صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الطائفية والأقلية يجوز أن تحكم؟
والأكثرية لا يحق لها أن تحكم ؟! لماذا؟

كتبه: د. معاذ سعيد حوى


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه أجمعين
الطائفية والأقلية يجوز أن تحكم؟
والأكثرية لا يحق لها أن تحكم ؟! لماذا؟
 

من أهم الشروط التي تريد الدول الكبرى الغربية ودول الديمقراطية والحرية أن تمليها علينا وتفرضها وتضمنها في حكوماتنا القادمة ما بعد الثورات والتغيير:
حقوق الأقليات في المشاركة في القرار والحكم، وعدم تقييد حرياتهم الدينية والمدنية.
ـ ويفترض الغربيون أن الإسلام والمسلمين والإسلاميين إذا حكموا فسوف يقيدون هذه الحريات، وسوف يقمعون الأقليات، أو يستعبدوهم أو يستبدوا بهم أو يقتلوهم أو يهجروهم أو يجبروهم على غير عقيدتهم ودينهم.
ـ إنه لا بد أن نبين للعالَم كله عقيدتنا ومبادئنا في هذا الأمر، نبين لإخواننا المسلمين الجاهلين بهذا الأمر، ليعلموا، وليقفوا عند حدودهم ولا يتجاوزوها بالعاطفة والانتقام، ونبين لغير المسلمين حتى يعلموا حقيقة ديننا ورحمته.
إن الإسلام لا يفرض الإيمان على كافر مهما كان كفره، إلا إذا آمن واقتنع فقناعته وعقله يفرض عليه أن يتبع هذا الإسلام حينما يرى أدلةَ صدقِه، وبرهانَ نزولِه من عند الله الخالق، وحينما يرى جماله وشموله وكماله ورحمته وعدله.
إن الإسلام لا يريد أن يصنع منافقين بين المؤمنين، وإجبار الناس على الديانة يجعل بين المؤمنين ناساً يحرِّفون الدين ويغيِّرونه ويفسدونه، يتظاهرون بالإيمان والطاعة، وقلوبهم وأعمالهم مع الكفر والعصيان، وهذا لا يريده الله، وليس من مصلحة المؤمنين.
فالله أمرنا أن ندعو هؤلاء بالحسنى إلى ديننا، بالمنطق والعقل والفكرة، والمعاملة الحسنة، والحوار والمناقشة والمجادلة العلمية الفكرية الهادئة. ولم يأمرنا أن نجبرهم.
من الطبيعي ومن الأمر الواقعي أن الأكثرية ـ سواء كانت مؤمنة أو غير مؤمنة ـ أنها تستطيع أن تفرض رأيها على المجموع، وقانون الديمقراطية والحزبية يفعل ذلك، فالأكثرية تجبر الأقلية على آرائها، مع المداراة في كثير من الأمور للأقليات، بما لا يتعارض مع الصالح العام للأكثرية، بحيث لا تضيِّع الأكثرية وجود الأقلية، ولا تأكل حقوقها الشخصية، ولا تستبيح أموالها وممتلكاتها، ولا تمنعها من الحوار وإبداء الرأي، وخاصة في ما يمس حياتهم ويتعلق بهم، ولا تفرض عليها في خصوصياتها فيما بينها حكماً أو قانوناً، فيما لا علاقة له بالشأن العام.
كل هذا من الطبيعي فالأكثر والأقوى له الحكم والتحكم، وعليه أن يراعي جميع الفئات والشرائح والطوائف والأديان ...
ـ والإسلام لا ينافي هذه القاعدة الواقعية، فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما كان في مكة كان يدعو إلى دينه ومبادئه وعقائده وقِيَمِه وأحكام دينه، لكنه لم يكن يفرض على أحدٍ شيئاً، إلا أن يقتنع به.
وقبل أن يهاجر إلى المدينة تعامل مع أهلها بمنطق الأقلية التي تطلب وُدَّ الأكثرية، فطلب منهم حمايته والدفاع عنه وتأمين حريته في إبداء فكره ورأيه ودينه، ولم يفرض عليهم شيئاً، ولم يفرض عليهم القتال معه، إلا أن يدافعوا عنه بعد أن التزموا بذلك.
فلما جاء إلى المدينة واقتنعت الأكثرية بدينه وعقائده ورضيت أن تحتكم إلى أحكامه؛ عندئذ أقام أحكام دينه على الأكثرية التي آمنت ورضيت، وجعل للأقليات حكماً يراعيهم ويداريهم ويعطيهم حقوقهم وحرياتهم، بما لا يتنافى مع الأكثرية، وبما لا يعتدون فيه على الأكثرية ولا يَظلمون.
ـ في أمريكا أو أوروبا: هل تقبل الديمقراطية أن تقوم أقلية مقابل الأكثرية التي لها الحكم والتي نجحت في الانتخاباتِ والهيئاتِ النيابية واختارت الحاكم، هل تقبل أن تقوم الأقلية بالاعتراض والمعارضة إلا من قبيل إبداء الرأي، دون التدخل في الحكم، أو منع تنفيذ ما يريده من يمثلون الأكثرية؟ أم أنها تعتبر ذلك تدخلاً في شؤون الحكم بغير حق، وتعتبر ذلك تجاوزاً للقانون، يعرض الأقلية للعقوبة.
إذن فالديمقراطية لا تعطي للأقلية الحكم ولا تجعل لها وزناً في مقابل الأكثرية، لكنها تداريها وتراعي حقوقها وحرياتها.
ـ والإسلام ـ قاعدته الربانية ـ لا تختلف عن ذلك إلا في أمر واحد، وهو تقدير الحريات والحقوق، فتقدير الحقوق والحريات التي للأقليات تقدير بشري من مخلوقين عند أهل الديمقراطية، وتقديرها تقدير رباني من الخالق عند أهل الإسلام، والبشر قد يعتريهم الضعف والهوى والميل والظلم، والله تعالى رحيم عادل، لا يقبل إلا العدل، ولا يمكن أن يظلمَ أو يحابي، أو يقبلَ الظلم والمحاباة والاستغلال والاستبداد والاستعباد لخلقِه.
ـ فلماذا يخاف الغرب من حكم الإسلام؟
ولماذا يمنعون الأكثرية المؤمنة أن تحكم الأقلية؟
أليس حكمُ المسلمين لأنفسهم ـ حينما يكونون أكثرية ـ موافقاً لقانونهم ومبادئهم؟
أم أنهم يكيلون بمكيالين؟ فإن تعلق الأمر بغير المسلمين فلهم الحق في تقييد حريات المسلمين، وإن تعلق الأمر بالمسلمين فيجب أن نقيدهم في حكمهم وحرياتهم لأجل غيرهم، بل نمنعهم من الحكم، بدعوى أن الأقلية سوف تضيع حقوقها وحرياتها ومشاركتها في الحكم؟
ـ إذا كان الأمر كذلك فليعلم أبناء الغرب وأبناء الديمقراطية أن حكّامهم غير صادقين في حمل مبادئهم وقيمهم التي ينادون إليها، وكما يتجاوزونها معنا، يمكن أن يتجاوزوها معهم ويظلموا شعوبهم.
ـ ونحن المسلمون ـ ونحن أكثرية في بلادنا ـ قد حَكَمَتْنا طوائف وأقليات وعوائل لفترات طويلة، والغرب والشرق ساكت عنهم، بل يمدهم ويباركهم ويمدحهم ويحافظ عليهم ويقويهم على الأكثرية التي تريد حريتها وحقوقها.
حتى إذا قامت الشعوب ترفض الاستبداد الذي أصابها من هذه الأقليات والعوائل؛ قامت جهات غربية وشرقية وأحزاب وأشخاص وجهات تتبع لها؛ تدعو وتنادي بمنع الدولة الدينية، بحجة أن حقوق الأقليات سوف تذهب، وهذا غير صحيح.
وحينما كانت الأقلياتُ تَظلِم الأكثريةَ لم نكن نسمع بتلك الدَّعَوات.
ونجد بعض هذه الجهات تسمح بتسلط الجيش وتهديده بمنع نجاح الإسلاميين، وتسكت عن ذلك، في الوقت الذي طال سكوتهم ودعمهم للقِلَّةِ المجرمين القَتَلة.
ولا يزالون يدعمون هؤلاء المجرمين الذين يقهرون شعوبهم ويأكلون حقوق الأكثرية، ولم يرفعوا أيديهم عن بعضهم حتى الآن، رغم ما ظهر من إجرامهم وظلمهم.
ولولا خوفهم من الرأي العام في بلادهم أن يتهمهم بنصرة المجرمين والتواطؤ مع القتلة؛ لبقي الدعم والنصرة لأولئك الحكام.
يجب أن تَعرِف الشعوب الأمريكية والأوروبية والصينية والسوفييتية أن أنظمتهم هي التي صنعت هؤلاء الحكام المجرمين في بلادنا، وأنظمتهم هي التي دعمتهم وحافظت عليهم وحسنت صورتهم، وأنظمتهم هي التي رَوَّجَت كذباً أن نظام الإسلام سيكون استبدادياً وظالماً وقاتلاً لو حَلَّ محلهم.

ـ أيها الشعوب العربية المسلمة، أيها الأكثرية في بلاد العرب والمسلمين:
لا تقبلوا للمرحلة القادمة إلا أن يحكمكم الإسلام، النظام الذي ارتضيتموه.
لا تخجلوا من المطالبة به، ولا تخافوا، فأنتم على الحق، ومعكم كل برهان ودليل على أن دينكم من عند الله، وأن دينكم هو دين العدل والحق والرحمة والحرية.
لا تسمحوا بأن تحكمكم دولة علمانية، تريد أن تسحق الأكثرية، وتقيد حرياتهم، وتمنع حقوقهم.
احذروا أن تخرجوا من استبداد إلى استبداد آخر، ومن قهر إلى قهر آخر، بمسميات جديدة وأعلام ورايات جديدة.
يقولون: إنه لا يصح أن تكون الدولة بمرجعية دينية، ويتناسون أن كل طريقة وكل نظام لا بد له من مرجعية فكرية، فهل مرجعيتهم الفكرية أعظم من مرجعيتكم الفكرية، حتى يخضعونا لآرائهم ونظامهم وطريقتهم؟
أيها المسلمون: إن أي فكر في العالمَ وأي نظام في العالم، لا يحكم بنفسه، وإنما يحكم من خلال أفراد وأشخاص، ولذلك فإن كل نظام يمكن أن يَنتج الظُّلْمُ عن أفراده القائمين به، إذا لم يكونوا مستقيمين، وإذا كانوا ظالمين، أو كانوا أصحابَ أهواء، يبحثون عن الشهوات والمال والدنيا والجاه والمدح.

فلا تقبلوا لأنفسكم أن يحكمكم أو يكون نائباً عنكم:

إلا من تثقون به.
إلا من تجرد عن أهوائه وشهواته، وزهد في حظوظه الخاصة.
إلا من عرفتم فيه الحرص عليكم والسعي في مصالحكم وخدمتكم، والحرص على الشأن العام والممتلكات العامة.
إلا من عرفتم عنه العدل والأمانة.
وإلا فسوف يعود الظلم كما كان، وتنتقلون من ظالم إلى ظالم، وتذهب دماؤكم وتضحياتكم هدراً، ويكون عدو الحرية والعدل قد استطاع أن يركب موجتكم، ويجعلكم مطية لشهواته وظلمه.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

مقالات الفوائد

  • المقـالات
  • الصفحة الرئيسية