صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







*ستون مسألةً في الأيمان*

زياد عوض أبو اليمان


بسم الله الرحمن الرحيم

 
1 ) اليمين شرعاً : هي توكيد الشيء بذكر اسمٍ من أسماءِ الله ، أو صفةٍ من صفاتهِ على وجهٍ مخصوصٍ.

2 ) اليمين ثابتٌ بالكتاب والسنّة والإجماع ، والأصل فيه الإباحة عند جمهور أهل العلم ، قال ابن القيّم : حلف النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - في أكثر من ثمانين موضعاً ، وقد يكون اليمين واجباً إذا كان المقصود منه إثبات الحق أو دفع الظلم ، أو مستحباً إذا توقّف عليه فعل المستحب ، أو مكروهاً إذا توقّف عليه فعل المكروه ، أو محرّماً إذا كان على فعلٍ محرّمٍ ، أو ترك واجبٍ .

3 ) معنى قوله تعالى :
" واحفظوا أيمانكم " ؛ حفظها ابتداءً بعدم كثرةِ الحلفِ ، وحفظها وسطاً بعدم الحنث فيها إلّا إذا كان الحنث مشروعاً ، وحفظها انتهاءً في إخراج الكفّارة بعد الحنث ، وكل هذه المعاني صحيحةٌ ذكرها المفسرون.

4 ) ينبغي للمسلم أن يحذر من كثرة الحلف فإنّه أقرب للسّلامة ، وأبرأ للذّمة لأنّ كثرةَ الحلف قد تؤدي للاستخفاف في اليمين ، وعدم تعظيم الله تعالى ، ومن اعتاد كثرة الحلف قد يكذب في يمينه ، أو يتهاون في الكفّارة .

5 ) لا ينبغي اتخاذ الحلف وسيلةً في ترويج السلع فإنّه سبب لمحق البركة ، لقوله - صلّى الله عليه وسلّم - : "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة" متفق عليه.

6 ) أسماء الله تعالى باعتبار الحلف بها على ثلاثة أقسامٍ : الأول : ما كان مختصاً بالله تعالى مثل : الله ، الرحمن فهذا قَسَمٌ صريحٌ تنعقد به اليمين ، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك ، الثاني : ما يُطلق على الله وغيره ، ويغلب إطلاقه على الله فهذا تنعقد به اليمين مثل الجبّار والرزّاق فإنّ قصد به غير الله لم يكن يميناً على الراجح من أقوال أهل العلم ، وإذا أطلق تنعقد يميناً لأنّه ينصرف الى الله تعالى ، الثالث : ما يُطلق على الله وغيره ولا يغلب إطلاقه على الله مثل : الحي ، العزيز الكريم فإن نوى غير الله فليس بيمين ، وإن نوى به الله تعالى ، أو أطلق انعقدت يمينه على القول الراجح.

7 ) يجوز الإقسام بصفات الله تعالى سواء كانت صفةً ذاتيةً ، أو كانت صفةً فعليّةً وهي التي تتعلق بمشيئة الله إن شاء فعلها وإن لم يشأ لم يفعلها كالاستواء على العرش والنزول إلى سماء الدّنيا والمجيء والإتيان.

8 ) وحروف القسم خمسة وهي : الواو ، والباء ، والتاء ، والهاء ، والهمزة الممدودة ، ولا تدخلان إلّا على لفظ الجلالة ، والمشهور منها ثلاثةٌ : الواو ، والباء ، والتاء ، فالواو لا تقترن مع فعل القسم ولا تدخل إلّا على اسمٍ ظاهرٍ فقط ، وتدخل على كل اسمٍ ممّا يُحلف به ، والباء تدخل على المُقسَمِ به مقرونةً بالفعل ، وتدخل على المُقسَمِ به ظاهراً ومضمراً ، وتدخل على جميع الأسماء ، والتاء لا تدخل إلّا على لفظ الجلالة فقط.

9 ) ثبت عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - في غير ما حديثٍ صحيحٍ النّهي عن الحلف بغير الله ، ومن حلف بغير الله فقد أشرك الشرك الأصغر ، وقد يكون من الشرك الأكبر إذا اعتقد أنّ المحلوف به مساوٍ لله تعالى في التعظيم ، أمّا من ذهب من أهل العلم إلى القول بكراهة الحلف بغير الله فقد أبعد النّجعة لأنّ الأصل في النّهي التحريم ، وقد ثبت النّهي في غير ما حديثٍ.

10 ) من يستدل بكراهة الحلف بغير الله دون التحريم بقول النبي - صلّى الله عليه وسلّم - : " أفلح وأبيه إن صدق " فالجواب على استدلاله : أنّ لفظة "وأبيه" غير محفوظةٍ في الحديث والمحفوظ لفظ "أفلح إن صدق" ، والوجه الثاني في الرد عليهم : أنّ هذا الحديث منسوخ وأنّه كان جائزاً في أول الأمر ثم نُسخ يالأحاديث الصحيحة الدّالة على تحريم الحلف بالآباء والأمهات وغير ذلك من المخلوقات.

11 ) قال ابن مسعود : لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً ، قال شيخ الإسلام : لأنّ سيئةَ الشّرك وإن صغرت أعظم من سيئةِ المعصية وإن كبرت ، وقال الحافظ ابن حجر : " قال العلماء : السر عن النّهي في الحلف بغير الله ، أنّ الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه ، والعظمة الحقيقية إنّما هي لله وحده " .

12 ) قال شيخ الإسلام : والحلف بالمخلوقات كالحلف بالكعبة، والملائكة ، والمشائخ ، والملوك ، والآباء ، والسيف وغير ذلك ممّا يُحلف به كثيرٌ من النّاس ، فهذه الأيمان لا حرمة لها ، بل هي غير منعقدةٍ ، ولا كفّارة على من حنث بها باتفاق المسلمين ، بل من حلف بها ينبغي أن يُوحّد الله : كما قال النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - من حلف فقال في حلفه : والّلات والعزّى ، فليقل : لا إله إلا الله .

13 ) تنقسم صيغ الحلف إلى قسمين ، الأول : صيغة القَسَم الحقيقي ، وهو ما يُقصد به تعظيم المُقسَمِ به ، ولا يصحّ هذا القسم الا باسمٍ من أسماء الله أو صفةٍ من صفاتهِ ، الثاني : ما خرج مخرج الشرط والجزاء ، ويدخل فيه يمين النّذر ، ويمين الطلاق ، ويمين العتاق ، ويمين الحرام ، ويمين الظهار.

14 ) فمن قال لزوجته إن فعلتُ أو فعلتِ كذا فأنت طالق فعليه كفارة يمين إن قصد المنع أو الحث أو التّصديق أو التّكذيب ، قال شيخ الإسلام : إذا كان مقصوده عدم الشرط وعدم الجزاء ، وإنما تعلق الشرط بالجزاء ليمتنع وجودهما كأن يقول : إن لم أفعل كذا وكذا فعليّ نذر كذا ، أو فامرأتي طالق ، أو يحلف على فعل غيره ، فيقول : إن لم تفعل كذا فامرأتي طالق ، فهو لا يريد الطلاق ، فيؤكد على نفسه بوقوعه لكي لا يفعل ما اشترطه على نفسه ، ثم قال : فمتى كان الشرط المقصود حثّاً على فعل ، أو منعاً منه ، أو تصديقاً لخبرٍ كان الشرط مقصود العدم وهو جزاؤه ، ثمّ قال رحمه الله : ويكون قوله إن فعلتِ كذا فأنت طالق بمنزلة قوله : فعلي أن أطلقك كما كان عند هؤلاء الصحابة ومن وافقهم قوله : فعبيدي أحرار بمنزلة فعليَ أن أعتقهم ثمّ استنبط من نصوص القرآن والسنة ما يدلُّ على أنّه يجزيه فيه كفارةُ اليمينِ.

15 ) الله يقسم بما شاء من مخلوقاته كالشمس ، والقمر ، والليل ، والنّهار وغير ذلك ، أمّا المخلوق فلا يحلّ له إلّا القسم بالله ، قال ميمون بن مهران : " إنّ الله يُقسم بما شاء من خلقه وليس لأحدٍ أن يُقسمَ الّا بالله.

16 ) يجوز الحلف ب "وايم الله" "ولعمر الله" ومعناه وايمن الله ، وكذا الحلف بعمر الله ومعناه حياته وبقاؤه فهما يمينٌ مطلقاً تجب فيهما الكفارة وهو مذهب جمهور أهل العلم من الحنفيّة ، والمالكيّة ، والحنابلة ، واستدلوا بحديث المخزومية التي سرقت وفيه أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال : "وايم الله لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " وكذلك ثبت في حديث أسيد ابن حضير في حادثة الإفك أنّه قال : "لعمر الله لنقتلنه" يعني ابن أبي سلول ، لأنّه تكلم في عرض عائشة ، وذهب الشافعيّة إلى أنّهما ليستا يميناً إلّا إذا نوى اليمين ، والراجح ما ذهب إليه الجمهور .

17 ) الحلف بعهد الله يعدّ يميناً عند جمهور أهل العلم من الحنابلة ، والمالكية ، والحنفية ، وفي وجه للشّافعية ، لأنّ العهد يُطلق على اليمين فكأنّ الحالف يقول : "ويمين الله " ، وكذا يحتمل عهد الله معنى : كلامه الذي عَهِد به إلى خلقه ، وذهب الشّافعية في وجهٍ إلى أنّ الحلف بعهد الله ليس يميناً الّا إذا نواه ، وذهب شيخ الإسلام إلى التفصيل ، فقال : فإذا قال أعاهدُ الله أنّي أحج العام فهو نذر وعهد ويمين ، وإن قال لا أكلم زيداً فيمين وعهد لا نذر ، وهو الراجح .

18 ) الحلف بحقّ الله يمينٌ مكفّرةٌ عند المالكيّة ، والحنابلة ، وفي الأصحّ عند الشافعية لأنّ المرادَ بها صفةُ الله تعالى ، فحقوقه التي يستحقها لنفسه من البقاء والعظمة ، والجلال ، والعزّة أي كأنّ الحالف يحلف بعظمة الله وعزّته وجلاله ، وذهب الحنفية على خلاف بينهم إلى أنّ الحلف بحق الله ليست يميناً ، لأنّ حقَّ الله طاعاته ، وما افترضه على عباده فهي ليس بيمين ، والراجح عدم جواز الحلف بحقّ الله لأنّ حقّ الله ما افترضه على عباده ، وهو قول الأحناف .

19 ) الحلف بالأمانة محرّم لقول النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - : " من حلف بالأمانة فليس منّا " ، لكن هل الحلف بأمانة الله يعد يمينا ؟ ذهب المالكيّة ، والحنابلة ، والحنفيّة ، إلى أنّه يمين باعتبار أنّ الأمانة المضافة الى الله صفته ، وذهب الشافعية إلى أنّها ليست يميناً إلّا إذا نوى الحالف الحلف بصفة الله تعالى ، لأنّ الأمانة قد تُطلق على الفرائض ، والودائع ، والحقوق ، والرّاجح أنّها ليست يميناً ، ويحرم الحلف بها ، وهو قَولُ بَعضِ الحَنابلةِ ، واختاره شيخُ الإسلامِ ، والشَّوكانيّ ، وابن بازٍ ، وابن عثيمين .

20 ) اليمين التي تُطلب من الحالف يجب أن تكون على نيّة طالب اليمين - المُستَحِلف - ، ولا ينفع فيها التأويل أو التّورية ، لقول النبي - صلّى الله عليه وسلّم - : " اليمين على نية المستحلف" مسلمٌ في صحيحه .

21 ) إذا كان الحالف مظلوماً كمن يستحلفه ظالم ليأخذ ماله ، أو ينال من عرضه أو يُلحق به أذىً أو بغيره من المسلمين ينفعه التأويل والتورية في اليمين لدفع الظلم عن نفسه وعن غيره ، والشاهد قصة إبراهيم - عليه السّلام - وقصة أبي بكرٍ في قوله عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - " وهذا الرجل يهديني السبيل " ، ويقصد سبيل الخير وليس الطريق ، والحديث عند البخاري .

22 ) أمّا إذا كان الحالف ليس ظالماً ، ولا مظلوماً فذهب أكثر أهل العلم إلى جواز التورية في اليمين لحديث عمران بن حصين - رضي الله عنهما - : "إنّ في المعاريض لمندوحةً عن الكذب" ، وإسناده مظلم ، والقول الثاني عدم جواز التورية في اليمين في مثل هذا الحال وهو رواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام لحديث "يمينك على ما يصدقك به صاحبك " ، وقالوا بجواز التورية في غير اليمين وقد فعله بعض السلف لأنّ ذلك لا يبطل حقاً ، ولا يحق باطلاً ، وهو الراجح .

23 ) الحنث أن يفعل الحالف ما حلف على تركه ، أو يترك ما حلف على فعله ، قال ابن المنذر : "وأجمعوا على أنّ من قال : والله وبالله وتالله فحنث أنّ علية الكفارة ".

24 ) تنعقد اليمين بالحلف بالقرآن لأن القرآن كلام الله ، وكلام الله صفة من صفاته.

25 ) القسم بآيات الله على ضربين : أن يقسم بآيات الله الشرعيّة التي هي كلامه فهذا جائز ، وتنعقد به يمينه ، وهو قول عامة أهل العلم خلافاً للحنفية ، أو أن يقسم بآيات الله الكونية كالشمس ، والقمر ، والليل والنّهار فهذا محرّم وهو من الشرك ولا تنعقد به اليمين ، ولا كفّارة فيه .

26 ) تجب الكفّارة بسبعةِ شروطٍ : أن يكون الحالف مكلفاً ، مختاراً غير مكرهٍ ، قاصداً لليمين ، وأن تكون اليمين على أمرٍ في المستقبل ، وأن لا تكون معلقةً بالمشيئةِ ، وأن يكون الحالف ذاكراً ليمينه غير ناسٍ، وأن لا تكون اليمين على أمرٍ مستحيلٍ.

27 ) اليمين الغموس : هي اليمين التي يحلف صاحبها على فعلٍ ماضٍ كاذباً عالماً ليقتطع بها حقّ امرئ مسلمٍ ، وسُميّت غموساً لأنّها تغمس صاحبها في الإثم ، ثمّ في النّار ، والعياذ بالله .

28 ) اليمين الغموس لا كفّارة فيها ، وهو قول جمهور أهل العلم ، ومنهم مالك والشافعي ، والمشهور من مذهب أحمد فهي من الكبائر بنص الحديث ، فهي أعظم من أن تُكفّر ، ولكنّها تُمحى بالتوبة النصوح ، وذهب بعض أهل العلم إلى وجوب الكفارة في اليمين الغموس لأنّها يمين منعقدة مكتسبة ، وهو قول الشافعي ، ورواية عن أحمد ، وبه قال الأوزاعي وابن حزمٍ وعطاء والحكم ، وقول الجمهور أرجح فلا كفّارة لها إلّا التوبة.

29 ) لغو اليمين هي التي تجري على لسان المتكلم بغير قصدٍ كقولِ الرجلِ في عرض كلامه لا والله ، بلى والله ، لقوله تعالى : "لايؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم" ، قالت عائشة - رضي الله عنها - : "هي في قول الرجل لا والله بلى والله" فيسبق إلى لسانه لفظ اليمين بلا قصد ، وهو قول أكثر أهل العلم ورجّحه الشوكاني وجزم به المجد ابن تيمية ، وذهب بعض أهل العلم إلى أنّ لغو اليمين ما يجري على اللسان بغير قصدٍ ، وكذا اليمين التي يحلفها على الشيء يظنّ صدق نفسه فيُكشف له خلافه ، وقد رُويَ عن جماعةٍ من السلف ، وهو مذهب الحنابلة وبه قال ابن حزمٍ ، وشيخُ الإسلامِ وابن القيّمِ .

30 ) من حنث مكرهاً أو ناسياً أو جاهلاً فلا كفّارة عليه ، ولكن متى زال العذر واستمر بعده في الفعل حنث ووجبت الكفّارة .

31 ) الاستثناء في اليمين أن يقول الحالف في يمنيه : إن شاء الله ، فإن استثنى في يمينه صحّ استثناؤه ، ولم يلزمه الوفاء بها ، فاليمين لا تنعقد مع وجود الاستثناء ، وقد نقل الإجماع غيرُ واحدٍ من أهل العلم ، قال ابن عبد البر : " أجمع العلماء على أنّ الحالف إذا وصل يمينه بالله بالاستثناء ، وقال : إن شاء الله فقد ارتفع الحنث عنه ، ولا كفّارة عليه إن حنث ، وقال الترمذي : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم أنّ الاستثناء إذا كان موصولاً باليمين فلا حنث عليه .

32 ) يشترط النطق بالاستثناء ، بأن يقول : إن شاء الله لفظاً ، فإن لم يتلفظ ، واستثنى بقلبه لم ينفع ، وهذا قول جمهور أهل العلم لقوله في الحديث " فقال إن شاء الله " فخصّه بالقول ، وكما أنّ اليمين لا تنعقد بالنّيّة فكذلك الاستثناء .

33 ) يُشترط اتصال الاستثناء باليمين حقيقةً أو حكماً ، والاستثناء الحقيقي أن يذكر الاستثناء عقب اليمين بلا فاصلٍ ، والاستثناء الحُكمي أن يفصل بينهما فاصلٌ اضطراري كسعالٍ أو عطاسٍ ، وذهب بعض أهل العلم إلى عدم اشتراط الاتصال بين اليمين والاستثناء إذا لم يطل الفصل وهو رواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام وبه قال طاووس والأوزاعي والأول أحوط.

34 ) ويسن الحنث في اليمين إذا كان خيراً لقوله - صلّى الله عليه وسلّم - : "إنّي والله لا أحلف إن شاء الله على يمين فأرى غيرها خيرا منها، إلّا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير ، ولقوله " إذا حلفت على يمين ثم رأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفّر عن يمينك ، " قال ابن كثير في معنى قوله تعالى : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم : أي لا تجعلوا أيمانكم بالله تعالى مانعة لكم من البر ، وصلة الرحم ، إذا حلفتم على تركها فالاستمرار على اليمين آثم لصاحبها من الخروج منها بالتكفير .
35) وقد يكون الحنث واجباً كأن يحلف على ترك الواجبات ، وفعل المحرمات ، أو إلحاق الضرر بالآخرين ، فلا يحلّ له الاستمرار باليمين ، ووجب عليه الحنث والكفّارة .

36 ) وقد يكون الحنث حراماً كأن يحلف على ترك معصية ، فلا يجوز له أن يحنث في يمينه ويفعلها .

37 ) وقد يكون الحنث مباحاً كأن يحلف على ترك مباحٍ ، وحفظ اليمين في المباح أولى ، لقوله تعالى " واحفظوا أيمانكم " .

38 ) إذا كانت الكفّارة قبل الحلف والحنث فإنّها لا تجزئ بالاتفاق ، وإذا كانت بعد الحلف ، والحنث فإنّها تجزئ بالاتفاق ، وإذا كانت بعد الحلف ، وقبل الحنث فهذه محل خلاف ، والراجح جواز تقديم الكفّارة قبل الحنث وبه قال جمع من الصحابة ، والتابعين ، وهو قول مالك وأحمد لأنّ الأحاديث جاءت بألفاظ مختلفةٍ ، فدلّ على جواز إخراجها قبل الحنث وبعده وأداء الكفّارة قبل الحنث يسمّى تحلّة ، وبعده كفّارة.

39 ) يستحب إبرار المُقسِم فإنّه من حقّ المسلم على المسلم ، وقد صحّ عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - الأمر بإبرار المقسم وهذا الأمر على سبيل الاستحباب لا الوجوب ، والدليل أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي بكرٍ : "لا تقسم يا أبا بكر" ولم يبرّ قسمه ، وقد يقترن به ما يجعله ممنوعاً أو واجباً .

40 ) ومن حرّم الحلال تلزمه كفّارة اليمين .

41 ) ومن حرّم زوجته فإن نوى الطلاق وقع طلاقاً ، وإن نوى الظهار وقع ظهاراً ، وإن نوى اليمين وقع يميناً ، وإن لم ينو شيئاً وقع يميناً على الراجح من أقوال أهل العلم.

42 ) من قال لزوجته أنت علي كظهر أمي إن فعلتُ أو فعلتِ كذا وقصد الحث أو المنع أو التهديد ولم ينو الظهار فعلية كفّارة يمين.

43 ) إذا قالت الزوجة لزوجها أنتَ علي حرام فعليها كفّارة يمين ، وكذا إن قالت له : أنت عليَ كظهر ابني فعليها كفّارة يمينٍ لأنّ الظهار بيد الزوجِ لا الزوجةِ .

44 ) من قال : إذا فعلتُ كذا فأنا يهودي أو نصراني أو أنا بريء من الإسلام أو القرآن فهذا الحلف حرام وهو من الكبائر لقوله - صلّى الله عليه وسلّم - : من حلف فقال إنّي بريء من الإسلام ، فإن كان كاذباً فهو كما قال ، وإن كان صادقاً فلن يرجع الى الإسلام سالماً .
ولكن هل عليه كفّارة ؟ ذهب المالكية والشافعية وأحمد في رواية أنّ ذلك ليس بيمين ولا كفّارة فيه لخلوه من ذكر اسمِ الله أو صفةٍ من صفاتهِ ، وذهب الحنفيّة وأحمد في رواية اختارها شيخ الأسلام أنّ ذلك له حكم اليمين وتجب فيه الكفّارة في حال الحنث ، والقول بلزوم كفارة اليمين أظهر وأحوط ، ورجّحه الشيخ العثيمين ، قال الشيخ – رحمه الله تعالى - :
وإذا قال الرجل : " هو يهودي ، أو نصراني ، أو مجوسي ، أو بريء من الإسلام ، أو شيوعي إن فعل كذا وكذا " : فهل هذا حكمه حكم اليمين ، أو هو تَقوُّلٌ فقط ؟ .
بعض العلماء يقول : حكمه حكم اليمين ؛ لأن هذه الأمور مكروهة عنده ، ولهذا جعل فعل هذا الشيء وكراهته له ككراهته أن يكون يهوديّاً ، أو نصرانيّاً ، أو شيوعيّاً ، أو ما أشبه ذلك ، وعلى هذا فيكون حكمه حكم التحريم ، أي : تحريم المباح ، فيلزمه كفارة يمين ، وهذا هو المشهور من المذهب ، وهو مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما وغيره من السلف .
وقال بعض العلماء : إنه لا كفارة عليه ؛ لأن هذا ليس يميناً ، وليس في معنى ما ورد من اليمين ، ولكن الصحيح أن حكمه حكم اليمين .

45 ) إذا قصد باليمين الإكرام ولم يقصد الإلزام فإنّه لا يحنث بالمخالفة وهو اختيار شيخ الإسلام ، والدليل قصة أبي بكر في حلفه على الأكل ، فلمّا سأل النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال له : " أنت أبّرهم وخيرهم " ولم يأمره بالكفّارة وذهب الجمهور إلى وجوب الكفارة لأنّها معلومة ، والراجح الأول.

46 ) من حلف على من يظن أنّه يطيعه فلم يفعل فلا كفّارة عليه لأنّه لغو بخلاف من حلف على من يظنّ أنّه لا يطيعه فتلزمه الكفارة في حال الحنث وهو قول شيخ الإسلام خلافاً للجمهور.

47 ) إذا كان الحلف على الغير على سبيل الإلزام لا الإكرام فأحنثه فهل تجب الكفّارة على الحالف؟ قال ابن قدامة : تجب الكفّارة على الحالف ، وهو قول جمهور أهل العلم ، وذهب الحسن البصري وابن حزمٍ إلى أنّه لا كفّارة على الحالف لأنّه لم يقصد الحنث ، ولأنّه لا يملك منع غيره ، أو إلزامه بالفعل ، وذهب النخعي إلى القول باستحباب الكفارة لا الوجوب ، والراجح ما ذهب إليه جمهور أهل العلم.

48 ) كفّارة اليمين إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، أو تحرير رقبةٍ على التخيير فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيامٍ ، والأفضل أن تكون متتابعةً.

49 ) الفقير أو المسكين من لا يجد كفايته وكفاية من يعول .

50 ) الإطعام له كيفيتان : أن يصنع طعاماً يكفي عشرة مساكين ثمّ يدعوهم إليه وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن مالك ، والكيفية الثانية : ان يملّكهم ما يكفيهم من الطعام ، فلا تكفي إباحة الطعام لهم بل لا بد من تمليكهم إيّاه وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والراجح جواز كلا الكيفيتين .

51 ) يجوز إخراج الطعام قوتا كالأرز وغيره ما يكفي وجبة واحدة لعشرة مساكين .

52 ) لا يجوز إخراج قيمة الطعام عملاً بنص الآية الكريمة " فكفارته إطعام عشرة مساكين " وهو مذهب الجمهور خلافاً للحنفية ومن وافقهم.

53 ) لا يجوز دفع الطعام لطفلٍ لم يطعم وهو مذهب الحنابلة والمالكية لأنّ المقصود سد الجوع والحاجة بالطّعام ، وجوّز الشافعية والحنفية دفعه للصغير الذي لم يطعم ويقبضه عنه وليّه والراجح الأول.

54 ) لم تحدد الكسوة في الآية بقدر ، والراجح من ذلك ما يستر عامة البدن ، ويختلف باختلاف البلدان وعادتهم .

55 ) لا يجوز أن يُطعم بعضَ المساكين ويكسو بعضهم لنص الآية إمّا أن يطعمهم جميعاً أو يكسوهم جميعاً ، وهو مذهب المالكية والشافعية والظاهرية .

56 ) يشترط في الرقبة المعتقة أن تكون مؤمنةً ، وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة خلافاً للأحناف وهو أحوط وأبرأ للذمّة .

57 ) نصّت الآية على إطعام عشرة مساكين فلا بدّ من مراعاة العدد واستيعابه ، وهو مذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه ، وذهب أبو حنيفة إلى جواز أن يطعم مسكيناً واحداً عشرة أيامٍ والراجح الأول .

58 ) الإطعام ليس مقدراً في الآية ، بل يُرجع فيه إلى العرف وهو قول ابن حزم واختيار شيخ الإسلام .

59 ) إذا تعدّدت اليمين وكان المحلوف عليه واحداً فهذا يجزئه كفّارةٌ واحدةٌ قولاً واحداً كأن يقول " والله لا أزور فلانا" ثمّ يكرر اليمين أكثر من مرّة ..
الثانية : أن تكون اليمين واحدة والمحلوف عليه متعدداً فهذا يجزئه كفارة واحدة قولاً واحداً كأن يقول : والله لا أزور فلانا ، ولا أجلس عنده ، ولا آكل من طعامه ، الثالث : أن تتعدد الأيمان ويتعدد المحلوف عليه كأن يقول : والله لا أكلم فلاناً ، والله لا أذهب إلى السوق ، والله لا أركب سيّارتي فيلزمه لكل يمينٍ كفارةٌ وهو قول الجمهور خلافا للإمام أحمد وهو الراجح .

60 ) يُرجع في الأيمان إلى نيّة الحالف إذا احتملها اللفظ ، لقوله تعالى : " ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان "، ولقول النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - : "إنّما الأعمال بالنيّات " فإن عُدمت النيّة رُجع الى سبب اليمين وما هيّجها كأن يقول والله لا أصاحب فلاناً ظاناً فسقة ، ثم يتبين له صلاحه فلا كفّارة عليه ، فإذا لم يكن له نيّة ولم يكن لليمين سبب رُجع إلى التعيين فإذا عيّن شيئا تعلق الحكم به على أي صفةٍ كان ، فإن عُدم ذلك رُجع إلى ما يتناوله الاسم وهو ثلاثة شرعي ولغوي وعرفي فالشرعي ماله مدلولٌ في الشّرع ، ومدلول في اللغة أي ما اختلفت فيه اللغة والشّرع فإذا لم يكن للفظ حقيقة شرعية حملناه على الحقيقة اللغويّة فيقدم الشرع ثم الّلغة ثم العرف فإذا هُجرت الحقيقة اللغويّة قُدمت الحقيقة العرفيّة.

61 ) إذا حلف أن لا يفعلَ شيئاً ثمّ وكّل غيره حنث لأنّ الوكيل قائم مقام الموكل والدليل : أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - وكل علياً أن ينحر إبله" إلّا إذا نوى مباشرته بنفسه فلا يحنث إلّا إذا باشر الفعل بنفسه.

🖋️ وكتبه : زياد عوض أبو اليمان
يوم الثلاثاء
26 محرم 1442
الموافق
15 / 9 / 2020 م

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية