اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Minute/201.htm?print_it=1

وقفات مع الحر و إعصار جونو


الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، اللهم صل وسلم عليه، وعلى إخوانه من الأنبياء، وعلى آل بيته الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد...
فأوصيكم أيها الناس ونفسيَ الخاطئة بتقوى الله عز وجل، فمن اتقى الله كفاه، ومن اتقى الناس لن يغنوا عنه من الله شيئاً. (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم)
عباد الله، ما ظنكم برجل حافيَ القدمين عاريَ الرأس، وفي منتصف الظهيرة في مثل هذه الأيام الحارة والشمس اللاهبة ترسل سهامها فوق رأسه والعرق يتصبب من جبينه ومن جميع جسده، يكاد حرُ الشمس أن يشوي وجهه، يشعر وكأنه في مرجل يَغلي، ولفحات السَموم تصفعه بلذعاتها، أي شعور يحمله هذا الرجل؟ أهو مستريح مطمئن البال أم هو منشغل بنفسه منزعج من حاله يبحث عن المخرج من هذه الحال؟ أيها المؤمنون، لئن كان قدْرُنا ونصيبُنا أن ننال من حر الشمس الكثير، فديارنا حارة وشمسنا قوية، يعد الناس عدتهم للهروب من شمسها وسَمومها، ينشُدُون الراحة والجو المعتدل، فإننا لن نعدم فوائدَ نستفيدها ووقفاتُ تأملٍ واعتبارٌ في عجيب صنع الله الذي أتقن كل شيء.. وكل شيء عنده بمقدار، وقد أخبرنا ربنا أن من صنيع أولي الألباب التفكر في خلق الله والتأمل في آياته الكونية إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَـاواتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لاَيَـاتٍ لاِوْلِى الاْلْبَـابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَـاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَـاوٰتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـاطِلاً سُبْحَـانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .

الوقفة الأولى: أخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَاشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ :يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ"
فإذا كان هذا الحر الشديد والشمس المحرقة إنما هي نفس من أنفاس جهنم فيا ترى ما عذابها إذاً؟.
ويا ترى هل تذكر العاصي لربه تلك النار التي توقد وتغلي بأهلها حين أقدم على معصية الجبار سبحانه جاحداً لنعمته عليه، ومتناسياً ما أعده من العذاب والنكال للعصاة.

الوقفة الثانية: هل استشعرنا عظيم نعمة الله علينا حين يسر لنا من وسائل التبريد والتكييف ما تطمئن به النفوس ونتقي بها أذى الشمس وسمومها، فشكرنا ربنا على ذلك وتركنا الإسراف في استعمال هذه الأجهزة؟

الوقفة الثالثة: إن كنا نستطيع اتقاء الحر والشمس في هذه الدنيا بما أتاح الله لنا من الوسائل والأجهزة، ويمكننا السفر إلى بلاد الاصطياف الباردة المنعشة اليوم، فسيأتي يوم شديد الحر عظيم الكرب فلا ينبغي علينا أن ننساه ولابد لنا ان نّعُدَ له العده، أخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ"

رابع الوقفات
يا عباد الله/
هل الحرُّ عائق عن طاعة الله، أم أن الصفوة من عباد الله يرون أن في الحر غنيمة لا تفوت؟
-- فهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه حضرته الوفاة لم يتأسف على مال ولا ولد، ولم يبك على فراق نعيم الدنيا، ولكنه تأسف على قيام الليل ومزاحمة العلماء بالركب وعلى ظمأ الهواجر بالصيام في أيام الحر الشديد. -- وخرج ابن عمررضي الله عنه في سفر معه أصحابه فوضعوا سفرة لهم فمر بهم راع فدعوه إلى أن يأكل معهم فقال: إني صائم، فقال ابن عمر: في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت بين هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وأنت صائم!؟، فقال أُبَاِدرُ أيامي هذه الخالية!!.
-- كذلك أيها الإخوة حين يخرج المصلي إلى المسجد لصلاة الظهر أو العصر فيرى الشمس اللاهبة ويحس بالحر اللافح، ولكنه يطمع في رحمة رب العالمين ويدخر هذا المخرج عند الله في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.

الوقفة الخامسة: ابن آدم ملول، قد وصفه ربه بأنه ظلوم جهول، ومن جهله عدم الرضا عن حاله والتضجر وهذا من طبع البشر ولكن المسلم يرضى بما قدر الله من خير أو شر، أخرج مسلم عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ". أخرجه مسلم . ولن يعدم المؤمن أحد هذين الخيرين بشرط الرضا والشكر والصبر، ومن حرم الصبر على ما قدر الله فهو المحروم.

الوقفة السادسة : هذه الشمس بضخامتها ولهيبها المحرق تسجد بين يدي ربها مطيعة مذعنة كما ثبت في الحديث الصحيح، فقد أخرج البخاري عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ :" أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا يُقَالُ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ".
فعلام يتكبر بعض بني آدم عن السجود وترك الصلاة لربهم طاعة له وامتثالاً قبل أن يحال بينهم وبين السجود يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ خَـاشِعَةً أَبْصَـارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَـالِمُونَ .
بارك الله لي ولكم في القران العظيم.. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم .. فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:
الحمد لله (( الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ)) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله (( النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، الذين يهدون بالحق وبه يعدلون ، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا .
أما بعد . فيا أيها المسلمون :
اتقوا لله تعالى ، وخذوا حذركم بالبعد عن أسباب غضبه وعذابه .
معشر المسلمين ـ إن الله تعالى يرسل آياته بين حين وآخر ، لتخويف عباده وتحذيرهم عن إعراضهم وغفلتهم ، ففي كل آية عبرة ، فاعتبروا يا أولي الأبصار .
قبل أيام حصل إعصار شديد في بلدنا الثاني الشقيق عُمان وما حوله؛ فتهدمت على إثره بيوت ..وخيم الحزن والهم على ذوي الموتى والمفقودين والمصابين . وحصل منه الفيضانات التي تجتاحهم.. وتخربت به منشئات ومحاصيل..واقتُلعت أشجار وقلبت سفن وسيارات على رأسها.. وغير ذلك من المأساة الظاهرة التي رأها وسمع عنها كثير منا .. وحقًا والله إنها لمصيبة فإنا لله وإنا إليه راجعون .
أيها المسلمون : إن هذا الإعصار آية من آيات الله .. وهو من جنس الريح.. والريح من روح الله فلا يجوز سبها أوالتذمر منها... ولكننا أُمرنا أن نسأل الله من خيرها وخير ما فيها ونعوذ به من شرها وشر ما فيها..
أيها الإخوة في الله / تشير الدراسات التي أجراها العلماء الجيولوجيون إلى أن الأعاصير القوية التي سجلت خلال الأربعة عشر عاماً السابقة هي مائتين وتسعة وستين إعصاراً بينما الأربعة عشر عاماً التي قبلها سجلت مائة وواحد وسبعون إعصاراً...
فهذا يدل على زيادتها بنسبة خمسة وخمسون بالمائة في الأعوام الأخيرة وتًحدُثُ الأعاصير عندما تصل درجات حرارة سطح المحيطات إلى مستويات مرتفعة جدا.
واكتشف هؤلاء العلماء أن هناك زيادة حادة في عدد الأعاصير التي تحتل المرتبة الرابعة والخامسة من حيث القوة والتي سببت أكبر خسائر خلال الفترة الماضية. وإعصار عمان يصنف في المرتبة الرابعة.
فيا إخوة الإيمان.. ينبغي علينا أن نتفكر فيما يجري من الحوادث والكوارث والأعاصير والزلازل ، وما فيها من العبر فإن العاقل من تذكر واعتبر ، ولا يكن حظنا منها مجرد السماع والاستطلاع ، دون الاعتبار والانتفاع ، فعلينا بترك ما يسخط الله تعالى ، والمبادرة بالتوبة النصوح، والدعاء لإخواننا على ما اصابهم..
فلا نقول إلاّ ما يرضي ربنا.. وإنا لله وإنا إليه راجعون .. ونسأل الله أن يرزق إخواننا الصبر والسلوان وأن يعوضهم ما فقدوا وما تضرروا به..وأن يجعل ما أصابهم به رفعةً لدرجاتهم وتكفيراً لسيئاتهم.. ولاحول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم...
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ..
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات..
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ، ونفس كرب المكروبين ،وفك أسر المأسورين، واقض الدين عن المدينين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين وارحم موتانا وموتى المسلمين....
اللهم آمنا في أوطاننا واستعمل علينا خيارنا.. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة التي تعينه على الخير يارب العالمين..
اللهم من أرادنا وأراد بلادنا وأنفسنا وأموالنا بسوء فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره بقدرتك يا قوي يا عزيز...
اللهم اجعلنا بالقرآن مهتدين وبالسنة عاملين واغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا في الدين..
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار..
اللهم وفق الطلاب والطالبات في اختباراتهم .. وانفع بهم واجعلهم ذخراً لأهاليهم ولبلدهم وأمتهم..اللهم يا مفهم سليمان فهمهم ويا معلم داود علمهم ياذا الجلال والإكرام..
اللهم احفظهم من مكروه .. وأعنهم على بر والديهم يا رب العالمين..

هذا وصلوا رحمكم الله ، على خير البرية ، وأفضل البشرية ، محمد بن عبد الله صاحب الحوض والشفاعة ، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

جمع وترتيب / أبو عبد الله
ralnaiem@islamway.net

 

منوعات الفوائد