صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الشبهة الخامسة : ((ترك الاحتساب بسبب عدم استجابة الناس ))

الدكتور /فضل ألهى

 
يقول بعض الناس : (( ينبغي أن لا نضيع جهودنا و أوقاتنا في أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر حيث إنهم لا يستجيبون )).

بيان حقيقة هذه الشبهة :
سنبيّن بعون الله تعالى حقيقة هذه الشبهة بإلفات عناية القاريء إلى النقاط التالية :
1. لا يُشترط لوجوب الاحتساب قبول الناس.
2. الحكم على الناس بعدم الاستجابة من الأمور الغيبية .
3. وجوب التأسي بالرسول الكريم في هذا الأمر .

أولاً : لا يُشترط لوجوب الاحتساب قبول الناس :
لم يشترط الله تعالى ولا رسوله لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استجابة الناس ، بل أوجب الله تعالى على نبيه الكريم وعلى أمته تبليغ الناس أوامره ونواهيه سواء استجابوا أم لم يستجيبوا . وقد وردت نصوص كثيرة تبيّن هذا . منها على سبيل المثال قوله تعالى :(( فإن تولوا فإنما عليه ما حُمّل و عليكم ما حُمّلتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين )).
ومنها قوله تعالى :(( فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنما عليك البلاغ ))
ومنها قوله تعالى :(( فإن تولّيتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ))
ومنها قوله تعالى: (( فإن تولّوا فإنما عليك البلاغ المبين ))
ومنها قوله تعالى: (( فإن تولّيتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين ))
ومنها قوله تعالى: (( فهل على الرسل إلاّ البلاغ المبين ))
ومنها قوله تعالى: (( فإن تولّوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ))
ومنها قوله تعالى: (( وإن مّا نرينّك بعض الذي نعدهم أو نتوفينّك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب )).
ومنها قوله تعالى:(( يا أيها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس )).
ومنها قوله تعالى :(( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر )).

فمهمة الرسول الكريم ( وهكذا مهمة أمته أن يبلغوا الناس أوامر الله تعالى و نواهيه ويذكروهم سواء استجابوا أم لم يستجيبوا ولا عذر لهم عند الله لترك هذه المهمة الجليلة بسبب إعراض الناس عنهم . وفي هذا الصدد يقول الإمام النووي : (( قال العلماء رضي الله عنهم : (( ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه ، بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين )) . وقد قدَّمنا أن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول ، وكما قال تعالى : (( ما على الرسول إلاّ البلاغ)).
ومما يؤكد هذا ما قصّه الله تعالى عن أصحاب السبت حيث استمر الصالحون في نهي العصاة عن التحايل للصيد يوم السبت ، ولم يتركوا الاحتساب بسبب عدم استجابة العصاة ، بل صرّحوا أنهم يقصدون من وراء احتسابهم أمرين :
أن يُقبل عذرهم عند الله تعالى .
لعل العصاة يستجيبون فيتركون التحايل ويتوبون إلى الله تعالى .

يقول سبحانه وتعالى عن قصتهم : (( وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً ، قالوا معذرةً إلى ربكم ولعلهم يتقون)).
ويقول الإمام ابن العربي في تفسير الآية : (( لما فعلوا هذا نهاهم كبراؤهم ، ووعظهم أحبارهم فلم يقبلوا منهم فاستمروا في نهيهم لهم ، ولم يمنع من التمادي على الوعظ والنهي عدم قبولهم لأنه فرض قُبل أو لم يُ قْبل ، حتى قال لهم بعضهم :(( لم تعظون قوماً الله مهلكهم )) . يعني في الدنيا أو (( معذبهم عذاباً شديداً )) قال لهم الناهون : (( معذرةً إلى ربكم )) أي نقوم بفرضنا ليثبت عذرنا عند ربنا)).

ثانياً : الحكم على الناس بعدم الاستجابة من الأمور الغيبية :
إن الحكم على الناس بأنهم لا يستفيدون من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأمور الغيبية التي لا يعرفها إلا العليم الخبير . إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع رب العباد ، يقلّبها متى شاء وكيف ما شاء . وما أسهل على الله تعالى تقليبها .

فقد روى الإمام مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : إنه سمع رسول الله يقول : (( إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء)).
وقد شبّه رسول الله ( سهولة تصريف قلوب العباد بتقليب ريشة بأرض فلاة .
فقد روى الإمام ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله : (( مثل القلب مثل الريشة ، تقلّبها الرياح بفلاة )).
وكم من أشخاص يراهم الناس من أتقى الناس فيتحولّون إلى أفسق الناس ، وكم من أفسق الناس يأتيهم الموت وهم من أتقى الناس . هذه حقيقة نقرؤها فلي سير الناس ، ونشاهدها في حياتنا اليومية ، وبيّنها الصادق المصدوق الناطق بالوحي ( بقوله : (( إن العبد ليعمل _ فيما يرى الناس – عمل أهل الجنة ، وأنه من أهل النار ، ويعمل _ فيما يرى الناس – عمل أهل النار ، وهو من أهل الجنة ، و إنما الأعمال بخواتيمها )).
فإذا كان البشر يجهل خواتيم الآخرين فكيف يسوغ له أن يفترض أنهم لا يتجيبون، ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استناداً إلى هذا الافتراض؟

ثالثاً : وجوب التأسي بالرسول الكريم في هذا الأمر :
جعل الله تعالى في رسوله الكريم أسوة لنا حيث يقول عز من قائل : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ))
فلنا أن نسأل أصحاب هذه الشبهة : هل ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نظراً لعدم استجابة الناس ؟
كلا ، بل استمر صلوات الله وسلامه عليه في ذلك في أشد الأحوال وأصعبها راجياً من الله هداية المخاطبين ، بل هداية أجيالهم القادمة إن لم يستجب الجيل الموجود .
وسيرته الطاهرة تدل على هذا . فقد روى الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله : يارسول الله ، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟
فقال: (( لقد لقيت من قومك ، وكان أشد ما لقيته منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلاّ و أنا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني .فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال : (( إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ))
قال : (( فناداني ملك الجبال وسلّم عليّ ، ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك ، وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني ،فما شئت ؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين )).
فقال له رسول الله ( : (( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ، لايشرك به شيئاً )).
هل يُتوقع بعد ذلك ممن ينتسب إلى هذا النبي الكريم ( الحريص على هداية الناس أن يقول : (( ينبغي أن لا نضيع جهودنا و أوقاتنا في أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر حيث إنهم لا يستجيبون ؟)).

احتجاج أصحاب الشبهة ببعض الآيات :
يحتجّ أصحاب هذه الشبهة ببعض النصوص التي جاء فيها – على حسب زعمهم – الأمر بالتذكير مشروطاً بالنفع ، أو مخصوصاً لمن خاف الوعيد، أو خشي الرحمن بالغيب ، واتبع الذكر . ومن النصوص :
قوله تعالى : (( فذكر إن نفعت الذكرى ))
وقوله تعالى :(( إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ))
وقوله تعالى : (( إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب ))
وقوله تعالى:(( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد )).
قالوا : نجد في هذه الآيات بأن الله تعالى اشترط لأمره بالتذكير ((نفع الذكرى )) كما أرشد نبيه الكريم أن يقتصر في إنذاره عل ((من يخاف وعيد )) (( وخشي الرحمن بالغيب )) (( واتبع الذكرى))
لذا لا داعي لبذل الجهود في أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر وهم لا يستجيبون .

كشف النقاب عن حقيقة الاحتجاج :
سنبيّن بتوفيق الله تعالى حقيقة احتجاجهم بالآيات من وجهين :
1. النظر في سيرة من أنزل عليه تلك الآيات .
2. المراد بالآيات على ضوء تفسير المفسرين .

أولاً : النظر في سيرة من أنزل عليه تلك الآيات:
أنزلت تلك الآيات على محمد ، وهو الذي كان يتلوها على المؤمنين ، ويعلّمهم إياها ،وإليه أسندت مهمة بيانها ، وكان صلى الله عليه وسلم صورة حية لما نزلت عليه من الآيات لنا أن نسأل هؤلاء هل ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بسبب إعراض الناس ؟ كلا ، فقد استمر في التذكير والإنذار رغم عناد الكفرة وتمردهم ، والفهم الصحيح للآيات هو فهمه وكل استنباط أو استدلال يعارض فهمه وعمله باطل ومردود على صاحبه .

ثانياً: المراد بالآيات على ضوء تفسير المفسرين :
بيّن المفسرون المراد بتلك الآيات فأجادوا وأفادوا جزاهم الله تعالى عنا خير الجزاء وسنذكر بعض ما ذكروا – بعون الله تعالى – في هذا المقام .
أما قوله تعالى :(( فذكر إن نفعت الذكرى )) فنترك مجال تفسيره للإمام الرازي حيث يقول مثيراً بعض الأسئلة حوله :
السؤال الأول : أنه عليه السلام كان مبعوثاً إلى الكل فيجب عليه أن يذكرهم سواء نفعتهم الذكرى أم لم تنفعهم ، فما المراد من تعليقه على الشرط في قوله تعالى :(( فذكر إن نفعت الذكرى ))؟.
الجواب : أن المعلق (( بأن )) على الشيء لا يلزم أن يكون عدما عند عدم ذلك الشيء، ويدل عليه الآيات ، منها هذه الآية :
ومنها قوله تعالى :(( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ))
ومنها قوله تعالى :(( واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون )).
ومنها قوله تعالى :(( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم )) فإن القصر جائز وإن لم يوجد الخوف .
ومنها قوله :(( فإن لم تجدوا كاتباً فرهان )) والرهن جائز مع الكتابة .
ومنها قوله :(( فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله ))والمراجعة جائزة بدون هذا الظن .

ويتابع الإمام الرازي كلامه ويقول: (( إذا عرفت هذا ذكروا لذكر هذا الشرط فوائد:

أحدهما : أن من باشر فعلاً لغرض فلا شك أن الصورة التي عُلم فيها إفضاء تلك الوسيلة إلى ذلك الغرض ،كان إلى ذلك الفعل أوجب من الصورة التي عُلم فيها عدم ذلك الإفضاء ، فلذلك قال : (( إن نفعت الذكرى )).

ثانيها : أنه تعالى ذكر أشرف الحالتين ونبّه على الأخرى كقوله : (( سرابيل تقيكم الحر )) والتقدير (( فذكر إن نفعت الذكرى )) أو لم تنفع .

ثالثها : أن المراد به البعث على انتفاع بالذكرى كما يقول المرء لغيره إذا بيّن له الحق: ((قد أوضحت لك أن كنت تعقل )) فيكون مراده البعث على القبول والانتفاع

رابعها : أن هذا يجري مجرى تنبه الرسول أنه لا تنفعهم الذكرى كما يقال للرجل : (( ادع فلانا إن أجابك )) ما أراه يجيبك .

خامسها : أنه عليه السلام دعا إلى الله كثيراً ، وكلما كانت دعوته أكثر كان عتوهم أكثر ، وكان عليه السلام يحترق حسرة عل ذلك ، فقل له :(( وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد )) إذ التذكير العام واجب في أول الأمر فأما التكرير فلعله إنما يجب عند رجاء حصول المقصود فلهذا المعنى قيّده بهذا الشرط )).

وأما قوله تعالى :(( إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة )) فين المفسرون رحمهم الله تعالى بأن المنتفعين بالإنذار هم أولئك ، وليس المعنى : بأن غيرهم لا يُذَكر ولا يُنذر . يقول أبو القاسم الغرناطي : (( المعنى أن الإنذار لا ينفع إلا الذين يخشون ربهم ، وليس المعنى اختصاصهم بالإنذار )).
وأما قوله تعالى : (( إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب )) فالمراد به – كما بيّن المفسرون – مثل المقصود بالآية السابقة . يقو أبو القاسم الغرناطي في تفسيره : (( معناه كقوله :(( إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب )) وقد ذكرناه في فاطر )).
وأما قوله تعالى : (( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد )) فهو – كما يقول أبو القاسم الغرناطي – كقوله :(( إنما تنذر الذين يخشون ربهم )) لأنه لا ينفع التذكير الا من يخاف .
فخلاصة القول أن الاستدلال بتلك الآيات على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب عدم استجابة الناس غير صحيح.


المصدر : كتاب شبهات حول الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر …. تأليف:
الدكتور /فضل ألهى
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سفينة المجتمع
  • مسائل في الحسبة
  • شـبـهـات
  • فتاوى الحسبة
  • مكتبة الحسبة
  • حراس الفضيلة
  • الصفحة الرئيسية