اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/alsafinh/h17.htm?print_it=1

نعم لنقد (الهيئة) ولكن.. لا للسخرية السخيفة!!

ياسر بن عبدالله السليّم


تطالعنا الصحف دائماً بأخبار القبض على عمالة تدير مصنعاً للخمور، وأخرى تدير وكراً للدعارة، أو مواقع لتمرير المكالمات، وأخرى تروج بطاقات لفتح القنوات الفضائية الهابطة، وأخبار أخرى حول القبض على أشخاص بحوزتهم كمية من الحشيش، أو مروجي مخدرات، إلى غير ذلك من الجرائم التي يرتكبها الحاقدون على هذا الوطن الذي قامت دعائمه على تحكيم الشريعة، ولا زالت كذلك وستظل - بإذن الله - إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. والمتابع لتلك الأخبار - بل والمتغافل عنها - لاينكر الجهود المشتركة بين رجال الأمن في القطاعات العسكرية بشكل عام كالشرطة ومكافحة المخدرات، ورجال الأمن في هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذين يبذلون الغالي والنفيس لأجل حماية أمن هذا الوطن من عبث العابثين.
لأجل هذا فقد شهد الاهتمام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلادنا المباركة - حرسها الله - تطورات عديدة منذ عهد الملك المؤسس - طيب الله ثراه - واستمر على ذلك أبناؤه البررة من بعده، إلى وقتنا الحاضر في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - والذي قد جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً تمارسه الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها بكل كفاءة واقتدار، وبكل ما تتمتع به من قوة وهيبة كما قال تعالى: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا لزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} (الحج: 40 -41).

وإن مما يجهله كثير من الناس - لذا فهو يطالب به - نظام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولوائحه التنفيذية التي صدرت بالقرار ذي الرقم 2740 والتاريخ 24/12/1407ه المؤيد بخطاب وزير الداخلية صاحب الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز - حفظه الله - رقم 16/53048 وتاريخ 4/8/1406ه، فأصبح جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعنى بما يدخل في اختصاصه من الاحتساب في مجال المعروف المتروك، أو المنكر المرتكب سواء من المنكرات الكبيرة العظيمة أم من المنكرات التي هي أقل درجة، في أمور العقيدة والعبادات والآداب العامة.

فولاة أمرنا - وفقهم الله - يعلمون ما للهيئة من دور عظيم، وفضل كبير، في حفظ الأمن وانتشاره، وطرد الفتن وإبعادها، لذا فقد انتشرت - ولله الحمد - الفروع والمراكز التابعة للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع أنحاء المملكة، حتى بلغ عددها حتى عام 1421ه : 466 فرعاً ومركزاً موزعة على جميع مناطق المملكة.

وإن جهود الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هي موضع تقدير واهتمام من جميع المسلمين الغيورين، ولاسيما في هذا البلد المبارك الذي نعيش فيه بركات تطبيق شرع الله وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي جهود تذكر فتشكر فهم يقومون بمنع السفهاء من خرق السفينة لننجو جميعا بإذن الله، وهناك دراسة اجتماعية أكدت على أن ما نسبته 70٪ من الجرائم الأخلاقية تم ضبطها من قبل رجال الهيئة. ولا يغيب عن أذهاننا أن هؤلاء الرجال هم بشر ليسوا بمعصومين عن الخطأ، فإذا بدر من أحدهم زلة أو هفوة فعنده من الحسنات مايمحوها ويكفي أنها ناتجة عن اجتهاد. ولو فتش كل واحد منا في ذاته لوجد أنه يرتكب الأخطاء والزلات مع نفسه وأهل بيته، وكم من القرارات التي يصدرها في مجال عمله ثم يتضح له أنها قد جانبت الصواب.

وإن كان الكثير منا قد تقاعس عن القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- والتي بسببها نالت هذه الأمة تلك الخيرية - فلا أقل من أن ندعو لهؤلاء الرجال القائمين عليها معترفين بفضلهم شاكرين لجهودهم، وألا نكون من أولئك الذين إذا رأوا منهم أهون الأخطاء وأيسر الزلات سلقوهم بألسنة حداد، سواء في المجالس، أو في أعمدة الصحف، أو عبر مسلسلات تلفزيونية، أو غير ذلك من الوسائل التي يمتطيها البعض للسخرية برجال الهيئة، ولايكتفي بالسخرية بذاتهم فحسب، بل قد يتعدى الأمر إلى السخرية بشعائر الدين، وبسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم القائل: «من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيراً أو ليصمت».

وقد قال سماحة الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله - جواباً على سؤال وجه إليه، مانصه: «الوقيعة في أهل الخير أشد من الوقيعة في عامة الناس، ومن أهل الخير الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، والوقيعة فيهم توهن جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويخشى أن يبتلى الواقع فيهم بكراهة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفي كراهة ذلك خطر على دين العبد، لقوله تعالى: { ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم} (محمد: 9). فالواجب حماية جانب الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ومساعدتهم والكف عن أعراضهم لأنهم قائمون بمسؤولية عظيمة وفرض على الأمة جميعاً.

ولكني أقول - والكلام للشيخ- : إنه لايمكن أن نبرئ الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من الخطأ، كما أننا لانبرئ أنفسنا أيضاً، إن إخواننا الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكريعانون من المشقة والتعب مما نسأل الله لهم أن يكون كفارة لسيئاتهم ورفعة لدرجاتهم، ونسال الله لهم العون.

وخيراتهم أكثر بكثير مما يقع من خطأ بعض أعضاء الهيئة؛ لأن بعض أعضاء الهيئة قد تأخذه الغيرة والعاطفة حتى لايملك نفسه في التصرف كما فعل الصحابة رضي الله عنهم مع الأعرابي الذي جاء فبال في المسجد فقد صرخوا به ونهروه حتى أسكتهم النبي صلى الله عليه وسلم. والإنسان قد يكون لديه غيرة شديدة قوية واندفاع قوي؛ فلا يضبط نفسه عند التصرف، لكن لايجوز لنا أن نتخذ من مثل هذا الحال سلماً للقدح في جميع أعضاء الهيئة، أو في جميع أعمال هذا الشخص نفسه، بل الواجب أن نلتمس له العذر وأن نتصل به ونبين له ماهو الطريق الراشد في معالجة الأمور.. انتهى كلامه رحمه الله.

وبعد: فإن وجود الهيئة أو عدمه في بلادنا ليس أمراً يخضع لرغبة أشخاص أوفئة أو جماعة أوتيار ما، بل هي ركيزة من ركائز الدين، وعمود من أعمدة الإسلام الذي تقوم عليه بلادنا، لذا فإن المواطن المخلص الصادق هو من يقوم بالنقد البناء، ومعلومً لكافة العقلاء الفرق بين النقد الذي يكون منطلقه الإصلاح بالصدق في القول، والقصد، وسلامة الوسيلة، وبين النقد الذي يكون هدفه الهدم عن طريق الكذب، والتلبيس، وسوء الوسيلة، وكذلك فإن المواطن الصادق هو من يطالب بتحسين عمل الهيئة وتحسين مستوى أفرادها، بل ومساعدتهم في عملهم بتقديم النصح، وتقديم وسائل تعينهم على القيام بالمطلوب منهم، وليس من الصدق والإخلاص الهجوم عليها والسخرية من رجالها، أو المطالبة بإنهائها وإيقاف عملها، وبالتالي: تغرق سفينة الأمة!

اسأل الله تعالى أن يسدد ويعين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ويوفقهم، وأن يؤيد دولة الإسلام القائمة بهذه الشعيرة وأن يكفيها كيد الكائدين وحسد الحاسدين وأن يديمها رائدة وقدوة للمسلمين والحمد لله رب العالمين.


جريدة الرياض الأحد 24 شعبان 1427هـ - العدد 13964
 

سفينة المجتمع
  • مسائل في الحسبة
  • شـبـهـات
  • فتاوى الحسبة
  • مكتبة الحسبة
  • حراس الفضيلة
  • الصفحة الرئيسية