اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/aldawah/326.htm?print_it=1

عملاق الفكر الإسلامي المعاصر (أبو الأعلى المودودي)

• إعداد: نور محمد جمعة
محاضر بالجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد

 
لقد أعظم الفرية من زعم أن التاريخ يستطيع أن يتناول علما من أعلامه ليجعله نبأ من أنبائه، وأن يضع في بنائه من كان يبنيه، أو يسجل درسا عمن كان يدارس الناس ليذكر أو ينسى. فأنى له أن يحصر المفكر في فكرة والداعية في دعوة والكاتب في كتاب!...
أجل! يعجز التاريخ أمام كل نجم إنساني عظيم تهديه السماء إلى الأرض، ويبقى فاغرا فاه معجبا به دون أن يدري ماذا عساه أن يصنع مع رجل عزم أن يكون الواحد الذي يبدأ العدد في عصره، فلا يدري أين يضعه؛
أيضعه بين البشر؛... ميلاد ... حياة وضجيج ... صمت رهيب تحت أكمام التراب!
أم يضعه بين الأجنة؛... ميلاد من حيث لا يعرف ... حياة في السر لا تكشف ... موت في ظلال الكتمان لا يسمع!!
ليس العبقري من هذا النمط ولا من ذاك، له سمات البشر لكنه ينافس التاريخ في البقاء...
هذا هو عملاق الفكر الإسلامي ومجدد القرن الرابع عشر الهجري أبو الأعلى المودودي...
من الخلائق من وهبوا أنفسهم للهجوم عليه وكأني بهم يهيئون عربات المياه الضخمة والمضخات المائية الفخمة ويلتمسون الغيوم السوداء الداكنة ليصبوا بحارا من المياه على النجم المتلألئ في السماء!
وآخرون يزينون مكتباتهم بمؤلفاته التي تعيش عليها كثير من دور النشر في العالم اليوم، وكلما تحدث أحدهم حاول أن يصعد سلم المجد بذكر اسمه أو نقل عبارة منه، لكن من دون فهم ولا إيمان!
ولعل حزن المودودي على الفئة الثانية التي تتاجر باسمه لا يقل عن حزنه على من يضيع عمره بالافتراء عليه...
إنما المودودي ثورة في دياجير الظلام، ثورة إيجابية بناءة تسعى لتربية رجال يقدرون على حمل الأمانة التي عجزت عنها السموات والأرض والجبال الراسيات، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه...
عبقرية قلمه سطرت له مجدا انطلق ليتخطى حدود المكان ويتجاوز قيود الزمان وإسار اللغة، فقد كتب زهاء مائة وأربعين كتابا ترجمت إلى معظم لغات العالم، فأصبحت ينابيع تجدد عطاء فكريا ودعويا لرجل كافح ليرفع دعوته من مرحلة التنظير الفكري إلى مجال التطبيق العملي للتشريع الإسلامي حكما وقيادة.
فقد كان بمثابة الأب الروحي لكثير من كبار قادة الفكر الإسلامي، فكتابه "المصطلحات الأربعة" أحدث ثورة في فكر شهيد الإسلام سيد قطب الذي أصبح وكأنه نسخة مصرية للمودودي الهندي، وقد كانا يعبران كللُ بلغته عن الفكرة الواحدة في آن واحد وكأن كل منهما يلهم الآخر بمكنون صدره من خلال أثير الهواء إذ الأرواح جنود مجندة. وها هو المودودي وقد قرأ كتاب "معالم في الطريق" لمؤلفه سيد قطب في ليلة واحدة بمكة المكرمة، يقول: إن ما ورد في هذا الكتاب هو نفس ما أراه، بل كأني أنا الذي ألفته، فقد عبر عن أفكاري بدقة... ولا عجب؛ فمصدر أفكاره وأفكاري واحد، وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولنستمع إلى بعض قادة الفكر الإسلامي في حديثهم عنه:

o شهيد الإسلام سيد قطب
كان الشهيد سيد قطب يحاول دائما أن يسمي المودودي "المسلم العظيم".

o العلامة الفيلسوف محمد إقبال
"إن هذا الشيخ يعرض دين الرسول صلى الله عليه وسلم بقلم مداده الدم".

o الأستاذ عمر التلمساني
يقول التلمساني في المقارنة بين الإمام حسن البنا والإمام المودودي وبين منهجهما في الدعوة الإسلامية: "إنهما بحق إماما الجيل الظاهران المنفردان.. وإنهما استمدا كل معلوماتهما ومناهجهما وأساليبهما ووسائلهما في الدعوة إلى الله من القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، دون أخذ من هذا الفيلسوف أو استمداد من ذلك الكاتب، فجاءت مدرستهما بعيدة كل البعد عما قد يعيب الدعوة الإسلامية بأي فهم أو تفكير لا صلة له بالإسلام. والناظر إلى ما لاقاه البنا من عنت وتهجم وإيذاء يرى نفس الشيء بالنسبة للإمام المودودي .. وكأنهما على ميعاد".

o الشيخ أبو الحسن الندوي
" إنني لا أعرف رجلا أثر في الجيل الإسلامي الجديد، فكريا وعمليا مثل المودودي، فقد قامت دعوته على أسس علمية، أعمق وأمتن من أسس تقوم عليها دعوات سياسية، وردود فعل للاستعمار الأجنبي، وكانت كتاباته وبحوثه موجهة إلى معرفة طبيعة هذه الحضارة الغربية، وفلسفتها في الحياة وتحليلها تحليلا علميا، قلما يوجد له نظير في الزمن القريب، ولقد عرض الإسلام ونظم حياته وأوضاع حضارته وحكمة سياسته وصياغته للمجتمع والحياة، وقيادته للركب البشري والمسيرة الإنسانية في أسلوب علمي رصين، وفي لغة عصرية تتفق مع نفسية الجيل المثقف، وتملأ الفراغ الذي يوجد في الأدب الإسلامي من زمن طويل... ومن مآثره الخالدة .. أنه حارب "مركب النقص" في نفوس الشباب الإسلامي فيما يتصل بالعقائد والأخلاق ونظام الحياة الإسلامية.. وكان لكتاباته فضل كبير لإعادة الثقة إلى نفوس هؤلاء الشباب بصلاحية الإسلام لمسايرة العصر الحديث .."

o الدكتور يوسف القرضاوي
"... والمفكر المصلح، هو في الواقع طبيب اجتماعي، ينفذ بعين بصيرته إلى حقيقة أدواء الأمة، ولا يكتفي بالنظر إلى الأعراض، دون أن يتعمق في معرفة الأسباب، والغوص إلى الأعماق، فإذا عرف حقيقة المرض لم يجعل دواءه مجرد مراهم تعالج السطح الخارجي، دون اجتثاث الجرثومة الداخلية، أو تصف مسكنات تخفف الألم برهة من الزمن، ولا تستأصل الداء من جذوره، وكان المودودي هنا طبيبا نطاسيا لأمته، عرف حقيقة دائها وجرثومته الأصلية" وحدد الشيخ القرضاوي سمات الفكر المودودي في نقاط ثلاث وهي: الالتزام بالإسلام كل الإسلام، المعاصرة، المواجهة. ورأى ميزته في "أنه لم يكن مجرد مفكر أكاديمي، أو مصلح نظري، يعيش في برج عاجي أو في صومعة منعزلة، يفرغ فكره الإصلاحي على الورق، ثم لا يتحمل تبعة بعد ذلك، لقد كان للمودودي بجوار رسالته الفكرية العظيمة؛ رسالة علمية أخرى لا تقل عظمة عن الأولى، وهي: أن يحول فكره إلى حركة: وحركة إيجابية بناءة، تعمل على تأليف الرجال بعد تأليف الكتب والرسائل". ومما أعجب به القرضاوي أيضا في الإمام المودودي إدراكه لفقه الأولويات، هذا الفقه الذي يغفل عنه كثير من الدعاة، يقول الشيخ: "والإمام أبو الأعلى المودودي كانت الأولوية عنده لمحاربة الجاهلية الحديثة، ورد الناس إلى الدين والعبادة بمعناها الشامل، والخضوع لـ "حاكمية الله" وحده، ورفض حاكمية المخلوقين، أيا كانت منزلتهم أو وظيفتهم، مفكرين أو قادة سياسيين، وإنشاء حركة إسلامية متميزة، ترفض فكرة الغرب في المدنية والاقتصاد والسياسة وحياة الفرد والأسرة والمجتمع، وتتخذ منهجا خاصا في الانقلاب أو التغيير، وظهر له في ذلك كتب ورسائل جمة، عبرت عن فلسفته في الدعوة إلى الإسلام وتجديده، وقامت جماعته لتبنيها ونشرها".

o الشيخ محمد رجب البيومي
"إن موقف المودودي من الماركسية أشهر من أن يشار إليه، فقد كتب ما صار سلاحا باترا لدى كل كاتب إسلامي، لأن علم المودودي الموسوعي، وعقله المبلور، وفكره المستنبط ونظره العميق إلى شتى حركات الانقلاب في الكتلة الشرقية، مما جعله يضع النقاط على الحروف ... والحق أن مفكرا كبيرا من طراز المودودي، يجب أن لا تخلو مكتبة في بيت مسلم من مؤلفاته، إذ يعطي المسلم ما قد لا يجده عند سواه، وكأنه في عطائه الفسيح الزاخر مؤيد بروح الله".

o المستشار عبد الله العقيل
" والعلامة المودودي علم من أعلام الإسلام المعاصرين، ومفكر من مفكريه، وداعية من دعاته، آتاه الله الحكمة وبعد النظر، والعمق في الفهم، والصبر على العلم، والتأمل في الواقع، والدراسة الميدانية للأفكار الرائجة، والأوضاع السائدة، والتتبع لمصادر المعرفة وتمييزها وتوثيقها، والنقد الموضوعي لحضارة الغرب، بأخذ الصالح منها وطرح الضار، وتقديم الإسلام كحل لمشكلات الحياة في جميع جوانبها، وهذا هو المنهج الذي سار عليه الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله، وأتبعه بالبرامج العملية التي تصوغ الأخ المسلم وفق منهج الإسلام الحق".

وقد كتب عنه الكثيرون وبلغات العالم كلها ففي العربية نشير إلى بعض منها ليعود إليها من يستزيد:
1- أبو الأعلى المودودي: حياته وفكره العقدي: حمدي بن صادق الجمال ـ دار المدني للطباعة والنشر والتوزيع، جدة ( 1401هـ = 1986م).
2- أبو الأعلى المودودي فكره ودعوته: د. سمير عبد الحميد إبراهيم، دار الأنصار ـ القاهرة 1399هـ =1979م .
3- أبو الأعلى المودودي والصحوة الإسلامية: د. محمد عمارة، دار الشروق بالقاهرة. 1407هـ = 1987م.
4- النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين: د. محمد رجب البيومي، ج/ 3، مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة 1402هـ .
من أعلام الحركة والدعوة الإسلامية المعاصرة. المستشار عبد الله العقيل.
 

زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية