اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/alsafinh/h15.htm?print_it=1

أخطاء (( الهيئة )) .. والنقد العقلاني الغائب


من يتأمل في الأخطاء التي تقع فيها الشرطة والدفاع المدني وغيرها من القطاعات الحكومية ، يجد تعامل الناس مع أكثر هذه الأخطاء تعاملاً موضوعيا وعقلانيا ومعتدلا، فهم :

أولاً : يتثبتون من الخطأ ، ويتحققون من مصدره.

وثانيا : ينسبون الخطأ لصاحبه .

وثالثاً : لا يكون هذا الخطأ سبباً للطعن في الجهاز الحكومي ، أو الاستهانة به ، فضلاً عن الدعوة إلى إلغائه أو تهميشه.

ورابعاً: تراعي وسائل الإعلام حرمة هذه القطاعات ، وتحفظ لها مكانتها وقدرها ، فتجعل مساحة ضيقة للنقد الموجه لهذه القطاعات ، أو لأفرادها ، وتحجر على مساحة القصص والأخبار الشخصية من مواقف بعض الناس مع هذه القطاعات.

وهو تصرف حكيم في الجملة ، ويدل على وعي ونضج، لا تكون فيه هذه القطاعات في معزل عن النقد والتصحيح ، ولا يجعل من هذه الأخطاء ذريعةً للطعن في مصداقية هذه القطاعات ، أو هز ثقتها لدى المجتمع.

هذا التصرف الحكيم يتشكل في نماذج كثيرة ، من مراعاةٍ لأسلوب ، وتثبتٍ من خبر ، وتخفيفٍ من حدة ، ومطالبةٍ بالعدل .. الى غير ذلك .

إلا أن هذه الموضوعية والعقلانية تنسى نفسها ، وتنقلب عكساً فتقف على رأسها ، وتتشكل بلونٍ وشكلٍ جديد حين تكون هذه الأخطاء منسوبة إلى قطاع حكومي هو (( هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )).

فأولاً : خذ ما شئت من الأخبار و ( الحكوات ) التي يتناقلها الناس ، ثم يصدقها من اختلقها.

وثانياً : خذ الوقاحة وسوء الأدب ، والنقد السوقي المنحط في التعامل مع هذه الأخطاء.

وثالثاً : خذ الاستغلال البشع والدنيء من وسائل الإعلام لتلك الأخطاء، فتعقد المؤتمرات ، وتحقق الدراسات، ويستنفر الصحفيون للبحث عن أي شيء قيل في هذه المشكلة ، حتى إن المحاكم لتضج يومياً بالآلاف من المشكلات والخصومات ، فما أن يدخل رجل الهيئة باب المحكمة في الظهر لقضية ما ، حتى تجده خبرها وتفصيلها والتوقعات والتحليلات عنها في صباح الغد وعلى الصفحة الأولى لبعض جرائدنا!

قبل أسابيع قليلة .. حدث خلاف بين بعض المنتسبين لجهاز الحسبة ، وأحد القضاة في البلد ، بدأت بشكوى ثم بشكوى أخرى وانتهت بعد أيام ، وهي قضية من ملايين القضايا التي تملأ المحاكم ، غير أن الصحافة النزيهة عقدت لها متابعات ولقاءات واهتمام كبير وبـ ( البنط العريض ) على الصفحة الأولى وبشكل دوري!

فهل المشكلة تستحق معشار هذا ؟

وهل الخلافات الأخرى في القطاعات المختلفة تعطى ذرة من هذه الاهتمام..؟

ورابعاً: تكون هذه الأخطاء ذريعة لبعض الناس ليتشفى من هذا القطاع الحكومي ، فمن مُطالبٍ بإلغاء الهيئة ، أو دمجها ، أو محاسبة كل أفرادها ، أو ا لتضييق عليها ، أو غيرها من الأمور التي يراها عقلانية ، ولو قالها في جهاز غير هذا الجهاز لعده الناس ضرباً من الجنون .

وخامساً : ينسى هذا الصنف من الناس جميع إنجازات الهيئة ، وجهودها العظام ، وما قدمت وبذلت مع قلة الإمكانيات ، وصعوبة العمل ، وضعف المحفزات.

هو تناقض صارخ ، وتنافر فاضح يدركه كل من كان عاقلاً من القوم ، فيبتدر بسرد بعض المبررات والأسباب التي يحاول بها أن يخفف من شناعة هذه الازدواجية ، فجاءت كعذر أقبح من ذنب ، كلما خرج مبرر لعن أخاه ، من غير أن يفصح لنا ما سر هذا التقلب.

قالوا مرة : الهيئة تستغل الدين ، وتخادع السذج من الناس.
ومرة لأن تتعدى على الحقوق.
وثالثة.. ورابعة..

ولا زالت الحقيقة غائبة.

الواقع والحوارات الميدانية تثبت أن سر هذا التناقض يرجع إلى سببين اثنين ، كل سببٍ يضم تحته طائفة من الناس:

السبب الأول : عدم الاعتراف أصلا بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والاعتقاد أن ذلك مخالفاً لحرية الرأي، وأنه تخلف ورجعية ، ونحو هذا من الانحرافات المصادمة لقيم الإسلام ومنهجه العام ، فموقفهم من أخطاء الهيئة موقف ناتج عن انحراف سابق ، لا يمكن أن نعالج الخلل الموضوعي مع وجود هذا الانحراف.

فهذا الصنف يؤمن بأهمية الشرطة والدفاع المدني وغيرها إدراكا منه لدورها وأثرها، وبالتالي يتعامل مع أخطائها بموضوعية ، وأما جهاز الهيئة فهو يمارس عملاً دينياً شرعياً، وهذا الصنف لا يؤمن أصلاً بأن الأحكام الشرعية تدخل ضمن نطاق الحياة ، أو يؤمن بها على غبشٍ ودخن.

وأنتم تعرفون جيدا من الصنف الذي يحتبي في هذا عباءة هذا السبب؟

السبب الثاني:
أن جهاز الهيئة يقف في وجه شهوات بعض الناس ، ويحول دون عبثهم ومجونهم، ويلاحق كل مجاولات الإغراء والفساد ، فيهيج ثورانا ضد من يحول بينه وبين شهوته ،

أضف لذلك : أن المشكلات التي يتعامل معها رجال الحسبة قضايا تتعلق في كثير منها بالعرض والشرف ، ومن العسير جدا على الشخص أن يعترف بحقيقة فعله ، فلا حيلة من أساليب ( كنت مع زوجتي ، وخرجت مع أختي .. ).

أخيراً أقول ، وليحتملني من لا زال متحملاً :

إن جهاز الحسبة قائم على حفظ الدين ، وحماية العرض ، وصيانة الحرمات ، والمسلم النظيف يدرك جيدا أهمية العمل العظيم الذي يقوم به رجال الحسبة ، ويستشعر الأثر الكبير لهذه الجهود ، فلا يرى من المنطق والعقل أن ينسف كل هذه المجهودات لأجل بعض أخطاء رجالها ، وأما من كان يستقى من منابع متكدرة فلا غرو أن لا يتقبل حياة شرعية تريد للناس جوا نقياً صافيا.


كتب: عرار ..

 

سفينة المجتمع
  • مسائل في الحسبة
  • شـبـهـات
  • فتاوى الحسبة
  • مكتبة الحسبة
  • حراس الفضيلة
  • الصفحة الرئيسية