بسم الله الرحمن الرحيم

عندما نختلف أو يظهر لنا قول أو فعل من أحد هل ننتقد ؟؟


الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على المبعوث رحمة للعالمين و على آله و صحبه و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .... أما بعد
نظرا لأهمية هذا الموضوع و غفلة كثيرا ممن يكتب في النقد للقواعد و الآداب الشرعية لهذه المسألة أحببت التنبيه على بعض النقاط فيها و قبل الدخول في الموضوع لابد من مقدمة بين يديه :
لما انتشرت مؤلفات علماء المسلمين المحتوية على سنة سيد المرسلين صلى الله عليه و سلم و على الأحكام الشرعية تفشت القراءة و كثر القراء و هذا الأمر مع أنه نعمة من نعم المولى عز وجل إلا أنه قد يكون سببا للانحراف عن الحق و ذلك إذا تصدى الناس بسبب انتشار الكتب بينهم للنظر في النصوص دون معرفة بأصول النظر و قواعد الاستنباط ودون معرفة بعوارض الأدلة و طرق دفع التعارض و أساليب الترجيح  .

فعن ابن عباس قال قدم على عمر رجل فجعل عمر يسأله عن الناس فقال يا أمير المؤمنين قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا فقلت والله ما أحب أن يسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة قال فزبرني عمر ثم قال مه فانطلقت إلى منزلي مكتئبا حزينا فقلت قد كنت نزلت من هذا بمنزلة ولا أراني إلا قد سقطت من نفسه فاضطجعت على فراشي حتى عادني نسوة أهلي وما بي وجع فبينا أنا على ذلك قيل لي أجب أمير المؤمنين فخرجت فإذا هو قائم على الباب يتنظرني فأخذ بيدي ثم خلا بي فقال ما الذي كرهت مما قال الرجل انفا قلت يا أمير المؤمنين إن كنت أسأت فإني أستغفر الله وأتوب إليه وأنزل حيث أحببت قال لتخبرني قلت متى ما يسارعوا هذه المسارعة يحتقوا ومتى ما يحتقوا يختصموا ومتى ما اختصموا يختلفوا ومتى ما يختلفوا يقتتلوا قال لله أبوك لقد كنت أكتمها الناس حتى جئت بها . سير أعلام النبلاء 3 /349

و من هنا يكثر القراء و يقل الفقهاء و العلماء
. خرج الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سيأتي على أمتي زمان تكثر فيه القراء وتقل الفقهاء ويقبض العلم ويكثر الهرج قالوا وما الهرج يا رسول الله قال القتل بينكم ثم يأتي بعد ذلك زمان يقرأ القرآن رجال لا يجاوز تراقيهم ثم يأتي من بعد ذلك زمان يجادل المنافق الكافر المشرك بالله المؤمن بمثل ما يقول هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه المستدرك 4 / 504
قال الشيخ حمود التويجري رحمه الله : [ و قد ظهر مصداق هذا الحديث في زماننا فقل الفقهاء و العارفون بما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه و سلم و كثر القراء في الكبار و الصغار و الرجال و النساء بسبب كثرة المدارس و انتشارها ] اهـ . إتحاف الجماعة 1 / 418
أخي الكريم هناك بون شاسع بين القاريء للعلوم الشرعية و الفقيه فيها فالقاريء لديه نتف و جزئيات أمسك بها من خلال قراءته و اطلاعه على أقوال أهل العلم فهو لم يعان العلم و لم يشافه العلماء و لم يزاحم بالركب في الحلق قال الخطيب البغدادي [ قد رأيت خلقا من أهل هذا الزمان ينتسبون إلى الحديث ويعدون أنفسهم من أهله المتخصصين بسماعه ونقله وهم ابعد الناس مما يدعون واقلهم معرفة بما إليه ينتسبون يرى الواحد منهم اذا كتب عددا قليلا من الأجزاء واشتغل بالسماع برهة يسيرة من الدهر انه صاحب حديث على الإطلاق ولما يجهد نفسه ويتعبها في طلابه ولا لحقته مشقة الحفظ لصنوفه وأبوابه ....
وهم مع قلة كتبهم له وعدم معرفتهم به أعظم الناس كبرا واشد الخلق تيها وعجبا لا يراعون لشيخ حرمة ولا يوجبون لطالب ذمة يخرقون بالراوين ويعنفون على المتعلمين خلاف ما يقتضيه العلم الذي سمعوه وضد الواجب مما يلزمهم ان يفعلوه ] الجامع لأخلاق الراوي و آداب السامع 1 / 75 . 77
و العلماء لا يقفون عند حد في التعلم بل هم دائما في الطلب و التحصيل لم تشغلهم سفاسف الأمور عن ما ينفعهم .
سئل الإمام عبد الله بن المبارك إلى كم تكتب الحديث ؟؟؟ فقال رحمه الله : [ لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أسمعها بعد ]
و لما سئل الإمام أحمد رحمه الله إلى متى يكتب الرجل الحديث ؟؟؟ قال : [ حتى يموت ]
و هناك الكثير من هذه الأقوال التي تدل على مدى حرصهم رحمهم الله على العلم النافع .

و أما كثير من الأخوة هداهم الله قد شغلوا أنفسهم بأمور والله إنها لكبيرة و أحل بعضهم لنفسه الغيبة في أعراض المسلمين و هو لا يحسن الضروري من دينه ، ذكر الخطيب البغدادي قصة عن احمد بن على الابار قال [ رأيت بالأهواز رجلا حف شاربه وأظنه قد اشترى كتبا وتعبأ للفتيا فذكروا أصحاب الحديث فقال ليسوا بشيء وليس يسوون شيئا فقلت له أنت لا تحسن تصلى قال أنا قلت نعم قلت أيش تحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتحت الصلاة ورفعت يديك فسكت فقلت وأيش تحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضعت يديك على ركبتيك فسكت قلت أيش تحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجدت فسكت قلت مالك لا تكلم ألم أقل لك انك لا تحسن تصلى أنت انما قيل لك تصلى الغداة ركعتين والظهر أربعا فالزم ذا خير لك من أن تذكر أصحاب الحديث فلست بشيء ولا تحسن شيئا ] الكفاية في علوم الرواية ص 4 ـ 5
و بعض الإخوة هداهم الله يأخذ قول من أحب و يترك قول من أحب فيقول هذا للأحكام و الفروع و هذا للخلافة و قضايا الحكام فلو قلت له لما لا تأخذ من هذا أيضا الجزئيات فيقول
ذاك أعلم منه أقول و عجبي منه لا ينقضي الذي لا يحسن الفروع كيف يحسن الأصول و هذا من الهوى المتبع و كذلك ما أبتلينا به من المولاة و المعاداة لأجل الشيوخ  .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : [ و من نصب شخصا كائنا من كان فوالى و عادى على موافقته
في القول و الفعل فهو [[ من الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا ]] و إذا تفقه الرجل و تأدب بطريقة قوم من المؤمنين مثل أتباع الأئمة و المشايخ فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم العيار فيوالي من وافقهم ويعادي من خالفهم فينبغي للإنسان أن يعود نفسه التفقه الباطن و العمل به فهذا زاجر .
و كمائن القلوب تظهر عند المحن و ليس لأحد أن يدعو إلى مقالة أو يعتقدها لكونها قول أصحابه و لا يناجز عليها بل لأجل أنها مما أمر الله به و رسوله ] الفتاوى 20 / 8 ـ 9
و قال رحمه الله  : و ليس لأحد أن ينصب للعامة شخصا يدعو إلى طريقته و يوالي و يعادي عليها غير النبي صلى الله عليه وسلم و لا ينصب لهم كلاما يوالي و يعادي غير كلام الله ورسوله و ما اجتمعت عليه الأمة بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصا أو كلاما يفرقون به بين الأمة يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة و يعادون ] الفتاوى 20 / 164
و مما زادنا في المصيبة أن كثيرا من الشباب هداهم الله لم يأخذوا العلم بالطريقة التي كان عليها سلفنا الصالح فلا يجدي الأخذ عن الكتب فقط بل الاقتصار على الأخذ من الكتب بلية من البلايا .
يقول الشافعي رحمه الله [ من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام ] تذكرة السامع ص 87
و كان بعض السلف يقول : [ من أعظم البلية تشيخ الصحيفة ] تذكرة السامع ص 87

و مما ينبغي التنبيه له أن التصدر و الكلام في مسألة مهمة ينبغي الورع فيه قال ابن أبي ليلى رحمه الله  : [ أدركت عشرين و مائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا و هذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول ]
و عن الأعمش قال [ جهدنا بإبراهيم حتى نجلسه إلى سارية فأبى ] رواه الدارمي 1 / 108
بل إن من صفات علماء السلف قلة الكلام
قال الحسن رحمه الله : [ إن الرجل ليجلس مع القوم فيرون أن به عيا و ما به من عي إنه لفقيه مسلم ] رواه أبو خيثمة في كتاب العلم ص 20
أحبتى الجاهل لا يعرف رتبة نفسه فكيف يعرف رتبة غيره !!!
قال الذهبي رحمه الله : [ قال ابن عقيل من عجيب ما سمعته عن هؤلاء الأحداث الجهال انهم يقولون أحمد ليس بفقيه لكنه محدث قال وهذا غاية الجهل لأن له اختيارات بناها على الأحاديث بناء لا يعرفه أكثرهم وربما زاد على كبارهم
قلت احسبهم يظنونه كان محدثا وبس بل يتخيلونه من بابه محدثي زماننا ووالله لقد بلغ في الفقه خاصة رتبة الليث ومالك والشافعي وأبي يوسف وفي الزهد والورع رتبة الفضل وابراهيم بن ادهم وفي الحفظ رتبة شعبة ويحيى القطان وابن المديني ولكن الجاهل لا يعلم رتبة نفسه فكيف يعرف رتبة غيره ؟؟!! ] السير 11 / 321

ولكن الجاهل لا يعلم رتبة نفسه فكيف يعرف رتبة غيره ؟؟!!
و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم

محبكم أبو بثينة
شبكة أنا المسلم

الصفحة الرئيسة