اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/arabic/689.htm?print_it=1

إعلان الدولة الإسلامية وهم أم خيال ؟

داود العتيبي
@dawood2002


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم


حدثت نفسي وألزمتها أن لا تتحدث في أمر يكون ضره أكثر من نفعه وشره أكبر من بره وقلت لئن أخطأ القوم فإني لست بمخطئ مثلهم .. وإن فقدوا صوابهم فعليَّ أن أحافظ على صوابي .

إذا لم تكن لديهم استراتيجية في التعامل مع مستجدات الأحداث ولا فقه معاصر يُخوِّلهم للحديث عن الملمات ولا سياسة تسوسهم إلى دولة إسلامية فليكن لدي بعض الاستراتيجية والتعقل في نقد خطأهم وتحمل هذا الأذى ليعتبروا بذلك ويكون هذا مني ومن غيري درس قصير ورسالة عابرة .

غير أني لم أجد متحدثا إلا ورد ماء مَدين فصدروا عن أراء مختلفة ومتباينة وشط بعضهم في رأيه وشذ، إلا أن المُعوّل عليهم في العلم والفقه بل والجهاد أيضا كان رأيي من رأيهم ودلوي من دلوهم فأبحت ما في مكنوني وأظهرت مختلجات الصدر .

وسأبدأ بسؤال :

هل من سياسة القاعدة أن تَبني لنفسها بين الناس بيتا جميلا فإذا أثنى الناس عليه وذادوا عن حوضه رجعت فهشمت البناء وأحرقته وجعلت الناس من حوله في حيرة واضطراب، فمن كان مادحا بالأمس صار ذاما ومن كان مسالما لهم صار محاربا ؟
هذا هو تاريخ القاعدة –ويا أسفي-
ابتدأت بالجهاد في أفغانستان فحُمدت وشُكرت ولما أن صارت لهم دولة اتخذوا خطوات غير محسوبة فآذوا بعض الأبرياء وسفكوا كثيرا من الدماء وسفهوا جُل العلماء فلم يعد لهم قبول ، ثم جاءت العراق وكانت قلوب البرية مع كل مجاهد يدافع عن عرضه ويحمي المسلمين ما لبثت أن تغير مسارها واتخذت منحى بعيدا وصار سجلها في العراق مليئا بالسواد بعد القتل المتعمد لمن لم يجب القتل عليه، واستثمر الغرب هذه الفجوة منهم فصار يقتل باسم القاعدة ويفجر براياتها حتى يزيد الفجوة وتعظم الهوة بينهم وبين المسلميين .

نعم يا سادة كان أسامة ابن لادن –رحمه الله- تحبه القلوب وتهواه الأفئدة لِما قدم من تضحيات وفداء فلما أن أفسد الظواهري عليه الأمر وتحول من صراع الصليبين إلى صراع بعض المسلمين، فسمعنا عن تفجيرات في السعودية لئن طالت بعض الصليبيين فإنها طالت من المسلمين عددا ، ثم أنه عادى العلماء الربانيين الذين تخرج على أيديهم هو وغيره ، فخسر الحضن الأول له والداعم الأكبر لمشروعه .
ومثل ذلك فعل الزرقاوي-غفر الله له- ترك جهاد الصليبيين وفجَّر نُزُلا في عمّان فقتل المُسالمين المؤمنين، فاضُطُهد كلُ حامل للدين مطلق للحية بمعركة خاسرة فاشلة كنّا والله في غنى عظيم عنها .
فلما أن حدث هذا منه لم يعد له في الأردن محبون إلا قليلا بعد أن كنتَ لا ترى له فيها مبغضون إلا قليلا .
وفي اليمن السعيد لا تعرف كيف وضعوا منهجهم وسولت لهم نفوسهم ليعلنوا دولة إسلامية ليست لها أي مقومات الدول بل محاطة بالمناهضين لها من كل جانب ، ولم يكتفوا بهذا بل أراقوا أيضا من الدماء البريئة مالله به عليم فخسروا خسرانا عظيما وما زالت قوى الشر تنال منهم وتنال من الأبرياء الآخرين حتى عاف الناس القتال وظنوا في الجهاد ظن السوء .

إلى غير ذلك من الأمثلة .. حتى سمعنا خبرا عجابا ممن يُدعى البغدادي فأعلن دولة إسلامية في الشام وهو في العراق فلا هو للعراق مالك ولا هو في الشام قابض ، دعاوى تتطاير في الهواء يمنة ويسرة ، تؤذي ولا تنفع وتشتت ولا تجمع ، فلا تدري أهذا مجاهد أم مغفل ، عاقل أم غير عاقل .
وكأن العقل يقول : لم يكتف هذا بفشله في العراق حتى نقل لنا فشله إلى الشام ؟
ومَن هذا البغدادي حتى يُنظر على المجاهدين في الشام ويفرض رأيه عليهم وكأنه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين ؟ أرجو أن لا يكون عميلا في أسوأ أحواله يريد تفريق الصف وجمع العدو الخارجي عليه وكف دعم الداعمين للجهاد ..
خرج برأي لم يستشر فيه كافة المجاهدين بل حتى المقربين منهم له ففرق الصف وأشغل المسلمين فصاروا مفرقين على تفرقهم ومشرذمين على تشرذمهم ، وانتقل الناس من الحديث عن العمليات التي تدك معاقل النصيريين إلى الهزء به والتحريض عليه وبيان مستقبل سوريا المظلم ، فأي خروج عن الحق خرج هذا ؟
وكدت أجعل عنواني مقالي : ماذا خسر الجهاد بإعلان الدولة الإسلامية ، لما رأيت من استهجان واستنكار من السياسين والكتاب فضلا عن العلماء الذين كانوا قبل إعلان البغدادي منافحين ومدافعين .

وقد أحسن الجولاني بقوله : إن هذا المشروع لا يتم إلا باتفاق كافة المجاهدين الذين بذلوا أرواحهم ودمائهم من غير استئثار لفصيل !
مع أنه لم يحسن بتجديد البيعة للظواهري ! فما للمجاهدين في الشام وما لرجل مغيب في غياهب جبال قندهار .
ألا يعلم الجولاني مغبة هذا الإعلان وهذه البيعة وما ينتج عنها من فساد وخراب واستهداف وتقتيل ، وما ستفعله الأنظمة العربية من استحضار للملفات الماضية لتحاكم كل منتسب إليكم بها ؟
تقاتلون لله فما لكم وللقاعدة وللظواهري ألستم لله؟ إذن اخروجوا على الظواهري كما توصون بالخروج على الأنظمة واخلعوا رقبتكم من القاعدة واجعلوا جهادكم للا إله إلا الله .

كنتم تتحدثون دائما عن علماء السلاطين الذين ينهون عن الجهاد ، وقد ثبت خطأ هذا بل كذبه فلم يترك عالم ساحة الجهاد في سوريا إلا وأيدها برأيه أو فتواه أو بالمال أو غير ذلك مما يعلمه القاصي والداني ، وحمدنا الله أن توفرت الأسباب وتهيأت الظروف فصار الحديث عن الجهاد والمجاهدين كالحديث عن سائر أمور الدين لا خوف ولا وجل ، أفلا تشكرون الله وتكفون عن اغتيال هذه النعم .

الحرب ضروس في الشام ومازال الطاغية يفتك بالمسلمين فأي حديث للمجاهدين والسياسين عن غير دعم القضية السورية في إطار (إسقاط النظام وبناء سوريا ومساعدة اللاجئين) حديث في غير محله .
الدولة الإسلامية ليست راية سوداء ترفع على مرتفع ولا صيحات تسمع في الجبال ، إنها دولة مؤسسات ومشاريع وستكون لأمة دكتها الحرب ونحرتها القنابل ، الأمر أكبر مما تظنون وأعظم مما تتصورون .
سوريا قُطعت من الوريد إلى الوريد فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون .
ما زالت دولة الإسلام غير قائمة في قلوب الناس فكيف تقيمون ظاهرا بلا باطن وشكلا بلا مضمون .
إن دولة الشام القادمة -التي لن يقبل الشعب السوري المسلم هناك أن تكون غير إسلامية- لا بد لها من مساندة الدول المجاورة وسخاء الأغنياء المسلمين حتى تعود كما كانت مهد الحضارات ومستودع العلوم ، لا نريدها عراقا أخرى كلا والله ، فإن الأمة والتاريخ لن يسامح كل من يدفع سوريا إلى الهاوية .. بل سينال عقابه في الدنيا وفي الآخرة ما هو أعظم وأجل .

دولة الشام القادمة سيقود رايتها علماء أهل السنة ومفكروها وعقلائها لا شباب حملوا السلاح ولم يجاوزوا ذلك دعوا الجهاد لأهل الجهاد والدولة لأهل الدول .
البيوت مهدمة والبنية التحتية لا شيء والجرحى بعشرات الآلاف لا خبز لا ماء لا دواء وأنت برشاشك تظن أنك ستوفر لهم كل هذا ؟
أنا أدعو جبهة النصرة وجميع الفصائل الإسلامية والتي لا تقل جهدا عن جبهة النصرة كأحرار الشام وجبهة تحرير سوريا وكتائب الجيش الحر إلى الاجتماع أولا فيما بينها والاتفاق على مشروع الدولة الإسلامية أولا ثم استقطاب علماء المسلمين ودعوتهم إلى هذا المشروع حتى يكون لهذه الدولة صدى في العالم كله لا مجرد صيحة تقتلها طلقة غادرة .

-الجهاد سلسلة من حامل للسلاح وداعم له ومحرض عليه وفقيه بمآلاته ومفت فيه وفقدان حلقة من هذه السلسلة شر مستطير .
-العالم الذي لا يملك سياسة ولا فقها معاصرا لا يجاوز نفعُه باب مسجده، والمجاهدُ الذي لا يملك سياسة ولا فقها معاصرا لا يجاوز نفعُه مدى رصاصته .
-على العالم أن لا يكون ذراعا للسلطان وعلى المجاهد أن لا يعيين السلطان على العالم والمناصر والمناصح، ويكون ذلك بحسن إيراد المجاهد وإصداره .
-ليس هنالك شخص بعد رسول الله ولا منهج بعد صحابته قابل للقداسة فقد مُلأت الدنيا دخنا .

طبعا التهم المغلفة لكل مخالف لهذا الفكر مجهزة : عميل، يهودي، عبد الطواغيت، قاعد .. ولكن الجهاد كائن قبل أن يخلق الله القاعدة بل وقبل أن يخلق حماسا وكل فصيل مجاهد .
وأنا أراعي شعور المحبيين الذين امتلأت قلوبهم بالمحبة لكل من يدافع عن أعراضهم ويصون دمائهم ولكن لا انفصام في الرؤية ولا نكران للجميل وإنما هو توجيه وتقويم وتسديد فكفانا ضياعا للجهود ، ألا يحق لنا أن نفخر بالمجاهدين الكمّل الذين لا ينقصهم فقه ولا علم ولا سياسة !

وأنا بهذا الكلام أوجه كلامي للقاعدة أولا فما زالت جبهة النصرة مبرئة الساحة عاطرة المحفل لم تسجل خطأ واحدا وإن كان بعض أفرادها إلى القاعدة منتسب، فنريدها أن تعتبر من تاريخ الجهاد وأن لا تخسر المحبين لها والمؤييدين .
وفي النهاية : أتمنى أن يكون تصريح البغدادي والجولاني لا أصل له ، لأن هذا التصريح يخالف الدين والعقل .
وأنا على يقين أن أمريكا لو كان بيدها الأمر لدفعت ملايين الدولارات من أجل أن يصدق الناس دعواها وتخوفها من القاعدة في سوريا وتكرار سيناريو العراق ، ولكن بفضل البغدادي وبفضل الجولاني فقد قدما هذا الأمر لعدوهما الأكبر مجانا .. فيا فرحة أمريكا بما حدث .

 

مقالات الفوائد