صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خطبةٌ بعنوان: اتَّبِعوا ولا تبتدعوا

د.محمد بن عبدالرحمن العريفي

 
الخطبة الأولى :

إنِ الْـحَمْدَ لِله، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِالله مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
‏‪قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ)‪.
قال تعالى ‬(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)‪.
قال تعالى ‬(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًايُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أما بعد أيها المسلمون:

أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي ﷺ قال من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رَدٌ " وفي رواية لمسلم : "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدٌ ".

وأخبـر النبي ﷺ أن البدعَ شرُ الأمور، وأن كل بدعة ضلالة، فعن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ يقول في خطبته يوم الجمعة: "فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" أخرجه مسلم في الصحيح.

وصاحب البدعة قد شرع أمراً من عند نفسه لم يأذن به الله، وقد حذر الله من ذلك في قوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

ومن أشهر البدع وأظهرها: الاحتفال بمولد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أو الاحتفال بمولد غيره من الأولياء والصالحين وذلك كله من البدع الدين .. لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم .. ولا الصحابة الكرام .. ولا تابعوهم بإحسان رضي الله عنهم أجمعين.

وإحداث مثل هذه الموالد يُفهم منه أن الله لم يكمل الدين .. حتى جاء المتأخرون فأحدثوا عباداتٍ زعموا أنها تقربهم إلى الله .. وهذا اعتراض على الله ورسوله .. وقد قال ربنا تبارك وتعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}.
فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله .. لبيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة ..

وقد صرح العلماء بإنكار الموالد والنهي عنها .. لأنها عبادة مبتدعة محدثة ..
ويتأكد النهي عن تلك الموالد إذا وقع فيها غلو في الرسول صلى الله عليه وسلم .. واختلاط النساء بالرجال .. أو استعمال آلات الملاهي .. فإن أمرها حينئذ أشد، والنهي عنها آكد.

بل إنه قد يقع في بعض تلك الموالد شيء من الشرك بالله، كدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم .. والاستغاثة به .. وطلبه المدد .. واعتقاد أنه يعلم الغيب .. ونحو ذلك من الأمور ..
كما يردد بعضهم قول البوصيري في قصيدته الموسومة بالبُردة:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ بهِ --- سواك عند حدوث الحادث العممِ

إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي --- صفحاً وإلا فَقُلْ يا زلة القدمِ

فإن من جودك الدنيا وضرتها --- ومن علومك علم اللوح والقلمِ


وهذه الأوصاف: علم الغيب .. والمغفرة يوم القيامة .. والتحكم في الدنيا والآخرة .. لا تصح إلا لله الذي بيده ملكوت السموات والأرض ..
وهذه المنكرات مع بالغ الأسف تقع في بعض الاحتفالات بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن قال قائلٌ: إن هذه الموالد يُذكر فيها هديُ الرسول ﷺ .. وتُقرأ سيرته .. ويُصلى ويُسلم فيها عليه.
قلنا: نعم .. هذا كلام حسن .. وتلك أمور طيبة مستحبة في أصلها، ونبينا الكريم ﷺ أحق خلق الله كلهم بالمدح والثناء والتوقير والتقدير، بل إنه والله أحب إلينا من أولادنا وأموالنا، بل ومن أنفسنا، ولا يكتمل إيمان العبد إلا بذلك، ولكن المشروع أن نذكره ونهتم بسُنته وسيرته دائماً من غير تحديد موعد معين كل سنة .. فيُذكر النبي صلى الله عليه وسلم على المنابر .. وفي المحاضرات .. وفي المجالس العامة .. وغيرها ..
وقد قال تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول)
وقد رَدَدْنا الاحتفال بالموالد إلى كتاب الله فوجدناه يأمرنا باتباع نبينا .. ويخبرنا بأن الدين كامل ..
ورَدَدْنا الاحتفال بالموالد إلى سُنة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم نجد فيها أنه فعله ولا أمر به ولا فعله أصحابه .. فعلِمنا أنه ليس من الدين .. بل هو من البدع المحدثة ..

ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعل الموالد ويحضرها من الناس .. قال تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}.

ومن العجائب أن بعض الناس يجتهد في حضور الاحتفالات المبتدعة .. لكنه يتخلف عن الجُمع والجماعات .. نسأل الله العفو والعافية والهداية.

وبعض أولئك المحتفلين يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر المولد .. ولذا يقومون له مرحبين .. وهذا باطل .. فإن سيدنا ونبينا صلى الله عليه وسلم في قبره الآن .. لا يخرج منه قبل يوم القيامة، لكن روحه في عليين عند ربه تبارك وتعالى في دار الكرامة .. قال عليه الصلاة والسلام: (أنا سيِّدُ ولدِ آدمَ يومَ القيامةِ . وأوَّل من ينشقُّ عنه القبرُ ). رواه مسلم.

أما الصلاة والسلام عليه .. فهي من أفضل القربات وآكد المستحبَّات.. قال تعالى : {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}.
ونعلم جميعاً أنه لا يتم إيمان عبد حتى يحب الرسول صلى الله عليه وسلم .. ويعظمه .. ومن تعظيمه وتوقيره .. اتخاذه إماما متبوعاً .. فنتبع أمره وسنته ولا نتجاوز ما شرعه من العبادات ..
قال الله : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}‪.‬


حُبِّيَ الصادقُ أرجى عملي --- لنبيّ اللهِ أزكى الرسلِ
وصلاتي وسلامي ما شدا --- فوقَ غصنِ البانِ صوتُ البلبلِ
هو في قلبي وذِكْري دائما --- لا بيومٍ من ربيعِ الأولِ


‏‪اللهم أعِنَّا على اتّباع سُنة نبيك الكريم وشرّفنا بحُبه، واكتب لنا بذلك حُبك ومغفرتك يا غفور يا رحيم ‬

‏‪أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو العفو الحليم‬

‏‪الخطبة الثانية‬


الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

أما بعد أيها المسلمون:

فلا نعمة أعظم ولا أتم من نعمة الهداية إلى الإسلام واتباع سُنه خير الأنام، فبها النجاح في الدنيا، والنجاة في الآخرة.

فاجتهدوا رحمكم الله في تعلُّم أمور دينكم، وبلِّغوا رسالات ربكم، ومُروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وأبشروا بفضل الله ورحمته، وإحسانه وبركاته.

ثم اعلموا رحمكم الله أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه الكريم، فقال في مُحكَم التنزيل: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا﴾.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين.
اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم اصرِف عنهم الفتنَ ما ظهرَ منها وما بطَن، اللهم احقِن دماءَهم، واحفَظ أعراضَهم وأموالَهم، اللهم اصرِف عنهم شرَّ شِرارهم وكيدَ فُجَّارهم، ووحِّد كلمتَهم على الحق والتقوى والتوحيد يا ذا الجلال والإكرام.

عباد الله:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

د.محمد العريفي

  • كـتـب
  • محاضرات عامة
  • محاضرات نسائية
  • الصفحة الرئيسية