صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الخوف السلبي في حياة الإسلاميين

الشيخ علي العمري

 
كل الذي نخشاه في حياة الإسلاميين أن تتحول أعمالهم الدعوية الواضحة أحياناً إلى ردود أفعال غير نابعة من القناعات الحقيقية الذاتية، أو التصورات الشرعية وذلك نتيجة لقراءة سطحية للواقع، أو وراثة خاطئة لطبيعة الأعمال. وظاهرة الخوف في حياة الإسلاميين هي من الظواهر الموروثة في حياتهم، والتي تلقوها مباشرة من غيرهم دون تمحيص أو معرفة لأسباب هذا الخوف. علماً أن هذا الخوف قد يكون له موقعه الصحيح في النفس، ولكن قد يكون لفترة محدودة، أو لسبب معين، أو توقع لأمرٍ ما، فإذا ما زالت هذه الأسباب فلا داعي للخوف حينئذٍ.

إننا نرى أن العمل الدعوي يتعثر لفترات طويلة نتيجة للهيبة الزائدة عن الحد الطبيعي، والحجر على العقل للتفكير في مسارات أخرى للانطلاق في الأعمال الدعوية أو التهيب من ردود فعل أخرى الله أعلم بصحتها.

فخذ مثلاً - يا أخي - بعض الأعمال الدعوية كالمحاضرات، والندوات والدورات وغير ذلك، كان التهيّب منها كبير، والخوض فيها خطير، والاتصال ببعض الرموز الذين برعوا وبرزوا في مجالات معينة في الدعوة محرم، بل وحتى السلام عليهم!. وأعتقد أن هذه النظرات الأولى يجب أن تدخل في حيز الواقع والتفكير المنطقي الواعي في هذا الزمن.

ودعني أفكر - يا أخي - بحلول أخرى قابلة للتفاوض والتفاهم والتفكير المنطقي الواعي الجاد، والدراسة المتأنية التحليلية. وفكِّر أنت معي، لنطور مدرسة الدعوة نحو الأفضل في ظل العولمة الحديثة.

لقد استطاع فريق من الدعاة الخروج من الصندوق الأسود الوهمي، ففكَّر أحدهم في إقامة دورات تدريبية لكثير من الرموز الفكرية والدعوية والعلمية، واستطاع إقناع كبرى المؤسسات والشركات لتبنّي هذه الدورات، وتلقي الدعم الكافي لرعايتها، وفتح المكان المناسب لإقامتها.

فأين التخوّف الكبير من استضافة أمثال هؤلاء البارزين؟ ثم لماذا النظرة السوداء من توقع رفض أصحاب الشركات والمنتديات والمسارح في استضافة أمثال هؤلاء العاملين؟ وأيضاً ألم تحضر شريحة كبيرة من غير مجتمع الإسلاميين الذين حضروا أمثال هذه اللقاءات فاستفادوا وأفادوا؟

أوليس قد تم الاتصال المباشر بأمثال هؤلاء البارزين للاستفادة من خبراتهم وآرائهم في لقاءات خاصة على طاولة الطعام في فترات الغداء والعشاء وفترات الراحة؟ أليس الذي نقوله واقعاً، وقد تقدمت الدعوة بسببه خطوات قادمة للأمام ولسنين طوال؟

ثم يا أخي على افتراض جدلي -تجاوزاً- أن أمثال هذه الدورات قد يقف بعض الزائرين عن إلقائها بعد فترة، أولم تتم قبل ذلك دورات كثيرة لهم؟ ونُقلت فيها الخبرات لجمع من المحاضرين يمكنهم نقل فحوى هذه الدورات للآخرين؟

ثم لنعلم أنه لم يعد الدعاة غافلين عن الواقع ومنغلقين في برجٍ عاجي عن المجتمع، إنهم يعرفون التسلل لمجتمع الناس عبر عناوين جذّابة برّاقة لمحاضراتهم ودوراتهم، وما هم بمنأى عما يدور في خلد الذين يتربصون مواقف الشبه ومنتديات الخطر! فلكل حدث حديث، ولكل قول مكان. فما يصح أن يُكتب ويُنشر فليكن للخاصة في كتاب، وما كان صالحاً للعامة بل وحتى الخاصة من أفكار تربوية وإدارية، فليكن على الهواء مباشرة.

ثم يا أخي أوليس الخاصة كالعامة؟ أليس الخاصة هم أُناس لهم مشكلات متشابهة مع أنفسهم وأهليهم وأولادهم وزملائهم كعامة الناس؟. إذاً هم بحاجة إلى الوعي التربوي والإداري والنفسي أكثر من غيرهم، فلماذا يحرمون التفكير والدعوة إلى مثل هذه الأعمال؟!.

ومن أهم وأبرز الأسباب التي تدعو إلى الخوف، توقع الإسلاميين أن يسلط عليهم الضوء الأسود ليوضعوا بعد ذلك في القائمة السوداء!

ما هذا التخريب المبكر للعقول؟ وما هذه الرؤى البكر في مسيرة حياتك؟! عجباً حقاً. عن أي شيء يا أخي ستكتب؟! وعن أي شيء ستتحدث؟!.

نعم لو كنت ستكتب في أفكار الدول، وشأن الرؤساء والوزراء، وسياسات الشعوب القديمة والحديثة، لقلت لك أمسك عليك هذا وليسعك بيتك. ولو كنت تتحدث عن الحوادث والمصائب وتدعوا إلى الجهاد والتهور والتسرع، لحفظتك الكلمات النبوية : (من صمت نجا ).

إنني أتعجب حقاً من بعض الكتّاب، يبدأ أحدهم مقالة باسم مستعار، وما في كلماته إلاّ الدعوة للخير والصلاح، بل وتعجب أن أحدهم يكتب في صفحة أدبية، أو مقطوعة تربوية شعرية ويضعها باسم مستعار! ثم يا الله، إذا نشرت هذه القصيدة في الأوساط، لجمالها وروعتها، ولو صورت صفحة ذلك المقال بالمئات لحسن سبك كاتبها وقوة عباراته وروعة نقولاته، لبدأ صاحبنا المتخوِّف ذو الاسم المستعار بالتعريف باسمه، والبداية بتسطير اسمه فوق المقال لا في أسفله! علماً أن هذا الأخ وأمثاله يعرف مئات الكتب في مكتبته في الجانب الدعوي والتربوي والإداري والتي اقتناها من مكتبة مدينته، والمصرحة علناً وفيها أقوى مما كتب بعشرات المرّات.

يا أخي إن تخوّفك هذا حرمك وحرمنا خيراً كثيراً، فلكم كان للتفاعل من شباب الدعوة شأن كبير لو أنهم عرفوا الكاتب وهو قريب منهم، فزاد النقاش وأُثري الحوار، وأصبحت كتاباتنا وحواراتنا ذات مغزى عميق في تحريك العاملين نحو الأهداف الإسلامية المنشودة، لطالما أننا لا نقول إلا ما هو مقبول.

وثمة نمط سلبي يعيشه كثير من الإسلاميين، ألا وهو التخوّف من نشر الأشرطة والكتب والرسائل لبعض الدعاة الذين اقتنع بفكرهم النيّر وهدفهم الإسلامي الحق. فيخشى إن أهدى نسخاً من كتبهم أو أشرطتهم أنه مصنّف من كذا أو كذا.

وعجيب هذا الأمر إذا لم تنشر للدعاة الذين عرفت صدق توجههم، وصفاء فكرهم، ونبل هدفهم، فلمن تنشر إذاً؟!. أو يقول هؤلاء علماً من غير الكتاب والسنّة؟! إنك بهذا تزيد الخرق على الراقع، وتكبر الهوة التي يعيشها الفكر الإسلامي اليوم مع أنصاف المتعلمين.

إن نشر الفكر اليوم هو من أعظم وسائل جمع الحسنات. وتسويق الأفكار يجب أن يكون هاجساً للإسلاميين. يا أخي -أصدقك القول- إن الساعة قريب، والعمر قصير. فقدّم شيئاً بعد اقتناعك به، وأرجوك أن تخرج للنظرة الإيجابية في قضية نشر الفكر الإسلامي المطلوب عن طريق الكتب والرسائل والمجلات والأشرطة. أخرج من الدائرة والإيحاء السلبي إلى الجانب الإيجابي. ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: ( من دلَّ على هدى فله مثل أجر صاحبه لا ينقص من أجره شيئاً ). وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ) .

فعندما تقوم يا أخي بنشر شريط، وآخر بنشر رسالة، وثالث بتوزيع مجلة، ورابع بإهداء كتاب، فإننا سنلحظ تجمعاً لأفكارنا في المكان الواحد. وأعود وأقول فلننظر مرة أخرى للجانب الإيجابي، أوليس هذا النشر لما مضى هو من الحسنات التي تسجل لك يوم القيامة؟ أوليس هؤلاء المفكرون الإسلاميون الذين تنشر لهم، هم من خير ما تعلم؟ إذاً من الذي يمنعك عن التقدم للآخرة؟ من؟ أخبرني! إيه يا رجل الدعوة ما هكذا عهدتك، ولا على هذا وضعت يدي في يدك، أولسنا نقرأ قول ربنا: { وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى }؟

ويمتد بك الحزن والأسى أكثر عندما ترى بعض الإسلاميين يتخوّف من الدعوة والإعلان عن بعض اللجان الدعوية أو الخيرية، ويقف كاتم الأنفاس، بارد الإحساس عند ذكرها في المجامع العامة، لأن هذه اللجنة عُرف عند البعض أنها تتبع لكذا أو كذا..، وهو يعرف أنها إدعاءات ومعوقات، فما الذي يمنعك عن البوح بوجوب دعمها والمشاركة في أنشطتها؟ أهو الخجل؟ أو خوف التصنيف؟ أو لم يقل لك ربك: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }؟ فحرمانك من ذكر هذه المؤسسة بالخير ولو بالتعليق أو أبداء الرأي أو المحاماة عن خطأ وقع، ولو كان من فرد واحد، كل ما مضى في أي قسم تضعه، في الأمر بالمعروف أم في النهي عن المنكر؟!

ومما يحسب على كثير من الإسلاميين خوفهم من المستقبل الوهمي المجهول، فأحدهم لا يمكن أن يتبنى مشروعاً لئلا يُصاب بالإحباط، ولا يمكن أن يسوق لمجلة لأنها لا يمكن أن تقبل في الأوساط العامة والخاصة، ولكنه بعد فتره قصيرة أو طويلة ما إن يرى أن أفكاره بنفسها وبحذافيرها طرحت، ولكنها من طوائف أُخرى، يبدأ حينئذٍ بالعمل، ولكن يا حبيبي كسب غيرك السبق، وتنبه الآن لنيتك هل هي للدعوة أم للمنافسة؟. وأنا لا أريد أن أدعو للتهيب الكبير من الأمر، لا، ولكن أريد أن تكون البداية صحيحة، ولا يفهم من كلامي أن نتوقف، إنما هو تصحيح البدايات، فنحن لازلنا أيها الإخوة دعاة إلى الله.

ومن أعجب العجب أن البعض لم يرغب في نشر بعض المجلات الإسلامية بحجة أن المجتمع العام لا يقبل الصور، وهناك فئات إسلامية ترفض الصور. وبعد فترة أصبح هؤلاء الذين توقع أخانا أن هذه المجلات ستُرفض من قبلهم إذ بهم يقومون بنشر بعض هذه المجلات ذات الصور الكثيرة، مقارنة ببعض ما ينشره من صور، بل وتعتبر مجلته الإسلامية محافظة في جانب الصور!!.

يا سيدي الكريم - أهي دعوة أم ماذا؟!. إن سوق الدنيا سوق مفتوح، يستقبل ما لذَّ وطاب، فقم أنت بنشر رسالتك وغيرك سينشر ولن يقف، وما كان خالصاً صالحاً سيبقى. ثم لماذا تنظر للنجاح من منظور الآخرين المنافسين؟ أترجو النفع والقبول من الله أم من غيره؟ إذا كان من الله فابدأ، والصادق سيثبت، سواءً أنت أم غيرك. ثم لماذا لاتفكر أصلاً في نجاح الآخرين الذين ينافسونك في عملك الدعوي؟ أليس غايتك الله والدار الآخرة؟ إذاً اعمل واجتهد وخطط، وما كان لله سيتولاه الله.

ومن الخوف الموهوم في حياة كبار الإسلاميين، تصغير بعض الدعاة من حيث لا يشعرون، فلا يسمح للبعض أن يحاضر أو يتحدث في بعض المجالس خوفاً عليه من الرياء، أو أن يقابل بعض الناس، أو، أو، أو ... .

وقد يكون هذا الداعية حاضَرَ في مئات الناس،وخطب في آلاف البشر، وكتب في العديد من المجلات لعشرات الآلاف من القرّاء. فبالله لو كان منطق الرياء هو القائم أيهما أولى بالرياء؟ جلسته مع عشرة، أو كتابته وخطابته للآلاف؟!. وحديثه لعشرة فيهم من فيهم أمر غير مستساغ، أم أن الأولى لو كان الأمر غير مستساغ أن يخطب في آلاف من الناس فيهم الكبير والصغير، والداعية والمربي، والشيخ والأستاذ، والمثقف والعامي، والسياسي والإعلامي ..الخ؟

إننا بهذه الطريقة نصغّر عقول الدعاة، ونربّي فيهم عدم الثقة بإخوانهم الأخيار. علماً أن هذا الداعية الصغير في نظرهم، قد قابل من هم أعلى مكاناً، وأرفع قدراً من هؤلاء الحاضرين، ولكن كما قلت: هو وراثة الخوف في حياة الإسلاميين،والله المستعان.

ومن الجرأة أن نقول: أن خطأً فادحاً يقع فيه بعض الإسلاميين، وهو الخوف من الدخول في الأعمال الدعوية الكبيرة، كبعض اللجان والمؤسسات ذات الطابع الإسلامي، فيخشى أن تُغلق بعد فتره! ولهذا الحساب شأن آخر. فهم يرون غيرهم منذ عشرات السنين بدأوا وما زالوا يعملون في هذه اللجان ولم تقف بعد، إنما هي نداءات وادعاءات موهومة بين فتره وأُخرى. ثم على افتراض جدلي أن بعض هذه اللجان أوقفت، أولم تعش هذه اللجان سنين طويلة، جمعت فيها من الأموال، وبنيت فيها من المؤسسات والمعاهد والمدارس والمساجد ما خدم الدعوة في تلك المرحلة، وتقدمت بسببها الدعوة إلى الأمام خطوات وخطوات؟ ثم إننا لا نقول أن يوضع لبناء هذه الأفكار الحمل كله، من الدعم المادي والرجال الأكْفاء، فما سمعنا أن مشاريعاً بدأت إلا بالبساطة، وارتقت مع الأيام وقفزت بعد ذلك خطوات إلى الأمام. ومع هذا فإننا نعلم الدعاة فن إنشاء المؤسسات وأسس عملها وبقائها بإذن الله.

إن الإسلاميين اليوم بحاجة إلى التفكير الجاد مرّة أخرى في موضوع الخوف السلبي الذي يحجب عن العمل والمبادرة، والذي يصادم التقدم الملموس في الواقع، والتجارب المستمرة الحيّة. إننا بحاجة إلى فن المحاورة والمفاوضة مع بعض الإسلاميين الذين ورثوا حاجز الخوف من غيرهم. إننا بحاجة إلى دراسة موضوعية وفتح آفاق جديدة في ظل العولمة الجديدة والانفتاحية الواضحة.

وإنّ عليكم معاشر الإخوة الدعاة أن لا تخوضوا في بعض الأعمال الدعوية دون استناره أو استشارة، فسلامة الصدر،وكسب القلوب أولى من كسب المواقف، والدعوة تحتاج إلى صبر ومصابرة، ونيَّة المؤمن أبلغ من عمله. ولئن أُغلق باب، فهناك أبواب أخرى.

أخي الداعية: تعلم وتعلم، فما كل إخوانك أوتوا ما أوتيت، ولا يصح أن تلزمهم بما اختصر لك الوقت في فهمه، فحاول أن تقنع إخوانك، ثم تبدأ العمل. واعلم بأنك من غير إخوانك نكسة في حياتنا.

ليست مشكلتنا أننا لم ننطلق فقط، إنما مشكلتنا أننا لم نتفاهم جيداً. إنه لن يستطيع أحد أن يحصر أفكارك أو يحصد همومك أو يصادر آراءك. وإذا قيل أن مزمار الحي لا يطرب، أفما أولى بكلمات الداعية الصادقة، ونيّته الخالصة، وأفكاره الصالحة، وخططه الناضجة، وتوقعاته الثاقبة، أن تطرب قلوب الآخرين؟! نرجو ذلك. ولنتلو جميعاً قول ربنا: {هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ }.

المصدر : إسلاميات
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية