اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Minute/468.htm?print_it=1

القافلة العربية دوما تصل متأخرة

د/ خالد سعد النجار


بسم الله الرحمن الرحيم

 

ماذا يحدث في سوريا تحديدا؟! .. أليس هذا نوعا من التهريج؟! .. لكنه تهريج «كالح» يبعث على البكاء لا الضحك، حيث قال الفريق أول السوداني (مصطفى الدابي)، رئيس بعثة مراقبي الجامعة العربية للتحقق من التزام السلطات السورية بمبادرة الجامعة، إن الوضع في مدينة حمص «يبعث على الاطمئنان»!! .. وأضاف: «كان الوضع في بعض المناطق المحددة غير جيد، ولكن لم يحصل أي شيء مخيف على الأقل عندما كنا هناك، فقد كانت الأوضاع هادئة ولم تحصل أي صدامات»، وقال: «لم نر أي دبابات، ولكننا رأينا عددا من العربات المصفحة»، ومضى للقول: «ولكن تذكروا أنه كان اليوم الأول من مهمتنا، وما زال الوضع بحاجة إلى المزيد من التحقيق. لدينا 20 فردا سيمكثون في حمص لفترة طويلة».
وأورد موقع الجزيرة في تصريح أعجب من العجب عن الفريق الدابي، حيث قال: «إن أعضاء الوفد لم يروا شيئا مخيفا في مدينة حمص»!!.
هذا بالرغم أن التقارير الإخبارية أوردت أن ستة محتجين قتلوا عندما فتحت قوات الجيش السوري نيرانها لتفريق جمع كبير كان يحث المراقبين العرب على الإدلاء بآرائهم بصراحة.
وأظهرت أشرطة مصورة نشرت على الانترنت مشاهد لسكان حي بابا عمرو في حمص وهم يحيطون بالمراقبين ويشيرون إلى برك دماء على الأرض بينما كان الرصاص يمطرهم. وحث المحتجون المراقبين على الإدلاء بآرائهم بصراحة أكبر، إذ صرخ احدهم: «أين العدالة؟ أين العرب؟».
وحسب موقع الجزيرة فإن مقيمين في منطقة بابا عمرو التي تفقدها الوفد قالوا إنهم يشعرون بأن المراقبين لا يستجيبون لشكاواهم.
وقال الناشط (عمر) وهو أحد المقيمين في بابا عمرو: «شعرت بأنهم لم يعترفوا حقا بما رأوه، ربما لديهم أوامر بأن لا يظهروا تعاطفا، لكن لم يكونوا متحمسين للاستماع إلى روايات الناس».
وأضاف: «شعرنا بأننا نصرخ في الفراغ. عقدنا أملنا على الجامعة العربية كلها، لكن هؤلاء المراقبين لا يفهمون فيما يبدو كيف يعمل النظام، ولا يبدو عليهم اهتمام بالمعاناة والموت اللذين تعرض لهما الناس».
وقال أعضاء المجلس الوطني السوري في مؤتمر صحفي عقدوه في لندن: إن النظام السوري قام بتغيير أسماء قرى لإيهام المراقبين بأن الأوضاع في البلاد آمنة.
إذن من أين أتت تصريحات الفريق الدابي؟ وهل بحر الدماء الهادر في سوريا منذ أشهر يحتاج لرؤية بصرية أم يحتاج لتصرف واقعي حاسم لوقف نزيف الجراح الغائرة؟ وهل النظام السوري الوحشي سيعجز عن خلق أجواء هادئة في أي مكان سيذهب فيه المراقبين، خاصة وأننا تعودنا في منطقتنا العربية على رسم الديكورات الخلابة في أشد الأماكن عشوائية لمجرد زيارة مسئول رفيع المستوى، فما بالنا بقضية حياة أو موت للنظام السوري الغاشم، فالجميع على قناعة بأن الحكومة السورية إنما تتظاهر بالتعاون مع الجامعة العربية، وتحاول خداع المراقبين بينما هي مصممة على إبقاء الموقف دون تغيير.
يذكر أن رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان (رامي عبد الرحمن) قال: إن سكان حي بابا عمرو بحمص سمحوا للمراقبين بالدخول إلى الحي بعد مغادرة ضابط سوري كان برفقة المراقبين. وطلب السكان من المراقبين -حسب عبد الرحمن- مشاهدة الجرحى وأسر القتلى بدل زيارة أعضاء حزب البعث الحاكم في المدينة.
وقال (رامي): إنه يخشى أن يتحول المراقبون العرب إلى شهود زور على العنف الذي يحدث في سوريا، وأن يغادروا البلاد دون أن يروا شيئا.
وأضاف: إن معظم سكان بابا عمرو يشعرون بخيبة الأمل إذ كان يجب أن تمنح البعثة المزيد من الوقت، لأن المراقبين بحاجة إلى أن تتاح لهم الفرصة لفترة طويلة بما يكفي للقيام بالتفتيش قبل إصدار الأحكام.
ومن جهتها قالت وزارة الخارجية الفرنسية: إن المراقبين العرب لم يتمكنوا من التحقق من الوضع في حمص، وإنه يجب إتاحة الفرصة لهم كي يعودوا إليها.
ومن سخرية الموقف أن وفد مراقبي الجامعة العربية بعد زيارتهم بابا عمرو توجوا إلى حي باب السباع الذي نظمت فيه السلطات مسيرة مؤيدة للرئيس بشار الأسد قرب جسر الفارابي في مسرحية ساذجة من المسرحيات التي عودتنا عليها الأنظمة القمعية.
هذا في نفس الوقت الذي ارتفع عدد القتلى 42 شهيدا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية برصاص الأمن السوري، بينهم أربعة أطفال ومعظمهم في حمص، وذلك في اليوم الأول من عمل بعثة المراقبين العرب في المدينة.
واتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» المعنية بحقوق الإنسان السلطات السورية بتعمد إخفاء المئات من المعتقلين عن أنظار المراقبين. وقالت المنظمة إن المعتقلين قد نقلوا إلى مواقع عسكرية يحظر على المراقبين وصولها، وحثت بعثة الجامعة العربية على الإصرار على تفتيش كل المواقع المستخدمة لاحتجاز المعتقلين.
وقال مسئول أمني سوري في حمص للمنظمة: إن الحكومة السورية نقلت 400 - 500 معتقل من المعتقل الذي كان يديره إلى أماكن أخرى بما فيها مصنع قريب للصواريخ، وذلك عقب توقيعها على تفويض دخول المراقبين العرب.
كما انتقدت جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان اختيار الفريق الدابي أساسا لترؤس البعثة، قائلة: «إنه من المستحيل تصور شخص تبوأ مناصب عسكرية وحكومية سودانية رفيعة في إقليم دارفور وغيره أن يوصي باتخاذ إجراءات شديدة بحق الرئيس السوري بشار الأسد».
إنها بدايات عمل للمراقبين لا تبعث على التفاؤل، كما توقع الكل، هذا في نفس الوقت الذي تمر فيه الساعات وعشرات القتلى من إخواننا بسوريا يتساقطون، الأمر الذي ينذر بسقوط آلاف جدد حتى تتمكن بعثة المراقبين العرب من إحكام سيطرتها الرقابية على الموقف، وهذا فرضا إن أفلحت في التغلب على مناورات النظام السوري، وأظنها لن تفلح.
وهكذا تسيل الدماء وتزهق المزيد من الأنفس، والعرب يتحركون كما السلحفاة، وكأن كل هذا الكم الهائل من القتلى والجرحى والمعتقلين يهون في سبيل مجرد تناغم النظام السوري مع المطالب العربية. وهيهات أن يفعل، بعدما أصابه السعار جراء النهم المفرط في شرب دماء الأبرياء، واستحلال ثرواتهم.
إن الموقف العربي مؤسف بكل المعايير الإسلامية والإنسانية والدولية والقانونية.. مؤسف أن نتحرك بعد فوات الأوان، وأن نصل للحلول متأخرين، وقد أتت النيران على الأخضر واليابس، وخفت أوارها بعدما لم تجد شيئا تأكله، وصارت قطرات الماء التي نحملها نحن العرب لا فائدة منها، فلقد احترق كل شيء ولم يبق سوى دخان يعمي أبصار العميان، الذين وصلوا للنجدة متأخرين.
 

د/ خالد سعد النجار
طبيب وكاتب مصري
كاتب بجريدة القدس العربي اللندنية
alnaggar66@hotmail.com


 

منوعات الفوائد