صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خروق في التربية الدعوية

أبو أسامة


خروق في التربية الدعوية ( 1 )


يقول اللـه تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }الأحزاب72
ويقول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال : كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال : إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) رواه البخاري.
ويقول ـ صلاة ربي وسلامه عليه ـ : كما في الحديث مخاطباً أبا ذر عندما طلبه ـ رضي الله عنه ـ أن يستعمله : ((يا أبا ذر ! إنك ضعيف، و إنها أمانة، و إنها يوم القيامة خزي و ندامة، إلا من أخذها بحقها، و أدى الذي عليه فيها)) “صحيح الجامع” وغير ذلك الكثير من النصوص التي في جملتها حث على ترك طلب الإمارة، والبعد عنها إلا من أتته فإنه بإذن اللـه يعان عليها ، فقد صدره غيره بما يملكه من مقومات، ولم يُصَّدِر هو نفسه تقوى وورعاً وبعداً عنها.
ولعل هذه النصوص تلفت انتباهنا إلى أمر هام جداً قد نكون غفلنا عنه، أو تغافلناه، ألا وهو أمانة تربية الجيل، وأن الجميع مسئول عمن تحت يده أحفظ أم ضيع ؟!
فهذا الذي ينام ملئ جفنيه، ويشعر بلذة يظنها لذة انتصار، وكل همه فتل العضلات، وفرض الآراء، وسحق المعارضين، يكون أدى الأمانة ؟!
أم ذاك ينام سويعات بعد أن كان ينام الساعات، ويكتفي بلقيمات بعد أن كان يتابع الوجبات، ويهتم ويغتم، ويذهب ويجيئ بينه وبين نفسه،
ويعمل ساعات وساعات، ويخطط ويدبر، ويستشير ويشير هو الذي أدى الأمانة ؟ لا شك أن الوصف أبلغ من التوصيف ـ إن صحت العبارة ـ.
يقول عمر ـ رضي الله عنه ـ : فوالله ما أستطيع أن أصلي، وما أستطيع أن أرقد، وإني لأفتح السورة فما أدري في أولها أنا أو في آخرها … من همي بالناس منذ جاءني هذا الخبر (يقصد خبر توليته أمر المسلمين).ولا فرق في نظري بين فعل عمر ـ رضي الله عنه ـ، وفعل الصنف الآخر الآنف الذكر، وإن كان في نظر بعضنا أن هناك فرقاً بين كلا المسئوليتين، إلا أنني أعتقد أن الهم يجب أن يكون هو الهم، والله المستعان.

وجانب التفريط في تلك الأمانة يأخذ في واقعنا التربوي عدة صور، منها:

1. الحرص على الموسوعية الجوفاء التي يتضح أثرها على أبناء الجيل، دون التوجيه إلى الأكفئ والأفضل.
2. توجيه الجيل نحو ما يخدم سمعة المحضن، دون الأمانة والصدق في توجيه الجيل إلى ما يناسب ميوله وأهدافه واهتماماته الصحيحة، ولذا أصبحنا نرى أن هذا النوع بعد خروجه أو ابتعاده ينطبق عليه مقولة: الداخل موجود ، والخارج مفقود ، ـ ونسأل اللـه الثبات ـ.
3. العمل الاجتهادي الصرف المبني على قاعدة ( ما على المحسنين من سبيل )، ولا شك أن فاقد الشيء لا يعطيه.
وهذه الصور وغيرها تجسد لنا صوراً من الإخلال بتلك الأمانة التي نتحملها ، أو يتحملها بعضنا ، فلنراجع أنفسنا، ولنتهيئ قبل أن نُصَدَرـ إن كنا مؤهلين لذلك ـ ، ونسأل اللـه أن ينفع بالجهود.

كتبه: الأخ أبو أسامة
www.Abo-osamah.net
 



خروق في التربية الدعوية ( 2 )


تتعدد الآراء، وتتنوع الثقافات، وتتسع الأطر، وتختلف الرؤى، وينقسم الناس بين مؤيد ومعارض، فاللـه خلق الناس شعوباً وقبائل ليتعارفوا وتتسع مداركهم ورؤاهم المعرفية والثقافية … وهكذا ، مع بقاء كلٍ على حده محتفظاً بثقافته وأهدافه التي تضم شخصيته وتفكيره وكيانه البشري عن الآخر، فهذه حقيقة يدركها ويعي أبعادها الإنسان الناضح أيا كانت طبيعته.
إلا أن هذه النظرة قد تختلف في خضم عطاءنا التربوي الدعوي، فالمربي الثاقب من يتصفح بين طلابه الخلف من بعده، من تتعدد مواهبه، وتتضح نجابته، ويبز أقرانه، بحيث تكون التهيئة منذ البداية.
ومع ذلكم الدأب في العمل يغيب عن بعض هؤلاء فتح الآفاق لتلك الفئة من المتربين بقصد، وغالباً دون قصد، فإن كان التجرد حاضراً كان توجيه المربي للمتربي للغير من المربين من داخل المحضن أو خارجه، وحتى لا يكون النبع واحد فقد يجف النبع، وحتى يدرك مجيء نور القمر، ولئلا يكون ذو مزاجية بل داعية مربياً حقاً.
وأخشى ما أخشاه وقد نكون وقعنا فيه من حيث لا نشعر، أن نرى بعض المربين يذكي حماس المتربي لنيل ما يمتلكه من ثقافات وعلوم متنوعة، مع غلق الباب على الغير في أمور تربوية يسع فيها الرد.
وما أجمل قول الإمام أحمد – رحمه اللـه – إمام أهل السنة والجماعة حيث قال لأحد طلابه: (( لا تقلدني، ولا تقلد مالكاً، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، والثوري، وخذ من حيث أخذوا )) فهل يقول قائل: هذا الإمام الذي كتب أربعين ألف حديث ، ويحفظ أكثر لا يملك القدرة على إفادة طلابه وتلاميذه ؟ أو أن ثقافته وعلومه قد جف نبعها ؟ لا ، ولكنه النبذ المطلق للتعصب المقيت، وبعد نظر ليتنا ندركه في تربيتنا لأجيالنا القادمة.

كتبه: الأخ أبو أسامة
www.Abo-osamah.net
 



خروق في التربية الدعوية ( 3 )


{‏وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ‏}‏ يقول السعدي –رحمه الله-: إلى آخر القصة أي‏:‏ قص على الناس وأخبرهم بالقضية التي جرت على ابني آدم بالحق، تلاوة يعتبر بها المعتبرون، صدقا لا كذبا، وجدا لا لعبا، والظاهر أن ابني آدم هما ابناه لصلبه، كما يدل عليه ظاهر الآية والسياق، وهو قول جمهور المفسرين‏.‏
أي‏:‏ اتل عليهم نبأهما في حال تقريبهما للقربان، الذي أداهما إلى الحال المذكورة‏.‏
‏{‏إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا‏}‏ أي‏:‏ أخرج كل منهما شيئًا من ماله لقصد التقرب إلى الله، ‏{‏فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ‏}‏ بأن علم ذلك بخبر من السماء، أو بالعادة السابقة في الأمم، أن علامة تقبل الله لقربان، أن تنزل نار من السماء فتحرقه‏.‏
‏{‏قَالَ‏}‏ الابن، الذي لم يتقبل منه للآخر حسدا وبغيا ‏{‏لَأَقْتُلَنَّكَ‏}‏ فقال له الآخر – مترفقا له في ذلك – ‏{‏إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ‏}‏ فأي ذنب لي وجناية توجب لك أن تقتلني‏؟‏ إلا أني اتقيت الله تعالى، الذي تقواه واجبة عليّ وعليك، وعلى كل أحد، وأصح الأقوال في تفسير المتقين هنا، أي‏:‏ المتقين لله في ذلك العمل، بأن يكون عملهم خالصًا لوجه الله، متبعين فيه لسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -‏.‏ ثم قال له مخبرًا أنه لا يريد أن يتعرض لقتله، لا ابتداء ولا مدافعة فقال‏:‏ ‏{‏لَئِن بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ‏}‏ وليس ذلك جبنا مني ولا عجزا‏.‏ وإنما ذلك لأني ‏{‏أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ‏}‏ والخائف لله لا يقدم على الذنوب، خصوصًا الذنوب الكبار‏.‏ وفي هذا تخويف لمن يريد القتل، وأنه ينبغي لك أن تتقي الله وتخافه‏.‏
‏{‏إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ‏}‏ أي‏:‏ ترجع ‏{‏بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ‏}‏ أي‏:‏ إنه إذا دار الأمر بين أن أكون قاتلا أو تقتلني فإني أوثر أن تقتلني، فتبوء بالوزرين ‏{‏فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ‏}‏ دل هذا على أن القتل من كبائر الذنوب، وأنه موجب لدخول النار‏.‏
فلم يرتدع ذلك الجاني ولم ينزجر، ولم يزل يعزم نفسه ويجزمها، حتى طوعت له قتل أخيه الذي يقتضي الشرع والطبع احترامه‏.‏
‏{‏فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏}‏ دنياهم وآخرتهم، وأصبح قد سن هذه السنة لكل قاتل‏.‏
‏”‏ومن سن سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة‏”‏‏.‏ ولهذا ورد في الحديث الصحيح أنه ‏”‏ما من نفس تقتل إلا كان على ابن آدم الأول شطر من دمها، لأنه أول من سن القتل‏”‏‏.‏
إن العجب ليس في قصة قتل قابيل لأخيه مع خطورة الذنب العظيم، وإنما فيمن يقرأون ويتأملون هذه القصة ممن بعدهم من المربين والدعاة، وهم كما هم، بل إن بعضهم يمضي هذا المنوال، وعلى نهج “الضعف يولد الضعف”.
إن كثيراً من المربين الصادقين لتصدق مقولة ذلك العدو حين قال لسلطان العلماء: لو كان هذا الرجل عندنا لغلسنا رجليه وشربنا مرقتها، فصدقهم وإخلاصهم وعبادتهم وعلمهم والهم الذي يحملونه فخر لا يدانيه أي فخر، وإن هؤلاء لأكبر مصدر من مصادر اعتزاز الأمم، ولو اجتمعوا على أن يكافئونهم لما استطاعوا، فهم صناع الأجيال، ومحاضن الآمال، ورواد التفاؤل، وحقن الإبداع، فالمربي يدفع بالمجاهد، ويعين العابد، ويثبت العالم، ويصنع المرببي، وقد لا يصنع أحدهم جنسه، إلا أنه لا يكاد يصفو لعين رؤية بريقهم بوجود من اختطوا نهج قابيل من بعض أدعياء التربية، فلم يولدوا الضعف في نفوسهم، بل على غيرهم من المربين، وعلى الأمة بأجمعها، فخرجوا الجيل المهزوز المهزوم، نبذوا المواهب والطاقات لتتلقفهم أيدي الشياطين ليفتحوا لهم الإعلام الفاسد، والصحيفة والمجلة الفاسد، والمنبر الفاسد، ويقودهم المربي المتفائل الفاسد، ليقول: دونكم الميدان فأنتم رجاله، اصنعوا الأمجاد في زمن الرجعية والتخلف والفساد، فإذا ما التقى ذلك بمربيه السابق، سأله هذا المربي الدعي: أين أنت الآن، ليجيبه من سماه هذا الدعي مزاجياً، أو عاصياً، أو مغروراً: كنت موهوباً ومعي الهوية، والآن موهوباً بلا هوية، والسبب أنت يا خليفة قابيل!

إنني أعتذر للمتجردين من هؤلاء الإخوة المسيئين من حيث أرادوا الإحسان، لأقول: شكراً يوم أردتم أن تكونوا دعاة بلا دعوة، ومربين بلا تربية، شكراً لجيل أخرجتموه فحصدنا نحن الشوك! شكراً لكم حين ناقشتم وجادلتهم الذوات وتركتم المنهج، شكراً يوم أدنتم الناصح بالراشق، ومحسن الظن بالمسيء، والمتعاون بالخائن، وطالب التغيير بالباحث عن التعيير، وذا النظرة البعيدة بضيقها، شكراً لكم حين أعلنتم كل هذا لأجل الدعوة والتربية، وهل الدعوة والتربية إلا أنتم، فإذا نجحتم وإلا فالسقوط الذي لا يتبعه أي سقوط، فلتسقطوا ما في أنفسكم قبل السقوط أمام الملأ.
فلتسقطوا ولنسقط جميعاً مافي نفوسنا من الأدران والأغلاط والأخلاط، لنسقط حب الرئاسة، وعلو المنصب والجاه.
إن هذه الرفاهية التي تعيشونها قد تنقلب إن لم تغيروا ما في نفوسكم وتصححوا الأوضاع إلى جحيم لا يطاق، وأول ما يكون ذلك من نفوسكم، فتصبحوا مقيدين بلا قيود، ومأسورين بلا أسر، فقط يوم أن أتكلتم إلى جهدكم، ونسيتم الله طرفة عين!
أيها الأحبة ..
كونوا أقوياء، وانطلقوا أقوياء في دعوتكم وتربيتكم، وإلا فلتتخلوا عن رقاب أبناء المسلمين وعن ذممهم، وقبل أن تقولوا: من لهم ؟
قولوا قبل ذلك ..
من لأنفســـنا ؟؟؟

كتبه: الأخ أبو أسامة
www.Abo-osamah.net

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية