صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







قصة آدم
قصة البداية و أساس البناء

فرحان العطار


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


إنها قصة البداية ، وأساس البناء ، رسمت معالم الطريق ، و حددت الخطوط العريضة له ، فما من أحد من ذريته إلا و هو خاضع لتلك السنن و القوانين الأولى ، لأنها حددت المشكلة ثم حددت أسبابها ، ثم علاجها و الشفاء منها ، ثم غاصت في أعماق النفوس ، و عبرت عن حاجاتها ، ثم جلت أصل المجتمع و لبنته ، فهي حددت القدر المشترك بين البشر ، و ما سيتعرضون له من بعد ، و زودته بما يحتاج له ، ليسير الآدمي في حياته مبصراً للطريق ، درباً على منحنياته و منعطفاته ، مستهدياً بعلاماته و مناراته ، فلا ضير بعد ذلك أن نرى اهتمام القرآن بهذه القصة المباركة ، فكانت أول قصة يتناولها من بدايته ، و ما ذاك إلا لما تضمنته هذه القصة من توضيح و بيان لا يستغنى عنه أبدا ، كما أن الأبوة ما تزال تدب في نفوس ذريته من بعده ، و آثارها ملتصقة بنفوس بنيه لا تندرس ، و لذلك جاء في الحديث الصحيح ( فجحد آدم ، فجحدت ذريته ، ونسي آدم ، فنسيت ذريته ، وخطئ آدم ، فخطئت
ذريته ) مما يعني ترابطاً عجيباً بين الأب و ذريته ، فالطرق واحد ، و الخطر واحد ، و للنجاة طريق واحد ، و لذا فسنقف مع هذه القصة قليلاً ، لنستعرض قواعد عامة تضمنتها :

القاعدة الأولى : خطر المعصية و شؤمها:


فالمعصية هي العائق الرئيس و الأصيل ، ملتصقة ببني آدم التصاق الروح بالبدن ، فكأنما لكل ليل نهار ، فكذلك لكل آدمي ذنوب و معاصي لا تنفك عنه ، و هي من لوازم النقص للآدمي الضعيف ، و هذه الذنوب هي التي تسببت في هلاك الأمم من قبلنا كما قال الله عز وجل ( فكلاً أخذنا بذنبه ..) ففي هذه القصة أعظم زاجر عن الذنوب ، كيف لا و قد اخرج من الجنة إلى دار الشقاء بذنب واحد فقط ، فكيف المصر على الذنوب دهور !! :
يا ناظراً يرنو بعيني راقبِ ومشاهـداً للأمر غير مشاهــــد
تصل الذنوب إلى الذنـوب وترتجي نيل الجنان ودرك فوز العابد
أنسيت أن الله أخرج آدم منها إلى الدنيا بذنب واحــــــد
فتعظيم الذنب ، و معرفة خطره و ضرره ، و شؤمه و سوء عاقبته هو الدرس الأول من هذه القصة العجيبة ، و هي رسالة واضحة لبني آدم أن يتنبهوا لهذا الخطر و يعدوا له العدة.

القاعدة الثانية : سبب المعصية و العدو الأول :


عند استيعاب المعصية وإدراك ضررها ، جاء التفصيل ببيان سببها و من يدفع إليها ، و هذا يقتضي الحذر و اخذ الحيطة ، و لذلك جاء القرآن بتفصيل أساليب الشيطان و مكره ، من التزيين و الزخرفة ، و الخطوات و التمني و التسويف و الغرور و الأيمان الكاذبة و الاستفزاز و التكالب مع أوليائه على بني آدم و المكر و التحريش .. ، و ما ذاك إلا لينتبه الآدمي من هذا العدو ، و ليستوعب مكره و خداعه ، فجميع الطرق و الأساليب واضحة أمامه ، فلا عذر يوم القيامة لمن اتبع الشيطان و ركن له ( و ما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني و لوموا أنفسكم.. )

القاعدة الثالثة : التوبة طريق النجاة .


و هذا هو علاج الذنوب ، و السلاح الذي يجابه به الشيطان ، فليس العيب في الخطأ و لكن في الاستمرار فيه ، و ليس المطلوب أن لا تخطأ و لكن الواجب عليك ان تتوب ، و ترجع إلى الله و تئوب ، و لذلك لما أخطأ آدم عليه السلام رجع إلى ربه و تاب و أناب : ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين )
فهذا هو العلاج لبني آدم ، أن يتوبوا من الشرك إلى التوحيد و من الكفر إلى الاسلام و من المعصية إلى الطاعة و من الضلال إلى الهدى فهي رسالة واضحة من هذه القصة ، بأن الرجوع و التوبة عنوان الفوز و النجاة ، و هي الوسيلة الوحيدة للخلاص من الشيطان و كيده ، كما أنها طريق الفلاح و القرب من الله و نيل رضاه .
و تأمل كيف تضمنت توبة آدم الخير بحذافيره كما جاء في سورة طه ( ثم اجتباه ربه فتاب عليه و هدى) فاصطفاء و قبول توبة و هداية و هذا كل ما نحتاجه للفلاح.

و بذلك فقد جاء في هذه القصة الحقائق الكبرى ، و تضمنت المسائل العظمى ، فجاءت بالمشكلة و سببها و علاجها بأوضح عبارة و أوجز لفظ و بيان .

القاعدة الرابعة : حاجة النفوس للسكن.


و هذه حاجة نفسية يحتاجها كل آدمي ، فتهيئة الأجواء و تنقيتها ، و السكينة و الطمأنينة و الهدوء ، هي المناخ الملائم للإنتاج و الجهد و العمل ، فإذا غاب هذا المعلم و اندرس ، فلا تسأل حينئذ عن اضطراب الحياة و خلخلتها ، و ضيقها و سوادها ، فلا إنتاج و لا عمل و لا أخلاق و لا سعادة ، و ما ثم إلا الحيرة و النزق و الأمراض و الانتحار ، و لذلك قال الله عز وجل ( اسكن أنت و زوجك الجنة ) و قال تعالى ( و جعل منها زوجها ليسكن إليها ) .

فالواجب على كل آدمي أن يهئ أجواء السكن في هذه الحياة بكافة مجالاته ، و أن يكون ملما بكل دلالاته و متعلقاته ، بداية من سكونه و طمأنينته بربه ، و كذلك نفسه و بيته و كل من و ما يتعامل به ، من سكن البيت و الزوجة و الأولاد و العمل و العلاقات ، حتى يستطيع أن يبني و ينتج و يثمر في هذه الحياة ، و لذلك لما أكثر نساء النبي صلى عليه و سلم من الالحاح عليه بزيادة النفقة حتى اغضبنه و هجرهن شهرا ، جاء القرآن بتربيتهن و نزلت آيات التخيير في سورة الأحزاب ، فلم يؤذين النبي صلى الله عليه و سلم بعدها حتى لقي ربه ، و ما ذاك إلا لتفريغ النبي صلى الله عليه و سلم من ضغوطات الحياة و تفريغه لمهمته الكبرى ، و هذا هو الواجب علينا بأن نواجه مشاكلنا ، و نسعى في حلها و عدم تعقيدها ، و ننشر ثقافة السكينة في انفسنا و بيوتنا و مجتمعاتنا ، و نساهم في ثقافة السكن و الراحة و الطمأنينة .

القاعدة الخامسة : الأسرة أساس البناء.

عندما نتخيل بأن المليارات من البشر و التي تدب على الأرض في كل يوم ، ، ثم نرجع بذاكرتنا إلى ملايين السنين لنتذكر من كانوا يعمرون الأرض إلى اليوم ، ثم نتأمل أن الجميع كانوا من اسرة واحدة و بيت واحد يتكون من رجل و زوجته ، ندرك حينها كثيراً قيمة هذه الأسرة و أهميتها ، ندرك بان الأسرة هي أساس بناء المجتمعات و رقيها ، مما يحتم علينا الحفاظ على هذا الأساس المتين و رعايته ، و ما زالت الأمم و الشعوب على اختلاف مذاهبها و أديانها تعتني بهذه الأسرة و تحرص عليها ، و تسوسها و تحيطها بسياج من القداسة و الهالة ، حتى جاءت حضارة هذا القرن التي تسعى لتقويض الأسرة و تفريغ البيوت منها ، ليعيش الناس حياة البهائم و الوحوش ، يفترس القوي الضعيف ، و يعيش كل من اجل نفسه فقط ! إنها جريمة في حق البشرية قد استوفت جميع أركانها ، و قتلت صفات العفة و الأخلاق و السكن و الطمأنينة ، فأي جناية ارتكب هؤلاء ! بقلع هذه الأساس المتين و تقويضه ، و فرض واقع بلا أساس و لا بناء ، ثم يتبجحون بعد ذلك بالحرية الشخصية التي تنبذ الأسرة و تعزز ثقافة الفرد.
فقصة آدم أعطتنا درساً بليغاً واقعياً ملموسا ، على مكانة الأسرة و أهميتها في النمو و الارتقاء و البقاء .

القاعدة السادسة :العفة و ستر العورات


فالعفة و ستر العورات هي من الغرائز المستقرة في النفوس ، و هذا من رحمة الله بعباده ، لأن الأجساد إذا تعرت ، و العفة إذا تهكتت ، فإن الناس ينفضون حينئذ لباس الأدميين ، و يتلفعون بلباس الوحوش و الذئاب المسعورة ، و تراهم يجوبون الأرض من أجل المتعة المحرمة ، و اللذة الفانية ، و تهدم حينها القيم ، و تموت المبادئ ، و تتفكك الأسر ، و يبقى كل يطارد وراء لذته و شهوته ، فأي حياة هذه الحياة ! و أي طعم لها مع هذا الجو الصاخب المزعج !

إن نزع اللباس له عدة صور و أشكال ، فقد يكون بالقصير و الشفاف و الضيق و تفصيل العورات و عروض الأزياء ، و ما ذاك إلا امتداد لأسلوب الشيطان و طريقته حين كشف عن عورة آدم و حواء في الجنة (يَنْـزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ) و اللذان ابتدرا (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ) ليسترا عوراتهما التي سعى الشيطان في كشفها ، مما يضعنا أمام طريقين لا ثالث لهما إما طريق الأنبياء من الستر و العفة ، و إما طريق الشيطان من التجرد و العري و التهتك ، فلا بد أن يكون المجتمع حارساً على قيمه و مبادئه ، و أن يكون سيره على طريق الأنبياء ، ابتداء من أبيهم آدم الذي أعطتنا قصته المبادئ الأساسية لسير الأفراد و المجتمعات .

و أخيراً فهذه وقفات مع هذه القصة المباركة ، عسى الله أن ينفعني بها و إخواني المسلمين بفضله و منته و صلى الله على نبينا محمد .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

منوعات الفوائد

  • منوعات الفوائد
  • الصفحة الرئيسية