اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/afrah/12.htm?print_it=1

بيدين، بكتفين، بخطوتين معاً

د.أفراح بنت علي الحميضي

 
دخلت الأم وهي تجرُّ خلفها ابنتها حتى وصلت إلى غرفة المعلِّمة "....." ثمّ ضربت على المكتب بيدها وابنتها تسمع وترى وهي تقول: اسمعي، ابنتي لا تكذب، أنت الكاذبة.. إنَّها لم تفعل ما يوجب التوبيخ. حينها وقَّعت الأم على أوَّل درس في احترام المعلِّمة أو المربية.
أتعلمون ما الذي فعلته الطالبة؟ عفواً، لقد أخرجت لسانها على المعلِّمة، ثمَّ أحضرت أمَّها لتترافع عنها..!

****

ولمّا عطفت تلك المعلِّمة المستجدة على الطالبة الصغيرة؛ وذلك بأن لفتت انتباه إدارة المدرسة، لتوجيه الأهل نحو نظافة شعر ابنتهم ولم تُفلح، فتكفَّلت هي بتلك المهمَّة وقامت ببخ شعر الطالبة بمبيد القمل.. وكجزاءٍ لفعلتها البيضاء هذه جاءت الأمّ إلى المدرسة ودخلت غرفة المعلمات وسألت: أين المعلِّمة "....."؟ وحين أجابت المعلِّمة: أنا، واجهتها الأمُّ بزخَّات من البخّاخ نفسه لتؤكد بشكل عملي: قم للمعلم وفِّه التبجيلا.

****

وفي اجتماعات نسوية عديدة تُطحن المعلِّمة بين الأضراس وتلوكها الألسن، فهذه أمٌّ تقول :"والله الدعاوي (الدعوات) التي تبي تجيها لوما نجحت بنتي.." وهذه التلميذة الصغيرة التي تتكئ بذراعها على فخذ أمّها تسمع وتستقي أسلوباً جديداً في التعامل مع معلِّمتها لتكون أول من ينفِّذ بعد ذلك، فإذا خرجت من الاختبار وكانت أجوبتها رديئة، أمطرت معلّمتها، بل حتى مَنْ راقبت على الاختبار بوابل من الدعوات المضادة. أما إذا كانت أجوبتها مرضية، فالمعلِّمة أول من يُحرم من دعوة صادقة. وحين يثنى على معلّمة ما لحسن أدائها وتربيتها وطريقة تعليمها، ترتفع راية "نكران الجميل" مردِّدة "عساها تحلِّل راتبها بعد...".

وإذا ذهبت إلى بعض المدارس ورأيت بعض الطالبات يتراكضن مندفعات إلى فصولهن وهن يرددن: " جاءت نورة، فاطمة، حصة.. أمل... إلخ" فاعلم أنَّها أسماء معلماتهن قد تجرَّأن على نطقها ـ استخفافاً ـ بدون لقبها التربوي أو العلمي.
وبعض الطالبات تكبر ويكبر معها أسلوب معاملتها لمعلِّمتها بحسب ما تستقيه من البيت، فحين تخرج الطالبة من غرفة المقابلة الشخصية التي تختبر مدى صلاحيتها لدخول الكلية، تدلف الأم بسرعة إلى حيث تجلس من أجرت المقابلة وهي تقول لها:" اسمعي عاد لازم تقبلونها.. لأنّها تبي تجلس على ها الكرسي مثلك"!

وفي نطاق مدارس الأولاد نسمع عن قصص كثيرة يُساء فيها للمعلّمين، ويمارس المراهقون عنفوانهم على المربين استعراضاً أمام بعضهم البعض.
فهذا معلِّم يخرج من مدرسته يمسح بطرف (شماغه) قطرات عرقه التي تصببت على جبينه بعد يوم شاق، فإذا بعض من طلابه قد عبثوا بسيّارته.
وهذا آخر يدخل فصله ليمارس دوره التربوي، فإذا بأحد الطلاَّب يرميه بشيء ويتوارى ليُضحك الطلاب، وآخر يرفع صوته على معلِّمه ليمارس أمام زملائه أوَّل ثمار رجولته.
وآخر يحضر والده إلى المدرسة ليسأل عن معلِّم مادة "...." فإذا حضر أمطره بوابل من السباب أمام ولده، إذ كيف يعطي ابنه درجة ضعيفة، وهذه المادة في نظره أساساً "تافهة"!!
في كلّ ما سبق من الحوادث، يتضح أنَّ هناك فجوة واسعة بين البيت والمدرسة. إنَّ قضية العلاقة بين الطرفين لا بدَّ أن تكون قوية وتسير في مسار واحد، وليس مسارين متضادين؛ لما لذلك من تأثيرات ملحوظة في تعزيز الدور التربوي الذي تضطلع به المدرسة ولا تستطيع أن تمارسه وحدها. وهو أمر أكَّده وأقرَّه الباحثون التربويون.
فالحقيقة العلمية في ذلك أنَّ العلاقة الإيجابية القائمة على التكامل بين الطرفين تُسهم بدرجة كبيرة في التأثير على النتاج العلمي والتربوي والنفسي للجيل، بعكس ذلك لو سادت علاقة اللا ثقة بين الطرفين، إذ إنَّ تأثيراتها تتضح في فشل كثير من البرامج التربوية، التي لا يمكن تحقيق نتائجها إلا "بيدين وبكتفين وبخطوتين معاً".

فالبيت والمدرسة ثغران على سور الأمّة، فهل رأيتم ثغرين يتهاجمان؟!
لا بدَّ أن تتكامل جهود الطرفين، المدرسة بما تمثّله من معلمين وإدارة، والبيت بما فيه من ولاة أمر، في أن يصبَّا جهودهما للارتقاء بالنشء خلقياً أولاً وثانياً وثالثاً.. وعلمياً... إلخ.
هذا الأمر قد لا تدركه بعض البيوت، فالجهود التي تبذلها بعض المدارس لا تلقى صدى لدى كثير من الأسرة، بل إنَّ بعض الأسر ـ كما أسلفت من قصص واقعية ـ لا تسهم بأيّ دور في دعم إيجابيات العلاقة بين الطالب أو الطالبة، والمربِّي أو المربِّية، أو في التأكيد على مكانة المعلِّم السامية في نفوس النشء، والدور الأسري في ذلك لا يمكن أن نتجاهله، فالأُسر تستطيع أن ترفع المعلِّم أو المعلِّمة شأواً أو توضع بهم دركاً.
ولو تفهَّمت كلّ أسرة أنَّ جهودها في ذلك تعني جيلاً مقدراً للعمل، مقدراً للعلماء.
ولو استوعبت كلّ أسرة بقطبيها "الأب، الأم" أنَّ ذلك لا يحصل تلقائياً، بل لا بدَّ من أن تحرص على تنشئة النشء عليه، والتأكيد لدى الأبناء "ذكوراً وإناثاً" أنَّ احترام المربين والمربيات احترامٌ للأمهات والآباء؛ لتشابه الأدوار.
ولو أدركت الأسر أنَّ مؤشر التربية لسلوك النشء والناشئات يظهر في التعامل والعلاقة بين الطلاب بعضهم مع بعضهم، ومع معلِّميهم ومعلِّماتهم.. لو أدركت كلّ الأسر ذلك، لما عانت الأمَّة من أزمة تعامل وسلوكيات يؤيدها أو يعارضها مسار النجاح والرسوب سلباً أو إيجاباً، والله الموفق.
 

المصدر : لها أون لاين
 

أفرح الحميضي
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط