اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/alsafinh/h22.htm?print_it=1

الهيئات .. الغصة في حلوق المأفونين !!

دكتور استفهام


الكثير من الكتاب الذين تفرغوا للنكاية بالهيئات هم مثل تلك البكتيريا المضرة التي تنتظر الجو المناشب لتنشر بلاءها ، فهم لا يقدمون رؤية محترمة ، ولا نقد هادف بناء ، بقدر ما يتفنون في أذية كل ماهو من مظاهر التمسك بالشريعة عقيدا وفكرا وسلوكا ..

لقد رأيناهم بعد الحادي عشر من سبتمبر يشنون غارات مكثفة على المناهج لا بقصد إصلاحها ، بل بقصد نزع الرؤية الإسلامية منها ، ورأيناهم يشنون الغارات المتتابعة على العمل الخيري الذي يقوم به ثلة مباركة من أهل الخير لسد رمق الجوعى ، ورعاية الأيتام ، بحجة إمكانية استخدامها لتمويل الإرهاب ، وهاهم اليوم يشنون غاراتهم الكريهة على الحسبة وأهلها بقضية لا تزال قيد التحقيق والمسائلة ، ثم يهدرون كل قيمة وجهود تبذلها الهيئات إلى عبثية مضرة ، فأي قلوب يحملها هؤلاء ؟

إنه لم يقل أحد بأن رجال الحسبة اناس ملائكيون منزهون عن الخطأ ، فهم رجال دولة يتبعون لجهاز رسمي ، يحتك بالمجتمع كل دقيقة ، ويمارس دورة المشهود العظيم في كل مكان ، فوقوع عضو منه في خطأ او تجاوز ، ا وحتى في جريمة لا يجوز أن يتعدى فيه إلى كل الجهاز ، وإلا لما بقي جهاز من أجهزة الدولة بريئ من هذه التهم ، وخاصة ان رجال الحسبة يتعاملون وفق نظم موضوعه من جهات الاختصاص العليا ، والخطأ الواقع منهم هو مثل أي خطأ من غيرهم ، إلا عند من يريد ان يستخدم هذه الأخطاء وسيلة للنكاية والتشهير ، وتصفية الحسابات ..

إن الهجوم على الهيئة يأتي في سياق الهجوم على " خصوصية " هذه البلاد ، وهذه الخصوصية تزعج الكثير من متبني الفكرة الليبرالية التي تريد ان تحيل هذه البلاد إلى بلاد غربية الروح والدم ، وهذا هو الخطير في مثل هذه الدعوات المضللة ، فهم لم يقتنعوا حتى هذه اللحظة إلى ان هذه البلاد ليست كغيرها ، فهي حاضنة الحرمين ، قائمة على الشريعة ، مجتمعها متدين متمسك بقيمه ، مرحب بكل فئاته بأناس يحفظون عفته وطهره ، ويسهرون الليالي في سبيل الضرب على من يريد اشاعة الفاحشة فيه ، قد شهد لجهود رجال الحسبة فيه القاصي والداني ، وخاصة في قضايا الرذيلة والمخدرات والمسكرات .. إن النقد مقبول بلاشك ، ولكنه النقد الذي يأتي من اتفاق مبدئي على أهمية الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، معظما لهذه الشعيرة العظيمة ، ثم بعد ذلك لا بأس ان تطرح الأفكار التي ترشد العمل ، وتعمق من مفهوم الحسبة ، وتدرس قيمة التطوير في الموارد البشرية وآليات العمل ، من خلال ندوات ومجامع من اهل الرأي والفكر والعلم ..

إننا بحاجة إلى دعوة معاكسة لدعوة المأفونين ، دعوة إلى توسيع مفهوم الحسبة ليدخل في مجالات تتعدى الممارسات الأخلاقية ، مفهوم يجعل الحسبة عملا يراقب كل فعالية من فعاليات الواقع ، فلا فرق بين من يضر بالشجر ، وبالأرض ، ومن يضر بالقيم والاخلاق ، فكلها في مفهوم الشريعة منكرا ، وبحاجة إلى توسيع إطار ( الامر بالمعروف ) في مقابل ( النهي عن المنكر ) ، وإن كان كل نهي عن المنكر هو أمر بالمعروف ، والعكس صحيح ايضا ..

إن الأمة الإسلامية في عصورها المتطاولة تعظم من شأن الحسبة لأنها فعل اجتماعي عام لا يقتصر على فئة من الناس ، ولا يدخل في مجال دون آخر ، بل هو فعل شمولي يأتي على كل منكر يمارس في الواقع ، وهاهو عمر الفاروق رضي الله عنه يقول : ( والله لو عثرت بقرة في العراق ، لخشيت ان يسألني الله عنها لم لم تصلح لها الطريق ) ، إيمانا من الفاروق عمر رضي الله عنه بأن إصلاح الطريق معروف ، وافساده منكر ، وكان إمام عمر النبي صلى الله عليه وسلم يتحسس ما يباع لينكر الغش في البيع ، ويقول ( من غش فليس منا ) ، فهل نرى توسيعا لإطار الحسبة ليأتي على جوانب حياتنا كلها ، وخاصة حين يتفق الناس على أن هذا منكر ، يمس الضرورات الكبرى للبشر في المجتمع الإسلامي .

كما اننا بحاجة إلى مراجعة مفاهيمنا تجاه المنكر والمعروف ، حتى ننكر بعلم ، ونأمر بعلم ، وحتى لا يترك المجال لاجتهاد المجتهدين ، من خلال ضبط مفاهيم الإنكار ، ووضع الأسس الصحيحة المعتمدة على مقاصد الشريعة في الأمر والنهي ، والتفريق بين مسائل الظن والاجتهاد ، ومسائل القطع واليقين والإجماع ، حتى يقلل من أخطاء المجتهدين الذين ينكرون المعروف ، او يأمرون بالمنكر وهم لا يشعرون .. والله الموفق !
 

سفينة المجتمع
  • مسائل في الحسبة
  • شـبـهـات
  • فتاوى الحسبة
  • مكتبة الحسبة
  • حراس الفضيلة
  • الصفحة الرئيسية