صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







فوائد من بطون الكتب

ماجد بن محمد الجهني

 
الفائدة الأولى
 في سيد الاستغفار

قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبدالوارث، حدثنا الحسين حدثنا عبدا لله بن بريدة، حدثني بشير بن كعب العدوي، قال: حدثني شداد بن أوس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي، اغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ).

قال: ( ومن قالها من النهار موقناً بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل، موقنٌِ بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة ).

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه مدارج السالكين"1": " تضمن هذا الاستغفار الاعتراف من العبد بربوبية الله وإلهيته وتوحيده، والاعتراف بأن خالفه العالم به، إذ أنشأه نشأة تستلزم عجزه عن أداء حقه وتقصيره فيه، والاعتراف بأنه عبده، الذي ناصيته بيده وفي قبضته، لا مهرب له منه، ولا ولي له سواه، ثم التزام الدخول تحت عهده، وهو أمره ونهيه، الذي عهده إليه على لسان رسوله، وأن ذلك بحسب استطاعتي، لا بحسب اداء حقك، فإنه غير مقدور للبشر، وإنما هو جهد المقل، وقدر الاستطاعة، ومع ذلك فأنا مصدقٌ لوعدك الذي وعدته لأهل طاعتك بالثواب، ولأهل معصيتك بالعقاب، فأنا مقيمٌ على عهدك، مصدقٌ بوعدك.

ثم أفزع إلى الاستعاذة والاعتصام بك من شر ما فرطت فيه من أمرك ونهيك، فإنك إن لم تعذني من شره، وإلا أحاطت بي الهالكة، فإن إضاعة حقك سبب الهلاك، وأنا أقر لك وألتزم بنعمتك علي، وأقر وألتزم وأبخع"2" بذنبي، فمنك النعمة والإحسان والفضل، ومني الذنب والإساءة، فأسألك أن تغفر لي، بمحو ذنبي، وأن تعفيني من شره، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فلهذا كان هذا الدعاء، سيد الاستغفار، وهو متضمنٌ لمعنى العبودية ".

وقال ابن أبي جمرة رحمه الله"3": ( جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ، ما يحق له أن يسمى " سيد الاستغفار " ففيه الإقرار لله وحده بالإلهية والعبودية، والاعتراف بأنه الخالق، والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه، والرجاء بما وعده به، والاستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه وإضافة النعماء إلى موجدها، وإضافة الذنب إلى نفسه، ورغبته في المغفرة، واعترافه بأنه لا يقدر أحد على ذلك إلا هو.

وقال أيضا: ويظهر أن اللفظ المذكور إنما يكون " سيد الاستغفار "، إذا جمع صحة النية والتوجه والأدب "

----------------
(1)- مدارج السالكين (1/221-222).
(2)- (بَخَعَ له بَخعاً وبُخُوعاً وبَخَاعَةً ): تذلل له وأطاع وأقر.
(3)- فيض القدير (4/120).


الفائدة الثانية
موعظة على لسان الشعر

قال الشاعر زاجراً للنفس وواعظاً لها:

يا نفس توبي فإن الموت قد حـانـا*** واعصِ الهوى فالهوى مازال فتانـا

أما تريــن المـنايـا كيف تلقطــنا *** لقطاً فتتبع أًخــرانــا بأولانـا

في كل يومٍ لنا مـيـتٌ نُشـيعــه *** نرى بمصرعــه آثار مـوتـانـا

يا نفس مالي وللأمـوالِ أتـركهـا *** خلفـي وأخـرج من دنياي عريانــا

ما بالنا نتعامــى عن مصــائرنا*** ننسـى بغفلتنا من ليـس ينســانـا

نزدادُ حرصاً وهذا الدهر يزجرنـا*** كأن زاجرنـا بالحـرص أغـرانــا

أين الملوك وأبناء الملوك ومــن*** كانت تخر له الأذقـان إذعـانـا

صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا*** مستبدلين من الأوطـــان أوطـانــا

خلوا مدائن كان العـز مفرشهـا *** واستفرشوا حفراً غُبراً وقيعـانــا

ياراكضاً في ميادين الهوى فرحـاً*** ورافلاً في ثياب الغـي نشـوانــا

مضى الزمان وولى العمرُ في لعبٍ*** يكفيك ماقد مضى قد كان ماكـانــا
 


الفائدة الثالثة
فوائد القراءة والمطالعة *

1- طرد الوسواس والهم والحزن.
2- اجتناب الخوض في الباطل.
3- الاشتغال عن البطالين وأهل العطالة.
4- فتقُ اللسان وتدريبٌ على الكلام، والبعد عن اللحن، والتحلي بالبلاغة والفصاحة.
5- تنمية العقل، وتجويد الذهن، وتصفية الخاطر.
6- غزارة العلم، وكثرة المحفوظ والمفهوم.
7- الاستفادة من تجارب الناس وحكم الحكماء واستنباط العلماء.
8- إيجاد الملكة الهاضمة للعلوم، والمطالعة على الثقافات الواعية لدورها في الحياة.
9- زيادة الإيمان خاصةً كتب أهل الإسلام، فإن الكتاب من أعظم الوعاظ، ومن أجل الزاجرين، ومن أكبر الناهين، ومن أحكم الآمرين.
10- راحة للذهن من التشتت، وللقلب من التشرذم، وللوقت من الضياع.
11- الرسوخ في فهم الكلمة، وصياغة المادة، ومقصود العبارة، ومدلول الجملة ومعرفة أسرار الحكمة.

فروح الروح أرواح المعاني *** وليس بأن طعمت ولاشربتا


----------------
*- لانحزن للشيخ / عائض القرني ص128
 


الفائدة الثالثة
ما يفعل من أصابه مقدور يكرهه

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله 1 : إذا جرى على العبد مقدورٌ يكرهه، فله فيه ستة مشاهد:

الأول/ مشهد التوحيد، وأن الله هو الذي قدره وشاءه وخلقه، وما شاء الله كان، ومالم يشأ لم يكن.

الثاني/ مشهد العدل، وأنه ماضٍ فيه حكمه، عدلٌ فيه قضاؤه.

الثالث/ مشهد الرحمة، وأن رحمته في هذا المقدور غالبةٌ لغضبه وانتقامه، ورحمته حشوه 2 .

الرابع/ مشهد الحكمة، وأن حكمته سبحانه اقتضت ذلك، لم يكن يقدره سُدًى ولا قضاه عبثاً.

الخامس/ مشهد الحمد، وأن له سبحانه الحمد التام على ذلك من جميع وجوهه.

السادس/ مشهد العبودية، وأنه عبدٌ محضٌ من كل وجهٍ، تجري عليه أحكام سيده وأقضيته بحكم كونه ملكه وعبده، فيصرفه تحت أحكامه القدرية كما يصرفه تحت أحكامه الدينية، فهو محلٌ لجريان هذه الأحكام.

----------------
(1)- كتاب الفوائد لابن القيم رحمه الله ص 93-94.
(2)- حشوه: يعني أن الرحمة موجودة في داخله غير ظاهرة له.


الفائدة الرابعة
من وحي قوله تعالى "وكان الكافر على ربه ظهيرا" *

قوله تعالى:"وكان الكافر على ربه ظهيراً"- الفرقان:55-، هذا من ألطف خطاب القرآن وأشرف معانيه.

وإن المؤمن دائماً مع الله على نفسه وهواه وشيطانه وعدو ربه، وهذا معنى كونه من حزب الله وجنده وأوليائه، فهو مع الله على عدوه الداخل فيه والخارج عنه، يحاربهم ويعاديهم ويغضبهم له سبحانه، كما يكون خواص الملك معه على حرب أعدائه، والبعيدون منه فارغون من ذلك غير مهتمين به.

والكافر مع شيطانه ونفسه وهواه على ربه.

وعبارات السلف على هذا تدور:

ذكر ابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير، قال: عوناً للشيطان على ربه بالعداوة والشرك.

وقال الليث عن مجاهد قال: يظاهر الشيطانَ على معصية الله، يعينه عليها.

وقال زيد بن أسلم: ظهيراً، أي: موالياً.

والمعنى: أنه يوالي عدوه على معصيته والشرك به، فيكون مع عدوه معيناً له على مساخط ربه.

فالمعية الخاصة التي للمؤمن مع ربه وإلهه قد صارت لهذا الكافر والفاجر مع الشيطان ومع نفسه وهواه وقربانه، ولهذا صدر الآيةَ بقوله:" ويعبدون من دون الله مالا ينفعهم ولا يضرهم"-الفرقان:55-، وهذه العبادة هي الموالاة والمحبة والرضى بمعبود يهم المتضمنة لمعيتهم الخاصة، فظاهروا أعداء الله على معاداته ومخالفته ومساخطه، بخلاف وليه سبحانه فإنه معه على نفسه وشيطانه وهواه.

وهذا المعنى من كنوز القرآن لمن فهمه وعقله.

----------------
(*)- الفوائد ص 197- 199.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
صليل القلم
  • صليل القلم
  • مختارات
  • الصفحة الرئيسية