اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Minute/380.htm?print_it=1

وداعاً أيها الغارقون. . فإنا إلى الله راغبون!!

أبو مهند القمري


بسم الله الرحمن الرحيم
 

قدر الله أن شاهدت إحدى جلسات ما يطلقون عليها (جلسات الحوار الوطني) الدائر بمصر، وكان هذا أمراً نادر الحدوث بالنسبة لنا، حيث أن البلد الذي نعيش فيه يحظر الأطباق الفضائية، وبالتالي لا تصلنا أي قنوات عربية!! وليس لدي شخصياً الوقت الكافي لمتابعة الأحداث الدائرة بمصر عن طريق الإنترنت!!

ولكن المحصلة أنني ابتليت بغصة شديدة في قلبي
!!
تمنيت على إثرها ألم أكن قد شاهدت تلك الجلسة
!!  أتدرون لماذا؟!

لأن مسار ذلك الحوار برمته؛ كان يسير في اتجاه
واحد فقط، هو حرص الجميع على التبرأ من شيئ واحد فقط؛ هو (الدين الله عز وجل!!) بل وبكل ما يمت له من صلة!!

فكلما
ذكروا كلمة الدولة . . حرصوا على التأكيد بأنها (مدنية) وليست ذات مرجعية دينية!!

وكأن الله ما قال في كتابه : (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) وقال أيضاً (إن الحكم إلا لله) 

وكلما ذكروا الوطن . . حرصوا على معاني المساواة بين (المواطنين) والقضاء على ما يطلقون عليه اسم التمييز!!

وكأن الله ما قال في كتابه : (أفنجعل المسلمين كالمجرمين؟! ما لكم كيف تحكمون؟!)

وكلما ذكروا الدستور . . حرصوا على ذكر مراعاة حقوق الأقليات ضمن محتواه، في تعريض خبيث لمحاولة إلغاء المادة الثانية منه!!

وكأن الله ما قال في كتابه : (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله!!)

وكلما ذكروا السياسة الخارجية . . أكدوا على حرصهم على نيل الرضا من خلال علاقات وطيدة مع الكونجرس الأمريكي!!

وكأن الله ما قال في كتابه : (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء)

وكلما ذكروا الجيش . . أكدوا حرصهم على حفظ كافة المعاهدات الدولية، بما فيها بالطبع اتفاقية الذل والعار (كامب ديفيد)!!

وكأن الله ما قال في كتابه : (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله)

ثم انصرفوا وهم يتبارون على نسبة ما يسمونها (بالثورة) لمن؟! للشباب أم لعامة الشعب؟! وعلى إثر ذلك تعالت صيحاتهم كالخراف في مشهد يوحي إليك بأنك تشاهد سوق الغنم!!

فقلت في نفسي :
سبحان الله . . كان الله هو أول من لجأوا إليه تحت أزيز الطائرات التي حلقت فوق ميدان التحرير، وضرب الرصاص من القناصة، وخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع من قوات الأمن!! ولكم سالت أعينهم دموعاُ، وبحت حناجرهم تضرعاً وخشوعاً!!

ثم ها هم اليوم (
بعدما ظنوا أنهم قادرون عليها) يتسابقون في التبرأ من كل ما يمت لدين الله بصلة!! حرصاً على استرضاء أهل الصليب، البعيد منهم والقريب!! سواءً في أمريكا والغرب أو أذنابهم المدنسين لأرضنا الحبيبة مصر!! وكأن الموت والحياة والأمن والاستقرار قد صار بأيديهم!! تعالى لله عما يقول الظالمون علواً كبيراً!!

ولكم شعرت في نفسي والله
بالشفقة المريرة عليهم؛ بسبب هذا السقوط المخزي والسريع فيما ابتلاهم الله من هذا الاختبار الذي لم يلبثوا فيه ولا حتى أعواماً، وإنما هي مجرد أسابيع قليلة، كانت كفيلة بأن يظهروا فيها الجحود والنكران لصاحب النعمة والفضل الحقيقي سبحانه، والذي استدرج الطاغية لحتفه دون تضحيات جثام تذكر؛ مقارنة بما حدث ويحدث حتى الآن في كل من ليبيا وسوريا واليمن!!

قال تعالى : (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون!!)

فإلى الذين توهموا أن تغليب المصلح يقتضي التنازل عن ثوابت العقيدة!! كتحكيم الشرع والولاء والبراء، واحترفوا صياغة البيانات الرمادية ذات الكلمات الحمالة؛ بزعم السلامة من الوقوع في المآخذ الشرعية من جهة، ومجاراة الصليبيين والعلمانيين والليبراليين على هزيانهم من جهة أخرى!! في مواقف يزداد والله غبشها يوماً بعد يوم، وتطمس بعدم جلائها نصاعة ونقاء المواقف الشرعية الواضحة الصريحة التي نتعبد الله تعالى بها في كافة القضايا، أقول لكم :

والله الذي لا إله غيره ما كشف عنكم الضر والغمة إلا الله
!!
ولن ينفعكم هذا التملق لأعداء الله
!! حيث لن يقع في ملك الله إلا ما قدره الله!!
ولا تنسوا أن الله ما رفع ذكركم بين الناس إلا بالدعوة لدين الله
!!
فإن لم تكن نصرة دينه، وتطبيق منهجه هو هدفنا
الصريح والمعلن من الثورة على الظلم والطغيان، فلا خير فينا!! ولا ينبغي أن ننسب أنفسنا ظلماً لطلبة العلم والدعاة إلى الله!!  

 (قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن؟! بل هم عن ذكر ربهم معرضون!!)

فيشهد الله أنني كنت من أشد المحرضين على مؤازرة تلك الثورة، وبالأخص لإخواني وأبنائي من تيار المدرسة السلفية، على أمل أن تنطق تلك الألسنة التي كممها الباطل طويلاً بكلمة الحق، فتقود الناس للخلاص من حكم الطاغوت باسم الله، وتحت راية دين الله!!

أما الآن وقد شاهدت الكثيرين ممن ينتسبون للدعوة قد ألفوا فن الصمت؛ بحجة تجاوز المرحلة الحرجة لإنجاح الثورة، والوصول إلى مرحلة استقرار البلاد، وفي سبيل تحقيق ذلك؛ تم
تجاوز الخطوط الحمراء!! وفي مقدمتها عقيدة الولاء والبراء، والتجاوز عن وجوب حكم الله الذي لا معنى في الأساس لانتسابنا لهذا الدين دون بذل الروح من أجله!!

فإنني أقولها لكم . .


لقد ثورتم في بداية المطاف على الطغيان، فإذا بكم تجدون أنفسكم (
بمجاراتكم للصليبيين والعلمانيين) قد ثورتم في نهايته على مبادئكم، وثوابت عقيدتكم من حيث لا تعلمون!!
فلا بارك
الله في سعي استبعد أول ما استبعد دين الله كمنهج حياة لمجتمعنا!!
ولا بارك
الله في ثورة أورث أهل الصليب الكلمة العليا في بلادنا!!
ولا بارك
الله في اقتصاد قام بدعم وإعانات مشبوهة (ومشروطة) من أعداء ديننا!!
ولا بارك
الله في نصرٍ أمنَّا به حدود أرض إخواننا المغتصبة بأيدي الصهاينة أعداء الله وأعدائنا!!
وعليه . . فإن سراب النصر الذي توهمته قريباً لا يزال بعيد المنال
!!
غير أن هذه الأحداث وما كان فيها من
سقطات ثقال؛ جعلتني أحدد ملامحه الآن بكل دقة واستبصار!!
فهو قريب
. . ولكن من السائرين على درب نبيهم غير مبدلين ولا مغيرين!!
وهو قريب
. . ولكن من الصابرين على درب العلم والدعوة غير خزايا ولا مفتونين!!
وهو قريب
. . ولكن من الصامدين في وجه الفتن، بقلوب ملؤها اليقين بالله رب العالمين!!
فليهنأ الواهمون بنصر جمعهم تحت راية (
الهلال مع الصليب) زمناً لن يدوم طويلاً!!
فإنا بنصر الله واثقون، وعلى هدي نبيه صلى الله عليه وسلم سائرون
!!
وفي متاع دنياكم القصيرة زاهدون؛ لأننا في جنان الله طامعون
!!

فوداعاً أيها الغارقون . . فإنا إلى ربنا راغبون!!

قال تعالى : (فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء، وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون!!


 

منوعات الفوائد