بسم الله الرحمن الرحيم

المجاهدون في أفغانستان
يعزون الأمة بوفاة شيخ المجاهدين في عصره


الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى ، له ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بمقدار ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، والصلاة والسلام على البشير النذير محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :-

إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، و إنا على فراقك أيها الإمام لمحزونون .

لقد فجعنا كما فجع كل مسلم بمصاب شيخنا الإمام حمود بن عقلاء الشعيبي ، فقد فقدنا إماماً صادعاً بالحق لا يخاف لومة لائم ، كان ذلك الجبل لا تهزه الرياح ولا ينال منه الأقزام ، كان يقول ما يعتقد ، كان يفتي بما يدين الله به لا يحابي أحداً ولا يرجو شيئاً من أحد إلا من الله تعالى ، نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله تعالى .

كان لذلك العالم مواقف يطول المقام بذكر بعضها ، فلم تكن تغيّبه قضية عن أخرى ، ولم يشغله منكر عن آخر ، كان كشمس رحمه الله ، تضيء على كل قضية كما تضيء الشمس على كل حي ، وهب وقته وجهده رحمه الله لهذه الأمة ، لم تحدده الأقاليم والحدود ، كما أن فتواه تصدر لما يحصل في بلاده فإنها أيضاً تصدر بنفس القوة ضد ما يحصل في بلاد المسلمين بل وفي كل أرجاء المعمورة ، فكما كان يفتي بقضايا الأمة العظام ويستنكر كل ما يحصل لأبناء الأمة في كل مكان ، فقد كان أيضاً يفتي بالمسائل الدقيقة التي لا يعرفها كثير من الناس .

وحق لكل من عرف الشيخ أن يقول عنه : ما غص أعداء الله ولا المنافقون في عصرنا برجل كما غصوا بهذا العالم النحرير ، لقد أقض مضاجع أهل النفاق والعلمنة والبدع ، ووقف سداً منيعاً أمام تغريبهم وفسادهم وإفسادهم ، لم يكل أو يمل من مواجهتهم أو التنديد بهم ، علّم الأمة معنى الولاء والبراء ، و علّم الأمة معنى العبودية لله والتحاكم إليه .

وإن أعظم ما تميز به رحمه الله و علّم الأمة عليه هو الصدع بالحق ضد كل من خالف الحق ، لقد فتح رحمه الله الباب للجبناء بأن يدخلوا من حيث دخل ، لقد عرّف للأمة منزلة العالم ، وكسر الطوق الذي يضرب حول العلماء ، فبين أن العالم لا ينتهي دوره عند التدريس في المساجد فحسب ، بل إن العالم هو محور الأمة التي تدور حوله ، فهو الذي يوجههم في شئون حياتهم كلها ، فالعالم هو القائد في مجال العبادات والمعاملات ، وهو القائد في السياسة والاقتصاد ، وهو القائد في الأمور الاجتماعية والأخلاقية وفي الجهاد ، إن دور العالم هو دور الريادة والقيادة ، وإن أردنا أن نشير إلى رجل تميز في عصرنا بالشمولية في الفتوى والاهتمام ، فإن أبا عبد الله رحمه الله هو أول المعنيين بهذا الوصف ، لقد شق على من بعده بسيرته العطره وصدعه بالحق ، لقد أقام الحجة على الأمة وعلى أهل العلم بأن الدين لا يقتصر على الأركان الخمسة فقط ، بل الدين دين حكم ودولة قبل كل شيء .

رحم الله ذلك الجبل الشامخ فلو أنا أردنا ذكر محاسنه وعلمه وفضله لما وسعنا مجلد لذلك ، ولكننا نختم في ذكر صفة من صفاته الكثيرة والتي تميز بها الشيخ على أقرانه وطلابه وشيوخه ، وتلك الصفة هي صفة جعفر رضي الله عنه ذي الجناحين ، فقد كان رضي الله عنه هو أول من سن هذه السنة ، فعندما خاض معركة مؤتة أقحم فرسه في جموع الروم يبددهم بسيفه يمنة ويسره ، وعندما كلّ فرسه وتردد عن الإقدام ، ترجل عن فرسه وعقره ، وأقدم على الكافرين راجلاً بسيفه يفرق جمعهم حتى قتل رضي الله عنه .

وإن ما في الشيخ من صفة وإن كانت معنوية فإنها كانت شبيهة بفعل جعفر رضي الله عنه ، فقد اقتحم الشيخ رحمه الله ميدان الجهاد وعقر جواده وقطع الصلة بكل ما يفت في عضده ويثبطه عن نصرة الجهاد والمجاهدين ، فلم يكن يصغي لأي مثبط من المحبوبات الثمانية التي عدها الله في سورة التوبة ، بل جعل الجهاد عليها مقدماً ، ونافح وأفتى للمجاهدين في كل ميدان .

فقد ضرب الشيخ بسهم وافر في كل قضايا الأمة ، ولا يمكن أن تذكر قضية للأمة إلا ولشيخ في نصرتها نصيب ، فمنذ شبابه والشيخ ينافح عن قضية فلسطين ، وعندما غزا السوفييت أفغانستان تواصل مع المجاهدين بدعمه وتوجيهاته ، وفي زمن الفتنة في أفغانستان لم يتخل الشيخ عن القضية فقد حرص وتحرى الصواب وقال ما يدين الله به من غير تخذيل للأمة أو قدح في الجهاد و المجاهدين ، قامت الإمارة الإسلامية فكان الشيخ أول من اتصل بها و ناصرها وشد من أزرها ودعمها حتى مماته ، ثارت أحداث الجزائر فاهتم الشيخ بها مناصحاً وموجهاً ، وجاءت أحداث البوسنة فكان في مقدمة من ناصر المسلمين ، وجاءت أحداث الشيشان الأولى فكان من القلة القليلة الذين تواصلوا مع المجاهدين دعماً وتوجيهاً ، وجاءت حرب الشيشان الثانية فكان أول من أفتى نصرة للمجاهدين وقد حث الأمة على نصرة المجاهدين في الشيشان بكل الوسائل والسبل ، ولم يكن الشيخ لينسى كشمير أو الفلبين أو أندونيسيا أو أرتريا فقد ضرب الشيخ في كل قضية من تلك القضايا بسهم وافر شارك فيه رحمه الله .

وجاءت الحرب الصليبية الجديدة على أفغانستان فتشرف الشيخ بأن كان أول من خط سوداء في بيضاء تنديداً بأعمال أمريكا الصليبية ، وبياناً للأمة بجواز ما حصل في أمريكا رداً على ما فعلوا بالمسلمين في فلسطين ، وصمد الشيخ مواجهاً للحملة الصليبية ، وبقي متفرداً على رأس هرم المدافعين عن المجاهدين والمحاربين للصليبيين من العلماء ، ولقد كان مهتماً بمواجهة الحرب الصليبية حتى آخر أيامه ، بل حتى آخر لحظات حياته رحمه الله رحمة واسعة ، ولقد نقل لنا أن أخر ما تحدث به في حياته إنما كان حول انتصار المجاهدين في أفغانستان .

لقد رحل البطل و رحل الشيخ الجليل و رحل العلم الشامخ ، وإننا لنرجو والله له الجنة ، ونحن أول من سيشهد له في الدنيا والآخرة أنه أدى ما عليه وبرء مما حمل رحمه الله رحمة واسعة .

أما هو فلا يحزن على مثله إذا لقي الله ، فإننا نرجو أن يقدم على رب راضي غير غضبان ، فقد أدى الأمانة وقال الذي يدين الله به ، وبرء من التقصير في العهد الذي أخذه الله على أهل العلم بالصدع بالحق ، ولكن نحزن على الأمة التي فقدت مثله ، ونحزن على اللواء الذي رفعه الشيخ وتميز به ، من سيحمله ويكون أهلاً له كما حمله الشيخ وكان له أهلاً ؟ .

وختاماً فإن الإمارة الإسلامية وخاصة أمير المؤمنين الملا محمد عمر وفضيلة الشيخ أسامه بن لادن وجميع المجاهدين يتقدمون للأمة بكل التعازي والمواساة على فقيدها العلامة حمود بن عقلاء الشعيبي ، ونسأل الله تعالى أن يأجرنا في مصيبتنا ويخلفنا خيراً منها ، كما نسأله تعالى أن يرفع درجته في عليين ويسكنه فسيح جناته ويجعله مع النبيين و الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .

كما نذكر الأمة بأن الشيخ قد أمضى حياته الدعوية في تعليم أبناء الأمة وفي مواسات المسلمين والوقوف معهم في كل مكان ، وقد أشغله حال الأمة عن كثير من العبادات والأعمال الصالحة التي كان يتوق إليها ولا يحجبه عن العمل بها إلا حمله لهم الأمة والعمل لهذا الدين ، ولذا فإننا نوصي الأمة بأن لا يبخلوا على الشيخ رحمه الله بإهداء الأعمال الصالحة له ، من صدقة وصيام ونسك وصلاة وحج وعمرة ودعاء وسائر الأعمال الصالحة ، فإن الراجح من أقوال أهل العلم وهو رأي شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى أن الأعمال الصالحة بجميع أنواعها تصل إلى الميت ، فاجتهدوا رحمكم الله تعالى لإهداء كافة الأعمال للشيخ ، فهذا أقل ما نجازي به علماءنا ونرد إليهم فضلهم على الأمة .

والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين