اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Minute/351.htm?print_it=1

أول زفــــــــــاف!!

أبو مهند القمري


بسم الله الرحمن الرحيم

 

سبحان الله . . وكأن الله قد ألقى في روعي كتابة مقالي الأخير ( الزفاف ) تمهيداً لسماعي ذلك النبأ الذي تلقيته بعد يومين فقط من كتابتي لهذا المقال!!

فلقد تلقيت اتصالاً هاتفياً صباح ذلك اليوم من أحد الأصدقاء يطلب مني فيه الاتصال بأحد الإخوة لتعزيته في وفاة والده الذي كان معروفاً لدى الجميع بأنه حمامة المسجد الذي بناه على نفقته الخاصة من تحويشة العمر بإحدى قرى المنصورة!!

وحينما اتصلت بولده الأخ/ أيمن، توقعت سماع نحيب بكائه على الهاتف؛ لأني أعرف جيداً مقدار حبه لوالده وتعلقه به، فإذا بي أفاجأ بصوت ضحوك يتهلل فرحاً
!!
لم يتركني لحيرتي طويلاً؛ إذ سرعان ما فسر لي تلك البهجة، كي يبدد ما طرأ عليَّ من استغراب قائلاً : والله ياشيخنا هذا ليس يوم عزاء بل يوم تهنئة
!!

فسألته : وكيف ذاك
؟!

فقال : لقد تجهز والدي للوداع قبل موته بأربع ساعات
!! وذلك حين طلب من أهله أن يعينوه على الوضوء، ثم جمع كل أبناءه وبناته وأقاربه حوله، وأخذ يوصيهم واحداً تلو الآخر، حتى أنه أمر بناته بألا تبيت أي واحدة منهن خارج بيت زوجها أكثر من ليلة بجوار أمها يوم الوفاة!! وعليها أن تعود لبيت زوجها على الفور، بل وتتزين له في اليوم التالي مباشرة وألا تغضب زوجها عليها أبداً!!

فردوا عليه جميعاً أن العمر أمامك طويل بإذن الله والدنا الحبيب، ولا ينبغي عليك أن
(تفوِّل) على نفسك كما يقال!! فرد عليهم قائلاً : (إنني والله أشعر بسعادة تغمر قلبي، وبداخلي إحساس قوي، بأنني سوف ألقى الله بعد قليل)!!

ومع اقتراب وقت المغرب، أعطى مفاتيح المسجد لأحدهم وأمره بالذهاب لفتحه، ثم تهيأ لرفع الأذان وهو في فراشه عذراً لله بأنه لا يستطيع المشي إلى المسجد بعد إصابته بجلطة في المخ أصيب على إثرها بشلل نصفي، بعدما تولى مهمة رفع الأذان بالمسجد سنين طوال، من بعد خروجه على المعاش
!!

فجلس ورفع الأذان وهو في فراشه، وهم من حوله، وبعد انتهائه من التلفظ بالشهادتين، توقف فجأة، وارتسمت على محياه ابتسامة عريضة، وأضاءه وجهه نوراً، حتى إن ابن عمه الذي يقاربه في العمر قال له مازحاً : (يا سلام . . مثل علينا بقى يا خويا واعمل نفسك فيها ميت
!! وقال إيه كمان يعني . . جيت عند النطق بالشهادتين ومت . . وكمان بتضحك!! يا راجل قوم بقى وكمل الأذان اللي بدأته) . . إلا أنهم حاولوا إيقاظه فلم يتحرك!!

لقد فاضت روحه بالفعل إلى بارئها
على هذه الهيئة الجميلة!! وبهذه الكلمات التي هي أعظم ما قيل على ظهر هذه الحياة :

(أشهد ألا إله إلا الله . . وأشهد أن محمداً رسول الله)

كانت المفاجأة كبيرة . . امتزجت فيها الصدمة مع الفرحة، لتبكي العيون حوله فرحاً وألماً في آن واحد!! لقد مات عم إبراهيم!! مات حمامة المسجد الذي لم يكن ليغيب عنه لولا قهر المرض ومعاناة الشلل!!

مات . . ولكن تباشير الفرح والسعادة التي زفت له بشرى اللقاء قبل موته
!! هي نفسها التي رسمت الابتسامة والبشرى على محياه بعد موته!!
وكأنه يقول لنا . . هذا يوم زفافي . . إنه يوم أن ألق الله
!!
لقد هزتني بالفعل قصته حتى أبكتني
. .
وأنا الذي لم يجف القلم في يدي بعد من كتابة مقال
(الزفاف)!!
وكأن الواقعة تُصدِّق على هذا المعنى
!! معنى أن يتجهز العبد بحسن عمله للقاء مولاه . . فيحول يوم فراقه إلى يوم زفافه . . ويوم حزن الجميع من حوله، إلى يوم سعادته وبشراه حين يلقى الله!!
إنها اللحظة الفاصلة في قصة
آخرة كل واحد منا!!
وعلينا أن نسطر أحرفها
بصالح أعمالنا وإخلاص نياتنا وطهارة قلوبنا!!

فاللهم إنا نسألك برحمتك التي وسعت كل شيء، أن تُدخل عظيم جرمنا في عظيم عفوك، وأن تتفضل علينا بواسع منِّك وكرمك وجودك وإحسانك ورحمتك وعطائك بحسن الخاتمة يا أرحم الراحمين . . اللهم آمين . . اللهم آمين . . اللهم آمين



 

منوعات الفوائد