اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Minute/676.htm?print_it=1

هكذا رباه . . سوف أمضي وحدي!!

أبو مهند القمري


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


نظرت إليهم من بعيد . . فوجدت كوكبة من الركع السجود . . حافظي العهود . . الساعين لجنة الخلود . .  المتجاوزين بمحبتهم كل الحدود . . المتواصين بنصرة الحق رغم الصدود!!
إنهم الأطهار الأبرار . . المتقون الأخيار . . المنكسرون لربهم في دجى الأسحار . . الساكبون دموعهم هرباً من جحيم النار
!!
فاقتربت منهم يحدوني الأمل في طهارة قلبي بقربهم . . والاستقامة على نهجهم . . والاغتراف من نبعهم . . ففتحوا لي ما بين أذرعهم . . وسرعان ما احتضنوني في صدورهم . . فشعرت بحنان عطفهم . . وذهبت عني الوحشة بأنسهم
!!
فذبت حباً في جمعهم . . وصرت لا أصبر مطلقاً على فراقهم . . وأضحى العناء هناءً في أجوائهم . . وصارت المشقة يسراً بعلو هممهم . . فرفعت رأسي بالحمد لك رباه؛ أن رزقتني حسن جوارهم
!!
غير أنه لم يرق للشيطان سلامة ديني بقربهم . . فلم يزل محاولاً استدراجي بعيداً عن ركبهم . . حتى أحاطت بي الوحدة يوماً في منأى عن جموعهم . . فصوب سهام الغفلة نحو قلبي المنشغل عن تذكيرهم ووعظهم . . فأصاب منه ما جعل الخطى تتثاقل عن مواكبة سموهم . . فغاصت بالفعل مني في مستنقع وحل الغفلات التي فارقتها أمداً، وأنا أنعم بالعيش في أكنافهم . . فاستيقظت على وخذ عواقبها الأليمة التي أوردتني المهالك بعد فراقهم . . فوجدت نفسي حائراً، تعصف بي رياح الحسرة على ما اقترفته من الخطايا التي طالما حذروني من مجرد الاقتراب منها، كنصيحة خالصة من صميم قلوبهم
!!
وها أنا ذا أحيا كسيراً؛ تحت وطأة الآثام التي حادت بي بعيداً عن سبيل النجاة بقربهم
!!
إن عبداً يسر الله له سبل الخير مثلي، فتقاعس عن المضي قدماً في مسالكها؛ بما اكتسب من الذنوب والآثام، بعدما عاين بنفسه عظيم خيرها، واستشعر بقلبه طهارة أجوائها، لا يمكنه الزعم أبداً بأنه لا يزال من المتقين الأبرار
!! وإن عبداً ذاق حلاوة الإيمان يوماً، لا يسعه أبداً؛ تسويغ ذلك الإنهيار!!
غير أن هناك باباً لا حدود لسعته، ولا بلوغ لنهايته، قد فتحه الله لعباده بواسع فضله ومنته، ليحرَّم عليهم به القنوط من عظيم عفوه ومغفرته ورحمته، وكيف لا
؟! وهو الذي يبسط (سبحانه وبحمده) يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها!!
إن نظرة نحو الماضي بما كان فيه من لذة الإيمان، وجميل الصحبة الصالحة، ومتعة الطاعات، واستنشاق عبق الروحانيات، لتدفع بي حتماً نحو مواكب الصالحين مجدداً
!!
تجاوزت صراع نفسي، وخطت خطاي أعتاب مسجدهم . . غير أن الخجل من طول الهجران، وبُعد المسير في دروب الغفلة . . قد حال بيني وبين رفع رأسي في أعينهم
!! إلا أن صدق الرجاء في قبول الله لتوبتي، قد ملأ قلبي بالعزيمة على ملازمة باب عفو ربي، حتى ولو صرف الناس وجوههم عني!! يجول عزائي بخاطري مردداً . .

هكذا رباه . . سوف أمضي وحدي!!

رفعت رأسي بعيونٍ دامعةٍ بعد مكوث طويل في أحد أركان المسجد، فإذا بجموع الإخوة حولي تعلوا وجوههم الفرحة، وترتسم عليه الابتسامة المشرقة . . وكأن لسان حالهم يقول :

ولن نتركك بعد ذلك أبداً . . لتمضي وحدك!!
ولسوف نمضي معاً إلى الله . . يا من أحببناه لوجه الله

****************************


ملحوظة : كلمات لقصة خيالية مستوحاة من وحي الأخوة في الله.


 

منوعات الفوائد