اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Minute/748.htm?print_it=1

تلقي الفتاوى و الأحكام الشرعية من برامج و مواقع التواصل الاجتماعية

سعيد آل يعن الله


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و آله و صحبه و بعد

فقد أنعم الله جل وعلا علينا في هذا الزمان بنعم لا تُعد و لا تُحصى، و منها أن هدانا لتحصيل العلوم المفيدة في مختلف المجالات، و التي ساهمت في تطوير نُظم الحياة و سهّلت على الإنسان الكثير من مشاقها، حتى استطاع الإنسان بفضل الله جل وعلا أن يجعل العالم الكبير المترامي الأطراف؛ كالقرية الصغيرة التي لو نادى شخص في طرفها أجابه صاحبه من طرفها المقابل دون مشقة أو عناء، حيث سهلت التكنولوجيا الحديثة عملية التواصل و تبادل المعلومات بين الناس عبر الكثير من الوسائل و الطرق؛ و التي كانت ولازالت في تطور مستمر حتى أصبح الإنسان يتجاوز آلآلف الكيلومترات بجواله عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي و البرامج التابعة لها دون أن يغادر مكانه فلله الحمد و لله المنّة.

إن نفع و ضرر هذه البرامج و المواقع و غيرها من وسائل التكنولوجيا الحديثة مرتبط باستخدام الإنسان لها، فإن استخدمها فيما ينفع فلها أجرها و إن استخدمها فيما يضر فعليه وزرها والله المستعان.

و إن من الاستخدامات الخاطئة التي يقع فيها الكثير من المسلمين دون الشعور بخطأ هذا الاستخدام هو تبادل الفتاوى و المعلومات الدينية و الأحكام الشرعية؛ دون التحقق من صحتها و التأكد من موثوقيتها و سلامة مصدرها و خلوها من الدسائس و الخرافات و البدع التي قد تؤثر سلباً على عقيدة المسلم أو على الأحكام المتعلقة بعبادته دون أن يعلم، إذ إن ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – من القرآن والسنة، وما فيهما من بيان للحلال والحرام، والأخلاق والآداب، والحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه من العقائد، والمعاملات، هو العلم الشرعي و هو مصدر الأحكام الشرعية، و التي يجب أن يتلقاها المسلم من العلماء الربانيين و أهل العلم الثقات، ممن هم أهل ثقة في علمهم و دينهم، وشهد لهم بذلك علماء المسلمين وعامتهم.

و الواجب على المسلم إذا جهل شيئاً من أمر دينه أو استشكل عليه شيء فيه؛ أن يسأل أهل العلم والاختصاص الذين عُرفوا بعلمهم ودينهم و ورعهم؛ فإن الله جل وعلا أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث، قال تعالى:( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون ) قال الإمام القرطبي رحمه الله : [ لم يختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأنهم المراد بقول الله عز وجل: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، ولم يختلفوا أن العامة لا يجوز لها الفتيا لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم]، و على المسلم كذلك؛ أن يمتثل في ذلك أمر النبي - صلى الله عليه و سلم - القائل: ( ألا سَأَلُوا إذا لمْ يَعلَمُوا فإنَّما شِفاءُ العِيِّ السًُّؤالُ ) صححه الألباني في صحيح الجامع، و أن يقتدي بعلماء الأمة من السلف و الخلف في تلقي العلم الشرعي و الأحكام الشرعية عن أهل العلم و الإختصاص، فقد قال الإمام النووي رحمه الله : [ و لا يَتَعلم إلا ممن تكملت أهليته و ظهرت ديانته و تحققت معرفته و اشتهرت صيانته فقد قال محمد بن سيرين و مالك بن أنس و غيرهما من السلف { هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم )].

إن الإنسان إذا استشكل عليه شيء من أمور دنياه سواء في صحته أو ماله و نحوها سأل أهل العلم و الاختصاص في ذلك الأمر؛ و تقصى في البحث لتحصيل أفضل النتائج و أصدقها، ولا خلاف في صحة ما ذهب إليه، و لكن العجب ممن يأخذ أمور دينه ممن هب ودب، فصار كحاطب ليل لا يبالي ماذا يأخذ و لا عمن يأخذ، وهذا من أعجب العجب!! إذ أن أعظم نعمة أنعم بها المولى جل وعلا على عباده هي نعمة الدين، فهي أغلى من صحته و ماله و دنياه قاطبة، فلو فَقَدَ الإنسان كل النعم في الحياة؛ فلا يُعتبر خاسراً إلا إذا افتقد نعمة الدين فقدْ خسر كل شيء،
و العجب!! كيف يتحرى الإنسان أقصى درجات الصحة و الموثوقية في أمور دنياه و يتساهل في تلقي أمور دينه -الذي هو أغلى ما يملك-عبر مواقع الإنترنت و برامج التواصل الاجتماعي و نحوها.

وفي الختام فإن الإنسان المسلم المحب للخير قد ينشر مثل تلك المعلومات أو الفتاوى طلباً لتحصيل الأجر و نشر الخير بين الناس، و لكنه قد يقع في الإثم و نشر البدع و المخالفات الشرعية و هو لا يعلم، ولذلك فإن الدور الواجب على المجتمع المسلم في طريقة التعامل الصحيحة مع تلك الأحاديث المكذوبة و الفتاوى المجهولة و المعلومات المغلوطة -التي يسعى أهل البدع و المنحرفون عن الدين الصحيح لنشرها بين المسلمين عن طريق تلك البرامج و المواقع ليفسدوا عليهم دينهم- أن يردوها إلى أهل العلم و يسألوهم عنها و لا يتلقونها بالقبول إلا بعد قبول أهل العلم لها، و ألا ينشروها إلا بعد التثبت منها، بل يجب علينا جميعاً الاحتساب على من نشرها و الإنكار عليه، و التواصي فيما بيننا بعدم نشرها والتحذير من ذلك.
وصلى الله و سلم على نبينا محمد و آله و صحبه


كتبه: سعيد آل يعن الله
خميس مشيط

 

منوعات الفوائد