اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Minute/501.htm?print_it=1

من يقتل اخواننا في سوريا؟

هشام محمد سعيد قربان


بسم الله الرحمن الرحيم


لا يخفى علينا في العالمين العربي والاسلامي ما حل باخواننا في سوريا من الخوف والظلم و والالم والقتل والمعاناة في أمر صنوفها، ولانشهد في صحائف هذه الجريمة العالمية النكراء الا المزيد من القتلى والجرحى والمهاجرين والمشردين والتخاذل والتقاعس.
.
معاناة لشعب لا ذنب له الا رغبته في الحرية، وشوقه لغد افضل، شعب سئم الذل فاراد ان يولد من جديد.

جرائم قتل وتشريد ودماء واشلاء، وحرمات تنتهك، وتحريك لاسلحة حرب ثقيلة لحرب شعب شبه اعزل.

جريمة اخري تبين عقم الضمير الدولي، وعجز المؤسسات الدولية، وانحيازها الساخر والسافر.

جريمة اخري تتحدى بدمائها وصرخاتها كل الامال العربية المعقودة في الجامعة العربية، ومنظمة الامم المتحدة، ومجلس الامن، وكل من يدعي صداقته وحرصه وقرابته من الشعب السوري.

شعوب مسلمة بأكملها تئن وتتألم وتتوجع للمصاب السوري الجلل، شعوب عربية أبية مجاورة تشعر بالعجز وقلة الحيلة، بل لعلها عودت على هذا العجز، وأسقيت من كأس الوهن والذل والوهم، فخيل اليها انه ما باليد حيلة، وان الامر برمته مرهون بقرارات المنظمات الدولية، فهذا يغضب، واخر يصرح ، وثالث يقاطع، ورابع يتبرأ من الجريمة بكلمات رشيقة انيقة.

إنها صور لردود فعل تختلف في المظهر الكالح، وتلتقي في المخبر الواضح، وهو العجز الفاضح ، واللاعمل، والتبعية، وتغييب القدرة، وعقم القرار، وانتظار الاذن، وتقاذف اللوم.

دعاء قنوت النوازل سلاح من اسلحتنا الايمانية، لا يستهان به ابدا، فيه مشاركة وجدانية رقيقة، واستدرار المدد من الله، إلهنا ومولانا عز الناصر، وخذل القريب، وقل المعين، وخان المؤتمن ، و ليس لها من دون الله كاشفة.

نرفع ايدينا بالدعاء اليك ياربنا بأسى ووجل، وننزلها باعتراف فيه ذل وخجل.

أهذا جل ما نقدر عليه؟ أبلغ بنا العجز كل مبلغ؟ أحقا ان الابواب كلها قد سدت؟ أصدقا انه ليس باليد حيلة؟

أو يعقل ان تعقم امة الاسلام التي انجبت من شهدت لهم ميادين الوغى وملاحم البطولة من الفحول والشجعان ، والعلماء العاملين ، والقادة المبرزين؟

ياله من حال مؤسف، يشتت بعض ظلمته مصباح الامل في دعاء كريم مسنون ومؤنس للارواح النازفة، يحرك في النفس سؤالا مؤلما، اختفى او اخفي لزمن، ولكنه ابى الا الظهور: من يقتل السوريين؟

من يقتل اخواننا في سوريا؟


الجواب المباشر لهذا السؤال واضح وجلي: إن من قتل السوريين هو ذلك النظام الفاسد المستبد، واعانه على جريمته عجز المنظمات الاقليمية، وظلم المنظمات الدولية، وكيلها بالف مكيال ومكيال، ولكنني – بصراحة وامانة - لا اشعر بارتياح كامل من هذه الاجابة بالرغم من وضوحها وصراحتها، ومحاولة البعض اقناع العالم بها.

هل هنالك قتلة اخرون؟

ام لعله من الاسهل والاسلم – كما اعتدنا - القاء اللوم بعيدا عن دائرة الذات؟

أوهل يصح ادعاؤنا بأن القتلة كلهم اتوا من الخارج - جسدا وروحا وفكرا ومنهجا و تنظيما وانتماءا وتجهيزا؟

أنكتفي بلومنا للحكومات والسياسات؟

ام لعلنا استمرأنا نظرية المؤامرة واعتدنا والفنا كوننا – شعوبا وحكومات – ضحية للمكر الدولي والتخطيط الاجنبي الخارجي؟

من علمنا هذا العجز العجيب؟
من عودنا هذا الخور المعيب؟
من أشرب قلوبنا هذه الانانية واللامبالاة والاستغراق في حدود ذواتنا الصغيرة؟
من علم روح الاخوة الاسلامية ان تقف مستسلمة متخاذلة عاجزة امام حدود معاهدة سايكس بيكو وحماتها البواسل؟
من اجاز لنا ان نحس بكمال الايمان عندما نأكل ونشرب وجارنا يفترسه الخوف والقتل والجوع والمرض والعوز؟
من أجاز لنا ان نتفرج بلا عمل يذكر؟
أي فتوى تلك التي تريحنا من تأنيب الضمير لمقتل الالاف من اخواننا في الدين والدم وتشريدهم؟
أي اخوة ايمانية هذه التي نتحدث عنها وندعو الناس اليها؟
من علمنا ان نأمن للذئب ونحن نشاهده فعله ومكره؟
من علمنا ان نقصر هممنا وانظارنا على يومنا ومشربنا ومأكلنا وملبسنا؟
من علمنا ان نتعلم لنعلم والا نتعلم لنعمل؟
من علمنا ان نصم آذاننا عن النذير العريان؟
من علمنا الا نفكر في الغد و الا نعمل له والا نعد له عدته؟
من علمنا كيف نكره بعضنا من اجل لعبة كرة سخيفة؟
من علمنا الاستهزاء بالجيران والاعتداد بالنفس وانتقاص الاخ لأخيه؟
من علمنا الخوف؟
من قتل الامل في قلوبنا؟
من زرع اليأس في اراواحنا؟
من جهلنا بحقوقنا؟
من افتى بجرمنا وإثمنا ان طالبنا ببعض حقوقنا؟
من اقنعنا بمكره وابواقه – بأن نرضي الدنية في ديننا؟
من نزع الغيرة الايمانية من قلوبنا؟
من أخمد نار الحمية الدينية المحمدية في نفوسنا؟
من أخرس صوت العقل في ضمائرنا؟ ألم نتعلم من حال غيرنا؟
ألا يوقظنا من غفلتنا رؤيتنا للشياه والابقار تقاد الى مذبحها واحدة تلو الاخرى؟
ما الذي حصل؟ وهل تغير حال امتنا فجأة؟ أم ان هذه نتيجة حتمية لمقدمات وضربات متواليات ومكر الليل والنهار؟


هذه اسئلة مؤلمة ملحة ومؤرقة نوجهها لذواتنا وعلمائنا ومفكرينا، ونأمل ان نجد في اجاباتها المخرج العزيز والمشرف من الالم السوري، بل نتمنى ان تتعدى فائدة الاجابة الحدود الوهمية والمصطنعة التي توهن الجسد المسلم وتضعف صفه.

إن في المشهد السوري المؤلم ايقاظ للغافل، وتعليم للجاهل، ودعوة الجميع للتأمل، والاستبصار، والاعتبار، و ترسيخ لقناعات قديمة، وإبطال لافكار ومناهج افتضح خوائها وثبت افلاسها، وآن زمن افولها، واشرقت شموس حق وعمل ونصرة.

الا فلنتأمل حالنا، ولنغيره ان شئنا تغيير مآلنا، فمن قتل السوريين سوف يقتل غيرهم – بعد حين - ان لم يعتبروا، و الشأن السوري كما يقر الحكماء ليس بظاهرة منعزلة عن محيطها، بل هو جزء من متلازمة اكبر، وحلقة من حلقات سلسلة متصلة رأينا اوائلها، ونسأل الله ان يكفينا وينجينا من شر باقيها، ولعل من اهم الخطى في مسلك النجاة سؤالنا بحق: من يقتل اخواننا في سوريا؟


 

منوعات الفوائد