صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







نقاشٌ مع " سرية القدس " في مجلس هادئ !!

دكتور استفهام
Dr_estefham@hotmail.com

 
سافترض أني جالس في مجلس ، وفيه خمسة من " سرية القدس " التي غزت الخبر في الأسبوع الماضي ، وقد أخذت نفساً عميقا ثم سلمت عليهم وبدأت معهم في شرعية فعلهم ، وقد اتفقت معهم أن أبدأ بسؤالهم حتى نخرج أنا واياهم باتفاق حول مجمل الأفكار التي يحملونها ، وحتى أحلل انا واياهم وافكك الأفكار ، واعرف كيف يفكرون ، ومن أي رأي ينطلقون .. فلنبدأ الآن :
أنتم يا " سرية القدس " أقدمتم على هذا الفعل وانتم لا تشكون بأن صنيعكم هذا شرعي بلا شك ، فهل تقولون هذا ؟؟
( سرية القدس ) ، لا شك اننا لو لم نوقن بأن طريقنا شرعية لما أقدمنا على مثل هذا الفعل ، فكيف يحمل الانسان روحه على كفه ، ويدخل في خضم المعركة وهو يرى انه يقاتل قتالا جاهليا .. فلا شك اننا موقنون بصحة فعلنا ....
طيب .. الناس تقول لكم : إن فعلكم هذا مخالف للكتاب والسنة والإجماع ، فالله تعالى حرم قتال الانفس المعصومة ، والانفس المعصومة هي :
المسلمون من رجال الأمن ، والحراس ، والمسلمون جميعا الذين داخل المجمع .
والكفار الموجودون هم اهل عهد وامان ، لا يجوز التعدي عليهم ولا الاعتداء عليهم ، فكيف تمارسون هذه الفعل ، والله تعالى حذر من قتل المسلم فقال " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ، وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما " والانسان المسلم لا يجوز قتله لا عرضا ولا استقلالا ، ولا يقبل التاول بالدماء مهما كان الامر .. وكذلك فان المعاهدين والمستأمنين لا يجوز التعدي عليهم بنص السنة حيث قال عليه الصلاة والسلام " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة " فما تقولون ؟؟
( سرية القدس ) : أما المسلمون فقد أعلنا اننا لا نلجأ إلى قتلهم الا اذا كانوا سيحولون بيننا وبين العلوج ، فنجن لا نقتلهم ولا نقاتلهم ابتداء ، وأما العلوج الروم فان قتالنا لهم له أسباب كثيرة :
الاول : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب " ، فنحن أخبرناهم بان يخرجوا من جزيرة العرب ، والا فاننا سنقاتلهم ، وقد أعلن ذلك الشيخ المجاهد اسامة بن لادن هذا قبل سنوات ، وكانت هذه القضية مركزية بالنسبة لتنظيم القاعدة .
الثاني : أن هؤلاء المعاهدين والمستأمنين قد انتقضت عهودهم لانهم يعتبرون من الصليبيين الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ، ولا يألون يقتلون المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وانظر ما تفعله امريكا مثلا في أفغانستان والعراق ، ودعم اليهود في فلسطين ، فأي عهد وأمان وذمة تتحدث عنه ، وهم يحاربون المسلمين في كل مكان ؟؟!!
الثالث : أن هؤلاء جيوش صليبية جاءت لاحتلال جزيرة العرب ، فوجب قتلهم وقتالهم ، ومن أعطاهم العهد والأمان اصبح كافرا لانه اقترف موبقات كثيرة تخرجه من دائرة الاسلام ، فلا يكون له عهد ولا ذمة ، وتسقط جميع عقوده وعهوده ..
هذه هي الاسباب التي تجعلنا نقدم على قتال هؤلاء ، ومع اننا نكفر النظام السعودي ، ونكفر الحكام ، إلا إن اولويتنا نحن ( تنظيم القاعدة ) هي قتال الصليبيين ، خلافا لرأي اخواننا في " كتائب الحرمين " الذين يرون أن قتال المرتدين أولى من قتال الكفار الاصليين ..
طيب : اسمحوا لي أن اتحدث عن هذه النقاط التي اثرتموها بدون مقاطعة حتى أنهي قولي ، ونحاول أن نفكر سويا هل فعلا أقوالكم هذه وتصرفاتكم شرعية ام لا ؟؟
سأبدأ معكم في النقطة الاولى التي ترون انها تجيز مناجزة الكفار في " جزيرة العرب " وهي قضية " الاخراج " ، فنحن لا شك نقر بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب ، وعلى هذا ، فانتم ترون إن هؤلاء الكفار فيها لو كانوا غير حربيين ، فانتم ستخرجونهم بالقوة ، لان مناط الاخراج عندكم هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاخراج فقط ، بغض النظر هل هم يحابون المسلمين في مكان آخر أولا يحاربون ولذا فاني سأناقش هذه القضية منعزلة عن الأسباب الاخرى .. ثم نعود لبقية الاسباب ..
لا شك إن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب " ، ولكني أجد إن قضايا كثيرة تشكل عليكم في هذا وهي :
الاولى : أن النبي صلى الله عليه وسلم امر باخراج المشركين من جزيرة العرب ، ولكن الناس من عهد الصحابة الكرام لم تفهم من " الاخراج " القتل ، بل هي خاضعة لقضية الولاية ، ولذا لم ينبر أحد من الصحابة ولا التابعين بالدعوة لاخراجهم بناء على أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، بل كانت الامور منوطة بالولاية الشرعية ، ولذا لم يخرجهم ابو بكر ، ولا عمر الا في آخر حياته ، مع إن ابا بكر الصديق رضي الله عنه كان من أشد الناس حرصا على قتال " المرتدين " وحماية جزيرة العرب من الشرك والكفر ، حتى وقف ذلك الموقف العظيم حين اتاه عمر فقال : " كيف تقاتل الناس وهم يقولون لا اله الا الله ، فقال : والله لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فان الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقا أو عقالا كانوا يؤدونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ... " ، فاذا كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يحشد الحشود ، ويجمع الصحابة جميعا إلى قتال من منع عقالا أو عنقا ، وقد كان عمر في بداية الامر يعارضه على ذلك ، اليس حاضرا في ذهنه قول النبي صلى الله عليه وسلم " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب " وكان آخر ما عهد به النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته .. فهل تكون غيرتا على تطبيق هذا النص أشد من غيرة الصديق والصحابة رضوان الله عليهم ؟؟ اوليس هذا القول فيه ايمائه إلى تقصير الصحابة بتنفيذ هذا الأمر النبوي الواضح ... لا شك إن هذا امر مشكل عليكم ... وسازيد الامر وضوحا إن شاء الله في النقاط التالية ...
( سرية القدس مقاطعين ) ، ولكن أبا بكر رضي الله عنه كان مشغولا بحرب المرتدين ، ولو لم ينشغل بهذا لنفذ وصية النبي صلى الله عليه وسلم .. فما تقول ؟؟
أقول : إن الذين قاتلهم ابو بكر الصديق رضي الله عنه لم يكونوا كلهم كفارا ، فهم أنواع :
-اناس ارتدوا واتبعوا المتنبين كأتباع الاسود العنسي ومسيلمة وسجاح .
-واناس حجدوا فرضية الزكاة .
-واناس لم يجحدوها ، ولكنهم قالوا انهم كانوا يدفعونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولن يدفعوها إلى أبي بكر رضي الله عنه ..
فلم يكن كلهم كفارا ، ومع ذلك تفرغ لهم وقاتلهم ، ولو كانت قضية " إخراج المشركين " من القضايا العقدية الكبرى لجعل لها ابو بكر الصديق رضي الله عنه أولوية ، ولكنه يفهما فهما آخر غير ما تفهمون .. وسيأتي بيانه إن شاء الله
الامر الآخر ، أن مدة قتال المرتدين لم تستغرق كل مدة خلافة ابي بكر الصديق رضي الله عنه ، ومع ذلك عاش فترة قبل موته ، ولم يحرك في هذه القضية ساكنا ، ولم يخرجوا الا آخر مدة خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ....
أعود إلى الحديث حول مفهوم " إخراج المشركين من جزيرة العرب " :
الثاني : أن الناس قد اختلفت في جزيرة العرب على أقوال فقهية معروفة ، ولم تفقوا على معنى واحد للجزيرة التي يخرج منها المشركون ، وبهذا تصير القضية قضية خلافية ، فمن اختار قولا من الأقوال التي اشتهرت عن اهل العلم والائمة المعتبرين لا يجوز لأحد أن يصادر عليه قوله أو ينكر عليه ، فالامام أحمد مثلا يرى إن الجزيرة هي المدينة وما والاها ، كما في المغنى ، وذهب الشافعي إلى هذا وانها مكة وواليمامة وخيبر ، وابن قدامة يرى انها الحجاز ، والامام مالك يرى انها مكة والمدينة ، وابن تيمية يرى هذا الرأي كذلك ، ولذا لم يتفق أهل العلم على حدود للجزيرة بقول واحد ، فاذا اختار الوالي قولا ، أو رأى فهما فهمه اهل العلم حوله ، لم يجز لأحد إن ينكر عليه اختياره لقول فقهي ، والا لتناوشت الناس وتقاتلت بسبب اختيارات فقهية ... فكيف يجيز الانسان لنفسه إن يقاتل ويحدث فتنة ، ويخفر ذمم المسلمين لأجل اختيار فقهي ، ولذا لا يجوز للانسان إن يريق الدماء أو يقاتل بيقين ، ومسائل واضحة لا يتطرق اليها شك ، فمثل هذه القضية لا يجوز إن تجعل ذريعة للقتل والقتال ، وخاصة انك لا ترى احدا على مدار التاريخ الاسلامي فعل مثلما تفعلون من قتل المستامنين والمعاهدين بحجة اخراج المشركين من جزيرة العرب ، والحديث لا يدل في مفهومه ولا منطوقه على القتل ....
الثالث : أننا لو قلنا أن الجزيرة الجغرافية هذه كلها لا يجوز فيها دخول المشركين ، فان هذا لا يعني إن المشرك أو الكافر اذا دخل لم تتحقق فيه أحكام العهد والاستئمان ، فان الكافر دخل وقد تيقن انه مؤمّن ، والمعتبر في هذا الامر عقيدة الكافر نفسه لا عقيدة مقابله ، ولو كان يعلم انه سيقتل لم يدخل اصلا ، لانه لا يعرف تفصيلات احكام المسلمين الفقهية ، فجاء وهو يرى انه قد دخل إلى بلد قد امن فيها على نفسه وماله وعرضه ، فان كان أحد يريد أن يخرجه من أرض الجزيرة ، فان الذي أعطاه العهد والأمان هو الذي ينبذ اليه عهده وذمته ، ولا يجوز لأحد من المسلمين أن يخفر ذمة أخيه المسلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " ذمة المسلمين واحدة " وقال " من خفر ذمة مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " ، ولذا فان التعدي على هؤلاء الكفار الموجودين في جزيرة العرب هو من خفران ذمة المسلمين ، وهو محرم بنصوص الشريعة ... فتاملوا
الرابع : أن هناك خلاف بين اهل العلم حول مفهوم " المشركين " فهل المقصود بالمشركين في جزيرة العرب آحاد المشركين ، أو جماعاتهم ، أو المقيمين اقامة دائمة ، ويستثنى من ذلك من كانت اقامته قصيرة أو تجاره أو مرورا سريعا .. أو المقصود بــ " المشركين " ماإذا كان لهم " دين " في الجزيرة يضاهي دين المسلمين ... كلها اسئلة تحتاج إلى جواب .. حتى نعلم أن القضية ليست قضية واضحة ، وان الأمر ليس قطعي الدلالة في وجوب الاخراج للمشركين وذلك أن سيرة الصحابة الكرام كانوا يقرون وجود العلوج في المدينة للعمل والحاجة ، ودليل ذلك ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو الذي أجلى اليهود من خيبر قد قتله " أبولؤلؤة المجوسي " ، فحين أخبره ابن عباس بان ابا لؤلؤة المجوسي هو الذي قتله قال له : " قد كنت انت وابوك تحبان إن تكثر العلوج بالمدينة " ، فدل ذلك على وجودهم في المدينة ولم يامر عمر رضي الله عنه ابن عباس أن يخرجهم أو يقتلهم ، وقد قال ابن سيرين بلغني عن ابن عباس انه قال له عمر : لا تدخلوا علينا من السبي الا الوصفاء إن عمل المدينة شديد لا يستقيم الا بالعلوج " ... وهذا يعطي دلالة على إن المشركين المراد بإخراجهم اما إن يكونوا دينا يضاهي المشركين ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يجتمع في جزيرة العرب دينان " أو يكون المقصود من المشركين المشركين الذين يستوطنون الجزيرة استيطانا دائما ، ويخرج من هذا من دخل لمصلحة راجحة أو لحاجة تحتاجها الأمة في أعمالها الاقتصادية وغيرها ....فتدبروا الامر جيدا .
الذي اريده من هذا يا ( سرية القدس ) أن مسألة اخراج المشركين هي قضية خاضعة للسياسة الشرعية ، وهي من مسائل الفقه ، وليست من مسائل العقائد التي يحدث فيها الولاء والبراء ، والانسان المسلم لا يجوز له إن يقدم على ( القتل ) الا بامر مجمع على انه يجوز القتل به ، ولان الحدود تدرا بالشبهات ، فلا يجوز للانسان إن يتخوض في الدماء المعصومة من المسلمين ، والكفار المعاهدين والمستأمنين الا بيقين لا يتطرق اليه شك ، ولو كان المجال مجال بحث علمي معمق لاتيت بالنصوص ولكنها نقاشات في فضاء اخوي ، نريد إن نصل واياكم إلى الحق والصدق إن شاء الله تعالى .
( سرية القدس ) ، قالوا .. لنترك قضية اخراج المشركين الان .. فانها ليست القضية الوحيدة التي من أجلها نصاول هؤلاء العلوج قاتلهم الله ، فقد ذكرنا إن قتالنا للعلوج في جزيرة العرب لاسباب أخر ، منها أنهم عهودهم منتقضة بحربهم للمسلمين ، وان دماءهم واموالهم حلال ، وانهم أناس حربيون قد آذوا المسلمين في كل مكان ... فما تقول في هذه القضية ؟؟ ... قلت : أستميحكم عذرا ... فلندعها في مجلس آخر ....

نعود إلى مجلسنا فأقول :
انتهينا في الجلسة الماضية من قضية " إخراج المشركين من جزيرة العرب " ، وانها قضية لا توجب قتال الكفار فيها سواء كانوا من الامريكان أو من غيرهم من المعاهدين والمستامنين ، وانها مسألة فقهية وليست عقدية بهذا التصور ، ولذلك فاني سأنتقل إلى مناقشة المناط الثاني ، وهو أن هؤلاء ليس لهم عهد ولا ذمة ، وذلك إن أمريكا مثلا قد نقضت عهدها حين غزت افغانستان والعراق ، فيصير كل أمريكي أو بريطاني أو أي فرد من دول التحالف هو حربي يجوز قتله في كل مكان ولي حول هذه المسألة وقفات :
الاولى : أن تصرفاتكم يا " سرية القدس " تدل على انكم تجمعون كل هذه الاسباب ولا تفردون لها سببا واحدا ، فانتم حين دخلتم إلى " المجمع " فان رأيتم أمريكيا فانكم تقتلونه لانه حربي قد غزا العراق وافغانستان واعان اليهود ، وان وجدتم فلبينيا نصرانيا ، فانتم تحزون رأسه لأن حكومة الفلبين تقاتل المسلمين هناك ، فان وجدتم هندوسيا فانكم تقتلونه لان حكومة الهند تقاتل المسلمين في كشمير فيكون السبب في قتل هؤلاء :
1-أنهم مشركون في جزيرة العرب ... وأمرنا باخراجهم ، فجاز لنا قتلهم !!
2-انهم كفار حربيون ، وان دماءهم مهدرة – على حد قولكم – لانهم لا عهد لهم ولا أمان لسبيين :
الاول : لانهم حربيون .
الثاني : لان من اعطاهم العهد والامان " مرتد " فلا تصح عقوده ولا عهوده ...
وعندي إن هذا التصور من حيث " التوصيف " الفقهي بسيط للغاية – مع حرصي على إن يظل المجلس هادئا - ، ولذا فاني ساناقش القضايا هذه قضية قضية :
-اما كون هؤلاء مشركون في جزيرة العرب فجاز قتلهم ، فقد سبقت الاشارة اليه في المجلس الماضي ، وان الامر بالاخراج له ضوابطة وفقهه ، ومن قال بقتلهم فقد قال قولا لم يقله أحد من علماء المسلمين من السلف والخلف ، ولان قتلهم مخالف لمنطوق الحديث ومفهمومة ... فتاملوا
-إما القول بان عهود هؤلاء قد انتفت لان من اعطاهم الامان لا عهد له ولا ذمة فاني ساناقش هذه القضية بشكل موسع ، فاسمحوا لي إن اطيل عليكم قليلا .
يا " سرية القدس " :
ليس عندي شك البته أن انطلاقكم من قضية " تكفير الحكام " هي قضية محورية قد بني عليها اغلب تصرفاتكم ، فانتم حين كفرتم الحاكم أجزتم " الخروج " عليه ، ومناجزة جنده ، واسقاط العهود والعقود المتعلقة بالاستئمان ، ولذا فان هذه القضية حرية إن تناقش بشكل واضح ومن دون مواربة ولا مداهنة لا لكم ولا غيركم ...
واريد أن أشير اولا ، بأن ما اقول لكم هو " دين " أدين الله به ، ولست بوقا لأحد من الناس ، ولا أقول لكم هذا الكلام ، ولم اناقشكم فيه الا رغبة في الاصلاح ما استطعت ، وحفظا لدماء شباب المسلمين التي ذهبت في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، وقد سببت تصرفاتهم خروقا في المجتمع المسلم ، واهدارا لحرمة الامن ، وترويعا للآمنين ، وسفكا للدماء بغير حق ، وتعطيلا لجهود الدعوة المباركة ، ومزيدا من الضغط من قبل الاعداء المتربصين ، ورفعة لرؤوس الطابور الخامس داخل العالم الاسلامي والذي يتمنى إن تزول عن هذا البلد أي مظهر من مظاهر الاسلام والذي لا يوجد مثلها مثيلا في الأرض ، مع وجود نقص وضعف وأخطاء كبيرة وصغيرة .. ولكن الله امرنا بالعدل والانصاف ، فان جامعاتنا تخرج للناس دعاة يحملون عقيدة سليمة ، وايادي هذه البلاد بيضاء على الناس كلهم ، فكم من معهد يتخرج منه اناس موحدون ليس في عقيدتهم شائبة ، وكم من مسجد أصبح منارة للناس في الأرض ، وكم من زكاة وتبرع وصدقة خرجت من رحم هذه البلاد إلى المعوزين من مشارق الأرض ومغاربها ، وقد جلت في أمريكا ، وغيرها ورأيت أثر الدعوة في هذه البلاد على استقامة عقائد الناس وتصوراتهم ، بينما تدخل مساجد أخر ، فتجد التصوف والشرك والبدع ما ظهر منها وما بطن .. فمهما وجد في البلد من منكرات واخطاء فانها تظل مأرز الاسلام ، ومحضن الشريعة ، ونور الأرض كلها .. فلماذا نفعل بعض الافعال التي تزيد من ضعف العطاء الاسلامي ، وتزيد من استحكام اهل الفسق والعلمنة على مواقع التأثير في هذه البلاد ؟؟
( سرية القدس ) :
ولكن ما ذكرت كله لا يشفع للحكام ولا ينفعهم عندما وقعوا في " الردة " حين ظاهروا المشركين على المؤمنين ، وحكموا غير شريعة الله ، وطبقوا القوانين الوضعية ، وحاربوا اولياءه المؤمنين من المجاهدين الصادقين ، وفتحوا السجون لهم ، ومارسوا معهم صنوفا كثيرة من التعذيب والارهاق حتى حنقت عليهم النفوس ، وثارت عليهم العواطف ، مع ما اقترفوا من فتح ابواب دولتهم لغزو بلاد المسلمين وقتل اطفال المسلمين في العراق وافغانستان ، ولذا فان اعمالهم كلها هذه لا تنفعهم والله يقول لنبيه " لئن اشركت ليحبطن عملك " ، فما بالك بهؤلاء الحكام الذين خانوا الله ورسوله ، واسرفوا على انفسهم بكثير من الموبقات ..
إن هذه التصرفات كلهم تجيز لنا محاربتهم ، واسقاط عهودهم وعقودهم ، ونحن لا نتبع لهم ، بل نحن تحت إمرة القائد المجاهد اسامة بن لادن ، نأتمر بأمره ، ونمشي على ما يريد ... ولا نرى لهؤلاء بيعة ونرى جواز منابذتهم وقتالهم ... !
طيب .. الان يــا " سرية القدس " فكرتكم واضحة ، ولكني ساناقشها إن شاء بشكل يزيل – بعون الله – الاشكاليات ، فاسال الله الاعانة والتوفيق فاقول :
اولا : لا شك إن " التكفير " حكم شرعي ، ولا يجوز لاحد أن يطلق على فعل أو قول أو اعتقاد بأنه كفر الا بدليل واضح من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا يقضي على التشهي في قضية التكفير والعبث فيها ، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من رمي الانسان بالكفر من دون حجة واضحة بينة لا يتطرق اليها شك ولا اشكال ، فقال " من قال لاخيه يا كافر فقد باء بها احدهما " وقال " من رمى مسلم بكفر فهو كقتله " وقال " من قال لاخيه يا يهودي فان كان كذلك والا حارت عليه" ، وغيرها من الادلة التي تعظم من شأن التسرع بالتكفير ، ورميه جزافا ، الامر الذي نشاهده واضحا عند كثير من أبناء المسلمين ، وقد كان علماء المسلمين أبعد الناس عن التسرع في التكفير ، بل تواترت النصوص عنهم في التحذير منه والشناءة على من اتخذه منهجا له في حياته .. بل إن الامر الذي ميّز الخوارج عن غيرهم في زمن الصحابة هو تكفير المسلمين واستباحة اموالهم ودمائهم ، ولذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة وجوه كما قال الامام أحمد ذم الخوارج ، لانهم كانوا يكفرون المسلمين بالعموم ، ولا يتورعون في دمائهم وأموالهم ، بل كانوا يمارسون ذلك بارتياح نفس ، مع قناعة تامة بأنهم على الحق وان غيرهم على الباطل ، بل هم اهل قعود وتخذيل حتى قال شاعرهم :
سلام على القوم الشراة نفوسهم ** وليس على القوم القعود سلام
فالذي يتسرع في تكفير جموعا غفيرة من المسلمين ، ويستهين بدمائهم واموالهم فان فيه صفة من صفات الخوارج ... فتاملوا !
( سرية القدس ) :
ولكننا لا نكفر بالكبيرة كما كانت تفعل الخوارج ، وانما نكفر بامر حكم اهل العلم بأن ممارسته كفر ، فلا تصفنا بالخوارج فنحن لسنا مثلهم !!
أنا لم أقل انكم خوارج ، وليس هذا مهما عندي في هذا الصدد ، ولكني اريد الاشارة إلى أن اصل ذم الخوارج لم يكن لانهم يكفرون بالكبائر فقط ، بل لانهم استهانوا بقضية التكفير وغلوا فيها حتى كفروا عموم المسلمين ، ويشابههم في مسلكهم هذا من طرد التكفير وتسلسل فيه ، فحين يكفر الحاكم يكفر الوزراء ، والجنود وربما القضاة ، وقد يتسلسل معه الامر ليكفر كل من يعمل في الدولة ، وهذا لا شك أمر مذموم في الشريعة يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واجماع المسلمين سواء سمي الشخص خارجيا أو غاليا أو غير ذلك ....
ثانيا : ان التكفير منهج مضبوط عند اهل السنة والجماعة ، فان له شروطا لا بد إن تتحقق وموانع لا بد تنتفي حتى يقع الكفر على الاعيان ، وقد يحكم الانسان بأن الفعل كفر ، ويدرأ عن صاحبه الكفر لجهل أو تاول أو اكراه أو خطأ ، فلا يلزم من وصف الفعل بأنه كفر تكفير الفاعل ، ولذا فان " التكفير " للاعيان امر " قضائي " بمعنى انه يحتاج إلى استفصال وتحقيق وسؤال للفاعل حتى يتأكد القاضي أو الوالي أو العالم بأن كل الشروط قد تحققت ، أو كل الموانع قد انتفت ، ويقيم عليه الحجة الرسالية ، ثم بعد ذلك يكفره ، لان التكفير " حد " والحدود لا تطبق بــ " الظن " بل لا بد من يقين لا يتطرق اليه شك ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ادرءوا الحدود بالشبهات " ، فأي شبهة عارضة تعرض امام العالم أو القاضي أو المجتهد فانها تدرأ عن الانسان الكفر كما تدرا عن المسلم الحد ، فاذا كان الانسان يتورع عن وصف أخيه بانه زان أو سارق أو فاسق لانه لم يتيقن الامر ، فكيف يحل له أن يصفه بــ " الكفر " وهو اخراج له من دائرة الاسلام بامر مظنون ، ولذا فان من دخل في الاسلام بيقين لا يزول عنه الا بيقين مثله أو اعلى منه ، كما إن من دخل بالسنة بيقين لا يزول عنه وصف " السنة " الا بيقين مثله أو اعلى منه ....
ثالثا : النبي صلى الله عليه وسلم أجاز منابذة أولي الامر اذا رأى الانسان كفرا بواحا عندنا فيه من الله برهان كما جاء في حديث عبادة بن الصامت ، والكفر البواح هو الكفر الواضح الذي لا تختلف الاذهان في اعتباره كفرا ، ويخرج من هذا كل فعل لم يتفق الناس على أنه كفر ، فان الانسان لا يكفر بأمر مختلف فيه ، بل لا بد ان يكون الامر الذي يكفر فيه الانسان أو يعلنه الحاكم هو الكفر البواح الذي لا خلاف فيه ، والا لكان كل من رأى امرا يرى انه كفر خرج لصار في الأرض فساد عريض .
رابعا : إن هذه القضايا التي تنكرونها على الحكومة وتكفرونها بها قد تنازع الناس فيها ، فهناك من لا يوافقكم في حدوثها مثل دعم الامريكان على افغانستان ، أو دعم الامريكان في حرب القتال ، وهناك من يقركم على إن هذا حدث من الحكومة ، ولكن فعلها ليس كفرا كما تقولون ، وبيان ذلك الاتي :
لاشك إن " التولي " المطلق كفر أكبر ، وهو أمر يتفق عليه الفرقاء والمقصود بالتولي المطلق هو المظاهرة والمودة والنصرة والمحبة ، فان الفاظ اللغة العربية تأتي مطلقة فيدل في اللفظ معانية مجتمعة ، وهذا لا شك انه كفر إن كان توليا عاما مطلقا .. ولذا قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله : " إن كان تولياً تاماً كان ذلك كفراً وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ وما هو دونه " ، فكان من اعانهم محبة في دينهم ، ورغبة في ظهور الكفر على الاسلام ، ونكاية بأهل الاسلام لاجل ذلك فهو كافر بلا شك عند العلماء قاطبة ...
ولكن يبقى الخلاف فيمن اعان الكافر على المسلم لأجل مصلحة خاصة ، أو خوف من الكافر ألجأه إلى هذا الفعل ، فهل هذا يكون كفرا ؟؟
عندي أنكم يا ( سرية القدس ) ترون انه كافر بالاجماع .. أليس كذلك ؟؟
( سرية القدس ) :
لا شك أنه كافر بالاجماع ، سواء كان التولي مطلقا تاما ، أو مجرد إعانة للكفار على المسلمين وخاصة إن افضى إلى قتل مسلم ، وقد نقل الاجماع على إن هذا كفر مخرج من دائرة الاسلام جماعة من أهل العلم منهم ابن حزم ، ومن المعاصرين الشيخ ابن باز رحم الله الجميع وغيره من ائمة الدعوة رحمهم الله ، بل قد عده الامام الشيخ محمد بن عبدالوهاب من نواقض الاسلام فقال : معاونة الكفار ومظاهرتهم على المسلمين .... فلا شك انه كافر ...
طيب ، لا بأس ، ساناقشكم في هذا الامر ، وساثبت لكم إن شاء الله بان دعوى الاجماع هذه منقوضة ، وخاصة إن الذين نقلوا الاجماع من اهل العلم قالوا بانه يكفر بأي إعانة سواء كانت قليلة أو كثيرة ، بل قال بعضهم بانه لو اعانهم بكلمة فهو كافر ، فاقول :
قسم شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله الاجماع إلى نوعين :
الاول : الاجماع القطعي ، وهو الذي استفرغ فيه العالم الجهد والطاقة واستقرا اقوال اهل العلم ثم اثبت الاجماع القطعي الذي لا يقبل خلافا ، بل لا يمكن إن يعارضه النص الشرعي أبدا ، ولا ارى إن قضية الاعانة داخله في هذا النوع من الاجماعات .. فتاملوا
الثاني : الاجماع الظني ، وهو الذي ينقله العالم ظنا منه انه استقرأ اقوال اهل العلم كلهم ، فان رأى الانسان إن النص يخالفه فانه لا يعتد بالاجماع بل يأخذ بالنص ، وقد سبق إن ذكرت إن ابن حزم رحمه الله قد نقل الاجماع على كفر من أعان الكافر على المسلم ، ومع ذلك فقد ورد عن ابن حزم ما يشكل على هذا الاجماع من اقواله هو حيث قال : " وأما من حملته الحمية من أهل الثغر من المسلمين فاستعان بالمشركين الحربيين وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين أو على أخذ أموالهم أو سبيهم فإن كانت يده هي الغالبة وكان الكفار له كأتباع فهو هالك في غاية الفسوق ولا يكون بذلك كافراً لأنه لم يأت شيئا ً أوجب به عليه كفراً قرآن أو إجماع " !! .
كذلك ، فان حديث حاطب بن ابي بلتعة رضي الله عنه يدل على إن مجرد الاعانة ليست كفرا ، فانتم تعلمون إن حاطبا قد ارسل إلى الكفار يخبرهم بمسير النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا لا شك إعانة للكافرين ، ومع ذلك فقد استفصل منه النبي صلى الله عليه وسلم عن السبب الذي حمله على فعله فاخبره انه لم يكن حبا في الكفر ولا كرها في الاسلام ، ولكنها الحاجة الخاصة ، فلم يكفره النبي صلى الله عليه وسلم لهذا السبب ، وانظر ما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في قصة حاطب : "قوله في قصة حاطب بن أبي بلتعة فقال عمر : دعني يا رسول الله فأضرب عنقه " إنمـا قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به لما كان عند عمر من القوة في الدين وبغض من بنسب إلى النفاق وظن أن من يخلف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل لكنه لم يجزم بذلك فلذلك استأذن في قتله وأطلق عليه منافقاً لكونه أبطن خلاف ما أظهر وعذر حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولا أن لا ضرر فيه وعند الطبري من طريق الحارث عن علي في هذه القصة " فقال أليس قد شهد بدراً قال بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك "
واني ساسألكم يا " سرية القدس " سؤالا .. أرجو إن تجيبوا عليه ..وهو :
ما تقولون في " الجاسوس " المسلم الذي يذهب إلى بلاد المسلمين ويتجسس عليهم في الحرب ، وينمي أخبارهم إلى الكفار ؟؟ اليس هذا يفتك بالمسلمين اشد من فتك الطائرات والدبابات ، حيث يكشف ثغرات المسلمين وعوراتهم للكافر الحربي ؟؟ هل تقولون انه مسلم ؟؟
( سرية القدس ) :
لا ... ليس مسلما ، لان الاجماع قد انعقد على إن من اعان الكفار على المسلمين فهو كافر .. !!
وانا اقول : إن دعوى الاجماع قد انتقضت ، بقصة حاطب أولا ، وبأمر اخر اريدكم أن تتأملوه جيدا ، وهو إن جمهو الفقهاء يرون أن الجاسوس المسلم لا يكفر ، وقد تنازعوا في قتله، ولو كانت مجرد الاعانة للكافر تعد كفرا اكبرا لما اختلف الفقهاء في الجاسوس المسلم ، فكيف تقولون الامر إجماع، وجمهور الفقهاء على عدم كفر الجاسوس ، وعمدتهم في هذا هي : قصة حاطب بن ابي بلتعة ، وهنا تنتقض دعوى الاجماع على إن مجرد الاعانة كفر أكبر ... مع اني لا اهون من شان اعانة الكافر للفتك بالمسلمين ، فانها شر كبير ، وذنب مستطير ، وجرم موبق ، ومع ذلك فليس مجرد الاعانة تكون كفرا الا اذا كانت " توليا مطلقا " ...
بقي أمر اخير في مسألة اعانة الكافر على المسلم ، وهي ان مثل هذه المسألة لا بد أن يقر بها الحاكم ، ولا يكون متاولا فيها ، فان بعض الحكام الان لما تسأله عن السبب الدافع لفتح الافاق مثلا للكافر ، أو لتقديم التسهيلات له ، فانه يتذرع بالسياسة الشرعية ، وقد تقولون كيف يكون هذا؟؟
يقول الحاكم .. هذا الكافر قد أقبل مكشرا عن أنيابه لا يلوي على شي ، وهو مثل الاسد الجريح الذي يريد إن يلتهم كل شي في طريقه ، وعنده من المبررات المحرجة في غزو افغانستان مثلا ، وكل من عارضه جعله في خانة خصمه وعدوه، وهو عدو لا نستيطع رده ولا الوقوف بوجهه، ولو عارضناه أو لم نقبل اعانته لفقدنا ليس افغانستان فقط بل عدة دول من دول المسلمين ، وان كان سيقتل في افغانتسان الفا ، فانه سيقتل في غيرها آلافا مؤلفة من المسلمين ، وليس لنا قدرة على مقاومته ، فصرنا في موضع حرج للغاية ، هل نضحي بدولة واحدة .. ام نضحي بعدة دول وآلاف من القتلى ؟؟، وقد رأينا إن نرتكب مفسدة دنيا ( سقوط دولة واحدة ) في سبيل درء مفسدة كبرى ( سقوط دول كثيرة ) - السعودية وباكستان مثلا - ، هل ترون له وجها في هذا يا سرية القدس ؟؟
وهو يستدل بقول الله تعالى "لا يتخذ المؤمنين الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شي الا إن تتقوا منهم تقاه " فقال إن فعلنا هذا كله من باب التقاة الذي ستحمينا من شر هذا العدو الفتاك ، وليس من مصلحة المسلمين نبذ العهد اليه ، لانه سيجدها فرصة لاستحلال بلادنا ، ونهب خيرات المسلمين ...
اعلم انكم لا تقرون مثل هذا الكلام .. ولكني اراه كافيا لرد الكفر عنه ، وحمله على التأول في مثل هذا الحال ، بل ارى إن لفعله وجها في السياسة الشرعية ، فان المفسدتان اذا تعارضت ارتكبت المفسدة الدنيا في سبيل درء المفسدة الكبرى كما قرره اهل الاصول والقواعد ... فهم لم يفعلوا هذا حبا في امريكا ، بل ربما يلعنونها في الصباح والمساء ، ولكنهم يتقون شرها بمثل هذه الافعال ، " الا إن تتقوا منهم تقاه " وهي موافقة الكافر وموالاته في الظاهر ....
يبدو أني اطلت عليكم ، ولذا فاني في المجلس القادم ساناقش تكفير الحكام في قضية " الحكم بغير ما انزل الله " ، واثر هذه القضايا كلها على عقود وعهود الكفار في جزيرة العرب وغيرها .... فارتقبوا !!
استميح الاخوة عذرا عن الاغلاط الاملائية لاني كتبت المقال ولم اراجعه !!

( سرية القدس ) :
قبل أن تدخل يا اخ استفهام في قضية " الحكم بغير ما أنزل الله " ، فان هناك امورا بقيت تتعلق بالجزيرة العربية وحدودها ، لا بد أن ننهيها ، ولا نرى انك استوعبتها في كلامك السابق ، وعليه فاننا سنذكر بعض الأمور المتعلقة بهذه القضية فنقول :
المسألة الاولى : أن لفظ " جزيرة " في لغة العرب هي التي يحيط بها الماء من كل الجهات ، وانما قيل ذلك من باب المجاز اللفظي ، والا فهي شبه جزيرة ، وهذا هو رأي أهل اللغة كالأصمعي وغيره ، ولذا فان الذي يقول بأنها الحجاز مثلا قد خالف المعنى اللغوي الذي نطقت فيه النصوص ، والعرب إنما كانت تقيم في هذه الجزيرة الجغرافية المعروفة الحدود ، ومع احترامنا للعلماء الذين قالوا بغير هذا الا ان العدول عنه إلى غيره تكلف وتمحك ، فاليمن والحجاز ونجد وهجر والبحرين واطراف العراق هي مقام العرب وهي التي تسمى " جزيرة العرب " ...!
فهل تريد إن ترد على المسائل مسألة مسألة أم ننهي كل ما عندنا ؟؟
نعم ... سأجيب عليها نقطة نقطة .. فأقول :
اذا قلت أن الجزيرة هي التي تحيط بها المياه من كل جانب ، فان هذا لا ينطبق على جزيرة العرب التي تريدون ، فان شمالها لا نهر فيه ولا بحر ، وهي " شبه جزيرة " وليست " جزيرة " فلماذا يلجا إلى وصفها بامر ليس في لغة العرب ؟؟ وهذا يدل على أن المعنى اللغوي ينتقل ليكون معنى شرعي ، وهذا امر معروف في الفقه الاسلامي ، فان هناك معان كثيرة تطلق ويراد بها المعنى الشرعي دون اللغوي مثل الحج ، والصلاة والزكاة وغيرها ، فلفظ " جزيرة العرب " هو لفظ شرعي له احكام تخصه ، ومن قال إن " جزيرة العرب " هي الحجاز ، فذلك لاختصاصها بأرض الحرمين والتي لا يجوز إن يقربها المشركون الا على سبيل المرور السريع ، واذا ما نظرنا في علة عدم بقاء المشركين في جزيرة العرب فاننا سنقول انه لا ميزة لأرض يقيم بها العرب قبل الاسلام ، وليست الميزة لحدود جغرافية ، وإنما الميزة لقدسية أرض الحرمين ، ولذلك قال الله تعالى " يا ايها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا .." ، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الاسلام ليأرز إلى مكة والمدينة كما تأرز الحية إلى جحرها " ، فدل على إن هذه البقعة من الأرض لا بد من حفظها حتى لا يدنسها المشركون هي وما والاها ، ولذا وتطبيقات الصحابة وتصرفاتهم تدل على انهم فهموا هذا الفهم من مراد النبي صلى الله عليه وسلم ... هذا اولا
الامر الثاني : أن من يقول بقولكم سيجزم قطعا بأن الصحابة لم ينفذوا امر النبي صلى الله عليه وسلم وأمره باخراج المشركين من جزيرة العرب ، فاذا كان ابو بكر الصديق رضي الله عنه تقولون انه انشغل بحروب الردة ، وعمر اجلى اليهود ، فان عمر لم يجلهم إلى خارج حدود الجزيرة بمعناها اللغوي الذي تقولون ، ونصارى نجران لم يتعرض لهم احد هم ويهودها ، وانتم تجزمون أنها من حدود جزيرة العرب ، فهل أنتم تقومون بأمر لم يفعله المسلمون في تاريخ خلافتهم الراشدة مع تمكنهم من حيث القوة والغلبة والقدرة ؟؟ ، لا بد إن تسألوا انفسكم لماذا لم يفعل الخلفاء الراشدون هذا .. حينها ستعلمون إن القضية ليست كما تتصورون وتظنون .. فتاملوا وهاتوا المسألة الثانية .
( سرية القدس ) :
المسألة الثانية : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بإخراج المشركين من جزيرة العرب ، وقولك إن القتل غير الاخراج هو أمر لا نوافقك فيه ، فان النبي صلى الله عليه وسلم أمر باخراجهم ، فكان أي وسيلة يتم الاخراج بها فهي مشروعه ، سواء بالقتل أو بغيره ، وخاصة إن الكافر الواحد الذي لا شوكة له ولا منعه مباح الدم ، فيجوز قتله تقربا إلى الله ولو كان قتله متجردا عن أي منفعه دنيوية ، وهذا أمر نافع في ردع الكافرين والمشركين من دخول جزيرة العرب ، اما من جاء معتديا وله شوكه فان إخراجه من باب جهاد الدفع الذي هو جهاد شرعي باتفاق .. فما تقول ؟؟
أقول : كلامكم هذا يرد عليه من عدة أوجه :
الاول : أن لفظ الإخراج في اللغة يختلف عن القتل ، ولو افترضنا ان سيدا قال لعبده أخرج الاناء من الدار ، فكسره لكان متعرضا للعقوبة ، لأنه خالف امر سيده في هذا ، فهو أمره بالاخراج ولم يأمره بالكسر ، و هذا الكافر إما أن يكون من اهل الجزيرة الأصليين ، فهذا لا بد من إن ينبذ اليهم العهد ويخبرون كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود ، وكما فعل معهم عمر رضي الله عنه...
واما من دخلها آفاقيا عليها ، فانه دخل بالامان والعهد ، فيخرج منها بعد نبذ الأمان له واخباره بعدم البقاء بها ، وهي ممارسة سياسة شرعية يقوم بها الوالي وليس لآحاد الناس ، وهذا ما ساناقشه في الفقرة التالية إن شاء الله .
ثانيا : أن ممارسة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والخلفاء في قضايا العهود والمواثيق العامة واضحة بينه ، فلم يكن جماعات أو افرادا هم الذين يقومون بهذا الأمر ، بل كان الوالي أو من ينيب هم الذين يباشرون هذه القضايا ، ومنها " إخراج المشركين من جزيرة العرب " ، وقد روى البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال : بينما نحن في المسجد إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (انطلقوا إلى يهود، فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدراس فقام النبي صلى الله عليه وسلم فنادى : يا معشر يهود : أسلموا تسلموا، فقالوا قد بلغت يا أبا القاسم . فقال : ذلك أريد، ثم قالها الثانية، فقالوا : قد بلغت يا أبا القاسم، ثم قالها في الثالثة فقال : اعلموا أن الأرض لله ورسوله وإني أريد أن أجليكم فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه وإلا فاعلموا أنما الأرض لله ورسوله( ، فيدل هذا على إن الامام هو الذي يباشر الاجلاء وليس لآحاد الناس إن يفعل هذا ، وكذا عمر حين اجلى اليهود ، كانت الصحابة رضوان الله عليهم يعرفون امر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد روي الحديث من طرق عن عائشة وجابر وغيرهما ، ومع ذلك فقد قدروا المسألة قدرها ، واوكلوها إلى الوالي الذي من مهماته ممارسات القضايا العامة التي تتعلق بالمسلمين ..
فان قلتم إن المسلمين لا إمام لهم ، فأقول تنزلا : في حديث حذيفة في صحيح البخاري إن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين سأله عما يفعل حين لا يكون للمسلمين إمام فقال : تلزم جماعة المسلمين ، فلا يخرج عن رأي جمهورهم ، وجمهورهم الان يخالفونكم هذه الفهوم وهذا التصرف ... فتاملوا .
ثالثا : لو سلمنا لكم- من باب التسليم الجدلي في المناظرة - انه يجب اخراجهم من كل الجزيرة العربية على قولكم ، فان هذا لا يعني فعل هذا الامر اذا كانت تترتب عليه عظائم كثيرة وكبيرة على الاسلام والمسلمين ، فاذا كان القيام بهذا الامر الشرعي سيجلب على المسلمين مصائب كبيرة ، من اختلال امنهم ، وضعف اموالهم واقتصادهم ، وكان هذا الأمر مسوغا ومبررا لقوة غاشمة إن تستبيح بيضة المسلمين ، وتقضي على جميع أبواب الخير عندهم ، فان هذا يجعل الانسان يترك مثل هذا الامر ولو كان شرعيا ، لان من المقاصد المقررة في الشريعة إن المفسدة الكبرى تدرأ بارتكاب المفسدة الدنيا ، فان كان المشركون قد بقوا في عصر الرسالة والطهر والقرون المفضلة دون إخراج ، فمن باب اولى إن كان يترتب على قتالهم واخراجهم إن يترك هذا الامر وان كان حقا وشرعيا في هذا الوقت ، فان النبي صلى الله عليه وسلم ترك هدم الكعبة واقامتها على قواعد ابراهيم لان قومه حديثوا عهد بجاهلية ، وترك قتل المنافقين حتى لا يتحدث الناس إن محمدا يقتل أصحابه ، وخاصة اذا عرفنا إن أمريكا مثلا تريد مسوغا كبيرا لاحتلال منابع النفط والقضاء على مؤسسات الخير والجامعات الشرعية في الجزيرة ، وهي تتحدث الان عن مشروع تقسيم للجزيرة ، وتفتيتها إلى دوليات فان من الحكمة إن لا اتصرف تصرفا أستعجل فيه قدوم عدوي الي ، واعطاءه المسوغ لأن يحشد العالم كله ضدي ، وقد رأينا اننا قبل سنيات فقدنا دولة كانت املا للكثير عندما لم نقدر وضع العدو حق قدره ، وأنا على يقين ان امريكا لو غزت السعودية مثلا فانها لن تبقى فيها أمدا كبيرا ، ولكن ستخرج بعد إن تفت أرض الجزيرة إلى دويلات متقاتله قبلية أو طائفية ، واذا قارنت هذا بوضعها الحالي فانه وضع مثالي ، ولا يليق بالعاقل إن يترك امرا واضحا أمامه في سبيل المراهنة على منهج لا يعلم على ماذا سينتهي ، وخاصة إن مقاييس القوة والضعف تنبي عن بون شاسع بين قوة المسلمين وقوة اعدائهم الامر الذي يحتم عليهم إن يعملوا بفقه زمن الضعف ، ويعدو العدة بدل إن يدخلوا في معركة غير متكافئة .... فتاملوا هذا جيدا

( سرية القدس ) :
لا بأس بالولوج في هذا الموضوع ، ولا شك أننا نعتبر هؤلاء الكفار في الجزيرة العربية هم :
1-إما محاربون قد نقضوا عهودهم ومواثيقهم لكونهم أهل حرب على الاسلام ، فان أمريكا وحلفها قد اعلنوها حربا صليبية على الاسلام والمسلمين ، ولم يكتفوا بالاعلان فقط ، بل غزوا بلادنا في افغانستان والعراق ، ودعموا دولة المسوخ " اسرائيل " وكل هذه القضايا مبررة لانتقاض عهودهم ومواثيقهم . هذا من جهة .
من جهة أخرى ، فاننا نرى إن " الدولة " التي أعطت هذه المواثيق والعهود هي دولة كافرة ، ولذا لا اعتبار لعهودها ومواثيقها ، ونرى انتقاض أي عهد وعقد تبرمه مع هؤلاء .
2-أن دخول جزيرة العرب محرم على المشركين بعد إعلان النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمره للصحابة الكرام رضي الله عنهم بقوله " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب " وعلى هذا فلا عبرة بالعهود والمواثيق في جزيرة العرب لهؤلاء فيبقون على أصل هدر الدم للكافر ، ولا يعصمه من ذلك عاصم ...
3-أن قتل هؤلاء الكفار في جزيرة العرب نعتبره تأديبا لأي كافر يقدم إلى هذه الجزيرة ، وحتى يخرج من فيها ، وتنقيتها من كل مشرك استجابة للأمر الشرعي ...فهل ترى أن كل هذه الامور ليست مبيحة لقتل وقتال هؤلاء ؟؟
نعم ... كل ما ذكرتم هداكم الله لا يبيح أن تقتلوا أو تقاتلوا الكافر في المملكة العربية السعودية ، وانا قلت المملكة لان هذا هو واقعها والمتعارف عليه عند الناس ، والامر الثاني أن أجزائها ليست محل اتفاق أنها هي جزيرة العرب ، وخاصة شرقها ، فان الخلاف بين أهل العلم قوي فيه ، واعتباره من جزيرة العرب هو اعتبار نسبي ، وخاضع لاجتهاد المجتهدين ، وليس أمرا قطعيا ملزما لجميع المسلمين ..!!
واما ما ذكرتم فاني سأقدم له بمقدمة فأقول :
أمر الله تعالى المؤمنين بالوفاء بالعقود فقال " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " ، وقال " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا " ، وعلى هذا يتأسس أن من صفات المؤمن الوفاء بالعهد والميثاق ، وان من صفات الكفار واليهود وأئمة الكفر نقض العهود والمواثيق ، كما قال تعالى " وان نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ، وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون " ، وهذا أمر للتذكير في بداية الحديث حول هذه القضية المهمة ..
والان .. لنبدأ في الرد على المسألة الاولى ، وهي أن هؤلاء الكفار قد انتقضت عهودهم لانهم يحاربون المسلمين في العراق وافغانستان وغيرها ، فهم اذن حربيون وليسوا بمعاهدين ، وهذا النقطة يرد عليها من عدة وجوه :
الوجه الاول :
أن الأصل في الأمة أنها امة واحدة ، لا تحدها حدود وان ذمتها واحده ، يقوم بها أدنى الناس ، وهم يد على من سواهم ، ولكن هذا هو الاصل ، والواقع يخالفه ، فان الأمة الإسلامية الان ممزقة إلى دويلات كثيرة ، ولكل دولة عهد وميثاق منفصل ، فاذا كان الامر كذلك ، فان لكل دولة عهد وذمة منفصلة ، فقد تكون دولة من المسلمين ( عهدية ) في وقت تكون دولة أخرى ( حربية ) لدولة كافرة واحدة ، وليس التعدي على الاولى ( الحربية ) يفسخ عقد وعهد الاخرى ( العهدية ) ، ومما يدل على ذلك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاهد كفار قريش في " الحديبية " وكان من بنود العهد بينهم أن من جاء مسلما من الكفار فان على النبي صلى الله عليه وسلم يرده ، فرد النبي صلى الله عليه وسلم أبا جندل وابا بصير ، فقام أبو بصير رضي الله عنه بشن غارات على قريش وقوافلها ، ففي الوقت الذي تعتبر ذمة النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة لقريش ( عهدية ) كانت ذمة أبي بصير بالنسبة لقريش ( حربية ) ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، بل قال " مسعر حرب لو كان معه رجال " لانه لم ينطلق من غاراته على الكفار من داخل " ذمة " النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما كانت له ذمة منفصلة عن ذمة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذا لم تكن تصرفاته مشكلة على ذمة النبي صلى الله عليه وسلم ولم تنتقض ذمة النبي صلى الله عليه وسلم لاجل ممارساته ، لان الكفار يعلمون انه مستقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، واذا طبقنا هذا على واقعنا لوجدنا إن ذمة ( افغانستان ) بالنسبة لأمريكا هي ذمة ( حربية ) لانها اعلنت الحرب عليها ، وكذلك ( العراق ) فان ذمتها مع أمريكا ذمة ( حربية ) بينما دول الخليج بينهم وبين أمريكا ( عهد ) ولم يعلنوا الحرب عليها ، ولم تعلن الحرب عليهم ، مع وجود عداوات بينهم ، واذا ارادت أي دولة حرب أمريكا فان عليها أن تنبذ اليها عهدها وتخبرها بأنها حربية ، ولذا لا يلام من يقاتل الكفار في دولة تعتبر معها ( حربية ) ، ولذا فاني اشد على أيدي الاخوان إن يحاربوا أمريكا في أفغانستان مثلا لانهم ينتقلون من ذمة عهدية إلى ذمة حربية ، ولكني ارى عدم جواز قتال الامريكان في السعودية مثلا لان هناك عهد وميثاق مع الداخلين من الامريكان والكفار وغيرهم ... فتأملوا
ومما يدل على إن التعدي على المسلمين لا يبطل العهد والميثاق مع الكافر قول الله تعالى " وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر الا على قوم بينكم وبينهم ميثاق " ، فسواء قلنا أن المقصود بهذا دولة أخرى أو جماعة من المسلمين مستقلين عن الدولة التي نحن فيها ، أو قلنا انهم المسلمون الذين لم يهاجروا واقاموا في بلاد الكفر ، فان تعدي الكافر عليهم لا يجوز نقض عهده وميثاقه بنص الاية ، وهذا يدل على إن العهد لا ينتقض بالنسبة للكافر لاعتداء دولته على المسلمين ...
الوجه الثاني :
أننا لو قلنا بأن هؤلاء من رعايا الدولة الحربية حربيون وليسوا معاهدين ، فان هذا لا يعني جواز قتلهم اذا دخلوا بلاد المسلمين ، فان الرجل الحربي اذا كان في معركة فيها ضرب الطائرات ، وقذف المدافع ، وقد طلب العسكري الحربي أمان فانه يعطى الأمان ولا يجوز التعدي عليه ، فاذا دخل إلى عسكر المسلمين أو دولتهم وقد فهم منه " الامان " فلا يجوز التعدي عليه وقتله ، ودليل ذلك أن العاص بن الربيع قد تخفى حتى دخل بيت رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم وهو رجل حربي ، فخرجت رضي الله عنها إلى الناس وأعلنت انها أجارته ، فلم يجز لأحد من المسلمين إن يتعدى عليه حتى لو كان رجلا حربيا ، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام " لقد أجرنا ما أجرت يا ام هانئ " ، وعلى هذا فلا يجوز التعدي عليه حتى لو كان حربيا ما دام أنه اعطي عهدا أو امانا ، ومن قتله أو تعدى عليه فقد خفر ذمم المسلمين ، وهو لا شك محرم بنص الكتاب والسنة .. اما من دخل بلاد المسلمين وقد اعلن الحرب عليها ، ودخل على انه غاز أو محتل ، فان هذا هو المباح الدم والمال ، فمن قتله فليحسن القتله !
الوجه الثالث :
أن اعتبار هؤلاء حربيون لا يجوز قتلهم مالم يقاتلوا ، فان العلة الجامعة في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الاطفال والنساء والرهبان والعسفاء ، والزراع والحراث وغيرهم هي عدم " المقاتلة " ذلك أن العلة في قتال الكافر ليس مجرد كفره ، بل هي المحاربة والممانعة ، وقد نسب شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله هذا القول إلى الجمهور – اعني إن العلة المقاتلة وليس مجرد الكفر – كما في الصارم المسلول ، ولم يخالف في هذا الا الشافعي الذي يرى إن المبيح للدم هو الكفر ، ومما يدل على إن المقاتله هي العلة التي تبيح القتل والقتال أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى امراة مقتولة في غزاة قال " هل كانت هذه لتقاتل " ، وكذا قول الله تعالى " و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " .
المسألة الثانية : وهي أن " الدولة " التي أعطت هؤلاء العقود والمواثيق ليست مسلمة ، ولذا انتقضت العهود والمواثيق فالرد عليه من وجوه :
الوجه الاول :
أن الكفار الموجودين في السعودية ليس كلهم ابرموا عقودهم وعهودهم مع " الدولة " فان منهم أفرادا دخولوا بذمة الافراد ، وهناك شركات هي للملك الخاص للناس وليست للدولة ، وهناك شركات شبه حكومية ، فليست العقود والعهود مبرمة من قبل الدولة فقط ، هذا إن سلمنا لكم بكفر الدولة ، فان المسائل التي تحكمون عليها من خلالها ليست مسلمة لكم بأنها من الكفر الأكبر ، بل إن جمهور علمائنا في البلد لا يرون كفر الدولة بل يرون انها دولة مسلمة ، ولها بيعة شرعية ، وعلى هذا جمهور الناس في البلد ، وهي تعلن تطبيق الشريعة حتى لو وقعت في خروقات لها في بعض الجوانب الاقتصادية أو السياسية أو الاعلامية أو غيرها .
الوجه الثاني :
إن العهد والأمان لا تعتبر فيه نية المسلم بل تعتبر فيه نية الكافر ، فاذا جاء الكافر إلى هذه الأرض الإسلامية فهو يظن أن جمهور الناس مسلمون دون معرفته للخلافات بينهم وتكفير بعضهم البعض ، فاذا ما فهم الكافر انه اعطي العهد والامان لم يجز لأحد إن يتعدى عليه ، و يدل عليه ما رواه سعيد بن منصور في سننه عن عمر رضي الله عنه أنه قال : " لو أن أحدكم أشار بإصبعه إلى السماء إلى مشرك فنزل ـ أي ظناً أنه أراد الأمان ـ فقتله لقتلته ". وعلى هذا يكون المعتبر في الأمر هو " عقيدة العلج " وليست عقيدة المسلم ، وقد ذكر المرداوي في الانصاف عن الامام أحمد أنه قال : إذا أشير إليه - أي الحربي - بشيء غير الأمان، فظنه أماناً، فهو أمان، وكل شيء يرى العلج (أي العدو من الكفار) أنه أمانٌ فهو أمان، وقال : إذا اشتراه ليقتله فلا يقتله؛ لأنه إذا اشتراه فقد أمّنه " ولذا قال شيخ الاسلام ابن تيمية : " فهذا يقتضي انعقاده بما يعتقده العلج، وإن لم يقصده المسلم، ولا صدر منه ما يدل عليه " .
الوجه الثالث :
لو سلمنا لكم جدلا بأن من أعطاه العهد والامان كافر ، فان هذا لا يعني انتقاض عهده لما تقرر من قبل بأن المعتبر في الامر هو عقيدة العلج ، فمتى مافهم الامان أمن ، ولا يجوز الاعتداء عليه ، ولأن عقد الامان وشبهة الامان بمنزلة واحدة ، فحتى لو كان الذي اعطى الكافر العهد أو الامان غير مسلم وفهمه الكافر أمانا فان هذا من شبه الامان التي تعامل معاملة الامان الصحيح ، فقد روى ابن وهب بإسناده كما في المدونة في " باب أمان المرأة والعبد والصبي " أن عمر رضي الله عنه بعث كتاباً إلى سعيد بن عامر وهو يحاصر قيسارية فقال فيه : " وإذا أمنه بعض من تستعينون به على عدوكم أهل الكفر فهو آمن حتى تردوه على مأمنه أو يقيم فيكم ، وإن نهيتم أن يؤمن أحد أحداً فجهل أحد منكم أو نسي أو لم يعلم أو عصى فأمن أحداً فليس لكم عليه سبيل من أجل أنكم نهيتموه فردوه إلى مأمنه إلا أن يقيم فيكم ، ولا تحملوا إساءتكم على الناس فإنما أنتم جند من جنود الله" .
وعلى هذا ، فان شبهة الامان والعهد هي بمثابة الامان الصحيح المتفق عليه ، فان السلف قد تنازعوا في كفر " الخوارج " ومع ذلك فقد امضوا عهودهم وأمانهم ولم يخفروهم فيها ، وقد قال سحنون وهو من فقهاء المالكية " وأمان الخوارج لأهل الحرب جائز "، فليس تكفير الحاكم ، أو تفسيقه مبيحا لنقض عهود المعاهدين ، فيجب على المسلم إن يتورع في الدماء ولا يقدم على القتل والتدمير بالظن ، بل بأمر لا يتطرق اليه اختلاف أو شك .
الوجه الرابع :
اننا لو افترضنا إن ممارسات الكفار تنقض عهودهم ومواثيقهم ، فليس لأحد أن ينقض عهد كافر أو امانه عن غيره ، فان الذي أعطاه العهد والامان هو الذي يخبره بانتقاض عهده ، ويبلغه مأمنه ، وليست المسألة خاضعة لاجتهادات المجتهدين ، والا لتقاتل الناس وابطلوا ذمم بعضهم بعضا ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد حرم خفر ذمة المسلمين ، فقال " من خفر ذمة مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا " وخاصة اذا كانت العقود والعهود من القضايا العامة التي تتعلق بمصالح المسلمين ، فان الذي يعطي هذه العقود والعهود هو الذي ينبذها ، وليس لآحاد الناس حق في نقضها أو الافتئات عليها ، فاذا ما حصل هذا فهو تعد وظلم يوجب العقوبة على فاعله .
الوجه الرابع :
أننا لو قلنا بانتقاض العهود والمواثيق كلها ، سواء تلك التي ابرمها الحكام أو ابرمها عموم الناس اذا كفر الحاكم ، فان هذا يلزم منه لوازم باطلة كثيرة ، من انتقاض عهود الذمم والتجارة والانكحة وغيرها .
فان قلتم يا ( سرية القدس ) بان العقود التجارية والانكحة متلقة بالاحاد وليس للحاكم دخل فيها ، فان الامان والعهد يجوز من آحاد المسلمين ، ولو تاملنا مثلا شركة " فينيل " فهي شركة قد ابرمت عقودا مع آحاد من المسلمين قد أعطوها العهد والامان ، فكيف تجيزون لانفسكم إن تخفروا عهود المسلمين وذممهم ؟؟ !
المسألة الثالثة : وهي إن عقود من دخل إلى الجزيرة عقود باطلة ، وعليه فان دماءهم مهدره ، فأقول :
أن بطلان العهد أو الامان ، أو الشبهة فيه – كمن يرى ذلك في الكفار في جزيرة العرب – لا يعني جواز التعدي عليهم ، لاننا في السابق قد قررنا امورا منها :
1-أن الكافر اذا انتقض عهده وجب ابلاغه ممن امنه أو عاهده بننذ عهده اليه .
2-أن العلماء قد اختلفوا في الجزيرة العربية وحدودها على اقوال قد تم ذكرها سابقا ، وعليه فان المسألة خلافية لا يجوز إن يرتب عليها عمل مثل القتل والتفجير واستباحة الدماء ، لان هذه الامور تفعل في الامر المتفق عليه لا الامر المختلف فيه .
3-إن المنع من دخول الكافر إلى جزيرة العرب المقصود به الاستيطان ، واما المقيم اقامة مؤقته إلى امد فان أحكام العهد والامان بحقه لا تختلف عن غيرها من بلاد المسلمين .
4-أن امر الاخراج موكول إلى الوالي ، وليس لآحاد الناس على فرض القول به ، وعليه فلا يجوز لآحاد الناس فعل هذا ، ودليله ممارسات النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ، فمن اراد إن يفعل ، فليفعل مثلما فعل عمر رضي الله عنه ... لأن القول بقتلهم أو حله لم يقل به احد من علماء المسلمين من السلف والخلف فيما أعلم .
5-إن الكافر حين دخل بلاد المسلمين ومنها الجزيرة العربية دخلها ظانا انه قد امن فلا يجوز التعدي عليه ولا قتله حتى لو كان عهده في أصله باطلا .
المسألة الاخيرة .. وهي أن قتل هؤلاء يحصل منه تجفيل الكافرين عن الجزيرة العربية ، فهو قول خاطئ للغاية ، لان ممارسات المسلم لا بد إن تكون شرعية في اصلها ، والغايات لا تبررها الوسائل المحرمة ، فان قلنا إن هؤلاء مستامنون أو معاهدون لم يجز التعدي عليهم لأجل تحقيق مصلحة حتى ولو كانت شرعية ، فان هذه من المصالح الملغاة في الشريعة الإسلامية لان طريقها غير شرعي ...
يتبع إن شاء الله ....
( اعتذر مرة أخرى عن الاغلاط الاملائية .. فان المراجعة شاقة !! )

رابط الموضوع
http://alsaha2.fares.net/sahat?128@233.DPItlae45XG.1@.1dd5c35a

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
حول التفجيرات
  • بيانات
  • مقالات
  • شبهات وردود
  • أحكام التكفير
  • حقوق الوالي
  • كتب وبحوث
  • مبادرة العفو
  • الصفحة الرئيسية