"والله متم نوره ولو كره الكافرون"
 د. وليد أحمد فتيحي *

أكتب مقالي هذا فجر اليوم السادس والعشرين من جريمة الهجوم على واشنطن ونيويورك في الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001م.
وقد عرضت في المقالين السابقين بعض صور الأقبال العجيب للتعرف على الأسلام من قبل الشعب الامريكي.

وقد وصلني من القراء الاعزاء مايزيد عن خمسمائة بريد الكتروني من جميع شرائح المجتمع نسائهم ورجالهم من علماء وكتاب وتجار وطلبة وأساتذة جامعيين ومهنيين في مجالات مختلفة.
ولا أخفيكم بأنني استبشرت خيرا كثيرا بما قرأت من أخوتي وأخواتي في الأسلام استبشرت بنصر وفتح قريب حيث أنه قد تجسد لي مما قرأت حرص حملة آخر الرسالات السماوية على نشر دعوة الله في الأرض بالرغم مما يحمله جسد الأمة من جروح وآلام وفتن تجعل الحليم حيران.

نعم بالرغم من تكالب الأمم علينا وبالرغم من اعتراضنا على السياسة الخارجية الامريكية بشأن انحيازها لاسرائيل الا ان حرص ابناء امة الاسلام على هداية البشرية عامة, وبدون استثناء , ونشر كلمة الله في الارض هي في الحقيقة مفتاح تأهيل الأمة لنصر الله وتأييده فنحن لا نخضع البلاد وأنما نفتح القلوب لتنصاع فتخضع لدين الله فالبلاد تخضع وتنصاع لما يخضع له العباد.
وقد حملتني رسائل القراء عبئاً, وليتني أستطيع أن ارد على كل واحدة منها وكم اغرورقت عيناي وأنا أقرأ دعاء من لا أعرف وحرص الجميع على نشر الاسلام وهداية البشرية.

ابشروا أمة محمد.. أبشروا ورثة آخر الرسالات السماوية أبشروا بنصر وفتح قريب لقلوب البشر التي ستدخل الاسلام ان شاء الله افواجا فحرصكم هذا هو ما ورثتموه عن نبيكم آخر الأنبياء ومعلم البشرية في قوله تعالى:
{عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم}
انه لابد لنا أن نفرق بين السياسات الامريكية وبين الشعب الأمريكي فأغلبية الشعب الامريكي يبحثون عن الحقيقة وهم بعيدون كل البعد عن صنع القرارات خاصة في المواضيع التي تهم أمة الاسلام بل واغلبية الشعب الامريكي لا يعرفون عن الأسلام الا قليلا بل والقليل الذين يعرفونه مشوه ومحرف من قبل وسائل الاعلام المسخرة لقضية اسرائيل.

وبالرغم من كل هذا الا انه قبل الحادي عشر من سبتمبر بدأت اصوات الشعب الامريكي ترتفع نسبيا ضد اسرائيل, ولابد للقارئ الكريم أن يدرك بأن اللوبي الصهيوني يسيطر على الأعلام الامريكي ولكنه بدأ يفقد السيطرة على الشعب الامريكي وقد بدأت بوادر التصادم بين مفهوم الشعب (We are The people) والاعلام وقد يصعب على البعيد عن الشعب الامريكي أن يقدر ما أقول ولكن العالم أجمع سيرى ذلك قريبا إن شاء الله.

والأسلام دين حق ماخالطه أو عرفه قوم الا تأثروا به واعتنقوه وتاريخ الأسلام مليء بصور تشهد بذلك وما التتار منا ببعيد واليوم يخالط قرابة ثمانية ملايين مسلم الشعب الامريكي والاسلام في نمو مستمر وسيصبح الدين الثاني بعد المسيحية في امريكا قبل انقضاء هذا العقد إن شاء الله..

وبناء على رغبة القراء فأنني سأستمر في سرد بعض صور الأقبال على الاسلام في مدينة بوسطن.
ونظرا لضيق حيز المقال فإنني سأكتفي بتسليط الضوء على ثلاثة من أيام الأسبوع الماضي لاعرض لكم مواقف شخصية علماً بأن هناك العشرات من الأخوة والأخوات العاملين أمثالي في مدينة بوسطن.
>>دعيت يوم الأثنين الموافق الأول من أكتوبر 2001 م لمشاركة رئيس كلية طب جامعة هارفرد (Dena Lowerstein) لالقاء كلمة في محاضرة دعا لها طلبة الطب بجامعة هارفرد بعنوان (الشفاء) بغرض مناقشة كارثة الحادي عشرمن سبتمبر وكيفية التعامل مع هذه الكارثة كافراد ومجتمع ودور الاطباء في تقديم يد العون والشفاء لمجتمعاتهم.

وسمح لي بالتحدث خمس عشرة دقيقة, وبدأت فيها بانتقاء آيات من القرآن مترجمة ثم قرأتها مجودة ليسمع القرآن من لم يسمعه من قبل وأنا انظر بطرف عيني ليتجدد المشهد كلما قرئ القرآن على غير مسلمين من أعين تدمع لسمات آيات القرآن تتلى عليهم مجودة كما نقرؤها في صلاتنا.

ثم تحدثت عن علاقة المسلمين بأهل الكتاب ومكانة موسى عليه السلام, وصيامنا ليوم عاشوراء يوم نجى الله موسى وبنى اسرائيل, ومكانة عيسى عليه السلام وأمه مريم العذراء عليهما السلام وتحدثت عن مبادئ الاسلام وتقديس الاسلام للنفس بل وتكريمه لجميع مخلوقات الله فلا يحق للمسلم ايذاء الحيوان وقطع شجرة بدون سبب فكيف بقتل نفس بريئة.

واوضحت اننا لا نقول الارهاب المسيحي عندما يقوم بالارهاب مسيحيون مثل هتلر أو ديفيد كوريش (WACO)أو تيم مكفيه (OKLAHOMA) وكذلك لا يجوز ان نقول الارهاب الاسلامي فهما كلمتان متضادتان وأن الامان الحقيقي لا يتأتى بزيادة رجال الأمن والاستخبارات حول العالم ودقة التفتيش في المطارات.. الخ.. فحسب وأنما في بناء مجتمعات مترابطة تسعى لنشر العدالة وخير البشرية. وذكرتهم بدورهم كطلبة واساتذة في الطب في حماية المسلمين والعرب في امريكا, فهم بذلك يحمون الدستور الامريكي, وأن مضايقة هؤلاء الابرياء هو في حد ذاته جريمة تتنافى مع الانسانية والعدالة والدستور الامريكي وانجاح لعمل الارهابيين ونزول الى مستواهم وافشال لكل ما يدعو له الدستور الامريكي من حماية الاقلية وحفظ حقوقهم في ممارسة دينهم ومساواتهم بغيرهم من افراد المجتمع وتحدثت طالبة مسلمة متحجبة في كلية الطب بجامعة هارفرد بنبرة مؤمنة يحيطها نور الايمان, وحكت وهي باكية دامعة معاناتها وخشيتها من الايذاء في دينها فتأثر بذلك الحاضرون من طلبة الطب لتأثرها وعبروا عن استيائهم لما يحدث لأخوانهم وأخواتهم العرب المسلمين في امريكا واكدوا دورهم في ايقاف كل هذه المخالفات الانسانية والدستورية.

>>أما يوم الثلاثاء فقد دعيت الجمعية الاسلامية في بوسطن لتقديم ندوة عن الاسلام في مركز مسيحي في مدينة بوسطن فذهبت مع أخوين واختين مسلمين , ومرة اخرى تكررت المشاهد والمشاعر عندما قرأت آيات من سورة مريم الى قوله تعالي {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا فكلي واشربي وقري عيناً}
ووقفت امرأة متأثرة تقول انني لم أعرف من قبل تفاصيل ولادة عيسى عليه السلام وشأن النخلة وهذا من فضل القرآن علينا يقص ماغاب عنا في كتبنا.

شرحنا الأسلام, تعاليمه ومبادئه وأركانه, وأثار الحاضرون موضوع الاضطهاد للمسلمين والمسيحيين في ارض القدس وظلم اسرائيل وأهمية وقوف الشعب الامريكي وقفة حازمة وأرغام الادارة الامريكية على إيقاف دعم اسرائيل وعندها سُئلنا كيف يمكن للحاضرين المساعدة فأشرنا عليهم أن يكتبوا للمسؤولين في الادارة الامريكية والولاية فالشعب الامريكي (The People) هو الذي يفترض أن يحكم أولاً وأخيراً واستمر الاجتماع الى وقت متأخر من الليل وأنهالت علينا الدعوات لألقاء محاضرات عن الاسلام في مؤسسات تعليمية ودينية.

>>أما يوم الاربعاء فقد دعينا الى كلية التربية والتعليم في جامعة هارفرد (HARVARD Graduate School Education)وقد شاركت مع بروفوسور مسلم وآخر مسيحي (عربي فلسطيني) وأخت مسلمة وأخ مسلم من الجمعية الاسلامية في بوسطن. وحضر قرابة الثلاثمائة شخص وكان يوما عظيما خاصة أن البروفوسور المسيحي الدكتور منير فاشه من جامعة هارفرد فاجأنا وفاجأ الحاضرين والمنسقين بأنه مسيحي وليس مسلماً ولكنه أحب ان يكون معنا اليوم حبا للأسلام وتقديرا له. وقد تحدث الدكتور منير كلاما يثلج الصدور واثنى على الاسلام ثناء عجيبا ووضح ان حبه للأسلام والمسلمين لم يأت من فراغ فقد عايش المسلمين ودرس الاسلام وقرأ القرآن بل وقارن بين المسجد والكنيسة ومايجد في المسجد من سكينة وطمأنينة وسلام لايجده في الكنيسة وشرح دور الاسلام في صنع الحضارات وحماية أهل الكتاب وأكبر مثال حكم المسلمين في الاندلس وأنه كان عصر النهضة الوحيد لليهود (Renaissance) وتحدث عما يجرى في اسرائيل من قهر وظلم للمسلمين والمسيحيين تحت الدعم المادي لاسرائيل من قبل امريكا وقد شرحنا في ذلك اليوم كذلك اركان الاسلام وحق المرأة في الاسلام ومفهوم الجهاد في الاسلام واوضحنا ان مصطلح الحرب المقدسة ليس موجودا في القرآن الكريم أو الحديث الشريف وأنما هو مصطلح يعود للحروب الصليبية. واوضحنا زيف مايسمى بالديمقراطية الاسرائيلية في الشرق الاوسط وماتقوم به اسرائيل من ارهاب للفلسطينيين المسيحيين والمسلمين سواء ووقف امريكي في المحاضرة صارخا (أنا امريكي مسيحي اسود ارى اخوتي واخواتي الفلسطينيين يقهرون ويقتلون في اسرائيل والاعلام لا يرى شيئا من ذلك) ثم اعتذر عن خروجه عن آداب المحاضرة وجلس.

**أما يوم السبت الموافق السادس من اكتوبر لعام 2001م فبعد بضع ساعات من كتابة هذه السطور سيكون لي شرف تقديم الدكتور والداعية جمال بدوي في جامعة هارفرد ليتحدث عن مفهوم الجهاد في الاسلام ولتصحيح المفاهيم الخاطئة.

إن الاقبال على معرفة الاسلام في امريكا لم يحدث له مثيل في تاريخ هذه البلاد فنحن في الجمعية الاسلامية في بوسطن نتلقى الدعوات الكثيرة لالقاء المحاضرات في المؤسسات التعليمية والدينية وهي في ازدياد مضطرد.

أما الاقبال على اقتناء الكتب الاسلامية فقد أصبح حقيقة لا تقبل الشك فأصبح الكتاب الأول الاكثر طلبا عبر الشبكة الالكترونية هو القرآن الكريم (Download:Microsft reader) وكل نسخ القرآن الكريم بتفسيراتها المختلفة بيعت كلها ولم يبق منها ماهو للبيع الفوري من أشهر شركة بيع كتب في العالم (Amazone.Com)أما الفيديو الذي أصبح الأول مبيعا في الآونة الاخيرة, فهو برنامج (Islam:Empire of Faith) وهو فيلم وثائقي جديد وجيد عن الاسلام وهو كذلك يصعب الحصول على نسخة فورية منه (فهو في قائمة الانتظار) (Back order) أما الكتب الاسلامية فحدث ولا حرج فقد تصدرت قائمة الكتب المباعة حول العالم سواء في المكتبات او عبر الكومبيوتر.
وانني اعيش في امريكا منذ عشرين عاما ومارأيت مثل الذي ارى اليوم ابشروا امة محمد.. فنحن نخطط صفحة جديدة في تاريخ نشر آخر الرسالات السماوية لأهل الارض.
{ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون}

*استشاري غدد صماء وسكر ورئيس برنامج في مركز جوزلن للسكر وعضو هيئة تدريس بكلية طب جامعة هارفارد - بوسطن

WFITAIHI@POST.HARVARD.EDU


عكاظ ، الثلاثاء 15 رجب 1422هـ 2 أكتوبر 2001م ، عدد 12820