رحمه في شرحه: (وفي صحيح ابن حبان عن عائشة مرفوعا: إن الله إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون قبضوا معهم ثم بعثوا على نياتهم وأعمالهم. وقال: إذا ظهر السوء في الأرض أنزل الله بأسه فيهم، قيل يارسول الله وفيهم أهل طاعته؟ قال: نعم، ثم يبعثون إلى رحمة الله تعالى ) (فتح الباري 13\64).

وسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (( أنهلك وفينا الصالحون: قال: نعم، إذا كثر الخبث )) رواه البخاري وغيره. وتأمل أخي الكريم أن السائل هم الصحابة رضي الله عنهم، قال ابن حجر رحمه الله: (فيكون إهلاك الجميع عند ظهور المنكر والإعلان بالمعاصي).

الوقفة الثالثة:
أن سبب العقوبة للجميع حتى الصالحين هو السكوت وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت أبا بكر رضي الله عنه على المنبر يقول: يا أيها الناس إني أراكم تتأولون هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} وإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: ((إن الناس إذا عمل فيهم بالمعاصي فلم يغيروا أو شك الله أن يعمهم بعقاب)) أخرجه أبو داود والترمذي في سننه في كتاب الفتن ـ باب ما جاء في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر ـ وابن ماجة والنسائي والبيهقي وابن حبان في صحيحه. ولفظه في إحدى الروايات عند أبي داود: مامن قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا أوشك أن يعمهم الله منه بعقاب " وقال الترمذي: حسن صحيح.

وعن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ((عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ )) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

قال البخاري رحمه الله: ( باب ما جاء في قول الله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} وما كان النبي صلّى الله عليه وسلم يحذر من الفتن ) قال ابن حجر في شرحه: ( وعند الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب. ولهذا الأثر شاهد من حديث عدي بن عميرة: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: (( إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة )) أخرجه أحمد بسند حسن وهو عند أبي داود وله شواهد من حديث حذيفة وجرير وغيرهما عند أحمد وغيره.

قال ابن القيم: ( وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك وحدوده تضاع ودينه يترك وسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم يرغب عنها وهو بارد القلب ساكت اللسان! شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين! وخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذل وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه. وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله، ومقت الله لهم قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل. وقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله وغيره أثرا: أن الله سبحانه أوحى إلى ملك من الملائكة أن اخسف بقرية كذا وكذا، فقال: يارب كيف وفيهم فلان العابد! فقال: به فابدأ فإنه لم يتمعر وجهه في يوما قط) (إعلام الموقعين 2\157).

الوقفة الرابعة:
جاء التحذير والإنذار من الله تعالى في كتابه من الذنوب وعواقبها من خلال قصص الأمم الماضية وما حل بها عند ارتكاب المنكر، وحذر جل وعلا من معاصي بعينها مثل: قوله تعالى في الربا: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسول}كما أن الرسول صلّى الله عليه وسلم حذر من المعاصي عامة إلا أنه عليه الصلاة والسلام كرر التحذير والتنبيه بشأن بعضها وبين عليه الصلاة والسلام أنها إذا وجدت تبعتها عقوباتها من ذلك:

قوله صلّى الله عليه وسلم: ((في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف)) فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله ومتى ذلك؟ قال: ((إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور)) رواه الترمذي. (انظر صحيح الجامع 4\103).

وروى ابن ماجة عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ((ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير)) سنن ابن ماجة كتاب الفتن باب العقوبات، (وانظر صحيح الجامع 5\105).

وروى الإمام أحمد وأبو داود وسعيد بن منصور حديثا عن النبي صلّى الله عليه وسلم جاء فيه: ((ويبعث على أحياء من أحيائهم ريح فتنسفهم كما نسفت من كان قبلهم باستحلالهم الخمور وضربهم بالدفوف واتخاذهم القينات)).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: ((لا تقوم الساعة حتى ترضخ رؤوس أقوام بكواكب من السماء باستحلالهم عمل قوم لوط)) (رواه الديلمي انظر اتحاف الجماعة 2\246).

الوقفة الخامسة:
حذر الرسول صلّى الله عليه وسلم من أن العقوبة تحل بهؤلاء العاصين حتى ولو كانوا يؤدون شعائر الإسلام، قال صلّى الله عليه وسلم: ((إن في أمتي خسفا ومسخا وقذفا)) قالوا: يارسول الله وهم يشهدون أن لا إله إلا الله. قال: ((نعم، إذا ظهرت المعازف والخمر ولبس الحرير)) رواه ابن أبي شيبة.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ((يمسخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير)) قالوا: يارسول الله أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. قال: ((بلى ويصومون ويصلون ويحجون)) قيل: فما بالهم؟ قال: ((اتخذا المعازف والدفوف والقينات فباتوا على شربهم ولهوهم فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير)) (انظر اتحاف الجماعة 2\243).

الوقفة السادسة:
العقوبات أنواع: منها ما تقدم ومنها أيضا: تسلط الأعداء وتداعي الأمم على المسلمين، ومنها الزلازل التي تقع فجأة فتقلب العمار دمارا. وكانت تقع فيما مضى إلا أنها كثرت في هذا الزمان المتأخر ولا زالت الأرض ترجف هنا وهناك حتى أصبح خبرها متجددا غير مستغرب.

وكثرتها من أشراط الساعة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى تكثر الزلازل)) (رواه البخاري). والنذر تزيد من حولنا في أقطار الأرض: ما بين زلازل، وأعاصير، وفيضانات، وانهيارات، مع آية الخسوف والكسوف.

وإذا نظرنا في واقعنا نجد أنواع المنكرات ظهرت بصورة لم تسبق في الأمة، مما يزيدنا خوفا من آثارها، وسنن الله تعالى عامة على الجميع لا فرق بين البشر إلا بالإستجابة لله تعالى، وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلم، ولا أحد أغير من الله تعالى عندما تنتهك حرماته وهو شديد العقاب.

الوقفة السابعة:
أن الله سبحانه وتعالى يحدث بعض الآيات والعقوبات تخويفا لعباده إذا غفلوا لعلهم يرجعون: قال الله تعالى: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} (الإسراء 59).

قال ابن كثير رحمه الله: (قال قتادة: "إن الله تعالى يخوف الناس بما شاء من الآيات لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون. ذكر لنا أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود رضي الله عنه فقال: يا أيها الناس: "إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه " (يستعتبكم: أي يطلب منكم العتبى وهو الرجوع إلى ما يرضيه) وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن الله عز وجل يخوف بهما عباده فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره، ثم قال: يا أمة محمد والله ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا)).

وإذا لم يحصل الخوف عند رؤية الآيات المنذرة فيخشى نزول العذاب.

الوقفة الثامنة:
أهل الكفر والضلال عند حلول النكبات، بل وعند التوقعات والمرتقبات يصيبهم الهلع والجزع، واليأس والقنوط. أما أهل الإسلام فقد هداهم الله في كتابه إلى الصراط المستقيم، وبين لهم البشير النذير صلّى الله عليه وسلم أسباب النجاة من العذاب وأولها:

تحقيق الإيمان والصدق مع الله تعالى والاستجابة لله ولرسوله صلّى الله عليه وسلم وانتهاز الفرص المتاحة لتحقيق رضوان الله تعالى: قال الله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}(الأنعام 82) هذا هو الحل الحقيقي في موضوع الكوارث مع فعل أسباب النجاة الموضحة في الوقفات التـاليـة:

الوقفة التاسعة:
من أعظم أسباب النجاة التضرع واللجوء إلى الله تعالى وحده والفزع إلى الصلاة، قال الله تعالى: {فأخذناهم البأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} الأنعام.

وعن حذيفة رضي الله عنه رفعه قال: ((يأتي عليكم زمان لا ينجو فيه إلا من دعا دعاء الغريق)) (رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين).

وقد حث الناصح صلّى الله عليه وسلم على الدعاء كثيرا من ذلك قوله: صلّى الله عليه وسلم ((لا تعجزوا في الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد)) (رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، ورواه ابن حبان في صحيحه).

وقال صلّى الله عليه وسلم: ((لا يرد القدر إلا الدعاء)) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

وقال صلى الله عليه وسلم (( من سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء)) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

وقال صلّى الله عليه وسلّم ((والدعاء ينفع مما قد نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة)) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

ودعوة المضطر مجابة قال الله تعالى {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء} (النمل 12) لأن المضطر صادق في توجهه مخلص ليس في قلبه غير الله، حتى الكافر أجاب الله دعوته في حال الاضطرار {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون} (العنكبوت 65).

وما قوبلت الشدائد وكشفت بمثل اللجوء إلى من بيده الأمر كله وهو على كل شيء قدير.

ولا تنس ـ أيها المسلم ـ إخوانك المسلمين فالخير واصل إليك بدعوتك لهم قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم (ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل. وفي لفظ: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل) (رواهما مسلم).

الوقفة العاشرة:
من أسباب النجاة: التوبة والاستغفار: وذلك بترك الذنوب والعزم على عدم العودة إليها مع الندم ورد المظالم والاستغفار فهذا من أسباب منع العذاب ورفعه، قال الله تعالى:{وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}.

والتوبة والاستغفار سبب لنيل رحمة الله تعالى وحصول الخير والبركات قال نوح عليه السلام قومه:{استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً} وقال صالح عليه الصلاة والسلام لقومه: {لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون} وقال شعيب عليه السلام لقومه{واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود}.

كان خير البشر صلّى الله عليه وسلّم يكثر من الاستغفار قال ابن عمر رضي الله عنهما: ((كنا نعد لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم )) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث صحيح.

وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول قبل موته: ((سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه)) متفق عليه.

والاستغفار باللسان دون ترك الذنب لا يكفي قال ابن القيم _رحمه الله_ (وأما من أصر على الذنب وطلب من الله مغفرته فهذا ليس باستغفار مطلق ولهذا لا يمنع الذنب) (مدارج السالكين 1/307).

الوقفة الحادية عشر:
من أسباب النجاة: الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين}هود 116{وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} (هود 117).

قال ابن كثير-رحمه الله-: يقول الله تعالى فهلا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد في الأرض، وقوله {إلا قليلاً} أي: قد وجد منهم من هذا الضرب قليل لم يكونوا كثيراً وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غضبه وفجأة نقمته، ولهذا أمر الله تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كما قال تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} آل عمران 104، وقوله {واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه} أي: استمروا على ما هم عليه من المعاصي والمنكرات ولم يلتفتوا إلى إنكار ألئك حتى فجأهم العذاب…{وكانوا مجرمين}.

ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة لنفسها، ولم يأت قرية مصلحة بأسه وعذابه قط حتى يكونوا هم الظالمين كما قال تعالى: {وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم} (هود 101) وقال:{وما ربك بظلام للعبيد} (فصلت 46).

ذكر ابن حجر-رحمه الله- في الفتح 13/65 عن بعض أهل العلم قوله: أما من أمر ونهى فهم المؤمنون حقاً لا يرسل عليهم العذاب، بل يدفع بهم العذاب.اهـ.

وقد نص الله على نجاة الناهين بقوله:{فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} (الأعراف 165).

قال ابن تيمية-رحمه الله-:( فأخبر الله تعالى أن العذاب لما نزل نجى الذين ينهون عن السوء وأخذ الظالمين بعذاب شديد) (الفتاوى 28/306).

الوقفة الثانية عشرة:
الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال والصدقة والإحسان يدفع البلاء.

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (نائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر) (رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن وحسنه الألباني).

وتفريج كربة المسلم تفرج كربة يوم القيامة قال صلّى الله عليه وسلّم: (لمسلم أخو المسلم لايظلمه، ولا يسلمه (لعدوه)، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة) متفق عليه. أما الجبن والبخل وخذلان المجاهد في سبيل الله فتنذر بقارعة، عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ((من لم يغز أو يجهز غازياً أو يخلف غازياً في أهله بخير أصابه الله سبحانه بقارعة قبل يوم القيامة)) رواه ابن ماجة وأبو داود بإسناد صحيح.

الوقفة الثالثة عشر:
يجب الإيمان بنصوص الشرع والخوف من نقمة الله وعقوبته، فهذا خير البشر صلّى الله عليه وسلّم تفطرت قدماه من قيام الليل وجاهد في الله حق جهاده يخشى من حلول عقوبة.

في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا عصفت الريح قال: ((اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به)) قالت: وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سري عنه، فعرفت ذلك عائشة رضي الله عنها فسألته فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: {فلما رأوه عارضا مستقبل أو ديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا}.

هذا خوفه صلّى الله عليه وسلّم مع أن الله جل وعلا يقول: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}.

وهذا عمر رضي الله عنه يربط بين الزلزلة والمعصية: أخرج ابن أبي شيبة في المصنف والبيهقي في سنن عن صفية بنت أبي عبيد قالت: (زلزلت الأرض على عهد عمر حتى اصطفقت السرر، فخطب عمر الناس فقال: أحدثتم لقد عجلتم، لإن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم) وإسناده صحيح. (انظر لمزيد البحث عن موضوع الزلزلة : رسالة السيوطي : كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة).

وكان بعض السلف إذا تغير عليه خلق زوجته او دابته رجع وحاسب نفسه وقال: والله ما حدث هذا إلا بذنب فعلته.

أما الآمنون من مكر الله ونقمته فقد ذمهم الله بقوله: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} (الأعراف).

ويتأكد الخوف والحذر كلما كثرت المنكرات وتوالت علينا النذر ممن له الخلق والأمر ممن يقول للشي كن فيكون سبحانه وتعالى.

الوقفة الرابعة عشرة:
ليس المقصود من هذا الموضوع نجاة البدن فقط، أو طلب النجاة في الدنيا.. بل الأهم من ذلك صلاح القلب أولا، وإذا صلح واستقام حصلت نجاة البدن والقلب جميعا في الدنيا والآخرة. أما إن كان القلب فاسدا قد استولى عليه اتباع هواه وطلب ما يحبه ولو كرهه الله، فقد تعرض لسخط الله وعقابه، ومهما عمل من حيلة لنجاة بدنه من الكوارث والفواجع فلا يمنع عنه عذاب الله، إذا قدر عليه بذنبه ولو جعل منزله نم حديد مؤسس في أعماق الأرض؛ لأنه أهمل الوقاية الشرعية، لو نجاه الله في الدنيا فقد عرض نفسه لعذاب الآخرة وهو الأشد والأنكى، قال الله تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} الشعراء.

ولهذا لما حصلت الزلزلة لم يخطب عمر رضي الله عنه بتوجيه الناس إلى الملاجئ أو تأسيس البناء في مواصفات معينة، بل وجه إلى الأهم فأمرهم بالتوبة؛ لأن سبب الزلزلة معصية. وهكذا قال ابن مسعود رضي الله عنه عند الرجفة: ( إن ربكم يستعتبكم يطب منكم الرجوع إلى ما يرضيه).

أما الاهتمام المادي لنجاة البدن فقط وطلب البقاء فمن صفات الكفار قال الله تعالى: {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم أن يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون} (سورة البقرة).

أما المؤمن فيسعى إلى إرضاء الله ولو أدى إلى إزهاق نفسه، وتلف بدنه كما يحصل في الجهاد في سبيل الله.
وعلى كل لا منافاة شرعا بين اتخاذ من الجمع بين اتخاذ الأسباب الشرعية والأسباب المادية، لطلب الأمن والسلامة.

وخلاصة القول أن المطلوب منك أخي المسلم الاهتمام بهذه الأسباب الشرعية وهي تحقيق الإيمان والتضرع والدعاء والتوبة والاستغفار، والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإنفاق في سبيل الله، قبل حلول الكارثة، وإذا قدر الله شيئا من ذلك فيضاعف العمل لعل الله أن يكشفها ويخفف أثرها.

الوقفة الخامسة عشرة:
إنذار الناس من عذاب الله من مهام الأنبياء والرسل التي أمروا بها، قال الله تعالى لنبينا صلّى الله عليه وسلّم: {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا} {إنما أنت منذر} وقال الله جلا وعلا عن نوح عليه السلام: {إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم}.

وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: (خرج إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فنادى ثلاث مرات فقال: ((أيها الناس تدرون ما مثلي ومثلكم؟)) قالوا الله تعالى ورسوله أعلم. قال صلّى الله عليه وسلّم: ((إنما مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا يأتيهم فبعثوا رجلا يتراءى لهم فبينما هو كذلك أبصر العدو فأقبل لينذرهم وخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه فأهوى بثوبه أيها الناس أوتيتم أيها الناس أوتيتم ـ ثلاث مرات ـ)) رواه الإمام أحمد.

والله تعالى يقول لنا: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} فواجب على كل مسلم ومسلمة أن يزكي نفسه ويتوب إلى الله تعالى من كل ذنب ويسعى في إنذار غيره كل حسب استطاعته، لعل الله أن يرحم البلاد والعباد.

هذه أهم أسباب النجاة والأخذ بها هو الحل الحقيقية لكل كارثة ومصيبة، ولا يمنع بعد ذلك من اتخاذ الأسباب المادية.

اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء، اللهم يا حي يا قيوم نجنا من الفتن والمصائب واجعلنا من أسباب نجاة عبادك منها. آمينا اللهم إني بلغت اللهم فاشهد. وصلى الله وسلم وبارك على أفضل الأنبياء والمرسلين.

حرر مع الإضافات في 24\11\1425هـ.
 


زلزال آسيا.. وقفة اعتبار
أ. د .ناصر بن سليمان العمر
 

الحمد لله على ما قضى وقدر، والشكر له على ما امتن به وتفضل، والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، نبينا محمد وعلى آله وصحابته ومن اتبع سبيلهم إلى يوم الدين.
وبعد فإن الله عز وجل خلق الخلائق لعبادته، وجعل الحياة الدنيا دار اختبار وابتلاء لينظر كيف يعملون، (خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)، (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون).

وإن من جملة الابتلاء الذي عاشه بعض أهل الأرض وبالأخص أهل جنوب شرقي آسيا ذلك الزلزال الذي ضرب المحيط الهندي فتجاوزت آثاره غربي القارة حتى بلغت الصومال بإفريقيا، مشرداً أكثر من خمسة ملايين، ومتسبباً في موت زهاء مائة وخمسين ألف نفس بشرية فضلاً عن غيرها.

ولا شك أن هذا الزلزال آية كونية مرئية تدل على قدرة الله، يخوف الله بها عباده يتحتم الوقوف معها، وأخذ بعض الدروس والعبر منها، وقد جالت بالنفس خواطر عدة أثناء قراءة أخبار الزلزال والطوفان الناجم عنه، ولعلي أقف اليوم وقفة مع مسألة ثم إن تسير الأمر وقفت مع مسائل أخرى في مقالات ربما أتيح لجمعها كتاب.

فمن ذلك الوقوف عند قوله تعالى : (وما نرسل بالآيات إلاّ تخويفاً)
إن الله عز وجل يخوف عباده بالآيات السمعية كما قال سبحانه: (ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) فيعتبر ويتذكر أولوا الألباب كما قال سبحانه: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ).
غير أنه تظل فئة من الناس متبلدة الأفهام والإحساس لاتؤثر فيها الآيات السمعية، بل ما تزداد غير طغيان وبعداً، كما قال سبحانه: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا).
ولعل من إمهال الله لفئام من البشر الذين تبلدت أحاسيسهم وفهومهم فلم تخلص إليهم معاني الآيات السمعية المتلوة، ومن رحمة الله بهم بعثه بالآيات الكونية المرئية المحسوسة، حتى تنبه من لم تكفه الإشارة، وتنغز من لم يفهم العبارة، فإن انصاعوا بعدها تجاوز عنهم، وغفر لهم، وكشف ما بهم، وإن استمرءوا التكذيب ومحادة الرسل، فلم تبق إلاّ النار تذيب تلك الفهوم المتحجرة، وتشوي تلك الجلود الثخينة المتبلدة.

ولهذا جرت سنة الله بإهلاك المكذبين الذين لم تكفهم الآيات السمعية، بعد إرسال الآيات الكونية، فإذا لم يعتبروا بهما أهلكهم بعدها أخذاً لهم بذنوبهم، ومن هؤلاء قوم صالح أصحاب الناقة، جادلهم رسولهم بالحجج السمعية، ثم بعث الله لهم آية مشهودة مرئية، فقال الله عز وجل حكاية عن نبيهم: (وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ * فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ).

ولم يُذكر في القرآن أن الله أنجى قوماً بعد أن رأوا الآية الكونية إلاّ قوم يونس، قال الله تعالى: (ولَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ). فما أعقلهم من قوم آبوا جميعاً ورجعوا إلى ربهم مذعنين عندما رأوا الآية.

قد يتعجب المرء! ما بال أولئك المكذبين؟ أليست لهم عقول؟ أولا يرون الآيات؟ فما بالهم لايرعوون ولايرجعون؟! أيعقل أن يرى فرعون تسع آيات ثم يصر مستكبراً؟ ألا يعقل؟
والجواب بلى كانت لهم عقول، وكانت لهم حضارة، وكانت لهم علوم، ولكنهم اغتروا بها فاقتصر نظرهم على ظاهر الأمور ولم يتعده إلى مسبباتها وحقائقها وما ورائها، وتأمل معي قول العزيز الحكيم: (وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون * فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ).

نعم قد سمعوا بالآيات التي نزلت بالأمم كما سمعنا بها، ورأوها كما شهدناها، وعلموا أن الهالكين أشد منهم قوة وآثاراً في الأرض كما علمنا، وفوق ذلك كله قد جاءتهم الرسل بالبينات كما جاءتنا، ولكن........؟

(فرحوا بما عندهم من العلم) فكانت النتيجة الطبيعية: (وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون)، وعندها استفاقوا: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ).

لقد كانوا يرون الآيات ولكن ما عندهم من العلم قادهم إلى بَطَر الحق، فَمَنْ أُهلِكوا بالريح، غضبت عليهم الطبيعة وفق علومهم! إثر تقلبات جوية، سببتها تخلخلات في الضغط الجوي بفعل تغيرات في السخونة والبرودة. وهكذا تنتهي الآية فلا ينظر عاقل في مسبب الأمر وموقته ومدبره، سبحانه وتعالى!

كان أحدهم يرى الخسوف فيقول من الطبيعي انعكاس ظل الأرض على القمر! وينسى الذي أوجد هذه الطبيعة بعد أن كوكب الكواكب وأجراها على ناموس مطرد فلا يتساءل ما باله أمره فاضطرب هنا، ولماذا؟

وإذا أُهلك قوم بالطوفان، ورأوا الآية فرحوا بما عندهم من العلم، وقالوا: هزة أرضية ناجمة عن تخلخل للصفائح في قعر المحيط أدى إلى ارتفاع مد البحر، وتننتهي القضية دون نظر إلى من أوجد تلك الصحائف وأرساها وجعل بها صدوعاً في ذلك المكان ودون اعتناء بأمر من أمر تلك الصحائف أن تضطرب الساعة فاضطربت، وأمرها أن تسكن بعدها فسكنت! فإذا تساءلت من المسبب لتلك الأسباب، يخرس متفلسفة كل عصر، وينطق العجاج، من عاصر الجاهلية الأولى ثم أدرك الإسلام:
الحمد لله الذي استَقَـلَّتْ بإذنه السمـاءُ واطمـأنتْ
بإذنه الأرض فما تَعَنَّـتْ وَحَّى لها القرارَ فاستقرتْ
وشَدَّها بالراسيات الثُبَّتْ رَبُّ العبادِ والبـلادِ القُنَّتْ

لقد رأى فرعون طوفان النهر أو البحر أحد تسع آيات ذكرت في القرآن فلم يعتبرها آية، بل ثورة كونية! ويرى اليوم بعض الناس طوفان المحيط فيتبع منطق فرعون فلا يراه آية، بل هو غدر الطبيعة القاسي!

ويصر على عزو الأمور إلى أسباب تفتقر إلى أخرى لاتنتهي إلاّ عند مسببها. فقد تقرر في ميزان العقول أن كل ماهو جائز الحدوث، من نحو هذه العوارض الأرضية، من الممكن أن يكون، ومن الممكن ألا يكون، فكونه جائزاً قضى باستواء طرفي الوجود والعدم، فلا يترجح أحد الطرفين فيكون موجوداً أو يكون معدوماً إلاّ بمرجح خارجي ليس بجائز بل واجب تختلف صفاته ونعوته عن مايدركه البشر من الموجودات الجائزة فلا تجري فيه مقاييسهم.

إن من فرح بما علمه من أسباب كونية وأصر على قصر تفسير الظواهر الأرضية بها فسينتهي به المطاف إلى الحيرة أو الاتكاء على سبب هش لن يجد له مسبباً إلاّ إن أقر بالخالق الرازق المدبر واعترف بعلمه وقدرته ومشيئته، وعلم أنه لايحيط به علماً.
وعندها حري به أن يلهج بدعاء الأنبياء: (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)، (لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).

المصدر : موقع المسلم


الـــزلــزال
أ. د .ناصر بن سليمان العمر


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد، فإن الحواث التي تحل بالمسلمين أصبح ينسي بعضها بعضاً، وغدا كل مجتمع منشغل بنفسه، ينظر المؤمن لأخيه المؤمن وكأنه (أجنبي) لاتربطه معه علاقة، مع أن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، وهذا يقتضي التأثر بمصاب المسلم، والتفاعل معه في قضاياه، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أناساً من مضر حفاة عراة مجتابي النمار فتمعر وجهه وقام خطيباً في الناس، فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت ثم تتابع الناس، يقول جرير بن عبدالله البجلي: حتى رأيت وجه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يتهلل كأنه مذهبة. فينبغي للمسلمين أن يكونوا كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد، فالمسلمون تتكافؤ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم.

وقد أصيب بالرجفة إخوة لنا في أرض الجزائر، دماؤهم دماؤنا، وهدمهم هدمنا، وهذه وقفات وتأملات، ودروس يقدمها لنا المصاب الجلل الذي نزل بإخواننا هناك، وأجملها في ثلاث نقاط:
أولاً الكوارث البشرية قد تكون نعماً:
إن الله ينذر العباد بالآيات السمعية ويخوفهم بها أليم عقابه (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا الله)، غير أن بعض البشر ربما طغت على قلوبهم وعقولهم حجب تحول دون التدبر أوالتأثر بالآيات السمعية، فمن رحمة الله تعالى بهم أنه يرسل كذلك الآيات العينية، لعلها ترفع الحجب وتزيل الغشاوة (.. وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا) وفي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، يخوف الله بهما عباده، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس، فإذا رأيتم منها شيئا فصلوا وادعوا الله حتى يكشف ما بكم).

والناس متباينون منهم من تكفيه الإشارة، ومنهم من لايفهم إلاّ بالشرح وتوضيح العبارة، ومنهم من لاينقاد إلاّ إذا زجر زجراً، وآخر لا يعتبر إلاّ إذا رأى قارعة حلت بداره أو نزلت بجاره، ثم يأتي في المؤخرة صنفان من شرار الخلق أحدهما لايرعوي إلاّ حين الغرغرة إذا عاين الموت وعندها (لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)، وهؤلاء أستاذهم وأسوتهم فرعون الذي طغى وتجبر (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قال الله: (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ~ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ)، والصنف الثاني (أضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله)، ابتلاه الله بالحسنات وبالسيئات فلم يرجع، أراه الآيات السمعية وأجرى له الآيات العينية فلم يرعوي، مهله وأمهله، ثم استدرجه فأخذه أخذ عزيز مقتدر، (وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ~ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ~ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ~ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).

ومع هذا فقد اعتاد بعض المسلمين –وللأسف- أن ينسبوا للطبيعة الكثير مما يخرج عن نسقها، فإذا مات الإنسان بغير علة، قالوا وفاة طبيعية! وإذا كسفت الشمس أو خسف القمر، قالوا خسوف طبيعي! وإذا أتى الله بعقابه فأرسل حاصباً، أو أغرق أمة، أو فجر الأرض عليهم ناراً، أو دم دم على قوم بذنبهم فسواها، قالوا كارثة طبيعية!
وهذا نوع من التأثر بمن غفلوا عن آيات الله، حري بالمسلم أن يبتعد عنه، ولا يفهم من هذا إنكار أسباب هذه الظواهر، ولكن الإنكار على من أغرق في النظر للأسباب ونسي مسببها ومجريها في الوقت الذي يشاء على غير طبيعتها.

فالمؤمنون العقلاء يعتبرون بالآيات السمعية، ودونهم مرتبة؛ من لايعتبر إلاّ بالآيات العينية، وهؤلاء قد تكون الآيات العينية لهم نعماً يكفر الله بها عن أناس، وتدكر بها أمم فترجع إلى ربها، وقد قيل:

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت *** ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

كما أنها قد تكون سخطاً وعقاباً لمن أمن مكر الله وعذابه، فأعرض عن الآيات السمعية والعينية، والسعيد من وعظ بغيره، فبَادر بالتوبة والإنابة، ومسكين مسكين مسكين، من ظن أن الأمر بالتوبة لايشمله، أو حسب أنه مستثنى من جملة من قال الله لهم (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)، إن أول من يطالب بالمبادرة من يرى أنه قائم بأمر الله محقق للتقوى والصلاح.

ثانياً التذكير بسنة من سنن الله:
من سنن الله الماضية أن الناس إذا كثر فيهم الخبث، وسكت عنه الصالحون، أصابهم الله ببعض ذنوبهم، (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ~ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًَا بَصِيرًا)، وفي الصحيحين من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت: (يا رسول الله أنهلِك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث).

إن عقاب الله تعالى إذا هو أتى يعم فينال المسيء والمحسن، قال الله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) قال ابن قتيبة: "يريد أنها تعم فتصيب الظالم وغيره، وقال عزوجل: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا)، وقد تبين أن الله تعلى أغرق أمة نوح عليه السلام كلها وفيهم الأطفال والبهائم بذنوب البالغين، وأهلك قوم عاد بالريح العقيم، وثمود بالصاعقة، وقوم لوط بالحجارة، ومسخ أصحاب السبت قردة وخنازير، وعذب بعذابهم الأطفال.. قال أنس بن مالك: إن الضب في جحره ليموت هزلاً بذنب ابن آدم، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر فقال: (اللهم اشدد وطأتك على مضر، وابعث عليهم سنين كسني يوسف) فتتابعت عليهم الجدوبة والقحط سبع سنين، حتى أكلوا القد والعظام.. فنال ذلك الجدب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.." ثم قال أبو محمد: "وقد رأينا بعيوننا ما أغنى عن الأخبار، فكم من بلد فيه الصالحون والأبرار، والأطفال والصغار، أصابته الرجفة، فهلك به البر والفاجر، والمسيء والمحسن، والطفل والكبير ..." وعد مدناً أصابتها الرجفة في زمانه يرحمه الله.

ثم ذكر خبر عبيدالله بن مروان مع ملك النوبة عندما فر هارباً قال: قدمت أرض النوبة بأثاث سلم لي، فافترشته بها وأقمت ثلاثاً، فأتاني ملك النوبة وقد خبر أمرنا، فدخل علي رجل طوال أقنى حسن الوجه، فقعد على الأرض ولم يقرب الثياب فقلت: ما يمنعك أن تقعد على ثيابنا فقال: إني ملك وحق على كل ملك أن يتواضع لعظمة الله جل وعز إذ رفعه الله، ثم أقبل علي فقال لي: لم تشربون الخمر وهي محرمة عليكم في كتابكم؟ فقلت: أجترأ على ذلك عبيدنا وسفهاؤنا.
قال: فلم تطؤون الزروع بدوابكم، والفساد محرم عليكم في كتابكم؟
قلت: يفعل ذلك جهالنا.
قال: فلم تلبسون الديباج والحرير وتستعملون الذهب والفضة وهو محرم عليكم؟
فقلت: زال عنا الملك وقل أنصارنا فانتصرنا بقوم من العجم دخلوا في ديننا فلبسوا ذلك على الكره منا.
فأطرق ملياً وجعل يقلب يده وينكت في الأرض ثم قال: ليس ذلك كما ذكرت، بل أنتم قوم استحللتم ما حرم عليكم، وركبتم ما عنه نهيتم، وظلمتم فيما ملكتم، فسلبكم الله تعالى العز وألبسكم الذل بذنوبكم، ولله تعالى فيكم نقمة لم تبلغ نهايتها، وأخاف أن يحل بكم العذاب وانتم ببلدي فيصيبني معكم وإنما الضيافة ثلاث فتزودوا ما احتجتم إليه وارتحلوا عن بلدي.

قال: ففعلت ذلك". فهذا الرجل العاقل لاحظ هذه السنة فأمر هؤلاء بالرحيل.
ولا أجد تعليقاً على هذا أجدر من قول الله تعالى: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ ~ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)، فسبيل النجاة هو الإصلاح وليس الصلاح فقط، وقد علم هذا عقلاء البشر.

ثالثاً : الهرج أعظم خطراً من سائر الكوارث البشرية:
في الصحيحين عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل القتل". وخطر الأخيرة هو الأكبر. ولسائل أن يقول كيف؟

منذ نحو عشر سنين، وتحديداً منذ الانقلاب على شرع الله، وتنحية البرلمان الإسلامي الذي اختاره رجال العشائر، وإخوة الإسلام في أرض الجزائر، والأرزاء في تلك البقعة تترى، أصيبت البلاد بعدد من الكوارث، ومع ذلك لم يتجاوز عدد القتلى في هذه النكبات بما فيها الزلازل الثلاثة الأخيرة ثلاثة آلاف.
على الرغم من شدة الزلازل، وقلة التحصينات، والشكوى من سوء التدبيرات، كان عدد القتلى يقل عن الثلاثة آلاف، ولا أقلل من العدد بل هو عدد ضخم إذا ما قورن بما تحصده الزلازل في بعض الدول التي تأخذ بالأسباب المادية والطرق الوقائية والتحصينية، كسائر دول أوروبا واليابان.
ولكن ما يجب أن ننتبه إليه هو أن هذا العدد لا يمثل شيئاً إذا ما قورن بحصاد الهرج المر، ففي غضون عشر سنوات قتل من أهل الجزائر بسبب الفتنة التي ماجت، ووفقاً للمصادر الحكومية، مئة ألف إنسان، ويصل التعداد وفقاً لمصادر أخرى إلى ما يربوا على المائة والخمسين ألفاً، أي أن أثر الهرج فاق أثر الزلازل بأكثر من خمسين ضعفاً!

إن مفسدة الهرج عظيمة، يجب أن يقدر قدرها قبل الإقدام على أي عمل قد يقود إليها، فإن عواقبها وخيمة، قال البخاري: وقال ابن عيينة عن خلف بن حوشب كانوا يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن، قال امرؤ القيس:

الحرب أول مـا تكـون فتيـة *** تسعى بزينتـها لكل جهـول
حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها *** ولّـت عجـوزاً غير ذات حـليل
شمـطاء ينكـر لونـها وتغيرت *** مكـروهة للشّـم و التقــبيل

وإذا دخل الناس في الفتن وتلوثت الأيدي بالدماء، شق بعدها الخروج منها، وفي صحيح البخاري، عن ابن عمر أنه قال: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله)، وفيه أيضاً عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراماً)، قال بن حجر: "وقد ثبت عن بن عمر أنه قال لمن قتل عامداً بغير حق: (تزود من الماء البارد، فإنك لا تدخل الجنة)، وأخرج الترمذي من حديث عبد الله بن عمر: (زوال الدنيا كلها أهون على الله من قتل رجل مسلم)، قال الترمذي: حديث حسن، قلت: وأخرجه النسائي بلفظ: (لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا)، قال ابن العربي: ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق، والوعيد في ذلك، فكيف بقتل الآدمي؟ فكيف بالمسلم؟ فكيف بالتقي الصالح؟" (1).

إخوة الإسلام إن هذه الزلازل دعوة لإعادة الأمور إلى نصابها، بتحكيم شرع الله، وإلقاء السلاح، فإن المفسدة عظيمة، وقد جاء في الحديث: (يا معشر المهاجرين: خمس إذا ابتليتم بهن، و أعوذ بالله أن تدركوهن) قال في الخامسة: (و ما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، و يتخيروا ما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بـينهم) .(2).

جعلنا الله وإياكم من المعتبرين بآيات الله المنقادين لأمره.
وفي الختام لاشك أن من الواجبات التي تمليها إخوة الإسلام، الوقوف مع إخواننا في هذه النوازل حساً ومعناً، دعاءً وبذلاً، أسأل الله أن يلطف بالمسلمين عامة وبأهل الجزائر خاصة، وأن يمن علينا وعليهم بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، اللهم استر عوراتنا، وآمن رواعتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.

وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

----------------------
الهوامش:-
(1) الفتح 12/189.
(2) رواه ابن ماجة 2/1332، وحسنه الألباني في الصحيحة 1/216 رقم (206).
 


"تسونامي".. الطوفان يعود!!
د. لطف الله ملا خوجة
 

عاد الطوفان من جديد..!!
في يوم الأحد الماضي وقع زلزال كبير وسط المحيط الهندي، بقوة بلغت 9.8 درجة بمقياس ريختر، حرك المحيط الكبير في كل اتجاه، بارتفاع زاد عن عشرة أمتار، فجاءت الأمواج كصواعق، وعواصف، وطوفان، تجاه الشواطئ المحيطة، فضربتها، فما أبقت فيها ولم تذر.. كان مريعاً..!! القتلى بلغوا (150)ألف قتيل، بحسب الإحصاءات الرسمية، والعدد مرشح للزيادة حتى المائتي ألف، مع تشريد المليون ومئات الآلاف، وتخريب جزر، ومنتجعات، وقرى، ومدن، ومناطق بكاملها، وكل شيء كان في طريق هذا الطوفان الكبير.
وقد عم شواطئ دول عدة هي: إندونيسيا ( أكثرها تضرراً، حيث زاد القتلى فيها على 80 ألفاً)، وسيريلانكا (بلغ 30ألفاً)، والهند (13ألفاً)، وتايلند (3 آلاف) ، والمالديف، وقوة الزلزال دفعت بأثره إلى بلاد بعيدة، حيث تأثرت كل من: الصومال، وتنزانيا. فقتل فيها المئات، وشعر بأثره القاطنون سواحل: عمان، واليمن.
هذا الحدث الهائل صار الخبر الأهم؛ تابعه العالم كله، ورصدته الأخبار كل لحظة، وفي كل موقع، ودرسه المختصون في علوم الأرض، وتنبؤوا بحدوث تغيرات في الأرض: في سرعة دورانها، وفي تحرك جزيرة سومطرة، أقرب النقاط إلى موقع الزلزال، وأكثرها تأثراً، عن موقعها تجاه الجنوب بنحو ثلاثين كيلومتر، كما تحدثوا عن المساعدات التي بدأتها تتدفق إلى تلك البلدان، وكان أسرعها مساعدات الدول الإسلامية.
كل ذلك تحدثوا عنه بالتفصيل، والتكرار، وتحدثوا عن شيء أيضاً، ربما لفت أنظار بعض المتابعين، وهو: أن الزلزال وقع متوافقاً مع اجتماع أعداد كبيرة من السياح الذين أتوا لهذه المناطق الدافئة، هروباً من البلاد الباردة، للاحتفال بأعياد رأس السنة وميلاد المسيح عليه السلام، فنزلوا في منتجعات على الشواطئ، اشتهرت بجمالها الأخّاذ، أتَوْا حاملين معهم ما يسميه بعض الناس: "ثقافات وعادات اجتماعية": يشربون الخمر، ويتعرون الرجال والنساء جميعاً، ويمارسون الفواحش، ويرتكبون أعمالا قبيحة وشنيعة، مع تواطؤ من بعض أهل تلك البلاد من: رؤساء، وتجار، وعامة. بتيسير كل هذا الأمور لهم، وإعانتهم عليها، حباً في المال..!!
ولما كثرت الفاحشة وعمت: نزل عليهم غضب الجبّار. فجاءهم العذاب من حيث لم يحتسبوا، جاءهم من المكان الذي تمتعوا به، واستنشقوا نسماته، وأكلوا من نعمه، ونعّموا أبدانهم بمائه، فما أمهلهم، ولا استمهلهم، جاءهم بغتة، فلم يتركهم إلا قتيلاً، أو فقيداً، أو شريداً، ممزقين، حيارى، نادمين، قال تعالى:
- (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد)[هود:102].
لقد خرب الزلزال منتجعات، كانت تسمى بجنة السياح، كمنتجع "بوكيت" و "خولاك" في تايلند، فتركها وغيرها أثراً بعد عين، ودماراً بعد عمار، وأطلالاً وذكريات أليمة، زرع الحزن وقتل الفرحة:
- (فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد)[الحج:45].

انظر إلى الأطلال كيف تغيرت  *** من بعد ساكنها وكيف تنكرتْ
سحَبَ البِلى أذيالَه برسومها  *** فتساقطت أحجارُها وتكسّرتْ

ترك الناس يجمعون جثث الأحباب، والخلان، وذوي القربى، عاجزين عن دفنها لكثرتها..جاء الزلزال وما أراد إلا الشواطئ، بما فيها من كبائر، فما أصاب إلا إياها، ومثله في قوته الهائلة، لو أصاب عمق اليابسة، لقتل ملايين من الخلق، لكنه أراد مرتادي الشواطئ، فبدأ من قعر المحيط، ثم مد غضبه إلى أطرافه..!!
- (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر * وحملناه على ذات ألواح ودسر * تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر * ولقد تركناها آية فهل من مدكر * فكيف كان عذابي ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)[القمر:11ـ17]
إنها لآية..!! لقد حكى الله تعالى لنا أقواما عُذّبوا، وأُهلكوا بأيسر من هذا، وأخّر هذا ذكرى لنا.
والعبرة واضحة للمؤمن، فما وقعت مصيبة إلا بذنب، ولا رفعت إلا بتوبة، لكن أنى للقاسية قلوبهم أن يفهموا هذا..؟! وقد حكى الله -تعالى- عنهم فقال:
(ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون)[المؤمنون:76]
فكم أولئك الذين يردّدون: أن لا علاقة بين الكوارث من زلازل ونحوها والذنوب. أن لا علاقة بين الزلازل وغضب الله تعالى؛ وأنها ظواهر طبيعة محضة، تحدث لأسباب فلكية، وجيولوجية.

ويتخذ للتوصل إلى هذه النتيجة مقدمات، هي في حقيقتها شبهات لا تقوم أمام حجج النقل والعقل، فمنها:
1- كيف تكون الزلازل عقوبة مع الإنعام؟
2- الزلازل لها أسبابها الطبيعية المحضة، وهي تجري على سنة ثابتة، لا علاقة لها بأحوال الناس المتغيرة.
3- إذا كانت الزلازل عقوبات، فلم يُصاب بها المسلمون والكافرون على حد سواء؟
وهذا الفهم والتحليل خطأ مصادم لنصوص صريحة في القرآن والسنة، تبين أن الكوارث إنما تصيب الإنسان والأمم لغضب الله تعالى عليها، لركوبها المعاصي، وهذا تفصيل تلك الشبهات وتفصيل الجواب عليها:
الشبهة الأولى: أن الزلازل تصيب دولاً وأمماً متقدمة غنية، فإذا كانت هذه الكوارث دليل غضب الله، فلم يعطيها من النعم وهو عليها غاضب؟
فهذه الشبهة مبنية على استحالة اجتماع النعمة والنقمة في محل واحد: شخص أو أمة؛ فهي من مقدمتين ونتيجة:
المقدمة الأولى: النعمة والنقمة لا تجتمعان في محل واحد.
المقدمة الثانية: الزلزال وقع في محل نعمة.
النتيجة: الزلازل ليست نقمة ولا عقوبة على ذنب، بل ظاهرة طبيعية محضة، كطلوع الشمس وغروبها.
وفي الجواب نقول: المقدمة الأولى خاطئة من حيث العقل والشرع، وإذا بطلت المقدمة بطلت النتيجة.
فالعقل لا يمنع من اجتماع النعمة والنقمة في محل واحد، ونحن نرى هذا ونفعله، من أصاب أحسنّا إليه، فإن أخطأ عاقبناه، وقد يخطئ وهو في عمل حسن؛ فنعاقبه على خطئه، ونثيبه على إحسانه في الوقت نفسه، وهكذا القاعدة في تعامل الأمم فيما بينها، يُعرف لها إحسانها وإساءتها، فتعامل بقدر كل شيء.
وفي الشرع: فإن النصوص أشارت إلى القواعد التي يتعامل بموجبها مع خطايا البشر، وهي:
- القاعدة الأولى: أن يعامل الناس بالعدل؛ وذلك بأن يُثاب الإنسان على إحسانه والأمم على إحسانها بالنعم، وتُعاقب على إساءتها بالعقوبات، فيجتمع فيها كلا الأمرين، وهذه معاملة العدل تعمّ المسلمين والكافرين.
- القاعدة الثانية: أن يُعامل الناس بالإمهال؛ وذلك بأن يجعل الله –تعالى- للعُصاة خصوصاً الكافرين. النعم في هذه الدنيا، ويقلّبهم فيها، لكن ذلك لا يمنع من عقوبتهم في بعض الأحيان بكوارث: عظة وعبرة.
وآية ذلك قوم فرعون، كانوا في النعيم العظيم، قال تعالى:
- (ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون)[الزخرف:51].
- (كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين)[الدخان25ـ27].
لكن ذلك النعيم لم يكن خالصاً، بل خالطه العذاب والعقوبة، قال تعالى:
- (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون)[الزخرف:48].
- (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقُمّل والضفادع والدم آيات مفصلات...)[الأعراف:133].
هذا مع كونهم في الآخرة من الخاسرين، لكن ذلك لم يمنع من متاعهم في الدنيا، قال تعالى:
- (النارُ يُعرضُون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب)[غافر:46].
وكذا ما حصل لكفار مكة، قال تعالى:
- (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين * يغشى الناس هذا عذاب أليم * ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون* أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين * ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون * إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون * يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون)[الدخان: 10ـ16].
فإذا بطلت المقدمة بطلت النتيجة إذن.

الشبهة الثانية: أن الزلزال ظاهر كونية طبيعة محضة ثابتة، لا علاقة لها بأحوال الناس.
فهذه الشبهة مبنية على رفض العلاقة بين الظواهر الكونية، وأحوال الناس، فهي من مقدمتين ونتيجة:
المقدمة الأولى: الزلزال ظاهرة طبيعة ثابتة.
المقدمة الثانية: الظاهرة الطبيعة لا علاقة لها بأعمال الناس الحسنة والسيئة.
النتيجة: لا علاقة للزلزال بأعمال الناس الحسنة والسيئة.
وللجواب نقول: يسلم لكم بجزء من الأولى، ولا يسلم لكم بالجزء الآخر منها. كما لا يسلم لكم بالثانية.
فالزلزال ظاهرة طبيعة، هذا صحيح، لكن ادّعاء ثبوتها، وعدم تغيرها ألبته فيه نظر، فإن خرق الظواهر الطبيعة أمر وارد، ثابت بالوقائع والأدلة، وهاكم الأدلة:
1- النار من سنتها الإحراق، لا تكاد تتخلف، ومع ذلك تخلفت في حق إبراهيم عليه السلام: (قلنا يا نار كوني برداً وسلاما على إبراهيم)، هنا لماذا تخلفت هذه السنة، سنة الإحراق، فصارت برداً على إبراهيم؟ .
أليس السبب هو طاعته وإيمانه وقربه من الله تعالى؟ بلى كذلك، هذا وحدث نحو من هذا للتابعي الجليل أبي مسلم الخولاني، أُلقي في النار فكانت برداً وسلاماً عليه، ألقاه فيه الأسود العنسي، فوجده قائماً يصلي، (انظر: الحلية لأبي نعيم، وصفوة الصفوة، ترجمته)، فخرق السنن الكونية ليست خاصة بالأنبياء.
2- من السنن الكونية امتناع المشي على الماء بالأقدام، هذا في الأصل، لكنها انخرقت لسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- ومن معه في معركة القادسية، لما أرادوا عبور الماء الذي يقسم مدائن كسرى إلى شطرين، ولم تكن معهم مراكب، فدعا سعد ربه، فأجابه، فمشى الجيش كله على الماء، مع مخالفته للسنة الكونية..
3- كنا نشهد المطر في مواسم معينة، لا تكاد تتخلف، ومنذ عشر سنوات وزيادة، جفت الآبار، ومات الزرع، وقل الثمر، والسبب: تخلف هطول المطر في تلك المواسم.. فهذه السّنة التي تعاهدها الناس وألفوها، حتى ظنوها ثابتة لا تتغير.. قد تغيّرت، والسبب: ذنوب العباد.. فإن الناس في القديم لم تكن منهم المعاصي التي هي اليوم، وقد ورد في الصحيح بيان أن المطر قد يمتنع بسبب ذنوب العباد، قال صلى الله عليه وسلم:
- (... ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أُخذوا بالسنين، وشدة المؤونة، وجور السلطان عليهم. ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا( رواه ابن ماجة في الفتن، باب العقوبات.. صحيح ابن ماجة 1/370..
فالزلازل قد عُرِف أنّ لها أسباباً خلقها الله تعالى، كضعف القشرة الأرضية، أو حركات في باطن الأرض، فمتى وُجِدت هذه الأسباب وُجِد الزلزال.. نعم هذا صحيح.. لكن ذلك لا يمنع أبداً من تغير هذه السنة، ووقوعها في مناطق صلبة، فزلزال (ذمار) في اليمن وقع في منطقة صلبة القشرة، وكذا ما وقع في تركيا قبل أعوام، والأصل: أن السنة الكونية قد تتغير، وذلك بأمر الله وإرادته، يقول للشيء: كن فيكون.
هذا لإبطال دعوى: أن السنة الكونية لا تتغير بحال. بل الصحيح: أنها مضطردة. ولا يستحيل عليها التغيير.
وهي ظاهرة ثابتة في أصلها، لكن من الذي يخلق الأسباب ومسبباتها؟أليس هو الله تعالى؟
بلى، هو الله تعالى. هو يقدر لهذه الكوارث أن تقع مناسبة لما تقترفه يد الإنسان من سوء.
فأين امتناع أن تكون هذه الكوارث سبباً لما كسبت أيدي الناس..؟!
هذا هو الله تعالى، قدّر وخلق ما شاء في الأرض والسماء، من النظام والسنن، وهو الذي أمر ونهى الناس، فإن عصَوْه أليس قادراً على أن يسخر هذه السنن لتكون مصيبة على العصاة؟
ليس ذلك ممتنعاً، لا عقلاً ولا شرعاً:
- ففي حكم العقل: أن صاحب الملك إذا عُصِي له أن ينتقم. والله تعالى مالك الملك، فإذا عُصي هل يمتنع عليه الانتقام، ولو بنقض السنة التي سنها.. ؟!
- وفي حكم الشرع يقول تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) [الأعراف:96].
كذلك: لا يسلم لهم بالمقدمة الثانية: بأنها محضة، لا علاقة لها بما يفعل الناس من حسنات وسيئات.
كلا، بل هي للعبرة والعظة، وأمور يعلمها الله تعالى، فما خلق الله تعالى شيئاً، ولا قدّره إلا لحكمة، وحصر الحكمة والعلة في الظواهر الطبيعة، من تغير في سير الأرض، ومواقع الجزر والقارات: تحكم بغير دليل.
بل الدليل دل على أن الحكمة من حصول هذه الكوارث مرتبطة بالإنسان، الذي خلقه الله تعالى في هذه الأرض، وسخر له ما فيها:
- (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها...).[الملك:15]
- ( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه...)[الجاثية:13].
فما يحدث في الأرض إنما للإنسان منه أكبر النصيب، فعزله عن أحداث الأرض: عظة وانتفاعاً. عزل له عن علاقته بالأرض ذاتها، وهذا باطل، ولا دليل عليه.
وإذا انتفت المقدمتان انتفت النتيجة إذن.

الشبهة الثالثة: إذا كانت الزلازل عقوبات، فلم يُصاب بها المسلمون والكافرون على حد سواء؟
هذه الشبهة مبنية على استحالة وقوع العقوبة ذاتها على المسلمين والكافرين، فهي مقدمتين ونتيجة:
المقدمة الأولى: لا تقع العقوبة ذاتها على المسلمين والكافرين.
المقدمة الثانية: الزلزال يقع على المسلمين والكافرين.
النتيجة: الزلزال ليس بعقوبة، بل ظاهرة طبيعية محضة.
وللإجابة نقول: إذا أثبتنا بطلان المقدمة الأولى تهاوت النتيجة، والمقدمة باطلة عقلاً وشرعاً، وبيان ذلك:
أن العقوبات جزاء المعاصي، والمعصية حاصلة من المسلم، ومن باب أولى الكافر، وهذه حقيقة، فليس المسلم بسالم من الخطايا، فإذا ثبت وقوع المعصية من المسلم، وتبين أن العقوبات سببها المعاصي، لم يمتنع أن يقع على المسلمين من العقوبات، مثل ما يقع على الكافرين، وهذا الجهاد يقع فيه على المسلمين من الألم ما يقع على الكافرين، كما قال تعالى:
- (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون).
- (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس).
وبذلك تبطل المقدمة، وببطلانها تبطل النتيجة إذن.
والشبهة أتت من جهة: أنه كيف يعذب المؤمنين، كما يعذب الكافرين، فما فضل المؤمنين حينئذ؟
ونقول: إن هناك فرقاً بين ما يصيب المؤمن وما يصيب الكافر من عقوبات: فالمؤمن إذا أُصيب بعقوبة عامة كزلزال، أو خاصة كمرض ونحوه، فذلك:
- إما أن يكون ابتلاء لرفعة درجته في الدارين.
- وإما أن يكون تكفيراً لخطاياه لينجو من النار..
أما الكافر فإذا أصيب بعقوبة فليس ابتلاء ولا تكفيراً:
- لأنه ليس من أهل الجنة فيُبتلى لترتفع درجته.
- ولا هو ناجٍ من النار لتكون في حقه تكفيراً.
بل ما يصيب الكافر إنما هو عظة وعبرة له لعله يتقي، أو انتقام منه جزاء جرمه، كما قال تعالى:
- (وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون).
- (فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين).
* * *
وقد كان محصل كلامهم أن الزلازل ليست بعقوبة..!!
ويُرد على هذا أن العقوبة هي: "الألم، سواء كان نفسياً أو حسياً". فذهاب الأنفس والأموال لا شك أنه عذاب، والزلازل عذاب وعقوبة... إذ فيها الألم، من فجيعة، وهلاك نفس وذهاب مال.
فإذا ثبت أن الزلازل عقوبة، ثبت أنها متعلقة بالذنوب وبغضب الله تعالى، يؤكد هذا ويبينه أن القرآن جزم بالعلاقة التامة بين العقوبات وبين الذنوب، فقال تعالى:
- ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).
- ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون).
فهذه النصوص واضحة الدلالة على: أن المصائب، وهي العقوبات التي تحل بالإنسان، سواء كانت فردية أو جماعية، سببها ما اكتسبت يد الإنسان؛ وكسب الإنسان إما طاعة وإما معصية، ولا ريب أن المصائب ليست بسبب الطاعة، فلم يبق إلا أنها بسبب المعصية ولا بد.
أليست الزلازل من المصائب التي تصيب الإنسان، بما فيها من ألم نفسي وبدني ومالي؟
أو ليس الله تعالى قد حكم بأن المصائب إنما بسبب ذنوب الإنسان؟
إذن الزلازل بسبب الذنوب... وهذا واضح من النصوص ...
وبهذا يتبين علاقة الكوارث ومنها الزلازل بالذنوب، مما يتوجب على العباد التوبة إلى الله تعالى، الاتعاظ بهذه الحوادث، فما وقعت إلا لتنبيه الناس وتحذيرهم، ولنحذر أن نكون كقوم فرعون، أرسل الله عليهم الآيات والعقوبات ليتقوا فما انتفعوا فانتقم منهم، قال تعالى:
- (فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين * فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين).
ولنحذر أن نكون من الذين لا ينتفعون بالآيات والنذر، كما قال تعالى:
- ( ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون).
فإن شيئا من المعاصي التي كان عليها السياح في شواطئ المحيط الهندي موجودة في شواطئ: الخليج، والبحر الأحمر، والأبيض المتوسط. وقد ضرب قبل خمسة أعوام الساحل التركي بزلزال، فقتل ثمانين ألفاً، وقبله خليج العقبة، فعم منطقة تبوك حتى المدينة، ومن قبل جنوب الجزيرة، في منطقة ذمار، فالمجاهرة بالمنكرات جرم عظيم، وأعظم منه صرف الناس عن الانتفاع بهذه الموعظة، والتلبيس على الناس، برد الأسباب إلى أسباب طبيعية محضة، والسعي بين الناس وبين أن يفهموا هذه العبرة، فإن هذا إضلال لهم، وقد توعد الله –تعالى- الذين يُضِلّون الناس بعقوبة لم يتوعد بمثلها غيرهم، فقال:
- (ومن الناس من يجادل في الله بغير ولا هدى ولا كتاب منير * ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق * ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد)[الحج:8ـ10]
فعلى المسلمين أن يتقوا الله، ويتواصوا بالحق والصبر، ويدافعوا المنكرات، ولا يسكتوا، فإن هذا هو الضمان الوحيد لسلامتهم ونجاتهم، كما قال تعالى:
- (فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين * وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون)[هود:116ـ117].
وفي ختام هذه الذكرى، أذكر بقوله تعالى:
(ولقد أرسلنا إلى أمم من قبل فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون * فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون * فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا.
والحمد لله رب العالمين)[الأنعام:42ـ45].
 


زلـــــزال وعـــظـــمـــة
حميد اللبدي
 

بينما الناس في بيوتهم آمنون ، يرفلون في نعمة من الله وفضل
وإذا البحر يهيج كالغضبان وترتفع أمواجه عشرات الأمتار
فتبهر العيون وتحار الأفكار ، ويفر الناس ولكن إلى أين يلجؤون ، ماذا يصنعون وإلى أين يلجؤون ؟

إذا الماء الذي يه يستمتعون وببرودته متلطفون . ينقلب كالأسد الضاري فلا يدع شيئاً إلا أغرقه ولا بيتاً إلا حطاماً .

إن ذلك شاهد عظيم على عظمة الله جل جلاله ، وعلى ضعف البشر . فماذا صنعت الدول بأجهزتها وقوتها أمام هذا الجندي من جنود الله .

عجباً لك أيها الإنسان هذه قوتك وأنت تنكر العزيز الجبار

لو أنا أنفاس العباد قصائد *** حفلت لمدحك في جلال علاكا
ما أدركت ما تستحق وقصرت *** عن مجدك الأسمى وحسن سناكا

ننظر إلى آيات الله وعظاته في عباده فنتفكر في كل شيء إلا فيها نتناساها وهي عن أيماننا وشمائلنا .

وهي قد أصابت دولاً أقوى منا بأساً وأكثر عدداً ، فمات فيها من هو أصح منا .
نعرف بعقولنا هذه الحقيقة ولكن ننساها بشعورنا وعواطفنا وكأنها قد كتبت على كل أحد إلا نحن .

هذا شيء من مظاهر عظمته فعظموا الله حق التعظيم

إن الإيمان بالله مبني على تعظيمه سبحانه ، فهذه السماوات العظيمة قال الله عنها ( تكاد السماوات يتفطرن منه ) قال المفسرون : تتشقق من عظمة الله ، وقد لام الله من لم يعظم الله حق التعظيم ( ما لكم لا ترجون لله وقاراً ) .
تعظيم الله هي روح عبادته سبحانه .

ورد في حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية على المنبر ، ورسول الله يحرك بيده يقبل بها ويدبر " يمجد الله نفسه أنا الجبار أنا المتكبر أنا الملك أنا العزيز " . فرجف المنبر برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قلنا لخرن به .

لو علم العباد ما لله من عظمة ما عصوه ولو علم المحبون ما لله من جمال وكمال ما أحبوا غيره ، ولو علم العباد فضله وكرمه ما رجوا سواه .

هو الله سلوة الطائعين وملاذ الهاربين وملجأ الخائفين .
سمع أحد العباد قارئاً يتلو ( فأعلم أنه لا إله إلا الله ) فقال : أواه وارتفع البكاء .
وسمع أحد الملوك الصالحين أحد القراء يتلو ( شهد الله أنه لا إله إلا هو ....) الآية . فجلس يبكي ويقول : وأنا أشهد مع الشاهدين

قال أبو معاذ الرازي : لو تكلمت الأحجار ونطقت الأشجار وخطبت الأطيار لقالت : لا إله إلا الله الملك القهار

وجد إبراهيم بن درهم ورقة مكتوب فيها لا إله إلا الله فبكى وحملها وطهرها وطيبها فطهر الله نفسه وطيب اسمه .

 


الزلزال رسالة
شعر / سالم مبارك الفلق

تلك الحقيقـــــة من يجيب سؤالها *** أكلت بلاد الشـــرق أطفالاً لهـــا
أم الزلازل فـــــارفقي وتحدثـــي *** عما جرى حتى نـروّح بــالـــها
فتــكلمــت برسالــــةٍ شفـــويـّــةٍ *** فوعيـــتُ منها مقالها و فعالها
تتلـــو على أهل الهوى أسفارها *** لا شعـــــر تتلوه و لا نثراً لها
ظهر الفساد على البسيطة فانتظر *** جــــرّاء ذلك في الورى أمثالها
بسياحـــةٍ في الشـط شيطانيــّـةٍ *** تزري الورى وتبيّن اضمحلالها
ودعـــارةٍ ونذالـــــةٍ بشريــّــــةٍ *** لم تستح الرحمنَ أو مولى لهــا
ودمـــاء قد سالتْ لها قدسيّـــــةٌ *** ودعاء مظلوم دنــا فسمـا لها
وتبلبلــتْ أفكارنـــــا وتشوّشـتْ *** حتى غـدا الإنسان يسأل ما لها
جأرتْ له منا العقاربُ واشتكــتْ *** قطـــــر السماءِ فلم يردّ سؤالها
مكــروا وقد مكـر الإله لمكــرهم *** وعصوا وقد عصف الإله ويالها

نامــتْ بــلاد الهند في أحلامــها *** وصحا (تسونامي ) فأرّق حالها
هاجــتْ فأغرقـت البـلاد فعالــها *** ماجـــتْ فأبلغــــت العباد مقالها
ثـارتْ فدمدم في الفضاء زئيرها *** مارتْ فأيقنـــت العبـــاد زوالها
شقـّـــتْ جيوب هضابها وتلالها *** ونضتْ على أكتافــــها سربالها
قد زعزع الله الشرايـيـن التــي *** ســدّتْ مجاريها الذنوبُ وهالها
وتقـّـيأتْ ترمـي وتلفــــظ حملها *** حتى طغى ماء المخـاض جبالها
وتفاقم الصدع فأوســع موجعـــاً *** وتوقـــف الآسي اللبيب حيالها
وتصيّــدتْ أم النســــور لأنــــه *** أغرى المصيـدُ رجالها وعيالها
سال اللعاب على الرقيق شراهةً *** وتعكـّــر المــــاء لنا وصفا لها

من لي بإنسان يعي الدرس الذي *** باحت به الأرض وما أوحى لها
أرسلـــتُ فكري في الحياةِ لأنني *** أيقنـــت أن زوالهــــا أدنى لها
وبكيت في سرّي وفي علني دماً *** ورأيت في هذا البكـا سلوى لها
وعجبت من حال امرئ لا يرعوي *** إلا إذا ما زلزلــــتْ زلزالــــــها
 


الزلازل المدمرة
جمع وترتيب/ رائد بن صالح النعيم
الأحساء

- تحدث الزلازل نتيجة انطلاق الطاقة الناتجة من احتكاك الصخور وتحرك طبقات الأرض حول الصدوع الكبيرة .. أو .. الثورات البركانية والاختراق المفاجئ للمواد المنصهرة في باطن الأرض .. أو .. التفجيرات النووية تحت سطح الأرض .. أو .. سقوط النيازك .. أو .. انهيار الكهوف الكبيرة تحت سطح الأرض .. وما إلى ذلك ...
إن قشرة الأرض ليست ثابتة .. بل هي في حال اهتزاز دائم .. لكن العلماء لم يتمكنوا حتى الآن من اكتشاف طريقة أكيدة للتنبؤ بحدوث الزلازل وتجنيب الإنسانية ويلات لا تمحى من ذاكرة التاريخ .
- تتعرض الأرض سنويا لنحو مليون زلزال ، لا يشعر الناس بمعظمها إما لضعفها وإما لحدوثها في مناطق غير مأهولة.. فالإنسان لا يحس بالزلزال عادة إلا حين تصل شدته إلى 4 درجات في مقياس ريختر ويعتبر الزلزال كبيرا حين تزيد قوته على 7 درجات في هذا المقياس.
- أتت الزلازل والهزات الأرضية على مدى القرن الماضي على أرواح مئات الآلاف من سكان المعمورة. ولم يحدّ التطور التكنولوجي من الخسائر بالأرواح إلا قليلاً
ويقدر خبراء الزلازل الرقم السنوي للخسائر، التي طالت بني البشر جرّاء الزلازل خلال القرن العشرين، بنحو عشرات الآلاف ضحية. لكن المعدل انخفض قليلاً خلال الثماني عشرة سنة الماضية ويعزى ذلك الى احتمال أن بلدان العالم بدأت تحتاط عن طريق بناء مساكن أكثر أماناً.
وأهم ظاهرة تسونامي عرفها التاريخ تلك التي ضربت الساحل الشرقي من جزيرة هونشو اليابانية نتيجة زلزال بحري ضخم انطلق في 5 يونيو 1896 في منطقة الصدع تحت البحري في أخدود اليابان، فقد اندفعت أمواج البحر الزلزالية نحو اليابسة بارتفاع نحو 30 مترا وغمرت قرى بأكملها وجرفت أكثر من عشرة آلاف منزل وأغرقت نحو 26 ألف شخص وانتشرت أمواج تسونامي شرقا عبر المحيط الهادئ لتصل إلى جزيرة هيلو في هاواي، ثم توجهت إلى الساحل الأمريكي وانعكست مرتدة تجاه نيوزيلندا وأستراليا.
ولعل من أقرب هذا الزلزال وأعنفها زلزال بَم في إيران الذي خَلِّف أكثر من 45.000 قتيلاً ودمّر فيها ما يقارب من 80% .. نسأل الله أن يبعد عنا الزلازل والفتن والمحن ..
وفي هذه الأيام يشهد العالم خامس أشد زلزال منذ عام 1900م حيث بلغت شدته حوالي 8.9 درجة على مقياس ريختر.. وقع قبالة ساحل إقليم أتشيه بجزيرة سومطرة شمال إندونيسيا، وانتقل شمالا إلى جزر أندامان بالمحيط الهندي، فتسبب في وقوع موجات مد أسفرت عن مقتل الآلاف في سريلانكا وتايلاند وإندونيسيا والهند.
وعند حدوث الزلازل البحرية تطغى مياه البحر بفعل الأمواج العملاقة، حيث تحدث الزلازل العنيفة أمواجا مائية عملاقة تدعى تسونامي "Tsunami" -وهي كلمة يابانية الأصل وتعني أمواج الموانئ-، تتكون في أعماق مياه البحر، وتهجم هذه الأمواج على السواحل بسرعة 750 كيلومترا في الساعة بارتفاع بين 30 و 40 مترا، وتصب نحو 100 ألف طن من الماء على كل متر مربع من الشاطئ وبالتالي تفضي إلى خسائر أفدح من خسائر الزلزال نفسه.
- وقد ارتفعت الحصيلة غير النهائية لضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب آسيا الأحد، ومركزه تحت سطح المياه، إلى أكثر من 170ألف قتيل، وآلاف المفقودين وملايين المشردين، ويُتوقع أن يصل العدد إلى 400ألف؛ فيما تركز الدول المنكوبة وهي إندونيسيا والهند وسيريلانكا وتايلاند والمالديف على أعمال الإغاثة وسط جهود دولية مماثلة.
- بدأت إحدى أكبر عمليات الإغاثة الإنسانية إلى بلدان جنوب شرق آسيا بعد ثلاثة أيام من الزلزال الهائل الذي نشر الدمار على سواحل عدد من دول المنطقة.
- فقد مئات الصوماليين بعد أن ضربت موجات المد شرق إفريقيا.
- ويقول بعض علماء: قوة هزة سومطرة توازي مليون قنبلة ذرية.
وبعضهم يقول أن خارطة العالم قد تغيرت في وقت بسيط جراء الزلزال.

أيها الإخوة / يقول الحق سبحانه : (أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ مكناهُمْ فِى الأرْضِ مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مَّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأنهارَ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ فأهلكناهمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءاخَرِينَ ) وقال سبحانه: "وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حساباً شديداً وعذبناها عذاباً نكرًا فذاقت وبال أمرها خسرًا".
ما السبب؟ السبب المعاصي والذنوب، وإلا فما الذي أغرق قوم نوح بالطوفان فلم يبق على وجه الأرض إلا ما كان في السفينة؟ ما الذي أغرقهم إلا المعاصي والشرك. قال تعالى عن دعوة نوح (رب لا تذر على الأرض من الكافين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا).
وقوم عاد : لماذا أرسل عليهم الريح فأصبحوا عبرة للمعتبرين كما قال تعالى :( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية). أهل الذنوب والمعاصي.
وقوم ثمود : لماذا أهلكهم الله بالصحية فماتوا عن بكرة أبيهم؟ (وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها). .. إنها الذنوب والمعاصي.
وقوم لوط : لماذا أمر الله جبريل عليه السلام برفع مدنهم إلى أعلى الفضاء ثم جعل عاليها سافلها مع رجمهم بالحجارة من سجيل ( فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد).
ولماذا أغرق الله فرعون وقومه في البحر؟ فالأجساد غرقى والأرواح حرقى، النار يعرضون عليها صباحاً ومساءً ( فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين،وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون). وهكذا باقي الأمم السابقة كقوم شعيب وقارون وقوم تبع وغيرهم قال جل وعلا: ( فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض. ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون). وإذا كان العقاب قد حصل لهؤلاء الأقوام السابقين وقد كانوا يفعلون بعض المعاصي وليست كلها. فقوم لوط .. كانت جريمتهم اللواط، وقوم شعيب تطفيف الكيل والميزان، وهكذا فكيف إذا اجتمعت المعاصي والكبائر كلها في أمة، كما هي مجتمعة الآن وللأسف الشديد في بلاد المسلمين.
ورغم هذا يجادلون في هذه الحوادث ولا يربطونها بالله (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال).
أيها الإخوة /
لما حدث الخسف بقارون فعلاً لم يكن السبب أن القشرة الأرضية كانت لينة وهينة بل السبب أنه عصى الله ورسوله قال الله عنه:( فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين).
وعندما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة سيكون فيها خسف ومسخ وقذف لم يذكر أن السبب هو تصدع سطح الأرض وانشقاقها، إنما السبب هو المعاصي فقال: ((سيكون في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف. إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور)) [4149 صحيح الجامع].
وعندما أخبر صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي خسف لم يقل: إن السبب في الخسف هزة أرضية بل خسف به بسبب تكبره وتجبره قال صلى الله عليه وسلم: ((بينما رجل يجد يجر إزاره إذ خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة)) رواه البخاري.
وعندما وقعت هذه أرضية في المدينة على عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فجاء إلى أم المؤمنين عائشة عنها وسألها؟ فماذا قالت له؟ قالت: كثرت الذنوب في المدينة، فماذا قال رضي الله عنه؟ جمع الناس وقاله لهم: والله ما رجفت المدينة إلا بذنب أحدثته أو أحدثتموه، والله لئن عادت لا أساكنكم فيها أبداً.
وقال كعب رضي الله عنه: (إنما تزلزل الأرض إذا عُمل فيها بالمعاصي فترعد خوفًا عن الرب جل جلاله أن يطلع عليها).
لقد أخبر صلى الله عليه وسلم إلى أن الزلازل ستحدث وتكثر حين يكثر الفساد وتظهر الفتن وستكون من علامات الساعة فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى .... يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم. وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان)). وللعلم فهذه الزلازل والآيات بصفة عامة؟ ليست مختصة بأرض معينة،ولا بمكان معين؟ فالله عندما حذر الناس من الخسف بسبب ذنوبهم لم يحدد جنسيات معينة ولا بلاداً مرصوفة، بل خاطب الجميع وقال (أَءمِنتُمْ مَّن فِى السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ )
وقال تعالى (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ )
إذن من الواجب علينا جميعاً معشر المسلمين أن نرجع إلى الله وأن نتوب إلى الله حتى لا نتعرض لغضب الله سبحانه وتعالى وكما قال تعالى (وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هواه).
- أما إخواننا وما حصل لهم فنحن لا نشمت بهم، ومعاذ الله أن نفعل ذلك، بل ويعلم الله أننا حزنا لحزنهم، وتأثرنا بتأثرهم، فمن كان منهم مؤمناً يصلي ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ويأتي بما أوجب الله عليه فهو شهيد بإذن الله كما قال صلى الله عليه وسلم: ((الشهداء خمسة، المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله)). ونسأل الله العظيم أن يرحمنا وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.. وأن يجنبنا الرزايا والفتن والزلازل والمحن ما ظهر منها ومابطن..
وصلى الله وسلم على سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد عليه أفضل السلام وأتم التسليم.
وأنصح بزيارة هذا الرابط حتى يكمِّل هذا الموضوع..
http://www.saaid.net/Minute/109.htm
 


الـزلازل عذاب ورحمة وعبرة
د. طارق الطواري
alislam4all.com
 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الآمين وبعد :
فلقد شاهدنا وسمعنا ما يعد قيامة صغرى في ختام عام 2004م إنه زلزال المد البحري سونامي الذي ضرب في أعماق المحيط الهندي فأحدث موجة بحرية هائلة بعرض 100كم وبطول 10م وبسرعة 500كم في الساعة وامتدت 3000كم حتى وصلت إلى الصومال أفريقيا ، وقد تسببت هذه الهزة الأرضية بقوة 8.9 على مقياس رختر بوفاة 150.000 ألف إنسان وتشريد الملايين وخسائر مادية تقدر بـ 50 مليار دولار وقد جمع العالم إلى هذه اللحظة قرابة (2) مليار دولار لمعالجة هذه الأزمة التي لم تستغرق في واقعها الدقيقة الواحدة . وفي الحقيقة تكلم علماء الجيلوجيا ونظروا كعادتهم لكن بقي لأهل الشريعة وقفات مع هذه الحوادث الكونية .
الوقفة الأولى : أن الفاعل الحقيقي هو الله تعالى وليس الطبيعة ولو كانت نافعة أحدا هذه الطبيعة لنفعة نفسها ، فليس للطبيعة حول ولا قوة إلا بإذن الله وإرادته فهو الذي يأذن لها أن تتنفس ( وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها وحقت ) ( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض )
قال مجاهد من تحت أرجلكم الرجفة والخسف ، فلا تنسب الحوادث للطبيعة ولانشتم الطبيعة لأنها غير فاعلة وإنما الفاعل هو الله وهو الذي يجعلها سببا لعذابه أو بلائه أو رحمته .
( قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ) .
الوقفة الثانية : إن ما يقع في الكون من أعاصير ورياح مدمرة وفيضانات وطوفان مهلك وزلازل قاتله وحروب طاحنة لله فيها حكمة بالغة فهي عقاب للمذنبين وابتلاء واصطفاء للمؤمنين وعبرة للناجين فجعل الله طوفان نوح عقابا لقومه والريح الصرصر عقابا لقوم هود وطوفان موسى عذاب لفرعون وعبرة لبني إسرائيل .
الوقفة الثالثة : لا شك أن هناك أقواما أراد الله عذابهم بهذا الزلزال فإن قلت لم ؟
1- أقول لك هناك من يشرك بالله ويدعون أن لله ولداً في ليلة ميلاد المسيح وأن هذه الليلة 25/12 هي ليلة ميلاد ابن الله ، تعالى الله عن ذلك ، وأقاموا الاحتفالات بهذه الليلة فلما ناموا داهمهم العذاب وهم نائمون وقد حذر الله من هذا الاعتقاد فقال : ( وقالوا اتخذا الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدَا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدَا أن دعوا للرحمن ولدا ) .
2- وهناك على هذه السواحل الذهبية من يمارس أشد أنواع الحرام من الزنا الجماعي والعلاقات المثلية واللواط وشرب الخمور ولعب القمار وكلها معلنة في أرض الله وتحت سمائه .
3- وهناك دول تحب الربا وتشجعه وتغذيه وتدعمه وفيه إعلان الحرب مع الله ( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) .
4- وكثير من هذه المجتمعات تعيش على الرشوة خاصة التجار وأصحاب المصانع والفنادق وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي .
5- وهناك الخلاعة النسائية على الشواطئ .
6- وهناك من هو معرض عن الدين من أبناء المسلمين فلا يعرف من الدين إلا اسمه ولا من الإسلام إلا رسمه فهو مشغول في هذه الدنيا يلهث وراءها .
7- وغالب هذه الدول معرضة عن شريعة الله لا نزيدها حكما ونظاماً ناهيك عن الذنوب الفردية والجماعية والرسمية ، وقد قال تعالى : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم وبعفو عن كثير )
( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) وقال تعالى : ( فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )
وإن قال قائل فهذه أوربا وأمريكا وروسيا فيها ما هو أعظم وأكبر وأكثر من آسيا ذنبا وخطيئة نقول ومن يقول أنها سالمة من العقوبة الإلهية وقد قال تعالى ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ). وهم لم يسلموا من الأمراض والتفكك الاجتماعي والعواصف وهي أنواع من العذاب . ولا شك أن الذنوب إذا ظهرت في مكان فهي علامة على النهاية كما جاء عن أنس بن مالك أنه دخل على عائشة هو ورجل آخر فقال لها الرجل يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة ؟ فقالت : إذا استباحوا الزنا ، وشربوا الخمور ، وضربوا بالمعازف ، غار الله عز وجل في سمائه فقال للأرض تزلزلي ، فإن تابوا ونزعوا ، وإلا أهدمها عليهم قال : يا أم المؤمنين أعذابا لهم ؟ قالت : بل موعظة ورحمة للمؤمنين ونكالا وعذابا وسخطا على الكافرين . وروى الترمذي حديثا غريبا عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا اتخذ الفيء دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وتعلم لغير الدين وأطاع الرجل امرأته ، وعق أمه وأدنى صديقه وأقصى أباه وظهرت الأصوات في المساجد وساد القبيلة فاسقهم وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وظهرت القبنات والمعازف وشربت الخمور ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء وزلزلة وخسفاً ومسخفاً وقذفا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع )
الوقفة الرابعة : هذه المقادير المؤلمة تكون اصطفاء ورحمة للمؤمنين فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول لله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده فقلت يا رسول الله أما فيهم يومئذ أناس صالحون قال بلى ، قلت كيف يضع بأولئك قال : يصبهم ما أصاب الناس ، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان ) رواه أحمد .
ولا شك أن المؤمن الموحد الغريق شهيد كما قال صلى الله عليه وسلم ( والغريق شهيد ) فلعل الله أراد أن يصطفي شهداء من النساء والأطفال والعجزة والفقراء يدخلهم الجنة ويصلح بالهم ( والذين قتلوا في سبيل الله فلا يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم ) .
الوقفة الخامسة : إن في هذه الزلازل عبرة للناجين والمتفرجين دولا وشعوبا أمما وأفرادا قال ابن القيم رحمه الله ( وقد يأذن الله سبحانه للأرض في بعض الأحيان فتحدث فيها الزلازل العظام فيحدث من ذلك الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله سبحانه والندم كما قال بعض السلف وقد زلزلت الأرض ( إن ربكم يستعتبكم ) وقال عمر بن عبد العزيز ( إن هذا الرجف شئ يعاتب الله عز وجل به عباده فتصدقوا واستغفروا ) وأن ما وقع في أسيا قد يقع في أي مكان على هذه الأرض فهي عبرة لهم قال تعالى : ( أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم على تقلبهم فما هم بمعجزين ) .
الوقفة السادسة : إن كثرة الزلازل دليل على قرب فناء العالم وحدوث الزلزلة الكبرى وهي يوم القيامة ( إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ويتقارب الزمان وتكثر الزلازل وتظهر الفتن ويكثر الهرج ) .
الوقفة السابعة : إن واجب المسلم في حال وقوع الزلازل أن لا يكون كمن ماتت قلوبهم فيقول ( قد مس أباأءنا الضراء والسراء ) وأنها أحداث طبيعية بل عليه بكثرة الاستغفار والفزع إلى الله تعالى والرحمة على المساكين والصدقة عليهم والعطف لحالهم فالراحمون يرحمهم الله ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) وعليه الإنابة إلى الله وترك المعاصي والتوبة إليه والحث على تحكيم شريعته وكتابه ورفع راية الدين وتحقيق غايته ونصرة أوليائه .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى خسوف الشمس في السماء أو كسوف القمر فزع إلى الصلاة رجاء رحمة الله ومغفرة وهربا من أليم عذابه وعقابه .
نسأل الله أن يرحمنا برحمته الواسعة وأن لا يؤاخذنا بسفهائنا فلا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين ...
 


كلمات في الزلزال
ظافر صالح الشهري- ابها

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده ، العبد المسلم لا يجعل الأحداث تمر عليه دون أن يتأمل فيها ويتفكر وبعد أن رأيت وقرأت في موضوع الزلزال الذي ضرب دول شرق آسيا، رأيت أن أشارك في هذا الموضوع بهذه الكلمات بعنوان كلمات في الزلزال:
1- لابد للإنسان أن يعلم علماً يقينياً أن ما حدث بقدر الله وحكمته سبحانه وتعالى وإنما أمره إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون . ومن العبودية لله النظر في هذه الأحداث والأمل فيها وربطها بقدرة الله وقوته وعظمته وحكمته سبحانه وتعالى .
2- حينما وقع الزلزال دب الخوف والهلع في قلوب البعيدين من الحدث وما ذلك إلا للدمار الذي خلف وسرعة هيجان البحر وانطلاقه على اليابسة ، وهذا الخوف لابد له من ترجمة في واقعنا نحن المسلمين ، ولنتأمل الخوف الذي أصاب أولئك وهم يرون العذاب والدمار زاحف عليهم.
3- إن الله جعل هناك آيات سمعية ومقروءة وجعل هناك آيات محسوسة مرئية فإذا جاءت الآية الأولى ولم يصدق الناس ويتعظون أرسل الله الآية الثانية ومن كذب بعد ذلك فهو العذاب الأكبر والعياذ بالله .
4- الزلزال وقع في جنوب شرق آسيا – في المحيط الهندي – في نقطة تبعد عن سطح البحر مسافة 40 كلم – مدة حركة القشرة دقيقتين ونصف – نتج عن ذلك تحرك البحر وارتفاع الأمواج والمد إلى (10- 40 م) – واختفت على أثرها جزر كاملة ابتلعها البحر .
5- رأينا قدرة ربانية فهناك مساجد حفظها الله من التدمير وتدمر ماحولها من البيوت وترك الله هذه لتكون عبرة لأولي الألباب والعقول.
6- حقيقة تلك السواحل وماكان يجري فيها : إنما هي منتجعات تكتظ بالسياح وبيوت الدعارة والزنا والخنا والتعري وشرب الخمور والرقص والاختلاط وقد كانوا يتأهبون لعيد رأس السنة .
7- بالنسبة لسيرلانكا وتايلند فديانتهم هي البوذية فهم يعبدون غير الله سبحانه وتعالى وقد تجرأو أن يصرفوا العبادة لغير الله فحل بهم ما حل .
8- العجب أن هناك من المسلمين من هو ساذج في تفكيره فهو يفسر ماحدث كظواهر طبيعية فقط من ضعف القشرة الأرضية وتحرك الصفائح لكن لايربط ذلك بالمسبب سبحانه وتعالى المدبر الذي أراد ذلك وأمره بأن يكون .
9- كيف يتعامل المسلمون مع مثل هذه الكوارث باللجوء إلى الله تعالى بالصلاة والدعاء والاستغفار والتبتل إلى الله أن يكشف الغمة ويزيل العذاب.
10- إن هذه الكوارث بالنسبة للكفار هي عذاب من الله وبالنسبة للمسلمين ابتلاء واختبار وامتحان وكذلك تحمل في طياتها نعم من الله ليعود الناس إلى ربهم ويتوبوا إليه .
11- ضعف روح الأخوة الإيمانية بين المسلمين فاندنوسيا هي أكثر البلاد تضرراً حينما نسمع ذلك كان المسلمين لا يعرفون أهل تلك البقعة وان ليس هناك رابط يربطنا بهم ،فأين صلة الدين المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه .
12- هناك مرض استشرى فينا نحن المسلمين إذا قيل توبوا إلى الله وعودا إلى الطريق الحق نظر احدنا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه كان المخاطب شخصاً غيره.
13- إن العذاب إذا أرسل عم الصالح والطالح الظالم والمظلوم وذلك إذا كثر الخبث في المجتمع واستشرى الفساد .
14- قد حدث قبل فترة من الزمن هزة أرضية على شاطي البحر الأحمر وهي رسالة من الله لنا ، فهل نتعض ونعد إلى رشدنا .
15- رأينا ولله الحمد عودة الكثير إلى المساجد وقراءة القران والاستغفار والتوبة .
16- من علامات قرب القيامة كما اخبرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم كثرة الزلازل وانتشارها.
17- استغلال أمريكا هذه الأحداث وإرسال 13 ألف جندي بطائراتهم وسفنهم ودباباتهم للإنقاذ ؟
18- الدعم السخي من دول الغرب والحملات الاغاثية التنصيرية وخذلان المسلمين لإخوانهم المنكوبين.
19- قوة الله سبحانه وتعالى تبعث فينا القوة وتجدد الحماس لتبليغ دين الله،فالله قادر على أن يرسل على أمريكا عذاب من بين أيديهم ومن تحت أرجلهم يغرقهم أو تبتلعهم الأرض أو يدمرهم شر مدمر ، ويجعلها أضعف الشعوب وأفقرها وكل شي عنده بمقدار .
20- فلنتوب الله توبة صادقة ولنجدد إيماننا ولنقوي علاقتنا بربنا سبحانه وتعالى .
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم .
 


أحاديث وردت في الخسف والمسخ والقذف
(من صحيح الجامع الصغير)

معتز أحمد عبد الفتاح

مقدّمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هذا بحث صغير عن علامة من علامات يوم القيامة وهى ظهور الخسف والمسخ والقذف وهى من آثار الذنوب و المعاصي مثل فساد العقيدة ووقوع الشرك الأكبر والأصغر وأكل الربا وشرب الخمر واستحلالها والغناء والمعازف وكثرة الخبث واعلم أنه ما مسخ الله تعالى من شيء فكان له عقب و لا نسل  و قد كانت القردة و الخنازير قبل ذلك كما سترى الأحاديث .
وأسال الله أن يتوفنا مسلمين ويلحقنا بالصالحين 0.
وقد قمت بالبحث في الموسوعة الحديثية المصغرة عن الأحاديث التي تحوى الكلمات الآتية : خسف – مسخ- قذف وما يقاربها ..
وأترك بعض الأحاديث لعدم التكرار أو لعدم دخولها في الموضوع ونحو ذلك .
وطريقتي أن أذكر الحديث وقد أذكر جزءا من شرحه .
وأقتصر على تحقيق الشيخ الألباني من صحيح الجامع الصغير ... والشرح من فتح القدير للمناوى .

الأحاديث :
يكون في آخر الزمان الخسف و القذف و المسخ .
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 8149 في صحيح الجامع.

إذا سمعتم بقوم قد خسف فيهم هاهنا قريبا فقد أظلت الساعة .
تحقيق الألباني
(حسن) انظر حديث رقم: 618 في صحيح الجامع .
الشـــــرح :
( إذا سمعتم بقوم ) في رواية بركب ، وفي أخرى بجيش
( قد خسف بهم ) أي غارت بهم الأرض وذهبوا فيها ...
( هاهنا قريباً ) أي بالبيداء اسم مكان بالمدينة
( فقد أظلت الساعة ) أي أقبلت عليكم ودنت منكم كأنها ألقت عليكم ظلة يقال أظلك فلان إذا دنا منك وكل شيء دنا منك فقد أظلك .
وفيه دليل للذاهبين إلى وقوع الخسف في هذه الأمّة ، وتأويل المنكرين بأن المراد خسف القلوب يأباه ظاهر الحديث ....
 
3 ـ إن في أمتي خسفا و مسخا و قذفا .
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 2132 في صحيح الجامع .
الشـــــرح :
( إن في أمتي ) عام في أمة الإجابة والدعوة
( خسفاً ) لبعض المدن والقرى أي غوراً وذهاباً في الأرض بما فيها من أهلها ( ومسخاً ) أي تحول صور بعض الآدميين إلى صورة نحو كلب أو قرد
( وقذفاً ) أي رمياً لها بالحجارة من جهة السماء يعني يكون فيها ذلك في آخر الزمان وقد تمسك بهذا ونحوه من قال بوقوع الخسف والمسخ في هذه الأمة ...

4- ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها و يضرب على رءوسهم بالمعازف و القينات يخسف الله بهم الأرض و يجعل منهم قردة و خنازير .
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 5454 في صحيح الجامع .
الشـــــرح :
( والقينات ) أي الإماء المغنيات
( يخسف اللّه بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير ) وفيه وعيد شديد على من يتحيل في تحليل ما يحرم بتغيير اسمه وأن الحكم يدور مع العلة في تحريم الخمر وهي الإسكار فمهما وجد الإسكار وجد التحريم ولو لم يستمر الاسم قال ابن العربي : هو أصل في أن الأحكام إنما تتعلق بمعاني الأسماء لا بإلقائها رداً على من جمد على اللفظ
قال ابن القيم : فيه تحريم آلة اللهو فإنه قد توعد مستحل المعازف بأنه يخسف به الأرض ويمسخهم قردة وخنازير وإن كان الوعيد على جميع الأفعال ولكل واحد قسط من الذم والوعيد .

5- في هذه الأمة خسف و مسخ و قذف إذا ظهرت القيان و المعازف و شربت الخمور .
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 4273 في صحيح الجامع .

6- سيكون في آخر الزمان خسف و قذف و مسخ إذا ظهرت المعازف و القينات و استحلت الخمر .
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 3665 في صحيح الجامع.
الشـــــرح :
( سيكون في آخر الزمان خسف ) خسف المكان ذهب في الأرض وخسف اللّه به خسفاً أي غاب به في الأرض
( وقذف ) أي رمى بالحجارة بقوة
( ومسخ ) أي تحويل الصورة إلى ما هو أقبح منها قيل : ومتى ذلك يا رسول اللّه قال : ( إذا ظهرت المعازف ) بعين مهملة زاي جمع معزفة بفتح الزاي آلة اللهو ونقل القرطبي عن الجوهري أن المعازف الغناء والذي في صحاحه آلات اللهو وفي حواشي الدمياطي أنها الدفوف ويطلق على كل لعب عزف
( والقينات واستحلت الخمر ) أشار إلى أن العدوان إذا قوي في قوم وتظاهروا بأشنع الأعمال القبيحة قوبلوا بأشنع المعاقبات فالمعاقبات والمثوبات من جنس السيئات والحسنات ثم إن من العلماء من أجرى المسخ هنا على الحقيقة فقال : سيكون كما كان فيمن سبق وقال البعض : أراد مسخ القلب فيصير على قلب الحيوان الذي أشبهه في خلقه وعمله وطبعه فمنهم من يكون على أخلاق السباع العادية ومنهم على أخلاق الكلاب والخنازير والحمير ومنهم من يتطوس في ثيابه كما يتطوس الطاووس في ريشه ومنهم من يكون بليداً كالحمار ومن يألف ويؤلف كالحمام ومن يحقن كالجمل ومن يروع كالذئب والثعلب ومن هو خير كله كالغنم وتقوى المشابهة باطناً حتى تظهر في الصورة الظاهرة ظهوراً خفياً ثم جلياً تدركه أهل الفراسة وقوله : " واستحلت الخمر " قال ابن العربي : يحتمل أن معناه يعتقدونها حلالاً ويحتمل أنه مجاز عن الاسترسال أو يسترسلون في شربها كالاسترسال في الحلال وقد سمعنا بل رأينا من يفعله .

7- ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الخز و الحرير و الخمر و المعازف و لينزلن أقوام إلى جنب علم تروح عليهم سارحتهم فيأتيهم آت لحاجته فيقولون له : ارجع إلينا غدا فيبعثهم الله و يقع العلم عليهم و يمسخ منهم آخرين قردة و خنازير إلى يوم القيامة .
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 5466 في صحيح الجامع .

8- ليبيتن أقوام من أمتي على أكل و لهو و لعب ثم ليصبحن قردة و خنازير .
تحقيق الألباني
(حسن) انظر حديث رقم: 5354 في صحيح الجامع .

9 ـ يا أنس ! إن الناس يمصرون أمصارا و إن مصرا منها يقال لها البصرة أو البصيرة فإن مررت بها أو دخلتها فإياك و سباخها و كلاءها و سوقها و باب أمرائها و عليك بضواحيها فإنه يكون بها خسف و قذف و رجف و قوم يبيتون يصبحون قردة و خنازير .
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 7859 في صحيح الجامع .

10- بين يدي الساعة مسخ و خسف و قذف .
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 2856 في صحيح الجامع .
الشـــــرح :
( بين يدي الساعة مسخ ) قلب الخلقة من شيء إلى شيء أو تحويل الصورة إلى أقبح منها أو مسخ القلوب ( وخسف ) أي غور في الأرض
( وقذف ) أي رمي بالحجارة من جهة السماء 00000

11- إن الله تعالى لم يجعل لمسخ نسلا و لا عقبا و قد كانت القردة و الخنازير قبل ذلك .
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 1807 في صحيح الجامع.
الشـــــرح :
( إن اللّه تعالى لم يجعل لمسخ ) أي الآدمي ممسوخ قرداً أو خنزيراً
( نسلاً ولا عقباً ) يحتمل أنه لا يولد له أصلاً أو يولد له لكن ينقرض في حياته يعني فليس هؤلاء القردة والخنازير من أعقاب من مسخ من بني إسرائيل كما توهمه بعض الناس ثم استظهر على دفعه قوله  ( وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك ) أي قبل مسخ من مسخ من الإسرائيليين فأنى لكم في أن هذه القردة والخنازير الموجودة الآن من نسل الممسوخ؟ هذا رجم بالغيب ....

12- في هذه الأمة خسف و مسخ و قذف في أهل القدر .
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 4274 في صحيح الجامع00

13- يكون في آخر هذه الأمة خسف و مسخ و قذف قيل : يا رسول الله ! أنهلك و فينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا ظهر الخبث .
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 8156 في صحيح الجامع0

14- ليكونن في هذه الأمة خسف و قذف و مسخ و ذلك إذا شربوا الخمور و اتخذوا القينات و ضربوا بالمعازف .
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 5467 في صحيح الجامع .
الشـــــرح :
فيه إثبات الخسف والمسخ في هذه الأمة 0000 وفيه أن آلة اللهو حرام ، ولو كانت حلالاً لما ذمهم على استحلالها ، ذكره ابن القيم .

15- الحيات مسخ الجن صورة كما مسخت القردة و الخنازير من بني إسرائيل .
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 3203 في صحيح الجامع .
الشـــــرح :
( الحيات مسخ الجن ) أي أصلهن من مسخ الجن الذين مسخوا
( كما مسخت القردة والخنازير من بني إسرائيل ) الظاهر أن المراد بعض الحيات لا كلها بدليل ما ذكر في أخبار أخر .

16- ما مسخ الله تعالى من شيء فكان له عقب و لا نسل .
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 5673 في صحيح الجامع0
الشـــــرح :
فليس القردة والخنازير الموجودون الآن أعقاب من مسخ من بني آدم كما زعمه بعض الناس رجماً بالغيب كما مر .
انتهى
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

منوعات الفوائد

  • منوعات الفوائد
  • الصفحة الرئيسية