اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Minute/396.htm?print_it=1

دعنا سوياً نجعل الصعب سهلاً!!

أبو مهند القمري


بسم الله الرحمن الرحيم
 

أنت وأنا وكل بني البشر . . لا نعدو كوننا بشر، أليس كذلك؟!
إذاً فمعنى ذلك أن لدى كل منَّا المعطيات التالية :

قلب
يتقلب، ونفس تشتهي، وعقل يفكر، وهوى يهوى، وشيطان يتربص!!
فهل معنى
أن ينتاب قلبك بعض التقلبات؛ كفيل بأن ينسفك من عالم الصالحين؟! . . . بالطبع لا !!
وهل معنى
أن تميل نفسك لشهوة محرمة، إذاً فقد خرجت من الملة والدين ؟! . . . أيضاً لا !!
وهل معنى
أن يسرح منك عقلك - بعض الشيء - بعيداً عن رياض الصالحين، فقد برأت منك ذمة المؤمنين؟! . . . كذلك الأمر . . لا !!
فما بال
لو تقلب بك الهوى في التفكير في بعض ألوان الملذات العاجلة أو المحرمة،  فهل يكون ذلك الأمر منك ردةً عن الدين؟! . . . بالطبع . . لا !!
إذا فماذا
لو دعاك الشيطان الرجيم صراحة للوقوع في معصية، صغيرة كانت أم كبيرة، فضعفت نفسك؛ ووقعت في اقترافها، فهل تكون بذلك من حزب الشيطان الرجيم؟! . . . أيضاً . . لا !!

1)
   إذا فما هو الخط الفاصل بين الطائع والعاصي؛ إذا كان الجميع معرضون للوقوع فيما ذكرنا؟!
2)
   وما هو المعيار الذي يقاس به صلاح الصالحين، وفساد الفاسدين؟!
3)
   بل وما هو السر وراء إمكانية تحول أفسد الفاسدين إلى إمامٍ للصالحين؟!

للإجابة عن كل هذه الأسئلة ببساطة، نقول وبالله التوفيق :
إن تقلب
القلب، ورغبات النفس، وانقياد العقل سلباً أو إيجاباً، وتجاذبات الهوى، ووسوسة الشيطان، كلها أمور لا يسلم منها صالح أو فاسد!! بل الجميع يغترف منها فمستقل ومستكثر!!
ولكن (
1) الخط الفاصل بين الصلاح والفساد، يتمثل في ثلاث نقاط أساسية، هي :
* معرفة العبد بحقيقة نفسه!!
* تحديد مصادر الخطر التي تواجهه كنفس بشرية، ومحاولة بذل أقصى الجهد لاتقائها!!
* معرفة خط العودة، حال الحيد عن الطريق، وكيفية إزالة العوائق التي تحول بينه وبين تلك العودة!!

1 -
فمعرفة العبد بحقيقة نفسه البشرية، تجعله على علم بمواطن الضعف والقوة فيها؛ فيسير بخطى متوازنة بين الخوف والرجاء؛ ليكون من الله أقرب، احتماءً من ضعفه بقوة الله، وهرباً من فزعه إلى أمان الله، ونجاة من فقره إلى غنى الله، وهذا حال الصالحين؛ فمن غفل عن ذلك، وظن في نفسه القوة دون الضعف؛ أصابه الشيطان بالغرور، كيما يجنح به إلى أودية سحيقة من الهلاك والبعد عن الله تعالى فيكون من الفاسدين!!

2 - أما تحديد مصادر الخطر، وأولها (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً) وعليه فلابد أن يعتبر أن كل طريق تؤدي نهايتها إلى المعصية؛ فهو مصدر من مصادر الخطر الموجهة إليه؛ حيث يكمن وراءها الشيطان، وعليه محاولة اتقائه والبعد عنه بكل ما أوتي من قوة، وأهم عوامل تلك القوى (البيئة الصالحة) ليلحق بركب الصالحين، لا أن يظن في نفسه من القدرة والإرادة ما يؤهله لمواجهة تلك المخاطر، وما بها من ألوان الشرور والفتن دون التأثر بها، فيقع في مخالتطها؛ لتحدث بينهما شيئاً من الألفة؛ فتكون المحصلة النهائية؛ هو الضياع في أودية تلك (البيئات الفاسدة)، ليلحق بركب الفاسدين!!

3 -
أما معرفة خط العودة؛ فلأن الزلل من النفس البشرية أمر وارد لا محالة، وذلك لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فالتقصير حاصل، ولكن الناس يتفاوتون فيه زيادة ونقصاناً، غير أن العبرة بمدى يقظة القلب، وسرعة الرجوع بالتوبة والإنابة، ومعرفة كيفية الخلاص من شباك اليأس التي يلقي بها الشيطان على العبد بمجرد اقترافه زللاً أو معصية؛ لإيقاعه في مستنقع القنوط من رحمة الله تعالى!! إلا أن استعانته بعوامل القوة التي منحها الله له، ليعتبر خير معين له على استعادة توازنه، وأولها يقينه بأن الله يقبل توبة التائبين (أشهدكم أني قد غفرت له، وليفعل عبدي ما شاء!!) الحديث

(
2) أما المعيار الذي يقاس به صلاح الصالحين، وفساد الفاسدين، فيتمثل في كيفية السقوط في المعصية إذا حصل، وعاقبة ذلك السقوط على كل منهما بعد وقوعه!!

فالفاسد
لا يبالي بالمعصية؛ نظراً لهوانها عليه ابتداءً، والسبب هو هوان أمر الله عليه أصلاً، وغفلته تماماً عن الآخرة، وما فيها من وعد الله ووعيده!! كما أن الكأبة التي تنتابه بعد اقترافه لتلك المعصية لا تمثل إلا زيادة في نسبة الظلمة المخيمة أصلاً على قلبه!! وبالتالي فهو ينتقل من بؤس إلى بؤس، ومن غمٍ إلى غم!! ولا يلحظ هذه الزيادة إلا شعوراً بالاختناق في نفسه؛ يحاول الهروب منه باقتراف المزيد من المعاصي؛ لعل ذلك يصرف عنه ما هو فيه من الوحشة والكآبة، ولا يدري المسكين بأنه يعالج جرحه بالمزيد من الجراح، وأنه أضحى كالمدمن الذي تغلغلت المخدرات في عروقه ودمه، وكلما هاجت عليه نفسه لجأ لتعاطي المزيد منها!!

أما الصالح
فيكون بينه وبين الإقدام على المعصية من الموانع والحواجز بحسب قربه أو بعده من الله تعالى، ولكن إقدامه عليها يسبقه تردد يزيد مقداره وينقص بحسب مراقبته لله وإخلاصه له، فإذا ما ضعفت قواه وزلت قدمه في اقتراف المعصية؛ فإن سياط اللوم والندم تشتعل في قلبه على الفور ناراً، يظل على إثرها في حال كئيبة؛ يسترجع ويستغفر، ويستمر به الأمر على هذه الحال؛ حتى يستشعر أن صدق ندمه قد دنى به من باب المغفرة، ولعله يفتح له يوماً من الأيام، فيظل خائفاً وجلاً، منكسراً حزيناً، حتى يذهب الله غمه، ويبشره بدلالات على قبول توبته بفضل الله ورحمته.

(
3) أما السر وراء إمكانية تحول أفسد الفاسدين إلى إمامٍ للصالحين، فيكمن في إحدى الاحتمالات التالية :

* نبتة خيرٍ في قلب ذلك العاصي، كانت سبباً في رحمة الله به وهدايته؛ فأبصرت عيناه النور، وانقشعت عن قلبه حجب الغفلة؛ فأراد أن يعوض ما فاته من الخير، فانغمس ينهل من نبع الهداية، ويدعو الناس إليها، ومثل هذا كمثل الظمآن الذي يريد أن يروي ظمأه، ولا يجد لظمئه ارتواءً؛ حتى يكون سبباً في هداية العالمين!! فيحمل همَّ الدين في نومه ويقظته، وربما يجعله الله أحد الدعاة الموفقين، أو العلماء الصالحين!! (خياركم في الجاهلية، خياركم في الإسلام إذا فقهوا)!!

* عمل صالح - ولو يسير - قد وفقه الله إليه، فنظر الله إليه نظرة رحمة،  فرزقه بسببه الهداية، (بغي سقت كلباً؛ فشكر الله لها، فأدخلها الجنة)!!

دعوة مستجابة، سواء كانت من نبي مرسل (اللهم اهد أحد العمرين) أو من رجل صالح، أو من أحد الوالدين!!

ولعل هناك من أسباب هداية الله المطلقة ما خفي على الكثير من عباده، غير أنه ينبغي على العبد الراجي لرحمة ربه؛ أن يتذكر دائماً قول الحق تبارك وتعالى : (
ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم؟!) فتعذيب الله لنا لن يزيد في ملكه شيئاً، ورحمته بنا لن تنقص من ملكه شيئاً؛ فيحسن الظن بربه، ويجعل نفسه على كل حال ملاصقةً لجنابه، فإن أطاع شكره على أن وفقه لطاعته، وسأله أن يتقبلها منه، وإن أساء ظل ملازماً لباب عفوه، نادماً على فعله، منكسراً لجلاله وعظمته، فلعل باب العفو يفتح له عن قريب، أو لعله إذا وافته المنية وهو على هذه الحال، ألا يُعدم كرم الله بأن يدخل عظيم جرمه في عظيم عفوه!!

فالزم باب عفو ربك، ولا تبرح عتبته، وقل يارب : (
خذلتني نفسي عن طاعتك، فجئت أشكو إليك حالي، وليس لي راحم إلا أنت، فهل تقبلني إذا عدت إليك؟!) وكن على يقين أن أكرم الأكرمين لا يرد سائلاً ببابه، فكيف يرد من جاءه تائباً، وهو الذي أخبرنا على لسان نبيه (صلى الله عليه وسلم) أنه أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل أحاطت به أسباب الهلاك، فكتبت له الحياة من جديد؟!


فها هو الطريق إلى الله فالزم . .
ولا تنظر خلفك فتندم . .
وأقبل على رحمة الله تغنم . .

 وها نحن قد عرفنا من تلك الكلمات معالم الطريق إلى الله، وأزلنا اللبس عنها، حتى لا نتيح للشيطان فرصة بأن يطمس معالمها؛ فيصعّب الأمر علينا، فالحمد لله على نعمته بأن وفقنا بهدايته؛ لأن نجعل سوياً الصعب سهلاً!!

 

منوعات الفوائد