صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أي ثورةٍ تلك؟!

أبو مهند القمري


بسم الله الرحمن الرحيم

تعالوا لنرجع بالزمن قليلاً . .
فقبل حوالي ثلاثة أشهر فقط؛ كان الاحتقان قد وصل ذروته على مستوى كافة الأصعدة
!! ووصلت البلد إلى أدنى مستويات الحضيض، وبلغ الكرب بالناس مبلغه؛ بعد معاناة استمرت على مدار ثلاثين عاماً كاملة من الاحتقان السياسي، والانحدار الاقتصادي، والفساد الإداري والأخلاقي - ولك أن تعدد ما شئت!! - وكان مجرد أدني تنفيس عن الناس بالاستجابة لأقل مستويات مطالبهم من الحريات، وتحسين أوضاعهم المعيشية؛ كفيلاً بنيل رضاهم؛ لأن نفسياتهم قد وصلت بالفعل إلى الحضيض، وسيطر عليها اليأس الكامل!!

ولكن لأن
البطر والطغيان قد أعمى عقول وأبصار الطغاة وحاشيتهم عن مجرد الفطنة لذلك؛ حيث كانوا ينظرون إلى عوام المطحونين من أعلى برجهم العاجي!! وكانوا منشغلين داخله بلهوهم ومرحهم بما نهبوه وكنزوه من قوت هذا الشعب المسكين!! فقد صيغت لهم التقارير لإرضاء غرورهم فقط، غير أنها كانت في حقيقتها مخالفة تماماً لواقع الناس!!

وكان هذا من استدراج الله لهم!!

فظهرت أولى بوادر التمرد على هيئة تجمعات صغيرة ومظاهرات متفرقة هنا وهناك، وسرعان ما امتدت للعديد من المحافظات!! ثم بدأت عمليات التواصل والتنسيق عبر الشبكة العنكبوتية بين أطياف مختلفة من أبناء الجيل الصاعد الذي لم ير في الأفق أي بوادر أمل أو بشائر خير لمستقبله في بلد تعيش في مثل هذه الحالة التعيسة!!

ورويداً رويداً
بدأت تلك التجمعات تتزايد؛ وظهر جلياً في الأفق أن الاحتقان يوشك على الانفجار!! لتندمج تلك التظاهرات في نسيج واحد يشمل كافة أنحاء البلاد!! وعلى الرغم من ذلك؛ فإن سقف المطالب كان متدنياً جداً حتى ذلك الحين إذا ما قورن بالنتائج التي وصلت إليها الأمور في نهاية المطاف، ولكن أركان النظام استمروا في نظرتهم الاستعلائية للناس من نفس البرج العاجي، وبمنتهى الصلف والغرور والازدراء!!

وكان هذا من استدراج الله لهم!!

ومع كسر حاجز الخوف، وتزايد أعداد المتظاهرين، وإقدام الناس على المواجهة دون خوف أول وجل؛ بدأت التطورات المتسارعة تدق ناقوس الخطر متأخراً لدى الطغاة في برجهم العاجي!! وكان رد الفعل التلقائي ممن استعبد الناس ثلاثين عاماً؛ دون أن يسمع كلمة لا، أن يأمر بالقتل والبطش والتنكيل؛ لكل من عارضه على الفور؛ حيث لا قيمة في الأساس لأرواح العبيد عنده!! فدهست السيارات أرواح الشباب في الشوارع!! وأنطلقت رصاصات القناصين تحصد مئات الأرواح في الميادين على مرأى من كل شاهد وسامع!! فثارت روح الفداء والتضحية في نفوس الشيوخ والأطفال والنساء حتى قبل الشباب والفتيان!! وازداد الاحتقان والغضب في نفوس الناس؛ ليزداد معه الخناق ضيقاً على سكان البرج العاجي!!

وكان هذا من استدراج الله لهم!!

حتى وصل سقف المطالب ذروته، ونطقت الألسنة أخيراً بأخطر عبارة؛ كانوا دائماً يخوفون الناس بها، ويرعبونهم من مجرد الاقتراب منها أو الدندنة حولها!! معتبرينها من أعظم التهم التي يمكن أن توجه لأحد تحت ذريعة (محاولة إسقاط النظام) فخرجت الملايين مرددة وبلا هوادة . .

(الشعب يريد إسقاط النظام!!!!!)

كانت هذه الطامة الكبرى للمتغطرسين!! وبداية الانهيار والسقوط المدوي لأركانه!! حين رأوا بأم أعينهم أن عامة البسطاء قد وصلت بهم الجرأة أن يجهروا وبلا أدنى خوف أو وجل بصريح العبارة التي جعلوها في نفوسهم كالصنم الذي لا ينبغي لأحد أن يقترب منه؛ فإذا بهم يهدمونه، ويدكون أركانه بمعاول الجرأة والجسارة!! في مشهد تاريخي غير نظرة العالم تماماً إلى الشعب المصري، وأضفى عليه من أوسمة الشرف والعزة والكرامة ما يجعله يرفع رأسه زهواً وفخراً على مر العصور!!

وتجدر بي الإشارة هنا
لإحدى الشعارات التي رددها المتظاهرون بالاسكندرية، فهزت والله وجداني هزاً!! وفجرت الدمع من عيني لا إرادياً!! وذلك حين سمعت أحدهم يهتف قائلاً :
(
قالوا علينا شعب جبان) فرد عليه ملايين المتظاهرين في صوت واحد صارخين:

(والكل نازل في الميدان!!)

فيالها من روح عزيزة أبية نفضت والله الذل عنا نفضاً، بعدما ألصقت بنا وصمة عاره سنين طوال!! وردت لنا كرامتنا بين الشعوب التي طالما نظرت إلينا نظرة استهانة واستحقار!!

وسقط الطاغية . .

وكان هذا من لطف الله وكرمه، بعدما
ارتفعت الأيادي في ميدان التحرير، في دعاء أحسب أنه كان الأسرع استجابة في زمننا هذا!! حيث اتصلت فيه حبال الأرض بحبال السماء، فذرفت العيون وتضرعت الحناجر مبتهلة إلى ربها، فتنزلت رحمات الله على عباده، ليس في ميدان التحرير فحسب، وإنما في كافة أنحاء مصر، باستثناء مكان واحد، هو قصر الجمهورية الذي كان يقطنه الطاغية مع أسرته الباغية، حيث تنزلت عليه رياح الخوف والرعب؛ لتزلزل أركان عرشه زلزلة، وتقذف الرعب والوجل في قلبه وقلوب حاشيته!!

فانتشرت أجواء البشر والسعادة، وعمت الفرحة أرجاء العالمين (
العربي والإسلامي) وليس أرجاء مصر فحسب؛ باعتبار مكانتها القيادية في هذين العالمين!! وبدا الناس متعطشين لرؤية ثمار تلك الثورة سريعاً على كافة الأصعدة!! فوقف الجيش بالفعل وقفة مشرفة، وبدأت الملاحقات القانونية لفلول النظام السابق، ورويداً رويداً لكل من يندرج تحتهم ممن باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم!!

ولكن . . . . . .

ظهرت في الأفق بوادر تنذر بخطر عظيم
!!
وتجعل كل عاقل يستدرك أن هناك فجوات خطيرة، وثغرات كبيرة خلفتها تلك الحركة التغييرية (
ودعونا مؤقتاً لا نطلق عليها كلمة ثورة في الوقت الحالي)!!

أتدرون لماذا؟!

لأن كلمة ثورة تعني
الاجتثاث الكامل لكل ما يمت بصلة للنظام الذي كان يسبق تلك الثورة، والذي كان بإجرامه وفحش أفعال عناصره؛ سبباً في اندلاع تلك الثورة!!

وعليه . . .

فلا يعقل أن تقوم ثورة ولا تجتث
عناصر وأفراد أخطر جهاز يقدم تقاريره لإسرائيل وأمريكا مباشرة!! ويعمل لحساب ألد أعداء هذا الشعب منذ قديم الأزل!! ولا يخضع أبداً لأي نظام أو حكومة مصرية كما يتوهم الكثير من العامة!! وقد قام بالتجسس على كافة أفراد الشعب المصري حتى النخاع!! ويمتلك في يديه من ملفات التهديد والابتزاز؛ ما يؤهله لأن يجعل معظم الناس بوجهين!! وجه مع عامة الناس المؤيدين للتغيير مسايراً للموجة العامة!! ووجه آخر معهم في الخفاء؛ خوفاً من نشر أسراره وفضائحه!! لتكون المحصلة في نهاية المطاف أن نفاجئ بأننا نعيش في مجتمع عبارة عن نسيج شاذ!! لا تستطيع أن تحدد فيه من يقف معك ممن يقف ضدك!! بل ولا تستبعد أن تفاجأ في أجواء ذلك النسيج الشاذ أن من طعنك في ظهرك، هو نفسه الذي وهبته ثقتك!! وأن من تفضي إليه بأسرارك هو نفسه المتأمر عليك معهم!!

وكل ذلك لأننا تركنا تلك الأيادي القذرة طليقة حتى الآن لتلعب في الخفاء!!


فأي ثورةٍ تلك
؟!

وأضرب هنا مثالاً حياً وواقعياً، فما الذي يدرينا، أن وزير الداخلية الحالي أو الذي سيأتي بعد واقع أيضاً تحت نفس النوع من الابتزاز من قبل هؤلاء المجرمين
!! حيث أنهم لم يتركوا فرداً في المجتمع صغيراً أو كبيراً كما قلت إلا وقد تجسسوا عليه!!

وقد رأينا بأم أعيننا مقدار هذه النعومة المبالغ فيها مع الرئيس المخلوع، وكذا في التعامل مع هذا الجهاز الإجرامي، من خلال الاكتفاء فقط بتغيير اسمه من (
جهاز أمن الدولة) إلى (جهاز الأمن الوطني) مع الإبقاء على نفس عناصره الإجرامية التي احترفت كافة أنواع التعذيب والإذلال دون تغييرها!! فضلاً عن الغموض الذي لا يزال يلف تفاصيل لوائح عملها وصلاحيتها حتى الآن!!

أفتريدون أن توهموا العامة أن هذه الإجراءات كانت كافية للقضاء على خطر ذلك
السرطان الذي نخر في جسد هذا الشعب حتى النخاع، ولا يزال يخطط في الخفاء، ويعمل ليل نهار مع فلول الحزب الوثني؛ لنشر الفوضى وإثارة الفتن دون إجراء عملية قيصرية لاستئصاله؟!!

فأي ثورةٍ تلك
؟!

كما أن . . .


كل ثورة تأتي، لابد أن يكون معها حزمة
إجراءات صارمة؛ لحماية مكتسباتها، وضمان تحقيق أهدافها دون عوائق، فكيف يتأتي لشرذمة عباد الصليب الحاقدين تحدي 90% من سواد الشعب، بل والتجرأ على قتل أفراد الجيش!! وإقامة ما يشبه كيان دولة مصغرة داخل الدولة!! تعطي لنفسها الحق في إغلاق الطرق الرئيسية!! وتفتيش المارة!! والتعدي على حجاب الأخوات المسلمات!! بل وعلى أعراضهن!! بل وتنقش الصليب على أجسادهن!!

في تحدٍ صارخ يكاد يطيش بعقول الحكماء، ويخرج الشباب المسلم المتحمس عن طاعة مشايخهم ثأراً لأعراض المسلمات،
في حين يكتفي الجيش بمجرد الطبطبة عليهم وتدليلهم بل ومحاولة استجدائهم!!

فأي ثورةٍ تلك
؟!

أكاد أحصر مختصراً
كافة المخاطر التي تحيط بمصر حالياً في عنصرين اثنين لا ثالث لهما، تتفرع منهما كافة المخاطر الأخرى العاجل منها والآجل، وهما :
1 –
بقاء عناصر جهاز أمن الدولة طلقاء!!
حيث أن وجودهم يمثل عائقاً فعلياً أمام حرية هذا الشعب في اتخاذ قرارته
!!

2 -
أذناب أقباط المهجر بمصر، وعلى رأسهم الخنزيرين (شنودة وسويرس)!!
حيث سيواصلون مؤامراتهم ليل نهار لإثارة الفتن، ولن يغمض لهم جفن حتى يشعلوا مصر ناراً؛ لإيجاد المسوغ اللازم لجلب أنصارهم من أهل الصليب في أوروبا لاجتياح مصر
!!

فمعالجة الأول
بالقضاء المبرم عليهم، ولو كان الأمر بيدي لكان بتعليقهم على المشانق فوراً!! ولكن أضعف الإيمان بسجنهم سجناً مؤبداً، وإعدام المتورطين منهم في قتل الأبرياء.

ومعالجة الثاني
، بالحسم القانوني الفوري معهم، واتخاذ كافة الإجراءات الصارمة التي توقفهم عند حدودهم فوراً، فإن أبوا فالبحبس القانوني، فإن أثاروا مزيداً من الفتن، وتمادوا في الاستنصار بصليبي أوروبا؛ فلا بأس أن نفتح لهم الباب على مصراعيه؛ ليأخذوهم معهم إلى بلادهم، وتخلوا مصر من نجاسة الصليبيين تماماً؛ إما تهجيراً في أرض الله بهذه الدنيا، أو ترحيلاً بأيدينا على نار جهنم؛ ليروا عاقبة كفرهم في الآخرة!!

هذا هو
الواقع الذي لا يمكننا الهروب من حقيقته الدامغة؛ مهما حاولنا إياهم أنفسنا بغيره؛ فإذا تعاملنا معه بالجدية اللازمة - حفاظاُ على الأقل على التضحيات التي بذلت، وأجواء البهجة التي عشناها، وتحقيقاً لآمال وأحلام هذا الشعب المسكين - نجونا من الفتن القادمة وذيولها وتوابعها، وحيينها سوف يلزمنا تطوير شعارنا من (الشعب يريد إسقاط النظام) إلى (الشعب يريد اجتثاث أذناب النظام) أما إن تمادينا في التغافل عن هذا الواقع المرير، فسوف يأتي اليوم الذي نسأل فيه أنفسنا حتماً بكل حسرة وألم :

أي ثورةٍ كانت تلك؟!!!!!

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

منوعات الفوائد

  • منوعات الفوائد
  • الصفحة الرئيسية