صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







كم كنت أتمنى أن أكون ذاك العبد!!

أبو مهند القمري


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


خمسون عاماً قضيتها على ظهر هذه الحياة، أيقنت خلالها بأن كل ما فيها من تقلبات، سواء أكانت بين السعادة والفرح تارة والحزن والهم تارة أخرى، أو بين الغنى والسعة تارة، والفقر والحاجة تارة أخرى، أو بين الاستجمام والراحة تارة والتعب والنصب تارة أخرى، أو بين الصحة والعافية تارة، والمرض والبلاء تارة أخرى، أو بين الأمن والأمان تارة، والفزع والخوف تارة أخرى، إنما هي صدمات قلبية، يهب الله بها مزيداً من الحياة لأصحاب القلوب المؤمنة، وهي في الوقت ذاته، سبيلاً لإيقاظ من شاء من أصحاب القلوب الغافلة، كما أنها نوع من إقامة الحجة على أصحاب القلوب الطاغية المتجبرة؛ بإثبات عجزهم وضعفهم وهوانهم على الله تعالى!!

فهي
رسالة للجميع مفادها (أن الأمر كله بيدي الله وحده)  فطوبى لعبد تأصلت معاني تلك الرسالة في قلبه على النحو الذي أراده الله تعالى لها؛ فعلم (أن الأمان في جنب الله وحده) فعاش حياته مرتبط القلب بالله وحده، مسارعاً لطاعته أملاً في نيل رضوانه وحده، مبغضاً لمعصيته، وآخذاً بكل أسباب الفرار منها؛ خوفاً من نقمته سبحانه وحده، ساعياً للرزق كما أمره ربه، موقناً بما قسمه الله وحده، ممتطياً أيام حياته، ملتحفاً بعيش المضطر؛ أملاً في بلوغ جنة الله، ونيل رحمته وحده.

ذلك العبد
هو من تقلب في أيام حياته، بين التطلع لأشواق الآخرة تارة، وبين شدة مراقبته لقلبه خوفاً من تقلبه أمام أمواج الفتن تارة أخرى، فلم يعبأ بهوس أهل الدنيا بدنياهم، ولا بافتتان أهل السلطة بسلطتهم، ولا بفتنة أهل الجاه بوجاهتهم، بل اعتبر ما هم فيه ألواناً من البلاء؛ فلهث مسارعاً لربه (بقلبٍ مشفقٍ) إلى طلب العافية منها!!

إنه
ذاك العبد الذي عايش دنيا الغافلين ،بصدى أجواء الآخرة وما فيها من النعيم المقيم، فتلاشى بريق متاعها الزائف (تلقائياً) أمام بهجة أعراس المتقين في جنان الخلد التي حباها رب العالمين بألوان النعيم!!

إنه العبد
الذي جاء إلى دنيانا؛ وكأنه ليس من أهلها، وإنما جاء في (عبور سريع) ليتخذ منها (خطوة) لعمار آخرته، فلم يدقق النظر فيما فتنا به أنفسنا من ألوان زيفها القاتل!! ولم يسمح لقلبه أن ينشغل (ولو لبرهة) بخواطر شرورها، وما تمليه من باطل!! فسلم في دنياه من الفتن، فأسلم الله له آخرته (برحمته) من العذاب والنقم!!

ليبق السؤال
: هل بقي لي من العمر ما يجعلني أتدارك أيام حياتي؛ لفعل (ولو القليل) من أمنيات تلك الأعمال الصالحات؟! وهل بوسع أحدكم، وأنتم في بداية الطريق إلى الله تعالى أن تنسجوا منهج حياتكم وفق تلك العزائم الراقيات، والغايات الساميات، لتبلغوا النعيم في أعالي الجنات؟!

أم أن خطى الأيام سوف تمضي بكم تسويفاً وغفلة، ليأتي عليكم اليوم الذي لا تملكون  فيه مثلي سوى القول : (
كم كنت أتمنى أن أكون ذاك العبد)!!


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

منوعات الفوائد

  • منوعات الفوائد
  • الصفحة الرئيسية