صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







القدوة ... القدوة !!

عبدالله البصري

 
ونحنُ نَستَعِدُّ لاستِقبالِ عامٍ دراسيٍّ جديدٍ ، قَد هيَّأنا لأبنائِنا فيه كُلَّ ما يحتاجونه مِن مُستلزماتٍ دِراسيةٍ ، مِن كُتُبٍ ودفاتِرَ وأقلامٍ ونحوِها ، فَإِنَّ هاهُنا تساؤلاً قد يَرِدُ على أَذهانِ كثيرٍ مِنَ الآباءِ : لماذا نَستَعِدُّ في أولِ كلِّ عامٍ ونَبذُلُ ونُنفِقُ ، ونُوَفِّرُ لأبنائِنا طُوالَ العامِ كلَّ ما يَطلبون ، ثم نُفاجَأُ بِأَنَّ النتائجَ في نهايةِ كُلِّ فصلٍ أَضعفُ مِنَ الذي قَبلَهُ ؟ ولماذا يَبدَأُ عَدَدٌ مِنَ الأبناءِ مَسيرتَهُ التَّعلِيمِيَّةَ مِنَ المتفوقين ، ثم لا تمرُّ به الأعوامُ إلا وَينقُصُ تفوُّقُهُ ويَقِلُّ نَشَاطُهُ ، حتى إِنه قد يُصبِحُ بَعدَ النجاحِ مخفِقًا ، وبَعدَ التفوقِ مُقَصِّرًا ؟ وَمَعَ أَنَّ لهذا الأمرِ أسبابًا كثيرةً مُعقَّدَةً ، يحتاجُ الكلامُ عليها وتفصيلُها بحثًا طويلا ودراسة مفصلة ، إِلاَّ أَنَّ هَاهُنا مَسأَلَةً مُهِمَّةً يَنبغِي التَّنَبُّهُ لها ، بل هي قاعدةٌ ‏تربويةٌ يجبُ أَن يَعِيَها الآباءُ والأولياءُ ، قَبلَ أَن يُطالِبُوا ‏أَبناءَهم بِتَشَرُّبِ مَا يُلقِيهِ عليهم مُعلِّمُوهُم ، والتِهَامِ ما ‏يَطَّلِعون عليه في كُتُبِهِم ، والنجاحِ في حياتِهِم ومُستَقبَلِ أَمرِهِم ، تلكم هي مَسألةُ وُجُودِ القُدوةِ ‏الحسنةِ ، وَتَوَفُّرُ النموذجِ الحيِّ الذي يُحتذَى .

إِنَّ ‏المعلوماتِ والقَوَاعِدَ التي يتلقَّاها الأبناءُ في محاضِنِ التربيةِ ‏وَأَماكِنِ التعليمِ ، تَبقَى رَسُومًا جَامِدَةً لا حَيَاةَ فيها ولا ‏حِرَاكَ ، فإذا هَيَّأَ اللهُ لها مَن يَنفُخُ فيها رُوحَ التَّطبيقِ مِن ‏أبٍ أو أخٍ كبيرٍ ، آتَت ثمارَها وظَهَرَت آثارُها ، وَرَسَخَت ‏في أذهانِ الطلابِ وعُقُولِهِم رُسُوخَ الجبالِ الراسيةِ ، وَأَمَّا ‏إِذَا كان المعلمون يَبنُونَ كُلَّ يَومٍ لَبِنَةً ـ وهي وللأسفِ ‏ضَعِيفةٌ ـ ثم يَهدِمُ المجتمعُ أَلفَ لَبِنَةٍ بما يَرَاهُ المتعلمُ عَلَيهِم ‏مِن مخالفاتٍ لما تَعَلَّمَه ، فَأَنَّى لِبُنيانِ العِلمِ يَومًا أَن يَقومَ ‏ويَرتَفِعَ ؟ وَكيفَ لِصرحِ الأَخلاقِ والآدَابِ أَن يَصلُبَ ‏ويَشتَدَّ ؟

متى يَبلُغُ البُنيَانُ يَومًا تَمَامَهُ *** إِذَا كُنتَ تَبنِيهِ وَغَيرُكَ يَهدِمُ
أَرَى أَلفَ بَانٍ لا تَقُومُ لِهَادِمٍ *** فَكَيفَ بِبَانٍ خَلفَهُ أَلفُ هَادِمِ

كَيفَ يحافِظُ الولدُ على الصلاةِ وَأَبوهُ لها مِنَ المهملين ؟ ‏كيف يخِفُّ لأداءِ صلاةِ الفجرِ مَعَ الجماعةِ وأبوه عنها مِنَ ‏المتكاسلين ؟ متى يَتَعَلَّمُ الصِّدقَ في القَولِ والوَفَاءَ بِالوَعدِ ‏، وهو يَرَى وَالِدَهُ يَكذِبُ ويخُلِفُ ؟ متى يَعي حُرمَةَ ‏الغِشِّ وَوَالِدُهُ يَغُشُّ في بَيعِهِ وشِرائِهِ ومعاملاتِهِ ؟ وَمَن هذا الطالبُ ‏الذي سَيُكرِمُ جَارَهُ ، وَوَالِدُهُ وجارُهُ مُتلاحِيَانِ مُتَخَاصِمَانِ ‏؟ وَأَيُّ طَالِبٍ سَيُطَبِّقُ مَا تَعَلَّمَهُ عَن صِلَةِ الرَّحِمِ ، وَأَبوهُ ‏مُصارِمٌ لأَخيهِ مُقاطِعٌ لِبَني عَمِّهِ وأقاربِهِ ؟ وهل سَيَعرِفُ أبناؤُنا ‏حُقُوقَ إِخوانِهِم المسلمين ، أو يقدرون أَنظِمَةً ويَعمَلُون ‏بِتَعلِيمَاتٍ ، أو يحافظون على مُقَدَّراتٍ ، وَنحنُ نُعَوِّدُهُم عَلى أَضدَادِ ذلك ؟!! ‏إِنَّهُ لأَمرٌ يَتَقَطَّعُ منه القَلبُ أسًى ، أَن نَكونَ ـ نحنُ الأَوليَاءَ ـ أَوَّلَ ‏العَقَبَاتِ التي يَصطَدِمُ بها أَبناؤُنا بَعدَ خُرُوجِهِم مِن ‏مُؤَسَّسَاتِ التعليمِ ومَعَاهِدِ الدِّرَاسةِ ، حتى لَكَأَنَّنَا نَقُولُ لهم بِلِسانِ حَالِنا : يَكفِيكُم حِفظُ مَا تَعَلَّمتُمُوهُ في عُقُولِكم ، ثم تفريغُهُ على أوراقِ الإجابةِ في الاختباراتِ ، ولا يهمُّنا بَعدَ ذلك طَبَّقتُمُوهُ أَم أَهملتُمُوهُ !! ‏

وَأَمَّا حِينَ يَكونُ المعلمُ هو أَوَّلَ الهادِمِينَ ، بما يَلحَظُهُ ‏طلابُهُ مِن فَرقٍ بَينَ مَا يَقُولُهُ في المدرسةِ وما يَعملُهُ خارجَها ، وبما يَرَونَهُ مِن ‏مُفَارَقَاتٍ بَينَ أَوَامِرِهِ المِثالِيَّةِ مُعَلِّمًا في الفصلِ ، وَتَصَرُّفاتِهِ المُغايِرَةِ مُوَاطِنًا يمشِي ‏في الشَّارِعِ أو في السوقِ ، وكأنه لا يَعرِفُ ممَّا كان يُلقِيهِ في ‏دُرُوسِهِ شَيئًا ، فَإِنَّ تِلكَ هي أَكبرُ خَطِيئةٍ يَرتكِبُها في حَقِّ ‏مجتمعِهِ ، وَأَعظَمُ ذَنبٍ يَقترِفُهُ ويُهَوِّنُُ على طلابِهِ اقترافَهُ .‏

يا أيها الرَّجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ *** هَلاَّ لِنَفسِكَ كان ذَا التَّعلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَا *** كَيمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنتَ سَقِيمُ
وَنَرَاكَ تُصلِحُ بِالرَّشَادِ عُقُولَنَا *** أَبَداً وَأَنتَ مِنَ الرَّشَادِ عَدِيمُ
اِبدَأْ بِنَفسِكَ فَانهَهَا عَن غَيِّهَا *** فَإِذَا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يُقبَلُ مَا تَقُولُ وَيُقتَدَى *** بِالعِلمِ مِنكَ وَيَنفَعُ التَّعلِيمُ
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ *** عَارٌ عَلَيكَ إِذَا فَعَلتَ عَظِيمُ

إِنَّهُ مَا لم يَكنْ هُنَاكَ تَوَافُقٌ بَينَ العِلمِ وَالعَمَلِ ، وَتَنَاغُمٌ ‏بَينَ التَّنظِيرِ وَالتَّطبِيقِ ، وَبِيئَةٌ داخلَ المدرسةِ وخارجَها يَتَهَيَّأُ لِلمُتَعَلِّمِ فيها شَوَاهِدُ حيَّةٌ ‏على إِمكانِيَّةِ تحقُّقِ مَا تَعَلَّمَهُ وَاقِعًا مَلمُوسًا ، فَلَن يَزيدَنَا ‏التَّعلُّمُ حِينَئِذٍ إِلاَّ مَقتًا لأَنفُسِنَا ، شَاهِدُ ذلك في كِتابِ رَبِّنا ، إذ يَقولُ ـ سبحانَه ـ : " يَا أيها الذين آمنوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا ‏تَفعَلُونَ . كَبُرَ مَقتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفعَلُون " لَقَد ‏كان كثيرٌ مِن أَجدَادِنا وَآبائِنا وَهُم على جَانِبٍ مِنَ العِلمِ ‏قَليلٍ ، كَانوا خَيرًا مِن كَثِيرٍ مِن أَبنائِنا اليَومَ ، الذين لا نُسَمِّيهِم ‏مُتَعَلِّمِينَ ، وَلَكِنْ يحِقُّ أَن نَسِمَهُم بِأَنصَافِ المُتَعَلِّمِينَ ، ‏لأنهم اكتفوا مِنَ العِلمِ بِحِفظِهِ ، وَمِن قَوَاعِدِهِ بِاستِظهَارِهَا ‏، ولم تحظَ أَرضُ الوَاقِعِ مِنهُم بِتَطبِيقٍ وتحقِيقٍ .‏ فَيَا أيها الآباءُ والأولياءُ والمعلمونَ ،، القُدوَةَ القُدوَةَ ، ‏وَيَا أيها الأَبناءُ ، التَّطبِيقَ التَّطبِيقَ لما تَعَلَّمتُم ، فَإِنَّ قليلاً ‏مِنَ العِلمِ مَعَ العَمَلِ وحُسنِ الأَدَبِ ، خيرٌ مِن كثيرٍ مِنَ العِلمِ بِلا عَمَلٍ ، وَ‏مَا نَقَصَ اليَهودَ عِلمٌ إِذْ مَقَتَهُمُ اللهُ وغَضِبَ عَلَيهِم ، ‏وَإِنما لأنهم عَلِمُوا فَلَم يَعمَلُوا ، وَتَعَلَّمُوا فَلَم يُطَبِّقوا ، وَعَرَفُوا فَلَم يَلزَمُوا ، ‏بل تحايَلُوا على مخالَفَةِ الأَوَامِرِ وارتكابِ النواهي ، وَاقتَرَفوا المَعَاصِيَ وهُم ‏يَعلَمُونَ .‏

أيها الآباءُ والمعلمون ، إِنَّ الأبناءَ يُولَدُونَ وَهُم على الخيرِ ‏مَفطُورُونَ ، وَعَلَى اتِّباعِ الحقِّ مجبولُون ، قُلُوبُهُم طَاهِرَةٌ ‏، وَصُدُورُهُم مُنشَرِحَةٌ ، وَنُفُوسُهُم على الخيرِ مُقبِلَةٌ ، ونحنُ ‏الذينَ نملِكُ تَثبِيتَ تِلكَ الفِطرَةَ أَو تَغيِيرَهَا ، قال ـ صلى ‏اللهُ عليه وسلم ـ : " كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ على الفِطرَةِ ، ‏فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَو يمُجِّسَانِهِ أَو يُنَصِّرَانِهِ " ‏فَمَاذَا نحن فاعلون ؟!‏ هل سَنعمَلُ على تَثبِيتِ فِطرَةِ اللهِ التي فُطِرَ أَبنَاؤُنا عَلَيهَا بجَعلِ أَنفسِنا قُدوَةً لهم في الخيرِ وتَسييرِهِم على الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ ؟ أَم سَنترُكُهُم يَتَّبِعُونَ السُّبُلَ المُغوِيَةَ المُضَلِّلَةَ فَتَفَرَّقَ بهم عن السَّبِيلِ ؟

أيها الأبُ الكريمُ والوالدُ الرحيمُ ، إِنَّكَ لا تَتَعَامَلُ مَعَ بهائمَ في مَشرُوعِ تَسمِينٍ ، فَتَكتَفِي بِمَلءِ بُطُونِ أَبنَائِكَ وَكُسوَتِهِم وتَوفِيرِ المأوى لهم ، وَلستَ جَلاَّدًا تَلجَأُ إِلَيكَ الأُمُّ حِينَمَا تَعجِزُ عَن أَبنَائِهَا ، لِتَصُبَّ جَامَ غَضَبِكَ عَلَيهِم ، لَكِنَّكَ مُرَبٍّ فَاضِلٌ وَمُوَجِّهُ قَدِيرٌ ، أَو هَكَذَا يجِبُ أَن تَكونَ ، بَل إِنَّكَ أَنتَ المعلِّمُ الأَوَّلُ والمُربِّي الأَسَاسُ ، وَإِذَا أَنتَ لم تُحسِنِ التَّربِيَةَ وَالتَّأدِيبَ لأَولادِكَ وهم لا يَتَجَاوَزُونَ خمسَةً أو سِتَّةً ، فَلا تَلُمْ مُعَلِّمًا يُدَرِّسُ في الفصلِ عِشرِينَ طالبًا أو ثلاثِينَ ، أو مُدِيرًا في مَدرسَتِهِ عَشَراتٌ مِنَ الطلابِ ، هُم مِن بُيُوتٍ مختلفةٍ ، وَنِتَاجُ تَربِيَاتٍ مُتَغَايِرَةٍ ، فِيهِم الكبيرُ والصغيرُ ، وَمِن بَينِهِم وَلَدُ الغَنيِّ وابنُ الفَقِيرِ ، وفِيهِم مَن فَقَدَ أُمًّا أَو أَبًا ، وَمِنهُم المَرِيضُ أَو المُصابُ ، فَاعرِفْ دَورَكَ وَافهَمْ مُهِمَّتَكَ ، كُن بِأَبنَائِكَ رَحِيمًا شَفِيقًا ، وفي تَعَامُلِكَ مَعَهُم وَدُودًا بَشُوشًا ، قَوِّ العِلاقَةَ بَينَكَ وبَينَهُم ، وَاشدُدْ حِبالَ الأَوَاصِرِ بهم ، رَبِّهِم قَبلَ أَنْ تُطالِبَ غَيرَكَ بِتَربِيَتِهِم ، ولُمْ نَفسَكَ قَبلَ أَن تَلُومَ الآخَرِينَ ، صَاحِبْهُم وَحَافِظْ على فِطَرِهِم سَلِيمَةً وَأَخلاقَهُم حَسَنَةً ، قَبلَ أَن يَتَلَقَّفَهُم أَصدِقاءُ السُّوءِ وَأَصحَابُ الفَسَادِ ، فَيُغَيِّرُوا فِطَرَهُم وَيَعِيثُوا بِأَخلاقِهِم ، تَذَكَّرْ أَنَّكَ أَنتَ المَسؤُولُ الأَوَّلُ عَنهُم قَبلَ المدرسةِ ومن فيها ، يَقولُ اللهُ ـ سبحانَه ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ " ويقولُ ـ سبحانَه ـ : " وَأْمُرْ أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيهَا لا نَسْأَلُكَ رِزقاً نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى " ويقولُ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ : " كُلُّكُم رَاعٍ وكُلُّكُم مَسؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ " ويقولُ : " كَفَى بِالمَرءِ إِثمًا أَن يُضَيِّعَ مَن يَعُولُ " ويقولُ : " إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَجُلٍ عَمَّا استرعَاهُ أحفِظَ ذلك أَم ضَيَّعَهُ حتى يَسأَلَ الرَّجُلَ عَن أَهلِ بَيتِهِ " ويقولُ : " مُرُوا أَولادَكم بِالصَّلاةِ لِسَبعٍ وَاضرِبُوهُم عليها لِعَشرٍ "
إنَّكم ـ أيها الآباءُ ـ لم تُقَصِّرُوا في وَاجِبِ النَّفَقَةِ على أَبنَائِكم ، لا في طَعَامٍ ولا كِسَاءٍ ، ولا مَأوًى ولا دَوَاءٍ ، رَبَّيتُمُ الأَجسَادَ وَسمَّنتُمُ الأَجسَامَ ، أَركبتُمُوهُمُ السَّيارَاتِ ، وَملأتم جُيُوبَهُم بِالرِّيَالاتِ ، وَأنتُم على ذلك إِذَا اقتصدتم وَتَوَسَّطتُم مَأجُورُونَ مُثابون ، قال ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ : " أَفضَلُ دِينَارٍ يُنفِقُهُ الرَّجُلُ دِينارٌ يُنفِقُهُ على عِيَالِهِ ، ودِينارٌ يُنفِقُهُ على دَابَّتِهِ في سَبِيلِ اللهِ ، وَدِينارٌ يُنفِقُهُ على أَصحَابِهِ في سَبيلِ اللهِ " رواه مسلمٌ ، وَلَه مِن حَدِيثِ أبي هُريرةَ ـ رضي اللهُ عنه ـ : " دِينارٌ أَنفقَتَهُ في سَبيلِ اللهِ ، ودِينارٌ أنفقتَهُ في رَقَبَةٍ ، ودِينارٌ تَصَدَّقتَ بِهِ على مِسكِينٍ ، ودِينارٌ أَنفقتَهُ على أَهلِكَ ، أَعظَمُها أَجرًا الذي أَنفَقتَهُ على أَهلِكَ " فَأَللهَ أَللهَ في الأَهَمِّ والأَسمى ، أَللهَ أَللهَ في الأَثبَتِ وَالأَبقَى ، أَللهَ أَللهَ في تَربِيَةِ العُقُولِ وَإِصلاحِ القُلُوبِ ، الأَروَاحَ الأَروَاحَ فَزَكُّوها ، القُدوَةَ القُدوَةَ فَوَفِّرُوها ، الأَخلاقَ الأَخلاقَ فَهَذِّبُوها ، الآدَابَ الآدَابَ فَعَلِّمُوها .

يَا خَادِمَ الجِسمِ كَم تَسعَى لِخِدمَتِهِ *** أَتعَبتَ نفسَك فِيمَا فِيهِ خُسرَانُ
أَقبِلْ عَلى الرُّوحِ فَاستَكمِلْ فَضَائِلَهَا *** فَأَنتَ بِالرُّوحِ لا بِالجِسمِ إِنسانُ

رَبُّوا أَبنَاءَكُم قَبلَ التَّعلِيمِ ، وَأَدِّبُوهُم قَبلَ التَّفَقُّهِ ، فَإِنَّهُ لا عِلمَ إِلاَّ بَعدَ تَربِيَةٍ حَسَنَةٍ وَأَدَبٍ جَمٍّ ، وَهَذَا رَبُّكُم ـ جل وعلا ـ يُخاطِبُ كَلِيمَهُ مُوسَى ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ فَيَقُولُ : " إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعلَيكَ إِنَّكَ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى . وَأَنَا اختَرتُكَ فَاستَمِعْ لِمَا يُوحَى . إِنَّني أَنَا اللهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعبُدْني وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكرِي " لَقَد عَلَّمَهُ ـ سبحانَه ـ أَدَبَ المَكَانِ فَقَالَ : " اِخلَعْ نَعلَيكَ " وَعَلَّمَهُ أَدَبَ الحدِيثِ فَقَالَ : " فَاستَمِعْ لما يُوحَى " ثم أَوحى إِلَيهِ بِأَجَلِّ عِلمٍ وَأفضَلِ فِقهٍ ، وهو التَّوحِيدُ والشَّرِيعَةُ فَقَالَ : " إِنَّني أَنَا اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعبُدني وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكرِي " وَهَذِهِ أُمُّ الإِمامِ مالكِ بن ِأنسٍ ـ رحمةُ اللهِ عليه وعليها ـ لما أرادت لابنِها أَن يَطلُبَ العِلمَ أَلبَسَتهُ أَحسَنَ الثِّيَابِ ، ثم أَدنَتهُ إِلَيها وَمَسَحَت على رأسِهِ ، وَقَالَت : يَا بُنيَّ ، اِذهَبْ إلى مجالسِ رَبِيعَةَ ، وَاجلِسْ في مجلسِهِ ، وَخُذْ مِن أَدَبِهِ وَوَقَارِهِ وَحِشمَتِهِ قَبلَ أَن تَأخُذَ مِن عِلمِهِ .. فَرَحِمَهَا اللهُ مَا أَعقَلَهَا ! عَلَّمَتهُ الأَدَبَ قَبلَ أَن يجلِسَ في مجلِسِ الطَّلَبِ . وهكذا يجِبُ أَن يَكونَ الوَالِدَانِ لابنِهِمَا ، يُعَلِّمَانِهِ الأَدَبَ مَعَ مُعَلِّمِيهِ وفي مدرستِهِ ، لا أَن يجعلا بَينَهُ وبَينَ ذلك سَدًّا بما يَسقِيَانِهِ مِن مَسَاوِئِ الأَخلاقِ ، أو يُقِرَّانِهِ عليه مِن مَرذُولِ الطِّباعِ وَقَلِيلِ الأَدَبِ .

إِنَّنا إِذَا استَطَعنَا أَن نُعَلِّمَ أَبنَاءَنَا الأَدَبَ مَعَ مُعَلِّمِيهِم ، وَأَن نَغرِسَ في قُلُوبِهِم حُبَّ كُتُبِهِم واحترامَ مَدَارِسِهِم ، وَأن نَصِلَ بهم إلى مَعرِفَةِ قِيمَةِ كُلِّ ذلك ، فإني كَفِيلٌ لكم بِأَن تحمَدُوا السُّرَى ، وَألاَّ تَذهَبَ جُهُودُكُم سُدًى ، وَأَلاَّ تَشْكُوا مِن تَدَنِّي دَرَجَةٍ أَو ضَعفِ مُستَوَى ، أَمَّا حِينَ نُقَدِّمُ لِلمَدَارِسِ طلابًا بِلا أَدَبٍ ، طلابًا لا يَعرِفُونَ قِيمَةَ مَا هُم عَلَيهِ مُقدِمُونَ ، فَإِنما نَضَعُ بَينَ أَيدِي المُعَلِّمِينَ رَمَادًا لا جمرَ فيه ، فَكَيفَ نُطالِبُهُم أَن يُوقِدُوا مِنهُ نَارًا ؟ وَهَل تَرَونَ نَافِخًا في الرَّمَادِ يُوقِدُ نَارًا ؟ لا ـ واللهِ ـ وَلَو نَفَخَ طُولَ عُمُرِهِ . إِنَّ حَالَ مُعَلِّمٍ مَعَ طالبٍ بلا أدب كَحَالِ مَن قَالَ :

لَقَد أَسمَعتَ لَو نَادَيتَ حيًّا *** وَلَكِنْ لا حَيَاةَ لمَن تُنَادِي
وَلَو نَارًا نَفَختَ بها أَضَاءَت *** وَلَكِنْ أَنتَ تَنفُخُ في رَمَادِ
نسأل اله لأبنائنا التوفيق والسداد ، والنجاح في حاضر أمرهم ومستقبله ، إنه جواد كريم .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

المعلم الداعية

  • أفكار للمدارس
  • المعلمة الداعية
  • الأنشطة الطلابية
  • رسائل للمعلمين
  • الطالب الداعية
  • الامتحانات
  • منوعات
  • الأفكار الدعوية
  • الرئيسية