بسم الله الرحمن الرحيم

الخيـانة العظمـــى
 د. مهدي قاضي


يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه القيم (حصاد الغرور) :
(( إن الدين بالنسبة لنا نحن المسلمين ليس ضماناً للآخرة فحسب إنه أضحى سياج دنيانا وكهف بقائنا .
ومن ثم فإنى أنظر إلى المستهينيـــن بالدين في هذه الأيام على أنهم يرتكبـــون جريمـــة الخيانـة العظمـى ، إنهم - دروا أو لم يدروا- يساعــدون الصهيونية والاستعمار على ضياع(بلداننا) وشرفنا ويومنا و غدنا . . !!
فارق خطير بين عرب الأمس وعرب اليوم .
الأولون لما أخطــؤوا عرفوا طريق التوبة ، فأصلحــوا شأنهم ، واستأنفوا كفاحهم ، وطردوا عدوهم . . . )) . *

** هذا الكتاب كتبه رحمه الله قبل مايقارب الثلاثين عاماً , كيف لو كان بيننا الآن ورأى قمــة المأساة والذل الذي تعيشه أمتنا ورأى المأساة الأكبــــر عن ما قصده بكلامه من المسلمين الذين لا يتقون الله في أمتهم ودينهم وآخرتهم ممن يسهلون على المسلمين الوقوع والتمادي في المنكرات ويوفروها لهم على أطباق فاخرة بين أيديهم.

** ماذا نقول لأصحاب القنوات المليئة بالمحرمات والتي أفسدت البلاد والعباد , وكل من يساعـــدهم بالإعلان عن قنواتهم أو العمل فيها أو القيام بتوزيعها ونشرها. ولا مقارنة أبــداً بفوائدها مع الفساد العظيم الذي أحدثته وتحدثه.
يكفـي شراً لها وعاراً عليها في حق أمتنا الذبيحة أنها عودت المسلمين على النظر على الحرام وكأنه حلال....
حتى العديد من الأفاضــل من المسلمين...حتى العديد من الأفاضـل من المسلمين أوقعتهم في هذا الشرك. فأصبحوا ينظرون الى الكثير من الحرام بحجة الإطلاع في أحيانٍ كثيرة بل ربما دائماً وبإستمــرار وبدون ان يبينوا للأمة أن اطلاعهم كان عارضاً لضرورة شرعية إتقوا الله فعلاً في التأكد من ضرورتها.
وكانوا بذلك وهم من الأفاضــل- وليسمحوا لنا- قدوة سيئة لمجتمعنا في هذا الباب فأصبح الكثير من المسلمين ينظرون الى الكثير من الطامات والمنكرات في هذه القنوات بدون خوفٍ من الله, وقد يعتقدون أن فقط إستنكارهم لها بعد رؤيتهم لها يكفي عذراً لهم لكي يسلموا من إثم وخطيئة ما يشاهدونه بإستمرار.
نعم يكفيهــا عاراً أنها تضيع أمتنا المذبحة في شتى أنحاء العالم عن الإلتزام بأوامر الدين في وقت ملأ فيه الذل أرجاءنا واشتدت فيها حاجتنا الى العودة الى حقيقة ديننا والإلتزام بكل أوامره حتى ينصرنا العزيز القوي سبحانه حين ننصره (إن تنصروا الله ينصركم) الآية.

** ماذا نقول لمن ينادي بأي دعوة تتنافي مع ما يرضاه ربنا ويقره ديننا.
** ماذا نقول لمن يكتب في الصحف عن فلم مليء ٍ بالمحرمات كلاماً ليس فقط خالياً من الإستنكار لهذا الفلم المليء بما يغضب الجبار... بل ويا للأسى يتكلم عنه مادحاً ومشجعــاً لرؤيته , أو ذامــاً له !!! لا لأنه حرامٌ مشاهدته في الأصل ....بل يذم بعض ما فيه فقط وكأن رؤيته هو نفسه لهذا الفلم حلال .....
والأدهى أنه بهذا الذم الذي يشبه من يقول لقاتل مجرم لائماً له فقط عن عدم إستخدامه شفرة حادة لذبح ضحيته البريئة ...
فيكون هو بذمه الذي يشبه المدح مشجعاً لغيره من المسلمين لرؤية هذا المنكر وإستمراءه.

** أليس من الإستهانة بالدين شغل شبابنا بأغاني الحب والمحبوب بينما إخوانهم وأطفالهم يذبحون وأخواتهم يذبحن ويضطهدن ويغتصبن !!!!!! .

** أليس من الإستهانة بالدين من يبيع ويوزع مجلات فاجرة فاسدة مفسدة أقل ما فيها ظهور النساء وهن متبرجات وفي غاية تزينهن وتبرجهن.
وهي أيضا بذلك ً تشجع نساءنا على التبرج والسفور والتمرد على الحجاب.

** أليس من الإستهانة بالدين أن تنشر الصحف صور الفنانات !!!! واللاعبات!!!!! مع علمنا بأن هذا حرام ولا يرضاه ديننا, ويساعد على فساد أبنائنا وبناتنا.

** أليس من الإستهانة بالدين ما تسبب به كل هؤلاء من خروج أفواج ضائعة مضيعة من شباب وشابات المسلمين, ومن إنشاء أجيال منهم صفاتها كما يقول أحد الكتاب( يعيشون على هامش الحياة دون هدف, وأصبح جيلاً مستهلكاً مفرغاً بعد أن تم تجريده من القيم والمثل ووضع في دوامة اللهاث خلف الصرعات الغربية).

** أليست هذه الأمور كلها تعتبر من الإستهانة بالدين وبأوامره.

** بل إن الإستهانة بالدين يمتد مداها لتشمل أيضاً من يتهاونون في الإلتزام بأحكام الشرع وواجباته في أنفسهم وأهليهم مع علمهم بحكمها وعلمهم بواقع أمتهم المؤلم.
قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) سورة الأنفال الآية ( 27 ) .
ورد في تفسير هذه الآية ما ذكره ابن كثير ( والخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار اللازمة والمتعدية)
وتشمل كما ذكر سيد قطب في الظلال التخلي عن حمل أمانة الدين والدعوة إليه والجهاد في سبيله.

** ووالله ووالله يا إخواننا ويا أحبتنا بمحبة الإسلام إن الله رحيم بنا أن لم ينزل علينا عذاباً من عنده. فإخواننا يذبحون ونحن على الكثير من المنكرات التي هي أساس ذل أمتنا مصرون ومجاهرون.

** أنا أعرف أن أكثر من يقومون بما ذكر فيهم الخير بإذن الله, ولكنهم لم يقصدوا ولم يدركوا ولم يشعروا أنهم بأعمالهم تلك يقعون في الخيانة العظمى لأمتهم كما ذكر الشيخ محمد الغزالي رحمه الله.
بل إن العديد منهم إن لم يكن أكثرهم متأثر جداً لواقع أمته الذليل وهوانها وذبح أبنائها في كل مكان لكنهم......
لم يدركوا هذه الحقيقة ...... لم يدركوا هذه الحقيقة.

** ونقول لهم إعذرونا إن قسونا في العبارة فوالله ما أردنا إلا الخير لكم ولنا ولأمتنا الذبيحة المكلومة.
يا أُمة الحق إن الجُرحَ متسع ٌ ----- فهل تُرى من نزيف الجرح نعتبرُ
ماذا سوى عودةٌ لله صادقةٌ ------ عسى ُتغير هذي الحال والصورُ

** ونقول ختاماً نذكركم بالله وبيوم العرض عليه, ونذكركم أيضاً بنياح الثكالى واليتامى وآلام الجرحى وصراخ المصابين وبكاء وألم المشردين المضطهدين ....... الذي لا يحتمل أي تأخير في المسارعة إلى طريق عزنا ونصرنا.
استجيبوا لربكم إخواننا ..... استجيبوا لربكم
(( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون .واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب )) سورة الأنفال آية ( 24 - 25 ) .

(استجيبـوا لربكم من قبل أن يأتيَ يومٌ لا مردَّ له من الله ما لكم من ملجــأٍ يومئذ وما لكم من نكيـر) سورة الشورى(47)
(أن تقول نفس يا حسرتــى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين.
أو تقول لو أن الله هداني لكنــت من المتقين.
أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كــرةً فأكون من المحسنين) سورة الزمر(56-58) .

الصفحة الرئيسة