اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/arabic/790.htm?print_it=1

عواصف الحزم

أمين بن بخيت الزهراني
@Amin_Alzahrani


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم


الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله،، وبعد،،
لم يكن صباح 6/6/1436 كغيره من الصباحات،،
حيث استيقظ العالم على واقع جديد، يطمح فيه الكثير أن يكون مؤشراً لعهدٍ إسلامي وعربي وسعودي جديد على إثر عاصفة الحزم،،
تلك العاصفة التي وبرغم حساسيتها وصعوبتها وكلفتها المالية والبشرية إلا أنها تسببت بفرحٍ عارم وإجماعٍ محلي وتأييدٍ إقليمي وانصياعٍ دولي غير مسبوق،،
والسؤال هنا؟ ما هو سر ردود الفعل الإيجابية إزاء عاصفة الحزم؟
المجتمع العربي والإسلامي بشكل عام يعاني من فقر وتخلف تنموي ومعيشي، والناس يعرفون جيداً معنى الحرب وخطورتها على الأرواح والأموال، وبرغم ذلك رحبت بها المجتمعات العربية والإسلامية بجميع أطيافها وطبقاتها وتياراتها! بل وحتى المجتمع اليمني! فما هو السر في ذلك؟
لقد عاشت منطقة الخليج في العقد الماضي طفرة نفطية تاريخية أنفقت فيها حكومات الخليج على شعوبها الكثير من الأموال والمشروعات التنموية وضخت جهودها الإعلامية والتعليمية والأمنية بغرض الحفاظ على السلم الإجتماعي واللحمة الوطنية وغرس الولاء الوطني،،
ولكني أزعم أن أيّا من قرارات الرفاه والسلم تلك لم تستطع تحقيق أهدافها بحجم ما فعله قرار الحرب المتمثل في عاصفة الحزم!
ودعني هنا أتحدث عن الواقع السعودي بالذات، فإنه بدا لكل مطلع بأن قرار عاصفة الحزم حطم وبشكل مفاجئ حواجز الخلاف والنزاع بين معظم أطياف المجتمع السعودي بمختلف توجهاته الدينية والثقافية والعلمية والفكرية! ووحد صفوفهم حول أصحاب القرار بصورة لافتة يُجمع الكثير على أنها حالة فريدة!
لم تقتصر ملامح التوحد على المجتمع السعودي فقط بل تجاوزه إلى المجتمع الخليجي والعربي والإسلامي في تحالف إستثنائي جمع تحت مظلته أصدقاء وفرقاء! بصورة وحدوية أجبرت القوى الغربية على مسايرته ودعمه!
والسؤال هنا يتكرر؟ ما هو السر خلف ذلك؟ ما هو السر الذي جعل قرار الحرب أبلغ أثراً في وحدة الأمة من قرارات السلم والرفاه؟
للإجابة عن هذا السؤال، علينا أن نستحضر قرناً كاملاً مليئ بكل ما يجعل الأمة في مؤخرة الركب الحضاري!
وعلينا أن نستحضر مشاعر القهر من استفزاز بضعة ملايين من شذاذ الآفاق الصهاينة لإرادة مليار ونصف المليار مسلم!
وعلينا أن نستذكر مشاعر السخط من الواقع الذي جعل من قتل رجلٍ (غربي) في غابةٍ جريمة لا تغتفر! وحرق شعبٍ (سوري) كاملٍ مسألة فيها نظر!!
وعلينا أن نستحضر عبث الغرب بمقدرات وخيرات الشعوب الإسلامية، وتدخلاته في قراراتها ومناهجها وفي مساجدها وحتى قرآنها!! بل وسخريته بدينها ونبيها دون خوف أو خجل!!
لمحاولة فهم مشاعر الإستبشار التي تلت ضربة الحزم! علينا أن نستحضر العقاب الغربي للثورة السورية واتهامه لها بالإرهاب بسبب تدخل بضعة أفراد من غير السوريين بطريقة غير رسمية! بينما يسمحون بتدخل الجنرال الإيراني قاسم سليماني والحرس الجمهوري الإيراني وحزب اللات اللبناني وبشكل معلن وبجيوش رسمية! ويتركونها تعيث فساداً في العراق وسوريا ولبنان واليمن دون عتاب أو عقاب أو وصمٍ بالإرهاب!! بل ويباركون تدخلها!!
وعلينا أن نستذكر ملاحقة المجتمع الدولي لمؤسسات العمل الخيري الإسلامي والسعودي! وفي المقابل يترك المؤسسات الصفوية والتبشيرية تسرح وتمرح دون رقيب أو حسيب!
وعلينا أن نستحضر مشاعر الغبن التي تعيشها الشعوب المسلمة من حالات الإستغفال والإستغباء والعنصرية والفوقية التي يمارسها قادة الغرب مع الشعوب المسلمة!!
ذلك الإستغفال الذي جعلهم وبكل بجاحة يصنفون كل خطأ يقوم به مسلم (جاهل) بالإرهاب الإسلامي! في حين يبررون للطيار (الأبيض) الذي فجّر في 150 من ركاب الطائرة الألمانية ويصفونه بأنه مجرد مريض نفسي!!
ذلك الإستغفال البجح الذي جعل مشاعر الرأفة تتغشى وزيرة السويد ذات مساء!
لتستيقظ ذات صباح وقد حملت في أحشائها همّ البشرية جمعاء!
فتمخضت عن خديج الإنسانية الغربية العوراء الشوهاء!
وبينما هي كذلك، إذ صرخ ضميرها وتفجرت ينابيع الرحمة من صدرها فجأة!
بالطبع، ليس لأجل 250 ألف قتيل سوري ولا 4 ملايين لاجئ سوري!
لم تصحو إنسانيتها لأجل آلآف المحروقين من أطفال ونساء بورما! ولا لأجل أحكام إعدام آلاف الأحوازين!
كل الجرائم الكونية تلك لم توقظ ضميرها! ولم تثر حفيظتها بقدر ما أثاره حكم قضائي بالجلد لمجهول! فرفعت عقيرتها ملوّحة بالتهديد للسعودية بكرتِ حقوق الإنسان!
عاشت الشعوب المسلمة ردحاً من الزمن في حالة إحباط وإنهزامية حتى اقتنع بعض أفرادها بدونيتهم واستسلموا لكل ما يمليه الغرب عليهم،، وانسلخ البعض من مبادئهم وقيمهم وربما دينهم إرضاءً للغرب! ولم يزد ذلك الغربَ إلا عنترية وبجاحة! فجُيّرت منظمات حقوق الإنسان لصالح (الإنسان الغربي) فقط! وجعلوا مصائر الشعوب مرهونة بقرارات مجلس الأمن! بالطبع المقصود بالأمن هو (الأمن الغربي) و(الصهيوني) فقط!
فجاءت عاصفة الحزم فشخصت لها أعين المقهورين لعلها تعلن مرحلة جديدة من الإستقلالية بالقرار العربي والإسلامي بشكل عام وبالقرار السعودي بشكل خاص،،
لم يقتصر أثر عاصفة الحزم على إيقاف نزيف الدم العربي فقط بل وإيقاف نزيف الكرامة والعزة العربية والإسلامية التي امتهنتها القوى الغربية والصفوية،، فسرت نشوة الفخر في عروق المجتمعات المستضعفة وتوالت خطابات التأييد العربي والإسلامي،،
الأمر الذي أرغم القوى الغربية على إحترامه،، وبعدها مباشرة اعتذرت حكومة السويد على إساءاتها للقضاء السعودي! واختفت اللهجة العنترية من الخطاب الإيراني! وانتظمت صفوف أهلنا في سوريا! وتعثرت الميليشيات الصفوية في العراق! واحتشد أهلنا في الأحواز! وهوجمت روسيا في أروقة القمة العربية!
ظن بعض الحكام أن الشعوب تحتاج فقط للطعام والشراب،، لكن لم يفطن بعضهم أن هناك ما هو أشد إيذاءً للشعوب من نقص الماء والغذاء،، ألا وهي نقص العزة وجرح الكرامة،،
الأمة متعطشة لقيادات ورموز تعيد للأمة مكانتها وثقتها بنفسها،،
ذلك التعطش الذي دفع بعض شباب الأمة للإغترار بكل صاحب شعار بطولي مخادع! وجعلتهم يوماً ما يهتفون بالتقديس لحزب الشيطان الصفوي!
ولو أن رموز الأمة الحقيقيون قاموا بواجبهم اتجاه قضاياها لما انجرف بعض الشباب وراء رموز الغلو والتكفير المجهولين!
نعم، الأمة متعطشة لمشاعر العزة والكرامة والقوة أشد من تعطشها للمال والشراب،،
فنقص الطعام يؤذي الجسد فقط،، أما نقص الكرامة يؤذي الروح والعقل والجسد،،
جرح الجسد يلتئم بتوقف الدم،، أما جرح الكرامة فقد لا يلتئم إلا بنزيف الدم،،
آن الأوان أن يدرك قادة الأمة أن الشعوب تريد قادةً أشداء على الأعداء رحماء على أمتهم،، وليس العكس!!
آن الأوان أن يدرك قادة الأمة أن الشعوب تفخر بدول قوية لها كلمتها واستقلالها وقرارها،،
الوطنية ليست شعارات ترفع بل رؤس ترفع،،
انطلقت عاصفة الحزم فاشرأبت لها أعناق الغارقين وتعلقت بها آمال المطحونين في سوريا وفلسطين والعراق وبورما وأفغانستان والفلبين،، لعلها تنتشلهم من وحل الإستضعاف،،
{وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا }
بالطبع هنا لا نعني الدعوة لإطلاق حملة عسكرية وإعلان حرباً عالمية،، فالحزم ليس بالضرورة أن يكون عسكرياً،، فلدى الأمة – إذا اتّحدت - أسلحة كثيرة قد تكون أنكى من الخيار العسكري، ولا يخفى على كل عارف أن لدى الأمة الإسلامية ثقلاً إقتصادياً وجغرافياً وبشرياً وتاريخياً ودينياً تستطيع من خلاله قلب موازين القوى وخاصة في ظل النظام الرأسمالي العالمي الذي يشكل الإقتصاد فيه عصب الحياة.
كما أن الحزم لا يتعارض مع التفاوض مع الأعداء ومهادنتهم ومحاورتهم، ولكن هناك فرق بين تفاوض القوي وتفاوض الضعيف، فرقٌ بين نتائج حوارٍ لطرفين أحدهما ملويّ الذراع مكموم الفاه وآخر مطلق اليد واللسان،،
شروط الضعيف تتخذ طابع الإستسلام والتنازلات،، أما شروط القوي تتخذ طابع التسلّط والإملاءات،،
جاءت عاصفة الحزم،، ففرح المؤمنون،، لعلها تكون شرارة لعواصف حزم متوالية تقلب واقع الأمة،،
فكم نحن بحاجة إلى عاصفات حزمٍ على جميع مستويات الأمة العسكرية والسياسية والإقتصادية والإعلامية والعلمية والدينية،، الداخلية والخارجية،،
فلنطلقها عاصفات حزمٍ تقتلع التخلف من جذوره،،
ولتكن أولى تلك العاصفات:عاصفة حزمٍ لاجتثاث الفساد والظلم بجميع ألوانه وأنواعه ومستوياته،،
ولتكن للأمة عاصفة حزمٍ صناعي تنهض بها لتصنع لباسها وسلاحها،،
ولتكن للأمة عاصفة حزم مع الجهل: فيتبنى قادة الأمة مشاريع مشتركة كبرى للتعليم ونشر الوعي ورفع الجهل،، وفي مقدمتها رفع وعي الأمة بدينها وعقيدتها،، فتحرير الأمة من عبادة الحجر والشجر والقبر هو طريقها للتحرر من سطوة البشر!
ولا بد من عاصفة حزمٍ تعصف بالإعلام المحارب لهوية الأمة وقيمها وأخلاقها، فإن الإختراق الغربي والصفوي والصهيوني لشعوبنا سبقه إختراق لإعلامنا،، وإلا بماذا نبرر ما قامت به وسيلة إعلامية مدعومة بأموالنا من استبدالٍ لمسمى الخليج العربي بالخليج الفارسي!
ذلك الإختراق الذي أثار دهشة الإعلامي المصري د.جمال سلطان فصرح بها مغرداً في تويتر: "مدهشٌ جداً أن تكافئ مجموعة "إم بي سي" السعودية الإعلامي إبراهيم عيسى بأربعة ملايين جنيه سنويا على إهاناته المتكررة للمملكة حكومة وشعبا ومذهبا"
كما أن أيام الحزم لا يمكن أن تسمح بتكرار إحتفاء العدو الصهيوني بمقالات كتاب محسوبين علينا ونشرها في وسائل الإعلام الصهيونية الرسمية!!
ولقد آن الأوان لعاصفة حزمٍ تعصف بآثار 11 ستمبر وتحطم قيود العمل الخيري السعودي والإسلامي ليستعيد عافيته،، لينطلق في مواجهة حملات التشيع الصفوي والتبشير النصراني في أنحاء العالم،،*
وكم نحن بحاجة لعاصفة حزمٍ مع ملف قضايا المعتقلين في بلداننا،، فإن قرار العفو أسمى وأشد حزماً من قرار العقاب،،
لقد عانت الأمة كثيراً طوال قرن من الزمن من شعارات القومية والليبرالية والإشتراكية، فآن للأمة أفراداً وشعوباً وقادةً أن يعيدوا صياغة علاقاتهم فيما بينهم بمنظور إسلامي، وأن يضعوا نصب أعينهم مقولة الخليفة الحازم "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمتى ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"
اللهم أبرم لهذه الأمة أهل حزم ورشدٍ سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك،،
اللهم اجعل عاقبة هذه العاصفة هزيمة للصفويين والنصيرين الصهيونيين واجعلهم كالعصف المأكول،،
اللهم بك نصول ونجول،، فلا تكلنا إلى أنفسنا ولا قوتنا طرفة عين،،
اللهم طهر قلوبنا من الثقة إلا بك،، ومن التوكل إلا عليك،،

أمين بن بخيت الزهراني
أبو أنس
13 جمادى الآخرة 1436 هـ

*مقال: (العمل الخيري السعودي) متى يستعيد عافيته؟
http://saaid.net/Anshatah/dole/86.htm

 

مقالات الفوائد