الصفحة الرئيسية

كتب

رسائل

فتاوى

قصائد

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أقزام على أكتاف العمالقة


الحمد لله محق الحق ومعليه وقامع الباطل ومتبعيه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فمن المعلوم أنه تطيف بالمرء أحياناً لحظات ساكنة وتمر به دقائق هادئة ، يسترخي فيها بدنه وترتاح فيها نفسه، بإلقاء المنغصات الخارجية وطرح العراقيل الجانبية، فيسرّح فكره في الآفاق فتنصب عليه خواطر متباعدة الأنحاء، وتنهال إليه أفكار مترامية الأرجاء، تتقاطع بعضها مع بعض في باله ويتشابك أولها بآخرها في خياله، فيدع البعيد جانباً ويتفكر بالقريب وهي النفس { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } .
فيجد الدارس لما تحويه حنايا النفوس والفاحص لما تحمله طواياها أن من عجائب ماجبلت عليه النفوس الشريفة وغرائب ما تربت عليه الضمائر النبيلة ، طبيعة الكراهية وجبلة التقزز مما يكون حولها من بعض الحشرات المكروهة، فلا تطيق النظر إليها، ولا تحتمل وصفها ولا تصبر على ذكر مجمل لها .
وهذه المخلوقات ـ التي خلقها الله لحكمة بالغة ـ كثيرة منها ما يدب على وجه الأرض ومنها ما يطير في جو السماء، لا يفكر عاقل أن يمتع نفسه بالنظر إليها ـ إلا لعارض ـ ولكن ضرب من هذه الحشرات تأتي بعض الأوقات فتجبر الناس و تقصرهم بالنظر إليها، ذلك بدوران دائم وجولان مستمر، حول مأكل شهي أو بالقرب من حمى مشرب نقي فيحاول الناس دفعها عن هذه المائدة النظيفة المحفوفة بكل طريفة ، لئلا تلوثها بما تحمله من الأقذار، وهي تأبى إلا متابعة الهجوم ومعاودة الاقتحام .
أو تجد هذا النمط من الحشرات القبيحة المنظر، تلقي بنفسها على معالم مشهد رائع ، قد جذب الأنظار إليه وسمرت العيون عليه، فتُلزم الناظرين بالنظر إليها لا لأنها حشرة مبغضه، ولكن لأنها صارت فوق هذا المنظر الجذاب وعلت هذا المشهد الخلاب .
هذه الحشرة لا يشترط أن تكون مما وصف سلفاً، وهذا الطعام الشهي والمنظر البهي لا يلزم أن يكون مما تعارف عليه الناس وتواردت عليه أفهامهم ... كلا .. قد تكون هذه الحشرة ممن يتكلم بلساننا وينطق بلغتنا !! ... وهذه المآكل والمشارب قد تكون قوتاً للقلوب لا للأبدان .. . والمنظر البهي قد يكون مما يسر البصائر مع الأبصار ... أن مما يجلي رموز الكلام ويحل إشكال المقام ضرب مثال يستشف به ما وراءه ... وينظر من خلاله ما وراء الستار ..
الكل يعرف الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فهو شخص عبر اسمه الإصلاحي مرادفاً لدعوته القارات وانتفع من موائد علمه الكثير ، وهدى الله بسبب دعوته الجم الغفير ، لا يمكن لأحد أن يجادل في هذه الحقيقة ولا يتأتى لإنسان أن يماري في هذه الواضحة، ذلك أن الدليل يعْوزه والبرهان يعجزه، هذا الإمام الداعية الكبير كثيرٌ هم الأقزام ـ في قديم الدهر وحديثه ـ الذين يريدون أن يقفزوا على كتفه الشامخه ، ليروا من بعيد؛ شأنه شأن غيره من أعلام الهدى ومصابيح الدجى .
وفي هذه الأيام وصلت إليَّ سخافات تمثلت بين يدي بوريقات ، لأحد من يقفو جاهداً أثر هؤلاء الأقزام والجهلة الطغام ، الذين هوو في معامع الطريق وضلوا في مهامه السبيل ، وهذه سنة تتكرر {إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنا على آثارهم مقتدون} {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون } .
من هؤلاء الهالك حسن بن فرحان (1) المنتسب إلى بني مالك وهو بالقبح شهير وبالحزن جدير إذ خامرت عقله فكرة البروز على كتف هذا العملاق ، فمدَّ يداً مشلولة قصيرة لينال غاية رفيعة بعيدة، ذلكم حينما ركب رأسه وأطاع وسواسه ، بإخراج وريقات ينقض بزعمه كتاباً طالما تنافس المتنافسون بالظفر به وكم ساهم المساهمون للحصول عليه، كيف لا وقد كال العلماء الربانيون له الثناء كيلا، واعتبروه نهاراً ومخاصمه ليلا ً .

قال عنه العلامة محمود شكري الألوسي رحمه الله وقد رأيت رسالة مختصرة صنفها العلامة أبو عبدالله الشيخ محمد رحمه الله سماها كشف الشبهات، أودعها نبذة من ذلك، وهي على اختصارها نافعة جداً لطالب الحق، فأحببت إيراد شيء منها إتماماً للفائدة . (2)
إلى أن قال وما نقلناه عن الشيخ كلام مفيد لذوي البصائر والأفهام . (3)
ويذكرنا بفعله هذا ما قاله ابن عساكر رحمه الله وقلَّ ما أنفك عصر من الإعصار من غاوٍ يقدح في الدين ويغوي إبهاما، وعاوٍ يجرح بلسانه أئمة المسلمين ويعوي إيهاما . (4)
وقد زحف هذا الغوي إلى كتاب الشيخ بما حطب في ليله، وقمّش في غثاء سيله، فنافح عن المشركين وجادل بجهل مطبق عن الكافرين، وهنا أنقل أحد مواقف الذين يجادل عنهم هذا الجهول قال ابن سحمان رحمه الله ومن عجيب مر هؤلاء الغلاة ـ الذين يدافع عنهم المالكي ـ ماذكره حسين بن محمد النعيمي اليماني في بعض رسائله أن امرأة كف بصرها فنادت وليها أما الله فقد صنع ما ترى ولم يبق إلا حسبك . (5)
وسبحان الله العظيم فإن كتاب هذا الدويبة تنبو عن قبوله الطباع وتتجافى عن سماعه الأسماع، إذ أنه كلام بمثله يتسلى الأخرس عن بكمه ويفرح الأصم بصممه، إذ أنه أثقل على النفوس من الجندل وأمرُّ في الأفواه من الحنظل، سطَّر فيه ما يخبر عن عقل سخيف وينبئ عن جهل كثيف ، بل كشف طوية معلولة وعقيدة مدخولة ، فأظهر مكنون شقاقه وهتك الحجاب عن نفاقه، وتلبس بالملة الابليسيه وتسربل بالنحلة المجوسيه ، وتقوقع في مستنقع الفرقة الرافضية .
وهذا الكتاب الذي سطره وبقلة وعي أصدره، وعن غرور أظهره كشف عن مساويه وأسفر عن صدق رأينا فيه، إذ الأيام مازالت تنقل سفاتج جهله وخرقه والأخبار تورد نتائج سخفه وحمقه، وكم لهذا الوغد من مقال ركب فيه أضاليل الهوى وأباطيل المنى، وكم له من موقف يعلن عليه بأنه شرب كأس الجهالة واستوطأ مركب الضلالة .
وما مثله ومثل (6) الشيخ إلا كمثل شخص قائم يخطب في فئام من الناس، بألفاظ كنور الأشجار ومعان كما تنفست الأسحار، جرَّ القلوب إليه بفصاحته وأسر الأفئدة بين يديه ببلاغته، العيون به محدقة والآذان لكلامه مصغية فالكل بكلامه مرتبط وبلقائه مغتبط، وفي الجموع الحاضرة العالم بالتفسير والنابغ بالحديث والنابه في الأصول والمدرك في التوحيد والعقيدة والمجيد لفنون اللغة والمفلق في سائر العلوم الكل يدرك فائدة الكلام ويعي تماماً المرام فبينما هم كذلك إذ بجلبة وصوت متداخل ... وحركة وكلام متقاطع ... فلفت بهذيانه أنباه بعض من حوله، فالتفتوا إليه فرأوه معتوهاً أراد مقاطعة المتكلم ... فحق لهم بعد النظر الرجوع للإنصات والاستفادة وترك الالتفات، وحق السقيم على الصحيح الإمساك به وإيداعه أقرب المصحات النفسية علَّ الله أن يكتب له الشفاء .
وإنني حينما سمعت أولاً بأن أحداً عارض الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ثم علمت بعد ذلك من المعترض تذكرت ما يمر بالإنسان من مواقف طريفة والتي ربما يكون منها ما يحصل في بعض الليالي اللاتي يغطيهن حندس الظلام ، فصارت كجناح غراب أو شعر شاب ، بل هي ليلة تجدها من الغبش كأنها موكب حبش ، في هذه الليلة يحس المرء بصوت مريب ويشعر بشيء غريب، فتتساوره الغموم وتعانقه الهموم ، فيظن أنه عدو صائل ولا يشك أنه أمر هائل ، فيشتكي السلاح و يحتفز للنزال وهو يرى أن الأمر جد عظيم، فيفاجأ بأن الذي أقامه وأجراه على أقدامه أحد خشاش البيت المألوفة ... قطة تمارح ولدها ... أو فأر أحس بالسكون فطمأن بالتجوال .
وإني لأظن أن هذا الظالم الحسود ، قد رمى بنفسه بين مخالب الأسود من ذوي الشهامة والديانة من آل الشيخ وآل سعود ، إذ أنه بفعله هذا استبطأ الأجل فقرع برأسه الجبل وتعرّض لاجتلاب البلية وتحكك باجتذاب المنية ، وقد قيل النملة إذا دنى اجتياحها نبت جناحها، ألم يعلم أي حيف تورط وأي شر تأبط، وما أشر هذا الوغد إلا يوم انست وحشته وما غدر إلا يوم صفت عيشته، فحسب أن الغنم في الكفران والكنود وظن أن الثعالب تسطوا في مرابض الأسود ، فما دام أنه طار بجناحه إلى موضع اجتياحه، فلتنزل به فاقرة من الانتقام تسقط الهام على الأقدام، تجعله مثالاً لأمثاله وآية لأشكاله .
قال ابن سند رحمه الله :

يا معهد الزيغ لاحياك مبتكر
ولا انبنى فيك فسطاط السعود ولا
ولا عداك البلى في كل آونة
إذ أنت دمنة خبث طالما رتعت
من كل من خبثت منه ضمائره
رأى خيار الورى طراً فجانبهم
وصار يرميهم منه بكل هجا
وماعلى العنبر الفواح من حرج
أوهل على الأسد الكرار من ضرر
أوهل على الأنجم الخضراء منقصة
فلا وربك لايزري بشمس ضحى
وقد يعيب الفتى من ليس يدركه
كما يعيب فتاة راق منظرها
والزج يحسد لؤماً خرص سمهره
فلا يضر أولى الفضل الاؤُلى سبقوا
مثل الأسنة والأسياف مابرحت
من السحاب ضحوك البرق منهمل
أقيم فيك لابـكـار الرضـا كـلل
حتى تزول الجبال الشم والقلل
فيها من الحمر الأهلية الهمل
إذا انقضى دخل منها أتى دخل
كذا بجانب ارباب العلى السفل
وماعلى البدر لو أزرى به طفل
إن مات من شمه الزبال والجعل
أن ينهق العير مربوطاً أو البغل
إن عابها من حصى الغبراء منجدل
أعابها الجدي أم قد عابها الحمل
إذ كل ضد بذم الضد مشتغل
قبيحة ويعيب الصائب الخطل
كذاك يهجو الشجاع الباسل الفشل
من صحب خير الورى أن ذمهم سفل
بطعن أعدائهم والضرب تنصقل

وأخيراً أقول إنني لم أرد عليه برد مفصل، فيما قعقع به شنانه وجعجع به لسانه لأن النيف (7) لا يهتز لخريق (8) ، وقد سبق أن فضحته وبمثمانين صفحة صفعته ، وهو رد (9) يروع المقدام ويدحض الأقدام ، وكيف لا يكون كذلك والهشيم لا يثبت لنسيم فكيف بالريح العقيم ، ومن طريقة النبيه أن لا يضيع الوقت بمتابعة السفيه قال الشاعر :
وإذا بليت بجاهل متجمل *** يجد المحال مـن الكـلام صـوابا
أوليته مني السكوت وربما *** كان السكوت عن الجواب جوابا
خاصة أن ما نازع عنده لا يحتاج إلى دليل .
وليس يصح في الأذهان شيء *** إذ احتاج النهار إلى دليل
مع أنني لا أظنه يعدم من أحد يرد بالدليل ويظهر به ما تقوله من الأباطيل.

وفي الختام :
أقول وأقسم أني أعي ما أقول إن الإغلاظ على هؤلاء الأجلاف الغلاظ أمر أراه ولا أتخطاه بحول الله إلى سواه وقد قررته ولله الحمد بكلام سابق (10) وتفصيل لاحق (11) ، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

وكتـب
سليمان بن عبد الله البهيجي

-------------------
(1)  وقد وسمه بالعار وكشفه في رائعة النهار الشاعر النحرير الذي تعود الاقدام والنابه الملثم الذي يرى الاحجام عاراً لاتمحوه الليالي والأيام وذلك في قصيدته العصماء (الجاهضة لجنين الرافضة) والتي هي بحق على العدو بلاء واقع بل سم ناقع ولعل صاحبها يتحفنا لها  بمرادفه بمناسبة هذا العدوان .
(2)  غاية الأماني 1/289
(3)   1/300
(4)  تبيين كذب المفتري . 
(5)  الصواعق المرسلة الشهابيه ص11 .
(6)  من المعلوم لدى أهل العقول والفهوم أن الأمثال وردت في القرآن كثير وقد فسّر ابن القيم رحمه الله في كتبه جملة منها جمعه بعضهم فصار مجلداً رائقاً ، وكذلك السنة فيها الكثير من الأمثال حتى أفرد بعضهم ذلك بكتاب منهم الرامهرمزي وأبو الشيخ وغيرهما واهتم العلماء في الأمثال حتى إن ابن القيم رحمه الله في كتابه عدة الصابرين ضرب مايربو على خمس وعشرين مثالاً لحقارة الدنيا فضرب الأمثال مطلوب وسبيله سبيل مرغوب إذا حف بضوابط شرعية والله أعلم .
(7)  الجبــل .
(8)   الريـح .
(9)   هو اضرام النيران ببعض ضلالات حسن بن فرحان .
(10)  وذلك في فصل من مقدمة كتاب [ الاستنفار لمحق القول بفناء النار] وهو متداول مصوراً .
(11)  وذلك ضمن كتاب [تيسير القوي العزيز لحطم كتاب التعزيز] يسر الله إتمامه .

إذا أردت الاحتفاظ بهذه المادة فاضغط هنا بزر الفأرة الأيمن ثم أختر حفظ باسم

 

شبكة أنا المسلم

شبكة الإسلام اليوم صيد الفوائد مواقع إسلامية

أنصار الحسين

حقيقة الأحباش